معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
مدخل
في الوقت الذي تتوجه فيه الأنظار إلى مناطق أخرى في العالم، تواصل إيران تطوير برنامجها النووي بصورة مضطردة. فقد تطرقت دراسات عديدة إلى الأسباب التي تدعو إيران إلى تملك السلاح النووي. ومن الأسباب الشائعة التي قُدمت من أجل تفسير رغبة إيران في الحصول على قدرات نووية عسكرية هي: رؤيتها للتهديدات المحدقة بها، وطموحاتها للهيمنة الإقليمية، والمحافظة على النظام الحاكم.
ونظراً إلى أن إنتاج سلاح نووي هو في الأساس قرار سياسي، فإن هذا المقال يعرض بادىء ذي بدء قدرات إيران النووية، ثم يتناول الخيارات المتاحة أمام إيران، ومدلولاتها، وسبل المواجهة الفاعلة أو السلبية لهذه القدرات، وانعكاسات "إيران نووية" على دولة إسرائيل. وسنكتفي في هذا النقاش بطرح الخطوط العريضة.
قدرات إيران النووية
تمتلك إيران القدرة على تخصيب اليورانيوم بأية نسبة تختارها. وبحلول أواسط آب/أغسطس 2011، كانت إيران قد خصّبت أكثر من 4,5 طن متري من اليورانيوم، وأنتجت وقوداً مخصباً بنسبة 3,5٪ من نظير اليورانيوم 235. كما جرى تخصيب 320 كيلوغراماً بنسبة 20٪.([1]) ويتطلب إنتاج 25 كيلوغراماً من معدن اليورانيوم المخصَّب بنسبة 90٪، إذا افترضنا أن هذه هي الكمية الضرورية لإنتاج النواة الأولى، قرابةَ 1,3 طن متري من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 3,5٪.([2]) وإذا كانت نقطة الانطلاق هي اليورانيوم المخصب بنسبة 20٪، تكون ثمة حاجة إلى 0,19 طن متري فقط من هذه المواد. كذلك فإن الانتقال من تخصيب بمستوى 20٪ إلى تخصيب بنسبة 90٪ قصير جداً زمنياً من المنظور التقني، فإذا أخذنا في الحسبان كل المعلومات المتاحة، يتبين لنا أن لدى إيران اليوم الإمكانية لإنتاج أربع أنوية من الأجهزة المتفجرة النووية. ولا يأخذ هذا التقدير في الحسبان إمكان إنتاج مواد قابلة للانشطار في منشآت سرية وغير معلنة، أو إمكان حصول إيران على مواد من مصادر خارجية.
ثمة حاجة إلى خطوتين إضافيتين لتحويل المواد الانشطارية إلى أسلحة نووية، هما: إنتاج جهاز التفجير، وتركيبه في رأس حربي متفجر، أي في قنبلة محمولة بالطائرات أو بالصواريخ البالستية. وعلى الرغم من شح الأدلة، هناك مؤشرات قوية، ومن بينها تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن إيران تعمل جاهدة على تطوير الآلية الناسفة ومنظومة الإطلاق. وعلى أي حال، فمن المعروف أن المدة المطلوبة لاستكمال هاتين الخطوتين قصيرة قياساً بالمرحلة الأولى، أي بعملية التخصيب المعقدة.
وعليه، يبدو أن كل ما تحتاجه إيران للحصول على قدرات نووية هو قرار سياسي باستخدام احتياطي اليورانيوم المخصب بدرجة 3,5٪ وبدرجة 20٪، وتخصيبه بالدرجة العالية المطلوبة، أي بنسبة 90٪ تقريباً. وعلى الرغم من اختلاف التقديرات بشأن المدة الزمنية المطلوبة لإيران لتحقيق هذا الهدف، بعد أن تأخذ قراراً في هذا الشأن، فإن الرأي السائد هو أن إيران تحتاج إلى أشهر عديدة لإنتاج القنبلة الأولى، ولمدة أقصر بكثير لإنتاج كل قنبلة إضافية.([3]) ولا شك في أن إيران ستواصل التخصيب، وستزيد من وتيرته، ولا شك أيضاً في أن محققي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيكشفون في نهاية الأمر سيناريو هذا "الاختراق" إذا واصلوا عمليات التفتيش للمنشآت النووية الإيرانية. لكن، وبسبب الصعوبات الملازمة للتحقق من نتائج التفتيش، قد يطول كثيراً الفارق الزمني بين الأنشطة الفعلية في هذه المنشآت من جهة، وبين كتابة تقارير الوكالة الدولية بشأن هذه الأنشطة من جهة أخرى.
وبناء عليه، من الواضح أنه إذا قررت القيادة الإيرانية مواصلة المسار النووي سيصبح لديها قنبلة نووية عملانية واحدة أو اثنتين في غضون عام من تاريخ اتخاذها هذا القرار. ولقد بلغت إيران ما بلغته في أواسط سنة 2011، وسيشكل هذا قاعدة لما سيحدث في المستقبل. وإذا لم تقدم إيران على أي خطوة لتغيير وضعها النووي الحالي، قد يستمر هذا التقويم للأعوام المقبلة. وإذا ما اقترن هذا البرنامج النووي مع البرنامج الصاروخي الإيراني، الذي تم التحقق منه، فمن شأن السلاح النووي الذي ستمتلكه أن يصل مداه إلى جميع دول غرب آسيا، وإلى جنوب روسيا، وجنوب شرق أوروبا – وهذا احتمال مخيف.
سيناريوهات ممكنة للمستقبل: الخيارات الإيرانية
إن محاولة التنبؤ بخطوات إيران المستقبلية أمر شبه مستحيل. وتدل كل المؤشرات على أن إيران آخذة في امتلاك القدرات التقنية المطلوبة لإنتاج السلاح النووي. ومع ذلك، فإن محاولة تخمين ما ستقدم عليه إيران محكومة بالفشل. وفيما يلي تلخيص للآراء بشأن خيارات إيران. وفي حين أن بعضها نوقش في الماضي، تبدو الخيارات الأخرى صالحة للزمن الحالي:(ن[4])
- يحتمل أن تواصل إيران مسارها الحالي: أي أن تواصل إنتاج كميات من اليورانيوم المخصب بدرجة منخفضة، بنسب 3,5٪ و20٪، تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. غير أن مسؤولين إيرانيين بدأوا مؤخراً باعتماد سياسة الغموض النووي.([5]) نظرياً، قد يستمر هذا الوضع طويلاً، وهو يتيح لإيران تكوين احتياطي متزايد من اليورانيوم ذي التخصيب المتدني من دون خرق فاضح لحدود الأنشطة المسموح بها.
- قد يكون لإيران برنامج موازٍ وسري لتخصيب اليورانيوم، أو لعلها تمكنت من إخفاء مواد خضعت للتفتيش ومن إنتاج مواد قابلة للانشطار.
- قد يقرر حكام إيران صراحة تطوير قدراتها النووية، وقد يعلنون، إذا نشأت ظروف مؤاتية (على سبيل المثال، خطر ملموس يهدد دولتهم)، أن إيران ستنتج سلاحاً نووياً لتعزيز أمنها القومي، وقد تهدد بالخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية NPT، أو الخروج منها فعلاً.([6]) وعلى الرغم من أن الخروج من هذه المعاهدة لن يضع حداً لعمليات التفتيش التي يقوم بها محققو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلاّ إنه يُصعّب مهمة المفتشين، ويطيل زمن وصول الإنذار إلى العالم في حال حصول "اختراق" نووي إيراني.
- سواء في المرحلة المقبلة أو في مرحلة لاحقة، تستطيع إيران أن تنفّذ تجربة نووية تحت الأرض، وبذلك تعلن للعالم بأسره قدراتها النووية من دون القيام بعمل عدائي مكشوف ضد أي دولة أجنبية. وفي هذه الحالة، تخرق إيران عدة معاهدات وتعهدات، ولا سيما معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية NPT، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية CTBT، اللتين وقّعتهما إيران.
- إذا استمر الوضع الحالي في الشرق الأوسط على ما هو عليه في أواسط سنة 2011، وحافظ الرئيس السوري [بشار] الأسد على نظامه، فقد تندفع كل من سورية وإيران إلى تعزيز علاقاتهما وتوسيعها لتشمل التعاون النووي العسكري، وربما الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال تمركز قوات نووية إيرانية على الأراضي السورية.
- هناك احتمال آخر، حظوظ حدوثه ضئيلة، لكن لا يسعنا استبعاده كلياً، وهو أن تقوم إيران بنقل أجهزة تفجير نووية إلى المنظمات الإرهابية المدعومة منها، مثل حزب الله أو حركة "حماس". وعلى الرغم من ضآلة هذا الاحتمال، إلاّ إنه لا يجوز استبعاده. فمن شأن التهديد بالابتزاز من جانب هاتين المنظمتين (حتى من دون أن يعزى هذا التهديد إلى إيران) أن يحدث فوضى في منطقة الشرق الأوسط.
هل ستستعمل إيران سلاحها النووي ضد دولة أخرى؟ يقول المنطق البسيط إن السلاح النووي هو أداة ردع أساساً. ويزعم باحثون عديدون أن قادة النظام الإيراني هم أشخاص عقلانيون، يتصرفون بموجب اعتبارات عقلانية. وعلى ضوء تجربة الماضي، فإن عملية صنع القرار في إيران، والمنطق الذي يتحكم بزعمائها، يتطلبان دراسة معمقة. لكن، يمكن ألاّ تكون عقلانية زعماء إيران مطابقة للعقلانية الغربية التقليدية.([7])
مواجهة الوضع
لقد انتهت المرحلة الأولى القاضية بمنع إيران من الحصول على قدرات نووية، إذ نجحت إيران في تحقيق هذا الهدف. وحتى لو توقفت إيران عن تطوير قدراتها النووية، فمن غير الواقعي إعادة العجلة إلى الوراء . ومن الآن فصاعداً، فإن مواجهة الوضع تعني الحيلولة دون حدوث تدهور إضافي، والجهوزية لمعالجة التطورات الممكنة، سواء في المجال السياسي أو في المجال العسكري، في حال قررت إيران استغلال طاقتها الكامنة لتحقيق مكاسب سياسية، أو قررت إنتاج السلاح النووي. وكما سنذكر لاحقاً، فإن من شأن تغيير نظام الحكم في إيران أن يحقق الغاية المنشودة، لكن لا شيء يضمن حدوث هذا الأمر.
مواجهة إيران نووية: منع تدهور الوضع
إن التسبب بمشكلات تقنية للبرنامج النووي له فوائد تكتيكية، لكن مع مرور الوقت تتآكل هذه الفوائد بالتدريج، ولا سيما مع تزايد الإنجازات التي تحققها إيران. وعليه، من أجل أن يكون لهذه المشكلات التقنية تأثير حقيقي ينبغي أن يجري توسيعها قياساً بالإنجازات الإيرانية.
ظاهرياً، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جولات من العقوبات على إيران، معظمها على الصعيد الاقتصادي، وبعضها الآخر استهدف منع إيران من تحسين قدراتها التقنية. ومن طبيعة العقوبات الاقتصادية أنها لا تؤتي ثمارها إلاّ على المدى البعيد، كما أن نجاحها ليس مضموناً، وتأثيرها الحقيقي في المشروع النووي الإيراني غير واضح.([8]) وعلى الرغم من قيام عدد من الدول المهمة بفرض عقوبات على إيران أشد من تلك التي فرضها مجلس الأمن، فإن هناك دولاً أخرى، مثل روسيا والصين، لم تفعل الكثير، الأمر الذي سمح لإيران بمواصلة مشروعها.([9]) وعلى الرغم أن العقوبات تؤثر على إيران من الناحية الاقتصادية، فإن الضغط الدولي عليها لم يؤثر بصورة كبيرة في تقدم مشروعها النووي، ولا سيما في الجزء الظاهر للعيان، أي إنتاج المواد المخصبة. كذلك لم يعد في إمكان الضغط الدولي وقف الشق العسكري للمشروع النووي الإيراني، وكل الكلام الذي قيل سنة 2003 عن نجاح الضغط الدولي في وقف هذا المشروع بات غير ذي أهمية، وخصوصاً أنه لم يعد هناك أدنى شك في التقدم الذي حققته إيران على هذا الصعيد، وبشكل مستقل عن المكونات الأخرى له.
لقد شكلت عرقلة عمليات شراء إيران للمواد المخصبة أبرز الوسائل الخفية لوقف المشروع النووي الإيراني. ومع أن مقدار نجاحها في هذا المجال غير معروف، إلاّ إنه يبدو أنها قادرة على الحصول على المعدات والمواد التي تحتاجها ولو بأسعار مرتفعة جداً وفي وقت متأخر وبكميات قليلة.
وجرى الحديث كثيراً في الإعلام عن وسائل أخرى لعرقلة المشروع الإيراني، وذلك عبر عمليات التخريب والهجوم السبراني على نشاطات تخصيب اليورانيوم في مراكز الطرد المركزي، ويبدو أن هذه الوسائل استطاعت تحقيق بعض النجاحات، وأبطأت من وتيرة العمل، وفرضت قيوداً على رفع درجة التخصيب، لكنها لم توقف العمل لوقت طويل.
وفي رأي كثيرين، فإن أفضل طريقة لوقف المشروع النووي الإيراني، أو الحد من خطورته، تكمن في إحداث تغيير في النظام الإيراني، أي كما حدث في جنوب إفريقيا، حيث أدى تغيير النظام إلى تفكيك ترسانة السلاح النووي. لكن ليس واضحاً ما إذا كان تغيير النظام في إيران سيؤدي إلى نتيجة مشابهة، نظراً إلى وجود عدد كبير من مؤيدي المشروع النووي الإيراني بين صفوف المعارضة.([10]) وتجدر الإشارة إلى أنه عندما تحصل دولة ما على القدرة النووية العسكرية فإنها سترغب في الاحتفاظ بها. وما نتمناه بالنسبة إلى إيران هو حدوث تغيير في سياستها الخارجية بحيث تصبح أقل عدائية، وبالتالي أقل تهديداً للدول المجاورة لها خاصة، وللعالم عامة. من هذا المنظور فإن المقارنة بين إيران واليابان هي مقارنة رمزية فقط، وعلى الرغم من الاضطرابات الداخلية التي يواجهها النظام في إيران فإن حدوث تغيير راديكالي في النظام هو مجرد أمنيات، إذ إن النظام في إيران ما زال يتمتع بدعم قوي، ولديه قوى عسكرية كبيرة إلى جانب القوات المسلحة من الميليشيا. وعلى الرغم من تأثير العقوبات على الجمهور الإيراني، إلاّ إنها لم تكن موجهة ضد الشعب وبالتالي لم تتسبب بحركات احتجاج واسعة النطاق ضد الحكومة، ناهيك عن أن الحكومات الأجنبية لم تعبر علناً عن تأييدها لتغيير النظام في إيران، لذا فإن حظوظ حدوث ذلك ضئيلة جداً حالياً.
إن بديل تغيير النظام في إيران من أجل وقف المشروع النووي الإيراني أو عرقلته، هو، مع الأسف، استخدام القوة. لقد حقق هذا الأسلوب نجاحاً في العراق وسورية (وإلى حد ما في ليبيا)، لكنه سيكون من الصعب جداً استخدامه ضد إيران. ففي العراق وسورية تمت مهاجمة أهداف معزولة، أمّا بالنسبة إلى إيران فسيكون من الضروري توجيه ضربة قوية نحو عدد من الأهداف ليست جميعها معروفة من جانب المهاجمين المفترضين، فضلاً عن أن عدداً من هذه الأهداف موجود تحت الأرض ومحصن جداً. لذا، وحدها قوة عظمى مثل الولايات المتحدة، أو اتحاد تحالف دول مثل حلف الأطلسي، قادران على تحقيق النتيجة الاستراتيجية للهجمات العسكرية، وحتى الآن هناك إجماع ضد القيام بمثل هذا الهجوم. من هنا لا يبقى أمامنا خيار سوى التأقلم على العيش في ظل التهديد الإيراني.
الردع لمواجهة إيران النووية
كما يتضح من الوصف أعلاه، فإن الإنذار [باقتراب إيران من اجتياز عتبة امتلاك السلاح النووي] سيحدث قبل فترة وجيزة جداً من ذلك، هذا إن حدث. وإذا لم تنجح [جهود] وقف خطط إيران أو تأخيرها بصورة جدية، سيضطر العالم إلى مواجهة وضع جديد بوسائل من المأمول أن تردع إيران وتوقف سعيها للحصول على قدرة نووية واسعة النطاق، أو تحقيق تفوق عسكري إقليمي يعتمد على قوتها النووية العسكرية.
يمكننا التنبؤ بما يحمله المستقبل من خلال كلام قاله مسؤول سعودي كبير وجاء فيه أنه في حال تحقق التهديد [النووي] الإيراني، فإن السعودية ستطور سلاحاً نووياً خاصاً بها،([11]) وهذا ليس مجرد تهديد كلامي. إذ إنه على الرغم من عدم وضوح المقصود بذلك، ثمة اعتقاد سائد أن السعودية قدمت إلى باكستان مساعدة مالية لمساعدتها على بناء قدرة نووية عسكرية، ربما في مقابل نوع من "مظلة" نووية أو مشاركة سعودية في الترسانة النووية التي تملكها باكستان. ومن بين الدول الأخرى في المنطقة التي من المحتمل أن تدرس تطوير مشروع نووي خاص رداً على التهديد الإيراني هناك مصر وتركيا، وربما، مع أن هذا الاحتمال ضئيل، العراق.
ومن الوسائل الأخرى لمواجهة الخطر الإيراني، تأسيس منظومات دفاعية قوية قادرة على تدمير الصواريخ التي تحمل رؤوساً غير تقليدية قبل وصولها إلى أهدافها. وفي حال النجاح في تحقيق ذلك، فإن إيران ستخسر أكثر مما ستربح في حال بادرت إلى شن هجوم، إذ إن أي هجوم فاشل سيجعلها في وضع حساس للغاية لأنه سيعرضها لعمليات انتقامية ولهجمات وقائية من جانب الدول المجاورة لها، وخصوصاً من منطقة الخليج وخارجها أيضاً.
ومن الأساليب غير المباشرة، ولكن الناجعة لردع إيران، تقليص قدرتها على التحرك من قواعد خارجية، أو من خلال مراكز قوة تابعة لها، وينبغي عدم تجاهل هذه الإمكانية، مع أنها تبدو ضعيفة. ومن المعروف أن الإمكانات الثلاثة الأساسية المتوفرة لها حالياً هي: الحلف بينها وبين سورية، وبينها وبين حزب الله، وبينها وبين حركة "حماس". إن اضعاف هذه التحالفات أمر ضروري إذا أردنا تقليص احتمال مهاجمة إيران لإسرائيل إلى حد كبير. وما دام الأسد مسيطراً على سورية، وما دامت سورية جسراً يربط بين إيران ولبنان، فإن هذه الجبهة ستبقى خطرة. وعلى الرغم من أن كثيرين يرون في هذه الجبهة مشكلة إقليمية – محلية، فإن في إمكانها ايضاً أن تشعل صراعاً أوسع بكثير، وحسناً يفعل العالم إذا ما قضى على هذا الاحتمال.
كيف تستعد إسرائيل لمواجهة إيران النووية ؟
إن احتمال إنتاج إيران سلاحاً نووياً خلال وقت قصير هو احتمال قائم في الوقت الراهن. وهذا أمر شديد الأهمية بالنسبة إلى إسرائيل التي عليها أن تستعد لكل الاحتمالات الممكنة، لأن الاستعداد من شأنه أن يحد بصورة كبيرة من الأضرار وقد يساعد في منع وقوعها.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية يجب أن نأخذ في الاعتبار ثلاثة افتراضات أساسية هي: أولاً، أن الوقت بدأ ينفذ. ثمة تقديرات كثيرة بشأن الجدول الزمني الإيراني، لكن العنصر الأساسي في هذا الشأن هو عملية اتخاذ القرارات في إيران. وعلينا ألاّ نؤجل الاستعدادات لمواجهة حدوث هذا التطور المحتمل، على أمل أن يطرأ شيء ما ويؤدي إلى تجميد المشروع النووي أو تعليقه أو وقفه بصورة كاملة؛ ثانياً، إن كل البدائل الإيرانية المذكورة أعلاه هي ممكنة الحدوث، وعلينا ألاّ نستبعد أياً منها بصورة مسبقة. لذا فالمطلوب هو تفكير جذري واستعدادات منظمة جيداً، على الأقل لمواجهة السيناريوهات المؤكدة [....]؛ ثالثاً، لا تستطيع إسرائيل الاعتماد على الكوابح الدولية لمنع إيران من التحول إلى دولة نووية فعلاً. ويمكننا أن نرى ذلك من خلال الطريقة التي يرد فيها العالم على تقدم المشروع النووي الإيراني من دون أن يتخذ إجراءات حقيقية ضده. وتدل تجربة الماضي، في المنطقة، على أن التعهدات موقتة، ومن السهل التراجع عنها عندما يتغير الحكام [....]
العيش مع إيران نووية
إن تحول إيران إلى دولة نووية سيحدث تغيراً كبيراً في السياسة الإقليمية وفي التحالفات في الشرق الأوسط. وثمة احتمال لأن تشارك إسرائيل في إيجاد تحالفات جديدة، سياسية وعسكرية. كذلك يجب أن نأخذ في الحسبان احتمال حدوث تطورات إقلمية على الصعيد النووي، ويجب أيضاً دراسة سياسة الغموض الإسرائيلية في الموضوع النووي، وذلك كجزء من التطورات العامة في هذا الشأن في الشرق الأوسط.
ستؤدي مواجهة إيران النووية إلى نظرة مختلفة تماماً في مجال الدفاع عن المدنيين، وكيفية إعدادهم لمواجهة احتمالات هجوم إيراني. وعلى الرغم من كل الكلام على أن إيران لن تهاجم إسرائيل مباشرة بالسلاح النووي أو بشكل آخر، فإن على الحكومة الإسرائيلية ألاّ تسمح لنفسها بالاعتماد على هذه الفرضية، وعليها أن تستعد لهذه المواجهة، والاستعداد له وجهان أساسيان: الجوانب التقنية، والإعداد النفسي للمدنيين لمواجهة حالة طوارىء مرتبطة بالسلاح النووي. فالجمهور الإسرائيلي يعرف أنه قد يحتاج، عند الضرورة، إلى الاستعداد لمواجهة هجوم عسكري على المفاعل النووي.([12])
تستعد إسرائيل أيضاً لمواجهة حالتي طوارئ واسعتي النطاق هما: هزة أرضية كبيرة، وهجوم كيماوي. وتقوم السلطات المحلية ضمن إطار الاستعداد لمواجهة هذين الوضعين بوضع الخطط وتدريب الجمهور وإعداده للتصرف بشكل مناسب في حال نشوئهما، وفي الوقت عينه، تعدّه لمواجهة حالات طوارىء أخرى بينها هجوم نووي.
وينبغي هنا أن يعرف الجمهور أن الفكرة القائلة إن الهجوم النووي يشكل خطراً على الوجود هي فكرة خطأ. بلا شك ستكون نتائج هذا الهجوم خطرة للغاية، وسيكون عدد المصابين كبيراً، لكن حجم الضرر سيكون محدوداً، وفي استطاعة دولة إسرائيل تحمله.([13]) وسيتحول تدريب إسرائيل لمواطنيها على مواجهة هذا الاحتمال إلى جزء من الردع الإسرائيلي، لأن الإعداد الجيد من شأنه أن يقلل من الإصابات التي تشكل الهدف الحقيقي لمثل هذا الهجوم في حال حدوثه.
خلاصات
نظراً إلى أن العالم منقسم بشأن سبل منع إيران من التحول إلى دولة نووية كاملة، ونظراً إلى أن الإدارة الحالية في الولايات المتحدة الأميركية لا تبدي استعداداً للقيام بعملية واضحة ضد إيران باستثناء فرض العقوبات عليها، فإن كل شيء الآن متوقف على القرارت السياسية الحاسمة التي سيتخذها النظام الإيراني.([14])
ويبدو أن حكام إيران سينتهجون في المدى القصير سياسة الغموض، وسيكشفون، بالتدريج، عن قدرة إيران النووية العسكرية.
وما لم تقم إيران بعملية عسكرية واضحة ضد دول أخرى، من الصعب توقع أن تقوم الولايات المتحدة أو أي دولة أو مجموعة دول بمهاجمة إيران عسكرياً. بناء على ذلك، تقع على حكومة إسرائيل مسؤولية الاستعداد للتطور الجديد.
وفي ظل الأوضاع الحالية، فإن السبيل الوحيد لتغيير الوضع برمته هو تغيير النظام في إيران، وإقناع النظام الجديد بأن يصبح عضواً في المجتمع الدولي مثل اليابان.
ومع أنه من المشروع تمني ذلك، فإنه سيكون من المبالغة توقع تفكيك كامل للمشروع النووي العسكري [الإيراني] على غرار ما فعلت جنوب إفريقيا في التسعينيات. لكن على إسرائيل ألاّ تتوقع حدوث ذلك، وعليها أن تستعد لمواجهة كافة الاحتمالات المترتبة على تحول إيران إلى دولة نووية. وكلما كانت إسرائيل مستعدة بصورة أفضل، كلما استطاعت أن تواجه بفعالية أكبر الوضع الذي سينشأ.
* المصدر: "عدكان استراتيجي"، مجلد 14، عدد 3، تشرين الأول/أكتوبر 2011، معهد دراسات الأمن القومي- جامعة تل أبيب: http://www.inss.org.il
[1] تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، 54/2011/GOV، تاريخ 2/9/2011. الكميات المتعلقة بعملية التخصيب هي على شكل جزيئات سادس فلوريد اليورانيوم (UF6). وبالنسبة إلى نواة العبوات التفجيرية الذرية، فإن الكميات مقدرة بكيلوغرامات من معدن اليورانيوم.
[2] هذه الكمية المطلوبة لإنتاج النواة الأولى للقنبلة النووية. ويتطلب إنتاج كل نواة إضافية أقل من 25 كيلوغراماً. انظر، على سبيل المثال:
Thomas B. Cochrane and Christopher E. Paine, “The Amount of Plutonium and Highly Enriched Uranium Needed for Pure Fission Nuclear Weapons”, Natural Resources Defense Council, Washington, DC,1995.
ولقد نُفذت كل العمليات الحسابية بواسطة حاسوب تخصيب اليورانيوم على الموقع الإلكتروني التالي:
http://www.wise-uranium.org/nfcue.html
[3] لنقاش تفصيلي ومحدث للفترة الزمنية المطلوبة، انظر:
David Albright, Paul Brannan & Christina Walrond, “Critique of a Recent Breakout Estimates at the Natanz Fuel Enrichment Plant (FEP)”, ISIS, September 20, 2011: http://isis-online.org/isis-reports/detai/critique-of-gregory-joness-breakout-estimates-at-the-natanz-fuel-enrichment/8
[4] أفرايم كام، "إيران نووية: ما هو المغزى، وما يمكن فعله؟" مذكرة رقم 88، معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، تل أبيب: 2007.
[5] لا يوجد تعريف لا لبس فيه للغموض النووي. ويتحدث هذا المقال عن وجود احتمالين للعمل أو ربما أكثر، لكن يبقى الاختيار بين هذه الاحتمالات والنيات بشأن المستقبل محاطاً بالكتمان الشديد.
[6] هذا إمكان قائم بموجب المادة العاشرة من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
[7] يتطلب تعريف ماهية العقلانية الغربية جهداً كبيراً حقاً في ضوء المئة عام الأخيرة. فهناك افتراضات عقلانية عديدة شكلت في حينه أرضية لصنع القرارات التي لم تصمد أمام امتحان الواقع.
[8] Asculai, Ephraim, “Can The Iran Sanctions Succeed?” in: Iran ambitions for Regional Hegemony, The S. Daniel Abraham Center for Strategic Dialogue, November 2010, pp. 53-6
[9] تشير التقارير إلى أنه في مطلع أيلول/سبتمبر 2011 سحبت الصين، بضغط من الولايات المتحدة، استثمارات لها في الصناعة النفطية في إيران، والتي تحتاجها إيران بصورة ماسة نظراً إلى أن معداتها فيما يتعلق بهذه الصناعة أصبحت قديمة، وكذلك فإن حقول النفط الإيرانية تحتاج إلى تطوير. وعلى الرغم من ذلك، تعتبر إيران أهم شريك للصين في التجارة، كما لم يتضرر تزود الصين بالنفط الإيراني. انظر الرابط التالي:
Htpp://www.cnbc.om/id/44368708/China curbs oil investments in Iran to Avoid US Sanctions[10] يعتبر آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني زعيم المعارضة الإيرانية من كبار المؤيدين للمشروع النووي الإيراني.
(11) راجع تصريحات الأمير سعود الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية وسفير سابق في الولايات المتحدة وبريطانيا، بالإضافة الى تصريحات مسؤولين سعوديين آخرين قالوا إن السعودية ستطور سلاحاً نووياً إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
[12] Yaakov Katz,”IDF to simulate missile attack on Dimona nuclear reactor”, Jerusale Post, May 2011.
[13] “Why a nuclear Iran is not an existential threat…” where the author postulates that israel’s missisle defence guarantees a second strike capability, In: Jonathan paris, “prospects for Iran”, Legatum Institute, London, January 2011.
[14] ليس واضحاً ما إذا كانت كل الدول تعارض فكرة إيران النووية، وينطبق هذا الكلام على روسيا والصين، لأن هذا الوضع قد يخدم نفوذهما على الشرق الأوسط و يخدم مصالحهما في السوق العالمية للطاقة.
- الترجمة عن العبرية: يولا البطل ورندة حيدر.