قراءة في مواقف الرأي العام الفلسطيني في الضفة وغزة بعد إعلان ترامب
المصدر
Jokopost

•صدر في 12كانون الأول/ديسمبر 2017 الاستطلاع الفصلي للباحث الفلسطيني المعروف د. خليل الشقاقي (مدير معهد المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية)، والذي يتناول مواقف الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة فيما يتعلق بمجموعة من الموضوعات. ولقد أُجري الاستطلاع الأخير بعد مرور يوم على إعلان الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقد طُلب من الفلسطينيين الذين شملهم الاستطلاع التطرق إلى هذه القضية أيضاً. 79% من الذين شملهم الاستطلاع رأوا أن إعلان الرئيس ألحق ضرراً خطِراً بالمصلحة الفلسطينية، و12 % اعتبروا خطره محدوداً. 

•سُئل الذين شملهم الاستطلاع ما هي وسائل الرد الأصح على الإعلان بالنسبة إلى الفلسطينيين، فأجاب 45 % أن الرد الأنسب والمرغوب فيه هو الجمع بين قطع العلاقات بالولايات المتحدة، والتوجه نحو محكمة الجنايات الدولية، واستئناف النضال العنفي ضد إسرائيل (انتفاضة). وهذه نسبة أكبر بكثير من نسبة الذين يؤيدون وسائل رد متعددة وغير عنفية.  وكانت وسيلة الرد التي حظيت بنسبة التأييد الثانية فيما يتعلق بالحجم 27%، هي قطع العلاقة مع الولايات المتحدة، والتوجه إلى المؤسسات الدولية، بما فيها المحكمة الدولية، واستنئاف المقاومة الشعبية اللاعنفية.

•لكن في الواقع، وبعد مرور بضعة أسابيع على الإعلان، لم يشتعل الشارع الفلسطيني كما كان متوقعاً، على الرغم من تصريحات الزعماء الفلسطينيين من السلطة، والدعوات التحريضية والدعوة إلى انتفاضة ثالثة والصادرة عن زعماء حركة "حماس" في قطاع غزة وفي مقدمهم إسماعيل هنية (لم نسمع صوت يحيى السنوار في هذا الخصوص). وأجّج هذه الدعوات الرئيس التركي أردوغان، وكذلك زعماء إيران وزعيم حزب الله، كما دعمها مؤتمر الدول الإسلامية الذي انعقد في اسطنبول.

•لقد كانت الساحة الأكثر التهاباً وعنفاً هي تحديداً القريبة من السياج الحدودي في قطاع غزة، لكن حتى هناك لم تنجح قيادة "حماس" في إثارة حماسة أكثر من نحو 3000 شخص، تجمعوا في عدة أماكن على طول السياج. ظلت القدس الشرقية هادئة نسبياً، وشهدت أنحاء الضفة حوادث متفرقة في أماكن الاحتكاك المعروفة، لكن مجموع الذين شاركوا في هذه الحوادث في شتى أنحاء الضفة كان أقل من 3000 شخص، بينما في العامين الماضيين شهدت القدس الشرقية والضفة الغربية حوادث عنفية وجماهيرية أكبر كثيراً. ويشير عدد الأحداث الضئيل إلى الفجوة الحقيقية بين التصريحات العنيفة والتهيجيّة على المستوى السياسي وفي وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وبين ما يحدث فعلياً على الأرض.

•في الإجمال، نحن نشهد عدم تطابق بين التصريحات السياسية والدعوات التهيجيّة إلى مقاومة شعبية (من جانب قيادة السلطة الفلسطينية) وإلى انتفاضة ثالثة (من جانب قيادة "حماس")، وبين مدى استعداد الجمهور الفلسطيني للتعبئة واستئناف المقاومة الشعبية أو العنفية. وهناك عدة تفسيرات محتملة لذلك.

•أولاً، يوجد فارق بين مواقف الأفراد وبين استعداد هؤلاء الأفراد لتعريض حياتهم للخطر. برز في الاستطلاع عامل رغبة اجتماعية، أشخاص يقدمون إجابات يعتقدون أنه من المتوقع سماعها منهم. أما في وسائل التواصل الاجتماعي فلا يوجد حاجز بين مشاعر الفرد وبين لوحة المفاتيح في جهاز الكومبيوتر. ونتيجة ذلك، في حالات كثيرة، هناك صعوبة في ترجمة المواقف والتصريحات التهيجيّة إلى قدرة على تحريك هؤلاء الأفراد كجماعة.

•ثانياً، هناك التأثر بالهالة - حدوث الاستطلاع في وقت قريب من التصريح من دون أن يتسنى للّذين شملهم الاستطلاع الدخول في تفاصيل الإعلان ودلالاته، وميلهم إلى التأثر بالصراخ اليائس الصادر عن الزعامة الفلسطينية، وتأثرهم بالعرض المتطرف وغير المتوازن لمغزى التصريح. 

•بالإضافة إلى ذلك، برز وسط الجمهور الفلسطيني عدم الثقة بالزعامة الموجودة، "حماس" في قطاع غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبناء على ذلك، برز عدم الاستعداد للاستجابه لدعواتهما أو الدفع قدُماً بسياساتهما، وبدء مقاومة شعبية أو عنفية. في الضفة الغربية يزداد الانطباع أن الزعامة غير مرغوب فيها، وأنها لن تستمر في الكفاح والمقاومة الشعبية وقتاً طويلاً. هذا الشعور تدعمه أرقام هذا الاستطلاع. 49% من الجمهور يعتقدون أن الرئيس عباس سيقبل الخطة التي سيقترحها الأميركيون، في مقابل 42% يعتقدون أن عباس سيرفض الخطة المقترحة.

•بالإضافة إلى ذلك، يتخوف الفلسطينيون من ردة فعل العالم العربي، أو عدم ردة فعله، لأن القضية الفلسطينية لم تعد مهمة ومركزية في نظره كما كانت في الماضي. كما يتخوف كثيرون من الفلسطينيين من أن يجدوا أنفسهم وحدهم في كفاح عنفي ضد إسرائيل. يدعم هذا التفسير نتائج كثيرة في الاستطلاع تُظهر أن أغلبية الفلسطينيين تقدّر أن العالم العربي فقد اهتمامه بالقضية الفلسطينية وتوقف عن تأييدها، وفي تقدير هذه الأغلبية أيضاً أن مصر والسعودية واتحاد الإمارات سيكونون مستعدين لقبول الخطة الأميركية المقترحة.

•ختاماً هناك الإدراك بعدم وجود فرصة للمقاومة العنيفة في مواجهة الجيش الإسرائيلي وأن هذه المقاومة ستُقمع بسرعة وستكبدهم ثمناُ باهظاً، ولا يزال عدد كبير من الفلسطينيين  يتذكر نتائج الانتفاضة الثانية والضرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الضخم الذي لحق بالجمهور الفلسطيني، وهؤلاء لا يعتقدون أن مقاومة عنيفة أُخرى ستحسن وضعهم، والتقدير السائد أن الصحيح هو عكس ذلك. من المعقول أيضاً أن الجمهور الفلسطيني أيضاَ لا يزال يعي  نتائج عملية "الجرف الصامد" في قطاع غزة والأزمة الإنسانية الصعبة هناك، التي من الصعب على قطاع غزة الخروج منها، بينما العالم العربي لا يسارع إلى تقديم المساعدة وكذلك المجتمع الدولي.

•يدل الواقع الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي في الساحة الفلسطينية، مع التشديد على الضفة الغربية، على عدم وجود القوة المطلوبة من أجل نشوب أعمال عنف منظمة على صورة انتفاضة واسعة النطاق. لكن الواقع الفلسطيني يتأثر بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي يمكن أن تؤدي، في أوضاع معينة، إلى نشوء قوى مؤثرة تحرك توجهات وتحركات سيكون من الصعب أن تحتويها السلطة الفلسطينية أو أن تكبحها في الوقت المناسب.

•تشكل الأوضاع التي نشأت بالنسبة إلى "حماس" فرصة من أجل تسريع جهود زعزعة الاستقرار في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية، والتسبب في اندلاع حريق واسع النطاق، يؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية ويُضعف حركة "فتح"، الأمر الذي يؤمّن شروط سيطرة سريعة وكاملة لـ"حماس" على النظام الفلسطيني. 

•يحظى هذا الحافز لدى "حماس" بدعم تركي، يقوده الرئيس التركي أردوغان من خلال تصريحاته النارية والتحريضية، التي يستخدم فيها القدس كأداة كي يمنح نفسه دور زعيم العالم الإسلامي. وينضم إلى حافز "حماس" والدعم التركي جناح الحركة الإسلامية الشمالي في إسرائيل، الذي على الرغم من حظره،  فإنه يواصل العمل والتنظيم والمبادرة. 

•ليس لدى إسرائيل سيطرة على كل هذه التحركات، لكن لديها تأثير، وتفرض المصلحة الإسرائيلية المحافظة على الفجوة بين الخطاب التهيّجي والعنيف وبين العنف المنظم. بناء على ذلك، بالإضافة إلى الجمع المطلوب بين انتشار القوات الواسع على الأرض، وإظهار الحزم، وبالإضافة إلى التفهم بشأن كل ما له علاقة بمعالجة أعمال الشغب والعنف، والسعي لتقليص عدد المصابين قدر الامكان، من المهم جداً الاستمرار في سياسة التمييز والتفريق بين السكان الهادئين  غير المتورطين وبين الجمهور المخل بالأمن والمشجع على الإرهاب. من المهم الاستمرار في العمل على المحافظة على نمط الحياة اليومية للسكان المدنيين في الضفة الغربية، والسماح لهم بحرية الحركة قدر الامكان، بالإضافة إلى حرية التوجه إلى جبل الهيكل [الحرم الفدسي الشريف] ومواصلة العمل في إسرائيل وفي المناطق الصناعية في المستوطنات.

•لكن أكثر من أي شيء آخر، من المهم إيجاد مصلحة مشتركة بين إسرائيل ومصر والأردن بشأن كل ما يتعلق بالسلوك التركي. تركيا ليست عدوة لإسرائيل فقط. إن الروح التي ينفخها الرئيس أردوغان في جناحيْ رئيس السلطة الفلسطينية بعد إعلان الرئيس ترامب، وتحرك تركيا في المنطقة واضح، وبصورة خاصة تأييدها المعلن للإخوان المسلمين، الذي يعتبره المصريون تآمراً على استقرار النظام المصري. كما تشعر مصر بخطورة توقف عملية المصالحة التي تقودها بين "حماس" و"فتح"، بسبب خطر انفجار العنف الذي تشجعه تركيا. الأردن أيضاً لا يشعر بالارتياح حيال تدخل تركيا في الحرم القدسي، الذي يهدف إلى إضعاف مكانة الأردن في هذا المكان. في نظر الرئيس التركي ينتمي الأردن إلى المعسكر السني البراغماتي، الذي تقوده مصر والسعودية، وهو معسكر خصم لمعسكر الإسلام السياسي، الذي يرغب أردوغان في قيادته.

 

•تفرض المصلحة الإسرائيلية تقليص نطاق التأثير التركي في القدس، وخصوصاً في ضوء سلوك الرئيس التركي الذي لا يضيّع مناسبة من دون التحريض ضد إسرائيل بحدة زائدة. إن وجود تركيا بشكل فاعل ومؤثر في القدس معناه أيضاَ ازدياد قوة "حماس" والجناح الشمالي في إسرائيل، لذا يتعين على إسرائيل أن تقلص بصورة كبيرة الوجود والنشاط التركي في القدس. والمطلوب هنا انضمام إسرائيل ومصر والأردن من أجل التنسيق الصامت بشان خطة عمل تؤدي إلى توجيه ضربة كبيرة ضد أي تحرك تركي في المنطقة.