تقرير الأمم المتحدة حول حرب غزة "متوازن نسبياً": تقييم الرئيسة السابقة لدائرة القانون الدولي في الجيش الإسرائيلي
المصدر
المونيتور

•نشر المجلس العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الثلاثاء (22 حزيران/يونيو) تقريراً يتضمن نتائج لجنة تقصي الحقائق حول عملية "الجرف الصامد" في قطاع غزة. وقوبل التقرير في إسرائيل بانتقادات لاذعة من قِبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي دعا إلى تجاهل خلاصات اللجنة، ومن قياديين في معسكري اليمين واليسار الصهيوني. بيد أن خبراء ومعلقين خالفوا رأي السياسيين وقالوا إن التقرير متوازن نسبياً مقارنة بتقرير القاضي غولدستون للعام 2009 حول عملية "الرصاص المصهور". وأوضحوا أنه من وجهة نظر جنائية فلا داعي لأن تقلق إسرائيل من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. 

•المحامية بنينا شرفيت – باروخ، الرائد (احتياط) ، الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي، شغلت سابقاً منصب رئيسة دائرة القانون الدولي في الجيش الإسرائيلي خلال عملية "الرصاص المصبوب"، وتعرضت للنقد من قبل منظمات يسارية بعد نشر تقرير غولدستون الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين. وفي ما يلي تقييمها لتقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة:

س: هل تشاركين التقييم بأن التقرير الحالي ملطّف ومتوازن، مقارنة مع تقرير غولدستون؟

ج: "الانطباع العام هو أن أعضاء اللجنة [الذين أعدوا التقرير] حاولوا أن يكونوا متوازنين. وبحسب رأيي، لو أن القاضي وليام شاباس (الرئيس السابق للّجنة - استقال عقب مزاعم حول علاقاته مع السلطة الفلسطينية) بقي رئيساً للجنة، لكان الوضع مختلفاً كلياً. فقد كانت لديه أجندة معادية لإسرائيل بشكل واضح. لديّ انطباع بأن التقرير مكتوب بحذر، وأنه بناء على المعطيات المعروضة فيه لا يمكن إعداد محضر اتهام جنائي ضد إسرائيل. لا يوجد في التقرير اللهجة القاطعة لتقرير غولدستون. اللجنة تصف تسلس الأحداث، وتبقي مسألة تحديد من هو المذنب معلقة. يأتي التقرير على ذكر 'جرائم حرب'. لكن عموماً، الاتهامات مصاغة بعبارات حذرة. الانطباع أن التقرير متوازن نسبياً نابع من المقارنة مع تقرير غولدستون الذي كان صادماً من جميع النواحي بالنسبة لإسرائيل. فقد نسب تقرير غولدستون إلى إسرائيل 'نية متعمدة لاستهداف المدنيين'. 

"بصورة عامة، وبسبب السابقة التي شكلها تقرير غولدستون، نشأت توقعات بأن هذا التقرير سيكون مشابهاً. ولهذا السبب، نقول إنه أقل سوءاً مما كنا نخشى. ومع ذلك، فالتقرير انتقادي جداً. ومع أنه ينتقد حركة "حماس"، إلا أنه من المستحيل تجاهل الانتقاد الموجه ضد إسرائيل".

"لا أعتقد أنه كانت لدى أعضاء اللجنة أجندة معادية لإسرائيل. ومع ذلك، تلقت اللجنة تكليفها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهي هيئة معروفة بمعاداتها الصريحة لإسرائيل. وبالتالي، هذا ليس تقريراً إيجابياً حول إسرائيل".

س: كيف يتعامل التقرير مع مسألة مهاجمة أهداف عسكرية خلافاً لأهداف مدنية؟

ج: "عندما يعرض التقرير تفاصيل مهاجمة الجيش الإسرائيلي مبان مدنية في قطاع غزة، يشير إلى أنها كانت في بعض الحالات أهدافاً عسكرية. وفي ست حالات، يذكر أنه لا يوجد دليل يثبت أنها كانت أهدافاً عسكرية، مما يعني أن عبء تقديم البرهان على ذلك يقع على إسرائيل. ومع ذلك، يشير مؤلفوه إلى أنهم يدركون أن إسرائيل لا تستطيع كشف مصادرها التي تثبت أن هذه الأبنية كانت في الواقع أهدافاً عسكرية تابعة لحركة "حماس".

س: إلى أي مدى سوف يضر هذا التقرير بصورة إسرائيل؟

ج: "كل تقرير ينتقد إسرائيل من خلال الزعم بأن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن هجمات ضد مدنيين يصبح سلاحاً بيد منتقدينا. ويجوز افتراض أنهم سوف يقتبسون المقاطع الملائمة لهم، وكما تقدم، فهي غير قليلة في التقرير. على سبيل المثال، يلمح أعضاء اللجنة إلى أن 'الجهات العليا في الحكومة الإسرائيلية كانت مسؤولة عن السياسات التي قادت إلى ارتكاب جرائم حرب'. وهناك وصف لاستخدام للقوة غير متناسب [مع ما صدر عن الطرف الآخر]، وإطلاق نار دون تمييز. سيحتل هذا التقرير مكانه ضمن لائحة الانتقادات الموجهة ضد إسرائيل. وهذا أمر غير مفاجئ".

س: ماذا بشأن التعليلات التي قدمها بعض الشهود الإسرائيليين؟ هل أخذها التقرير في الاعتبار؟ 

ج: "التقرير يتيح مجالاً لشرح معظم الأمور، وهو من ناحيته يقدم بعض التعليلات. وينبغي درس بعض انتقاداته بالتأكيد. لا تختلف هذه الانتقادات عن تلك التي قد توجه إلى أي جيش آخر في حالة مماثلة، فجميع الجيوش الأخرى تستخدم المدفعية. وعندما يتعلق الأمر بقواعد القتال الأساسية التي تنطبق علينا، لا يتصرف الجيش الإسرائيلي بطريقة مختلفة عن أي جيش آخر".

س: هل أخطأت إسرائيل الرسمية عندما رفضت التعاون مع لجنة التحقيق، وعندما قالت إن نتائج التقرير معروفة سلفاً؟

ج: "أعتقد أنه حتى في ظل غياب أي تعاون رسمي، جرى إيصال معطيات بطرق غير مباشرة، وكانت هناك سبل لإسماع موقفنا. في المحصلة، استمعت اللجنة إلى إسرائيليين. لكن المشكلة هي أننا نتكلم عن هيئة تحقيق هي في الأساس معادية لإسرائيل. وحسب رأيي، خضع أعضاء اللجنة لضغوط خارجية، لأنه فجأة، تلمح استنتاجات التقرير إلى أن سياسة الجيش الإسرائيلي تقضي باستهداف مدنيين". 

س: بوصفك خريجة عملية "الرصاص المصهور" وتقرير غولدستون الذي صدم إسرائيل بقسوته، هل تعتقدين أنه من ناحية إسرائيل جرى تطبيق جزء من الدروس المستخلصة بخصوص الدعاية، ولعل هذا ما أفضى إلى أن يكون التقرير الحالي أكثر توازناً؟

ج: "بالتأكيد. جرى تحسين بعض الأمور. على سبيل المثال، أحد الدروس المستفادة من تقرير غولدستون يتعلق بالتوثيق. فقد كنا ضعفاء جداً على صعيد التوثيق إبان عملية "الرصاص المصهور". أما بعد أن أصبح لدينا توثيق حول عمليات إطلاق نار من داخل مستشفيات، فهذا يغير الوضع، لأنه لا يمكن دحض هذا النوع من الأدلة. ولذا أعتقد أن مسألة التوثيق تحسنت كثيراً منذ عملية "الرصاص المصهور"، وأنهم في الجيش الإسرائيلي باتوا يدركون أهميتها. أما بالنسبة لعدم تناسب القتال في مناطق مدنية، فلم يحدث تغيير كبير من قبلنا، لأن التمييز والاحتياطات التي نأخذها كانت قائمة أيضاً آنذاك".

س: كيف ينظرون في إسرائيل إلى حقيقة أن التقرير ينتقد حركة حماس أيضاً؟

 

ج: "إلى حد ما، نحن راضون عن انتقادهم لحركة حماس أيضاً، لأنهم في العادة يركزون على إسرائيل، ويحملونها كل الذنوب. وفي هذا التقرير، يشيرون على سبيل المثال إلى أن حماس أطلقت أكثر من 4800 صاروخ وأكثر من 1700 قذيفة هاون تسببت بسقوط قتلى وجرحى من المدنيين الإسرائيليين. ثم، بالطبع، تقوم اللجنة بتعداد الخسائر والإصابات في صفوف المدنيين الفلسطينيين وتشمل أكثر من 700 قتيل من المدنيين. فعلى الرغم من أن جميع الاتهامات بأننا تعمدنا إلحاق الأذى بمدنيين لا أساس لها من الصحة، إلا أن الحقائق تتكلم بحد ذاتها ولا نستطيع القيام بشيء حيال هذا الأمر. إن جهودنا للإقناع بأننا الضحية محكوم عليها بالفشل سلفاً. إنه أمر محبط وصعب".