نهاية الأردن كما نعرفه؟
المصدر
Israel journal of foreign Affairs
المؤلف

وُلدت بعض الدول عبر التاريخ من رحم الحروب والدم والدمار، بينما نشأت دول أخرى بفعل مداولات ضباط المستعمرات الذين رسموا حدودها بالمسطرة والقلم على الخرائط في مكاتبهم، وإلى هذه الفئة الثانية تنتمي المملكة الأردنية الهاشمية، وكذلك تنتمي جارتاها، سورية والعراق. طبعاً، قد يعترض البعض قائلاً إن آلاف العرب قاتلوا وقُتلوا خلال الحرب العالمية الأولى، بعدما قرر الشريف حسين، شريف مكة، التحالف مع الإمبراطورية البريطانية ضد العثمانيين، لكن مع ذلك، سيواصل المؤرخون التساؤل عمّا إذا كان إنشاء ثلاث دول يستحق كل هذه التضحيات. ولا جدال اليوم بشأن التحديات الحالية التي تواجهها هذه الدول، وذلك في معمعة الاضطراب الذي يهدد بانهيار النظام السياسي للشرق الأوسط، على نحو ما تشكل في أعقاب الحرب الكبرى [الحرب العالمية الأولى]، واستمر عدة أجيال.

ولادة الأردن

في مطلع سنة 1921، عُيّن ونستون تشرشل وزيراً للمستعمرات في الحكومة البريطانية، وبعد أيام معدودة على تكليفه بمنصبه هذا، غادر للمشاركة في مؤتمر القاهرة، الذي حضره كبار الدبلوماسيين والضباط الذين يخدمون جلالة الملك في منطقة الشرق الأوسط. وسرعان ما أنشأ تشرشل دائرة لشؤون الشرق الأوسط، باعتبارها الذراع الإدارية لإدارة شؤون بلاد ما بين النهرين وفلسطين، ولم يكن اللورد كرزون، وزير الخارجية البريطانية، مخطئاً عندما رأى أن هذه الدائرة الجديدة ستسمح لتشرشل بإدارة شؤون الإمبراطورية البريطانية في كافة أنحاء المنطقة، إذ إنها ارتكزت، بصورة كبيرة، على تجربة الكولونيل لورنس (لورنس العرب) وضابطين بريطانيين آخرين. وقبل المغادرة إلى مصر، قدم الضباط الثلاثة إلى تشرشل مذكرة تضمنت التوصيات التالية: "... إنشاء نظام للحكم شرقي الأردن مختلف عن النظام القائم على الضفة الأخرى للنهر. ووفاء للوعود التي قطعتها بريطانيا، ينبغي أن يكون نظام الحكم عربي الطابع. ونحن نرى أنه من الأفضل أن يكون مركزياً وبإمرة حاكم عربي مقبول من حكومة جلالته، ويعمل بنصيحتها في الأمور المهمة."[1]

تجاهل تشرشل الكتاب الذي قدمه الدكتور حايم وايزمن، زعيم الحركة الصهيونية، والذي طالب فيه بأن تمتد حدود الانتداب البريطاني على فلسطين وصولاً إلى خط سكة حديد الحجاز، لكنه قَبِل بتوصيات الضباط الثلاثة الموثوقين لجهة الفصل سياسياً بين ضفتي نهر الأردن. وعبثاً سافر السير هربرت صموئيل، أول مندوب سام في فلسطين، إلى القاهرة في محاولة يائسة للحؤول دون فصل أراضي الضفتين.

وقد غادر تشرشل القاهرة متجهاً إلى فلسطين، حيث قابل الأمير عبد الله ابن الشريف حسين، الذي نصب نفسه أميراً على المنطقة الواقعة شرقي الأردن. وبعد عدة لقاءات، اقتنع عبد الله بسهولة بالمقترحات البريطانية، وطالب بدون إلحاح بأن تشمل ولايته الأراضي القائمة على الضفة الأخرى لنهر الأردن، لكن البريطانيين رفضوا هذا الطلب بدون نقاش.

تسعون عاماً من المشكلات الاقتصادية

إن السهولة التي أنشئ فيها الأردن لم تكن تسمح بالتنبؤ بعقود من التقلبات والأزمات التي عانى منها الحكام الهاشميون في محاولاتهم الحثيثة للحفاظ على سلامة المملكة. وهذا الأمر ينسحب على العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي اضطُر إلى مواجهة مشكلة الأردن المزمنة – أي استيعاب موجات اللاجئين الهاربين من النزاعات المسلحة التي لم يكن الأردن طرفاً فيها كلها. ففي خمسة أعوام متعاقبة، استقبل الأردن قرابة ثلاثة ملايين لاجئ.

ولا توفر "دائرة الإحصاءات العامة" للمملكة الأردنية الهاشمية أية بيانات وأرقام عن عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين بالأردن. مع ذلك، ونتيجة موجات النزوح [التهجير] الرئيسية (1948، 1967، 1991)، أصبح الفلسطينيون يمثلون أغلبية السكان المقيمين الذين قُدّر عددهم بنحو 6,25 مليون نسمة في نهاية سنة 2011. لكن، خلافاً لنحو نصف مليون عراقي لجأوا إلى الأردن في أعقاب حرب 1991 وحروب 2003، وبخلاف اللاجئين السوريين البالغ عددهم 175,000 والذين هربوا من حمام الدم في بلدهم، فإن الفلسطينيين هم مواطنون أردنيون يتمتعون بكامل الحقوق السياسية والمدنية، وهذه حقيقة حاضرة وحاسمة على الدوام، وهي توجه مسار السياستين الداخلية والخارجية للأردن.

ولقد شكلت موجات النزوح الأخيرة ضغوطاً بعيدة الأثر على اقتصاد الأردن الهش أصلاً. فالفوضى وعدم اليقين السياسي السائدين في كل من العراق وسورية لن يزولا في المستقبل المنظور، وهذا يزيد في الإلحاح من أجل إيجاد حلول دائمة لمشكلات السكن، والتعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل للاجئين الباحثين عن ملاذ آمن في المملكة. وبمعزل عن الظروف الفريدة للحالة الراهنة – استيعاب آلاف اللاجئين في فترة زمنية قصيرة- اضطُر الأردن إلى التصارع مع تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية، ومن بينها ارتفاع أسعار النفط والسلع الغذائية الأساسية، وهذا ما دفع صندوق النقد الدولي، وتقديراً لدقة الوضعين السياسي والاقتصادي في الأردن، إلى منح المملكة قرضاً بقيمة ملياري دولار - يتجاوز بكثير حقوق السحب الخاصة للمملكة.[2]

ويُضاف هذا القرض إلى المنحة بقيمة 700 مليون دولار التي قدمتها واشنطن سنة 2012، والمنحة بقيمة 1,25 مليار دولار التي قدمتها بعض دول مجلس التعاون الخليجي إلى الصندوق الخاص بدعم الاقتصاد الأردني [ضمن مبادرة الصندوق الخليجي للتنمية]، وتقدر قيمة منحة الصندوق المرصودة بنحو 5 مليارات دولار تُقدم إلى الأردن على مدى خمسة أعوام. كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم منح لدعم [الميزانية العامة] الأردنية. وتمثل هذه الجهود مستوى لافتاً من المساعدة من شأنه أن يريح الوضع الاقتصادي في المديين القصير والمتوسط. وإذا تمت إدارة هذه الصناديق كما ينبغي، فمن شأنها أن تقطع شوطاً بعيداً في مجال تخفيف النقمة الشعبية ضد الحكومة والديوان الملكي. ففي الأعوام الأخيرة، سادت النقمة شرائح مجتمعية شكلت في السابق دعائم للنظام، ومن هنا، قد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لمعالجة الأوضاع.

ضغوط سياسية جديدة

وبينما يحاول الأردن التغلب على مشكلاته الاقتصادية والديموغرافية، نراه اليوم يخوض أيضاً معركة سياسية محلية هي جزء من اليقظة العربية التي تكتسح المنطقة، مع تميزها بأبعادها المحلية الخاصة. فقد كان عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني من أوائل الحكام العرب الذين أدركوا الطبيعة المتفجرة للاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط، كما كان أول من أجرى إصلاحات سياسية. لكن، خلافاً للدول العربية الأخرى التي شهدت إصلاحات، مثل تونس والمغرب، فمن شأن إصلاحات سياسية بعيدة المدى [في الأردن] أن تهدد كيان، لا بل وجود هذه الدولة التي هي صنيعة تشرشل، والمسماة الأردن.

وعلى الرغم من أوجه القصور كافة، فإن الفضل في الحفاظ على وحدة الأردن وعلى سلامة أراضيه مرده إلى الملكية المطلقة، فقد كان الأردن يسيطر فعلياً على الضفة الغربية في الفترة 1948 – 1967، لكنه جُرّد منها في أعقاب حرب الأيام الستة سنة 1967. وقد تكون خسارة الضفة الغربية هي التي أخّرت هذه المعضلة الوجودية التي تواجهها المملكة الهاشمية حالياً. 

وفي محاولة للإبقاء على مظهر "الاستقامة السياسية" الديمقراطية من جهة، والامتيازات السياسية المعطاة للمجتمع العشائري البدوي (مجتمع ما قبل مرحلة 1948-1967 التي شهدت تدفق اللاجئين الفلسطينيين) من جهة أخرى، جرى تطوير نظام "مقترع واحد، صوت واحد" الانتخابي. لكن، إذا كان صوت الناخب الفلسطيني مساو لصوت الناخب البدوي، فإن تمثيلهما في البرلمان ليس متساوياً، إذ تم تشويه القاعدة التمثيلية عن قصد لإبقاء الأغلبية البرلمانية العظمى في يد الشرائح المجتمعية غير الفلسطينية، التي تشكل أقلية سكانية. وهذا يتم عن طريق التمثيل غير المتكافئ الذي يمنح حصة تمثيلية كبيرة لمناطق مأهولة بعدد قليل من السكان، ولا سيما جنوبي عمّان، والتي تشكل القاعدة البدوية الداعمة للنظام، الأمر الذي يعدّ غير منصف بحق الناخبين في كل من عمّان، وإربد، والزرقاء، حيث يتم اختصار الصوت الفلسطيني بعدد قليل من المقاعد البرلمانية. فعلى سبيل المثال، خُصصت 4 مقاعد لبلدة الطفيلة في الجنوب، في حين أن العاصمة عمّان، التي يبلغ عدد سكانها 30 ضعفاً عدد سكان الطفيلة، فقد خُصص لها 23 مقعداً فقط.

وسيخضع قانون الانتخاب لبعض التعديلات التي اقترحتها الحكومة وأقرها البرلمان، فقد وافق العاهل الأردني على السماح للأحزاب الوطنية بالترشح، وعلى رفع عدد المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية المفتوحة على مستوى الوطن من 17 إلى 27 نائباً من مجموع مقاعد مجلس النواب الأردني البالغ 150 مقعداً. لكن هذه التعديلات لا تلبي رغبات المعارضة التي تطالب برفع عدد المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية إلى نصف عدد مقاعد المجلس، وهذه هي مطالب جماعة المعارضة الرئيسية، أي "جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. ومن المتوقع أن تخرج جماعة الإخوان منتصرة من أي نظام انتخابي يسمح للأحزاب بالترشح على المستوى الوطني. وحتى هذه اللحظة، أعربت جميع أحزاب المعارضة، وهي في ازدياد مستمر، عن أنها تتجه إلى مقاطعة الانتخابات المقرر إجراؤها تحت إشراف كل من عاهل الأردن وهيئة مستقلة للانتخاب قبل نهاية سنة 2012.

وفي مقابلة حديثة [مع وكالة الأنباء الفرنسية] خاطب العاهل الأردني جماعة الإخوان المسلمين مباشرة، فقال إنهم "يسيئون تقدير حساباتهم بشكل كبير"، واعترف أن الإصلاحات غير كافية، وأن "قانون الانتخاب الحالي ليس مثالياً." لكنه أكد أن ثلثي الأردنيين يؤيدونه، موضحاً أنه "لا يمكن تفصيل قانون على قياس حزب سياسي واحد أو مجموعة تشكل أقلية، لكن صوتها هو الأعلى."[3]

وبذا يكون العاهل الأردني قد أخذ قراره، على أن يبقى الأمر متروكاً الآن لجماعة الإخوان لتقرر ما إذا كانت تملك القدرة والتأييد السياسي الكافيين لتصعيد المواجهة مع النظام في محاولة للحصول على تنازلات إضافية في قانون الانتخاب.

مباراة المعركة الملكية Battle Royale

بالتأكيد، إن هذه المعركة ليست على مقاعد مجلس النواب الأردني، أو حتى على طريقة انتخاب النواب الجدد، وإنما هي على مستقبل الأردن – كما أنها ستحدد من سيحكم الأردن في الغد. من هنا فإن قدرة العاهل الأردني عبد الله الثاني على الحفاظ على الدور وعلى السلطات التي فصّلها تشرشل على مقاس جده عبد الله الأول، باتت على المحك. بيد أن الوضع هو أكثر تعقيداً مما يبدو عليه، وخصوصاً عندما نتذكر كيف رُسمت حدود الأردن بالمسطرة والقلم على خرائط الصحراء، فالمسألة هنا لا تتعلق فقط بمستقبل المملكة والعاهل، بل هي متصلة بمستقبل اتفاقية سايكس- بيكو البريطانية - الفرنسية (بمساعدة روسيا) لعام 1915-1916، والتي تشكل أساس المشهد السياسي الحالي لمنطقة الشرق الأوسط.

لقد هزت الانتفاضة العربية التي اندلعت في مطلع سنة 2011 الدول العربية من شمال إفريقيا وصولاً إلى الهلال الخصيب، وأدت إلى تغيير أنظمة الحكم في بعض الدول، كما أنها أوصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في بلدين على الأقل. في الواقع، لم تتغير حتى الآن معالم حدود أية دولة في منطقة الشرق الأوسط نتيجة حالة الغليان التي تسودها منذ نحو ثمانية عشر شهراً، لكن بدأت تبرز حقائق جيوسياسية جديدة، فالعراق أصبح، بحكم الواقع، كونفيدرالية، حتى لو ظل يحافظ على قشرة رقيقة من مظاهر الدولة الواحدة، وسورية قد تواجه المصير ذاته بعد سقوط نظام الأسد، أمّا حكومة "حماس" في قطاع غزة فهي آخذة في الانفصال بالتدريج عن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية (بتشجيع من جارتيها، إسرائيل ومصر)، وهي تبدي رغبة في التحالف مع مصر في ظل حكومة الإخوان المسلمين.

فهل يكون الأردن هو التالي؟ إن التطورات المذكورة آنفاً معروفة جيداً، ويُنظر إليها بعين القلق أو الرجاء، ومن شأنها - ولا سيما التطورات التي تحدث في مصر- أن تشدّ أزر قادة الإخوان المسلمين في الأردن. وعلى الرغم من قلق العاهل الأردني من مقاطعة القوى السياسية للانتخابات البرلمانية، فإنه على الأقل مطمئن إلى أن قلة من أحزاب المعارضة نزلت إلى الشارع، وحتى الآن، لا يوجد في عمّان نظير لميدان التحرير. وفي حال تبنى طرفا الانقسام السياسي الأردني موقفاً رصيناً، وإذا ما تمكنت مصر من تليين موقف الإخوان في الأردن، فقد يتم التوصل إلى صيغة تسوية، وبالتالي العودة عن مقاطعة الانتخابات، ذلك بأن الملك عبد الله الثاني أعرب، في المقابلة نفسها، عن رغبته في طرح إصلاحات إضافية في الدورة المقبلة من الانتخابات البرلمانية.

إن المنح السخية من جانب كل من صندوق النقد الدولي، والولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الخليجية المنتجة للنفط، جعلت العاهل الأردني يتنفس الصعداء، ذلك بأن الموارد المالية التي وُضعت في تصرفه من شأنها أن تخلق فرص عمل كثيرة في المدى القصير، والمتوسط، والبعيد، شرط أن تُدار هذه الأموال بصرامة لتفادي الفساد والهدر وسوء الإدارة.

وربما يستطيع العاهل الأردني إدارة المشكلات والأزمات المحلية عبر استخدام القبضة المخملية – أي عبر الاستخدام الحصيف للسلطة، وعبر الإدارة الحريصة للمال العام، وأيضاً عبر تنفيذ إصلاحات سياسية. طبعاً، لا يستطيع الملك التحكم بجميع التطورات الجارية في البيئة المحيطة بدولته، فبالكاد استطاع جده أو والده تجنب العواصف الإقليمية، وقد تمكنا من تجاوز معاناتهما بفضل المساعدة السياسية والعسكرية البريطانية بادئ ذي بدء، والأميركية فيما بعد. وكغيره من حكام دول منطقة الشرق الأوسط، قد يتساءل العاهل الأردني عمّا إذا كان في إمكانه توقع مساعدة إضافية من واشنطن، فضلاً عن الأموال والعتاد العسكري.

وجهة نظر إسرائيلية

أدت الانتفاضة العربية إلى تدهور الميزان الجيوستراتيجي لإسرائيل، وعلى الرغم من السلام البارد للغاية الذي كان قائماً بينها وبين مصر، وبينها وبين الأردن، فقد كان لقادة إسرائيل محاورون يمكن التباحث معهم بعقلانية، وقد خلّف سقوط نظام مبارك فراغاً كبيراً في هذا الصدد. وفي الواقع، بدأ هذا الحزام الاستراتيجي يضعف منذ سنة 2010، عندما انقطعت العلاقات، بصورة مفاجئة، وخصوصاً علاقات التعاون الأمني، بين إسرائيل وتركيا.

كذلك تردت العلاقات بين الأردن وإسرائيل، وأصبحت تقتصر فقط على الاتصالات بين الأجهزة الأمنية للبلدين. كما أن العاهل الأردني لا ينفك ينتقد الحكومة الإسرائيلية لانعدام التقدم في المسار السياسي مع الفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، وفي المقابلة المذكورة أعلاه، اتهم الملك عبد الله الثاني إسرائيل بممارسة الضغط على الشركاء المحتملين [الدول] الذين يمكنهم أن يساعدوا الأردن في تطوير برنامجه النووي السلمي. وبمعزل عن الضغوط الإسرائيلية، فإن عمّان، وبالنظر إلى الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها، هي غير قادرة حالياً على تحمل نفقات مشروع بمليارات الدولارات، لكن قرار العاهل الأردني إلقاء اللوم على إسرائيل هو أبلغ دليل على تردي العلاقات بين الدولتين.

تشكل التطورات الحالية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط مدعاة للقلق في كل من عمّان والقدس، ولذا على هذين الطرفين أن يحافظا على مستوى عال من الحوار بشأن المسألة سورية، والمسألة الفلسطينية، وسطوة الأنظمة الأصولية في المنطقة. وحسناً تفعل إسرائيل لو أنها تساعد الأردن اقتصادياً قدر المستطاع، فعلى سبيل المثال، تستطيع إسرائيل أن تساعد الأردن على حل المشكلات المتعلقة بنقص المياه لديه. وينبغي أن يمتنع القادة الإسرائيليون من الرد على تصريحات العاهل الأردني الاستفزازية، مثلما فعلوا إزاء ملاحظاته المتعلقة بالبرنامج النووي، والأهم، تلك المتعلقة بمسار السلام الفلسطيني - الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن بعض انتقادات العاهل الأردني لإسرائيل قد تكون مبررة، فإن تقويمه لقوة أبو مازن السياسية ولقدرته على إجراء مفاوضات جدية، لا يختلف كثيراً عن التقويم الإسرائيلي. وبغض النظر عن التوترات الحالية بين الدولتين، فإن على إسرائيل أن تدعم الاستقرار السياسي في الأردن ودوام النظام الحالي الحاكم. وقد يجادل البعض بالقول إن الأردن واجه في السنوات 1948 و1967 و1970 أزمات وجودية أكثر خطورة، لكن، لم يحدث أن واجه الأردن ظروفاً سلبية، داخلية وإقليمية ودولية مجتمعة، على هذا النحو. فمن أجل إنقاذ المملكة الهاشمية والإبقاء عليها كما نعرفها، يحتاج الملك عبد الله الثاني إلى كل ما أمكنه من الحكمة، والشجاعة، والقدرة على المناورة التي ورثها عن أجداده.

- نقلته عن الإنكليزية: يولا البطل.

[1] انظر كتاب مارتن غيلبيرت:

 Martin Gilbert, “Winston S. Churchill”, Vol. IV, 1917-1921 (London, 1975), pp. 538-539. 

[2] أنظر: IMF Survey online, August 3,2012; www.imf.org

[3] مقابلة العاهل الأردني مع وكالة فرانس برس، في 12/9/2012.