- في حزيران/يونيو 2015 ألقى الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين خطاباً أمام مؤتمر هرتسليا السنوي أكد فيه أن "المجتمع الإسرائيلي يمر بتحول واسع النطاق. هذا ليس تغييراً بسيطاً. إنه تحول سيعيد بناء هويتنا ذاتها ك 'إسرائيليين' وسيترك أثراً واضحاً في كيفية فهمنا لأنفسنا ووطننا القومي، وهذا تغيير لا مفر منه." ومن ثم حدد الرئيس ريفلين ما اعتبرها قوى تحويلية تؤثر في المجتمع الإسرائيلي: إنها مسارات ديمغرافية.
- عموماً، معنى كلمة ديموغرافيا [علم السكان] هو دراسة مختلف أوجه مجموعات بشرية وتغيرها عبر الزمن. لكن، في السياق الإسرائيلي، تجاوزت هذه الكلمة معناها الأكاديمي الكلاسيكي. فإحصاءات السكان التي ينتجها ديمغرافيو إسرائيل مسيّسة على نحو متزايد؛ أي أن سياسيين من اليمين واليسار والوسط يستخدمون غالباً هذه الإحصاءات لتفسير، وتبرير، السياسات التي يدافعون عنها.
- ومن غير المفاجئ، بالتالي، أن تغدو الديمغرافيا موضوعاً سجالياً في إسرائيل، بالنظر إلى أثرها الكامن في شؤون البلد الداخلية في المديين القصير والطويل وفي شؤونه الخارجية. وتبرز معطيات الديمغرافيا تشابهات وتوترات بين مجموعات سكانية فرعية [subgroups] إثنية ودينية، وتبعاً لذلك توفّر معلومات [موضوعية تساعد في بلورة] سياسات تطال مواضيع متعددة، من الحريات الدينية والمشاركة الاقتصادية إلى النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. ومن هنا، ينطوي تفكيك ديمغرافيات إسرائيل على فحص دقيق لاتجاهات وتغيرات محددة خاصة بالدولة، فضلاً عن تحديات تواجهها إسرائيل وتولدّها أو تفاقمها هذه الاتجاهات والتغيرات. وبطبيعة الحال، ينبغي أن تُقابل التنبؤات الديمغرافية بدرجة من التشكيك لأن عوامل غير متوقعة قد تغير مجرى توقعات حالية. ومع ذلك، الأهمية السياسية لهذا الموضوع وانعكاساته في العالم الواقعي تجعل منه مجالاً حيوياً للدراسة.
الاتجاهات الديمغرافية في إسرائيل
- اتجاهان متقاطعان يميزان ديموغرافيات إسرائيل منذ قيام الدولة عام 1948: نمو سكاني سريع واكبته تغيرات سريعة عبر الزمن، وطابع ديموغرافي غير متجانس للدولة [سكان من أصول متعددة].
إن معدل النمو السنوي للسكان في إسرائيل، المدفوع بمعدل الزيادة الطبيعية للسكان (الفرق بين معدل المواليد الأحياء ومعدل الوفيات في العام الواحد) والمدفوع بدرجة أقل، بمعدل الهجرة الوافدة، يناهز حالياً نسبة 2%، وتبعاً لذلك تعتبر إسرائيل شذوذاً ديمغرافياً (demographic outliner) بين الدول المتقدمة (ضعف معدل نمو السكان في الولايات المتحدة وأكثر بكثير من معدل دول أوروبا الغربية). وتظهر إحصاءات المكتب المركزي للإحصاء (CBS) أن عدد سكان إسرائيل تضاعف منذ تأسيسها عشرة أضعاف: من 870 ألف نسمة عام 1948 إلى نحو 8,3 مليون نسمة عام 2014. وأغلبية السكان (بنسبة 75%) هم من اليهود وحصة المولودين في إسرائيل منهم في تزايد مستمر. وبينما لا تزال الهجرة مصدراً من مصادر نمو سكان إسرائيل (الهجرة الأخيرة تتسم بتدفق مهاجرين من فرنسا وأوكرانيا)، فإن معدلات الهجرة استقرت إلى حد بعيد على مستويات أدنى بكثير من مستويات الهجرة التاريخية لإسرائيل [أنظر الشكل رقم (1)- اليهود وغير اليهود في إسرائيل] - الهجرة اليهودية الأكثر تأثيراً حدثت عبر خمس موجات هجرة قبل قيام الدولة بين عامي 1882 (الموجة الأولى) و1939 (الموجة الخامسة). بيد أن عالم الاجتماع يينون كوهين، في كتابه "تكوين سكان إسرائيل المتغير"، يسجل حدوث هجرة كثيفة لنحو 700 ألف يهودي بين عامي 1948 و1951 بوصفها الفترة الحاسمة في تاريخ إسرائيل الديموغرافي. وفي هذه الفترة، بحسب كوهين، بدّل خروج السكان الفلسطينيين المحليين بالتزامن مع مجيء اليهود تكوين إسرائيل الإثني بشكل جذري. وتظهر بيانات مصدرها سلطات الانتداب البريطاني ودائرة الإحصاء في الوكالة اليهودية زيادة في نسبة اليهود القاطنين في المنطقة التي أصبحت فيما بعد جزءا من دولة إسرائيل [داخل الخط الأخضر] من44,7% عام 1947 إلى 89% عام 1952. وبالفعل، وفق المكتب المركزي للإحصاء (CBS)، بين عامي 1948 و1960، أكثر من 80% من النمو في عدد سكان إسرائيل كان ناجماً عن الهجرة الوافدة. وهذه الزيادة السكانية السريعة هيأت الساحة للعديد من تحديات إسرائيل الديموغرافية، ومن ضمنها مسائل ناجمة عن، أو متصلة، بالتكوين الطبقي (stratification) الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
- وقد غيّرت فترة الهجرة اليهودية الكثيفة التي أعقبت تأسيس الدولة أيضاً التكوين الديموغرافي اليهودي الداخلي لإسرائيل. فبينما كانت الغالبية العظمى من المهاجرين اليهود إلى فلسطين قبل 1948من مواليد بولندا وروسيا، مع أعداد أقل بكثير متحدرين من آسيا وأفريقيا، شهدت السنوات التي أعقبت تأسيس إسرائيل زيادة كبيرة في أعداد اليهود الشرقيين. ومع هجرة خمسينيات القرن الماضي، حقق اليهود "المزراحيون" (يهود قادمون من منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط) مساواة عددية مع اليهود "الأشكناز" (يهود من أصول شرق ووسط أوروبا وشمال أميركية)، مع أن اليهود الأشكناز حافظوا على موقع اجتماعي وسياسي واقتصادي مهيمن. وفي فترة أحدث، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، حدثت هناك موجة كبيرة أخرى من الهجرة إلى إسرائيل: ما يقارب مليون مهاجر قدموا من الاتحاد السوفياتي السابق. وبحسب المكتب المركزي للإحصاء، أسهمت هذه الموجة من الهجرة ﺑ 65 % من معدل نمو سكان إسرائيل اليهود الإجمالي. ومع أن هذه المجموعات السكانية المختلفة يهودية من الناحية الإثنية، إلاّ إنها جلبت معها قيمها ولغاتها وثقافاتها الخاصة، بالإضافة إلى شعائرها وتقاليدها الدينية الخاصة. وعلى مر الزمن، ساهم هذا التدفق الإثني في تشكيل الطابع الديموغرافي غير المتجانس للدولة، بمعزل عن "الانقسام البسيط" [غير المعقّد] بين يهود وعرب. (أنظر الشكل رقم (2) بالأرقام: الهجرة إلى إسرائيل، 1948-2014).
- ومع استقرار معدلات الهجرة لاحقاً، أصبحت الخصوبة [معدل الولادات لكل إمرأة] المحرك الرئيسي لنمو السكان في إسرائيل - لدى كل من السكان اليهود والعرب - وهي اليوم موضوع جدل كبير. وعلى وجه التحديد، تُعرض معدلات الخصوبة غالباً في النقاشات كالتالي: ماذا يمكن أن تكون انعكاسات أحجام الجماعات اليهودية والعربية على مستقبل الديناميات السياسية والاجتماعية الداخلية في إسرائيل، بل وأكثر، [تُعرض معدلات الخصوبة] كعامل في دراسة الآثار المترتبة على مقترحات مختلفة لإيجاد حلّ لوضع العرب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أن ازدياد عدد مواطني إسرائيل العرب كنسبة مئوية، بالإضافة إلى نمو عدد السكان اليهود الأرثوذكس المتشددين، يطرح أسئلة جديدة تتعلق بالمشاركة في القوة العاملة، والإعانات الاقتصادية، والخدمة العسكرية الإلزامية (أنظر ملحق "إسرائيل والخصوبة").
- على الرغم من أن معدل نمو السكان اليهود تدفعه بشكل غير متناسب معدلات الولادة المرتفعة لدى اليهود الأرثوذكس المتشددين، تسفر مراجعة بيانات معدلات النمو لدى مختلف المجموعات السكانية الفرعية في إسرائيل عن صورة أكثر تعقيداً. في تموز/يوليو 2016، نشرت الدكتورة باربرا أوكون، أستاذة مساعدة في قسم الدراسات السكانية في الجامعة العبرية، بحثاً جديداً يظهر أنه مع محافظة [اليهود] الأرثوذكس المتشددين على معدل الخصوبة الأعلى في إسرائيل، وبذلك هم يواصلون المساهمة في نمو السكان اليهود بشكل غير متناسب، فإن معدل الخصوبة الإجمالي لسكان إسرائيل [اليهود] الأرثوذكس المتشددين تراجع في الواقع بشكل حاد خلال السنوات الماضية. كما توصلت أوكون إلى حقيقة أن معدل خصوبة اليهود غير المتدينين المولودين في إسرائيل يشهد منحى تصاعدياً نتيجة عدة عوامل مجتمعة، ولا سيما دعم الدولة للإنجاب [دفع تكاليف علاج للتخصيب الصناعي، علاوة على رعاية الطفل، إلخ.]، وتشديد مزدوج على الأهمية الاجتماعية لعمالة وخصوبة النساء، وسلوك مساواتي داخل الأسرة، ومشاعر الوطنية اليهودية، هذا من جملة أمور أخرى. أما بالنسبة لجماعات النساء العربيات والمسلمات، فقد أظهر بحث الدكتورة أوكون أنه منذ مطلع سنوات ال 2000، استقرت معدلات الولادة على 3,7 أطفال لكل إمرأة، وهذا يمثل تراجعاً حاداً مقارنة بعقود سابقة (أنظر ملحق "إسرائيل والخصوبة").
الديموغرافيا تقود النقاش حول علاقة الدين بالدولة
- يمكن أن يكون لتغير أحجام مجموعات سكانية فرعية دينية وإثنية تأثيرات كبيرة على السياسات الداخلية والخارجية لإسرائيل في المستقبل. ومثلما أوضح د. ميشال شامير، استاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، فإن محددات سلوك الرأي العام وأنماط التصويت الأساسية هي "خطوط الانقسام الرئيسية بين يهود وعرب، وبين اليهود أنفسهم بحسب درجة التزامهم الديني". وظاهرة تشكل أحزاب سياسية فئوية [عصبوية] هي مجرد مثال واحد على كيفية انعكاس هذه الاختلافات الإثنية والدينية، والأيديولوجية أيضاً بطبيعتها في الحياة السياسية الإسرائيلية. وعلى سبيل المثال، تدعو أحزاب دينية إسرائيلية إلى دولة تحكمها "الهالاخاه" (الشريعة اليهودية)، بما في ذلك الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق والخدمة العسكرية ودعم الدولة لمؤسسات دينية. ومع ذلك، ورغم هذه التطلعات المشتركة للأحزاب الدينية، يقدم حزب"شاس" نفسه قبل كل شيء كحزب "سفارادي" ("مزراحي" [يهودي شرقي])، بينما حزب "يهدوت هتوراه" وهو تحالف فصيلين صغيرين من اليهود الأرثوذكس، المتشددين ["ديغِل هاتوراه" و"أغودات يسرائيل"] هو أكثر تمثيلاً لمصالح "أشكنازية". وعلى نحو مشابه، تضم "القائمة المشتركة" العربية أربعة أحزاب متباينة أيديولوجياً اجتمعت لتقديم جبهة عربية موحدة، بينما حزب "إسرائيل بيتنا" هو حزب قومي علماني يمثل أساساً مهاجرين ناطقين باللغة الروسية (رغم محاولة توسيع قاعدة الحزب). ويتوقع البروفسور غاي بن - بورات أن "يواصل تكوين إسرائيل [الديموغرافي] المتنوع التأثير في تحالفات حزبية، وفي سياسات الحكومة الرسمية، وبشكل أوسع، في الهوية القومية الإسرائيلية والتماسك الاجتماعي".
- إن أحد أكبر النقاشات الداخلية الناتجة عن تغيرات أحجام السكان والتمثيل النسبي للمجموعات السكانية الفرعية المتعددة يتطرق إلى العلاقة بين الدين والدولة والدور الجدير بالدين في الحياة العامة الإسرائيلية. وبالإضافة إلى الانقسام بين سكان إسرائيل اليهود والأقلية العربية، تكشف نظرة عن كثب إلى تركيبة السكان اليهود فجوات عميقة بين طوائف "الحريديم" (الأرثوذكس المتشددين)، و"المتدينين"، و"المحافظين على التقاليد"، و"غير المتدينين". وتتجلى هذه الفجوات من خلال مقاربات هي في الأساس مختلفة فيما يتعلق بمسائل الهوية والقيم، مما يؤدي إلى تباينات في السياسات العامة حيال مسائل مثل الزواج والطلاق، واعتناق ديانة أخرى، والفصل بين الجنسين، والخدمة العسكرية، وأحكام متعلقة بالعمالة والنقل العام (أنظر الشكل رقم (3) "المشهد الديني المتنوع لإسرائيل").
- وفي جوهر اختلافاتهم السياسية يكمن تباين أكبر: ماذا يعني "أن تكون يهوديا"؟ وبينما يؤمن اليهود الأرثوذكس المتشددون بقوة بأن هويتهم اليهودية دينية في أساسها، يميل اليهود غير المتدينين إلى تقبل هويتهم من حيث الأسلاف و/أو الثقافة. ولمزيد من التعقيد، وعلى الرغم من أن أفراداً قد يصفون أنفسهم "غير متديّنين"، أو "متديّنين"، يتضمن هذا الوصف للذات تشكيلات مختلفة من القيم والممارسات والتفضيلات التي تتغير غالباً بحسب الخلفية والسياق. ومثلما لاحظ البروفسور غاي بن - بورات، "يؤدي يهود غير متدينين على سبيل المثال في أغلب الأحيان ما قد يبدو كشعائر دينية Passover [الليلة الأولى من احتفال عيد الفصح]، وmezuzah [رقّ صغير يكتب عليه إصحاحات من سفر التثنية مغلّف ومثبّت في عضادة دار كل يهودي، وما إليه) لأسباب مختلفة ومع تفسيرات متعددة. ويتقيد الإسرائيليون المحافظون على التقاليد بصرامة ببعض القواعد (عدم أكل لحم الخنزير)، لكن ليس بأخرى (التسوق نهار السبت). ويلتزم الإسرائيليون المتديّنون بصرامة أشدّ بالقواعد، لكن قد يتحدّون سلطة (الحاخامية المركزية لإسرائيل) عندما يختارون استخدام الإنترنت أو الدراســة في الجامعــة". وهذه الســمات، بحسب بن - بورات، تجعل من إسرائيل "بواقع الأمر دولة ومجتمعاً متعددي الثقافات"، وتؤكد الطابع الديموغرافي غير المتجانس للدولة. وفي نهاية المطاف، "إسرائيل هي أنموذج أصلي لمجتمع ضارب في الانقسام ولا يزال يبحث عن تعريف لهويته الجماعية"، بحسب قول د. شامير. "وهذا ينعكس تماماً في حياتها السياسية: من نظامها الانتخابي التمثيلي المتساهل القائم على التمثيل النسبي على المستوى الوطني، مرورا بنظامها الحزبي المتشرذم والاستقطابي، وصولاً إلى خطابها السياسي النشط والذي لا ينضب".
- ومع ذلك، إن فكرة كون إسرائيل أنموذج لانقسام اجتماعي مطعون بها في بعض الأوساط. يعتقد البروفسور سامي سموحة، عالم اجتماع من جامعة حيفا وحائز على "جائزة إسرائيل"، أن هناك ظاهرة "أسرلة" ناشئة قد خففت بالفعل من حدة الانقسامات بين المجموعات السكانية بمرور الوقت: "مواطنو إسرائيل اليهود وغير اليهود اتفقوا على تعددية دينية - ثقافية، وعلى [استخدام] اللغة والتقويم العبريين، وعلى 'طريقة حياة إسرائيلية'، والجماعات اليهودية، بمن فيهم الأرثوذكس المتشددين، مقيدون بالفكرة الجوهرية الصهيونية، التي هي إبقاء إسرائيل يهودية إلى الأبد". كما يلاحظ سموحة ما يلي: "لا ريب في أن الديمقراطية تلعب دوراً مركزياً في الاندماج السياسي والاجتماعي لإسرائيل من خلال تمكين مجموعات سكانية من التعبير عن تظلماتها وتحسين حظوظها من دون استخدام العنف".
الديمغرافيا والنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني
- يذهب سموحة إلى القول بأن المجتمع الإسرائيلي "بعيد عن أن يكون على شفير التفكك"، لكنه أيضاً يعترف بأنه ينبغي أن تعالج إسرائيل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي هو "مسألة تقسم الإسرائيليين تقسيماً عميقاً وتؤدي إلى اغترابهم عن المجتمع الدولي". وبالفعل، يمكن القول أن النقاش حول عدد اليهود والعرب الفلسطينيين القاطنين بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط (بما في ذلك أجزاء من الضفة الغربية واقعة تحت سيطرة عسكرية إسرائيلية فضلاً عن قطاع غزة)، هو أكثر أوجه الخطاب الديموغرافي حدة وإثارة للانفعالات في إسرائيل. وهذا راجع لدلالة هذه الديموغرافيات بالنسبة لوضع الأرض [القانوني] داخل وما وراء الخط الأخضر، أي ما يعرف بخط الهدنة لعام 1949، أو بحدود ما قبل عام 1967. وعلى وجه التحديد، الحجج التي تساق مع أو ضد ضمّ إسرائيلي رسمي للضفة الغربية (جزئياً أو كلياً) تحيل غالباً إلى الميزان النسبي الذي قد يخلقه هذا الضم بين السكان اليهود والسكان العرب في المنطقة. والفرضية الأساسية هنا، بطبيعة الحال، هي أن فقدان أغلبية يهودية من أصل مجموع مواطني إسرائيل يقوض وضع إسرائيل كدولة يهودية. وفي هذا الإطار، يزعم معارضو الضم أنه إذا بسطت إسرائيل سيادتها على الضفة الغربية، سرعان ما سيصبح السكان اليهود بين نهر الأردن والبحر المتوسط أقلية مطلقة، مقارنة بعدد الفلسطينيين الإجمالي، الذي يشمل كلاً من العرب الفلسطينيين الذين هم حالياً مواطنون في إسرائيل والفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية. وبناء عليه، يدّعون أنه من المستحيل المحافظة على إسرائيل كدولة أغلبية يهودية بالتزامن مع منح حقوق سياسية كاملة لملايين المواطنين الجدد العرب من الضفة الغربية. وفي المقابل، يشير العديد من مؤيدي الضم إلى معطيات ديموغرافية بديلة تنبئ بأغلبية يهودية مستدامة قيد التشكل بين نهر الأردن والبحر المتوسط. ويؤمنون تالياً بأنه يمكن ضم بعض أو كل الضفة الغربية ومنح حق الاقتراع وحقوق سياسية أخرى للعرب في الضفة الغربية، ويمكن مع ذلك المحافظة على أغلبية يهودية ضمن الحدود الجديدة.
تحديات ديمغرافية أخرى
- تكشف معاينة المشهد الديموغرافي الحالي لإسرائيل عن طائفة واسعة من الآراء في السياسة والثقافة والمجتمع والديانة. ونظرا للطبيعة المسيّسة للديموغرافيا في الحالة الإسرائيلية، قد يكون من الصعب فصل التوترات بين المتدينين وغير المتدينين، والنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، عن تحديات أخرى تشكلها الاتجاهات الديموغرافية في إسرائيل. ومع ذلك، هناك موضوعان إضافيان سيلعبان بلا ريب دوراً رئيسياً في الخطاب العام الإسرائيلي في السنوات المقبلة: اقتصاديات سياسات الهجرة، والاستدامة البيئية.
اقتصاديات سياسات الهجرة إلى إسرائيل
- الهجرة الوافدة وتأثيرها على الأداء الاقتصادي هي إحدى الموضوعات الهامة في الخطاب العالمي اليوم، وبكل تأكيد في إسرائيل أيضاً. وهناك رابط سببي قوي بين المتغير الديموغرافي والنمو الاقتصادي، بمعنى أن عدد المنخرطين في القوة العاملة والمهارات التي يمتلكونها يمكن أن تؤثر في الإنتاجية والتطور التكنولوجي (على سبيل المثال لا الحصر). فعندما انحسر عدد المهاجرين الوافدين من "بلدان متعثرة" مثل الاتحاد السوفياتي السابق، كما تشرح د. إيلانا شبايتزمان، زميلة في ما بعد مرحلة الدكتوراه في الجامعة العبرية، وازدادت حدة المنافسة العالمية على استقطاب مهاجرين مهرة، سعى صناع السياسة الإسرائيليون إلى تشجيع السكان اليهود في دول غربية على الهجرة إلى إسرائيل من خلال "حوافز اقتصادية مثل: مِنَح استيعاب ومِنَح تدريب مهني إضافية، وزيادة ساعات تعلّم اللغة العبرية". ومع أنه يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت هذه السياسات قد نجحت في دفع الهجرة صعوداً بطريقة مؤثرة اقتصادياً، فقد شكّل هذا التغيير تحولاً في سياسة الهجرة الإسرائيلية من تشجيع هجرة واسعة النطاق إلى عملية تتسم أكثر بالاختيار.
- وثمة مسألة ديموغرافية أخرى تواجه اقتصاد إسرائيل وهي المحافظة على مشاركة سليمة في القوة العاملة بمرور الوقت. فالاتجاهات الديموغرافية الحالية تطرح مشكلة رهيبة: السكان ذوو معدلات الولادات الأعلى - اليهود الأرثوذكس المتشددون والعرب - معدلات العمالة لديهم منخفضة نسبياً. فإذا بقيت هذه الأرقام على ما هي عليه، ستؤدي الزيادة في عدد السكان المنخفض معدل عمالتهم، جنباً إلى جنب مع تراجع عدد الأشخاص في سن العمل، إلى إبطاء نمو الاقتصاد مستقبلاً. واستشرافاً للمستقبل، ما لم يحدث تغيير أو انعكاس الاتجاهات الحالية، سيحتاج صناع السياسات الإسرائيليون إلى تحديد كيفية تحسين إدماج مجموعات سكانية هامشية تشمل اليهود الأرثوذكس المتشددين والعرب، وكذلك المعمّرين والمعوقين، في القوة العاملة من أجل ضمان العافية المالية للدولة على المدى الطويل.
انعكاسات بيئية
- إن تغيرات معينة في الديموغرافيا الإسرائيلية، وفي هذه الحالة الكثافة السكانية العالية للبلد، ولا سيما في مناطق حضرية [مدن وضواحي مدن]، تؤثر مباشرة في استدامة الجودة البيئية على المدى الطويل. ومع أن إسرائيل بعيدة على أن تكون أكثر دول العالم كثافة سكانية، لا يزال ترتيبها ضمن أعلى 15% لجهة الكثافة السكانية عندما تجري مقارنتها بسائر دول العالم. وبحسب المكتب المركزي للإحصاء، معظم الإسرائيليين يقطنون في وسط البلاد، ما يعني أن 40% تقريباً من مجموع السكان يعيشون على أقل من 7% من مساحة البلد. ويثبت البروفسور ألون تال من جامعة بن غوريون أن إسرائيل مزدحمة بنسبة أكثر من 1000 بالمئة من متوسط الدول المتقدمة المماثلة. وهذا رقم مرشح للازدياد لأن توقعات المكتب المركزي للإحصاء تشير إلى أن عدد سكان إسرائيل سيصل في العام 2059 إلى أكثر من 11,6 مليون نسمة – 20,6 مليون نسمة [في سيناريو الحد الأقصى]. ولمثل هكذا كثافة سكانية عالية تبعات في مجالات النقل والبيئة والاقتصاد. وترتبط الكثافة السكانية ارتباطاً وثيقاً بالاكتظاظ السكاني الذي يمكن كشفه من خلال نوعية السكن والبنى التحتية أو انعدامها، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى موارد وخدمات عامة أخرى.
- قد يكون من الصعب دفع النقاش العام قدماً بشأن البيئة لأن استنتاجات كهذه تتعارض في أغلب الأحيان مع الخطاب العام الإسرائيلي. وباعتبار أن إسرائيل دولة صغيرة ويافعة، دأب صناع السياسات في إسرائيل على إعطاء أولوية مفرطة للتركيز على مسائل تمس الاقتصاد والأمن القومي، ومن هنا، عانى ممثلو مصالح بيئية إسرائيليون كثيراً في سعيهم للدفع قدماً بمصالحهم عبر قنوات السياسات التقليدية. وفي هذا الإطار، يأتي شرح دان رابينوفيتس، عميد كلية بورتر للدراسات البيئية في جامعة تل أبيب: "إن طرح أفكار تتعلق بنوعية الحياة وبالجوانب البيئية لمسألة السكان، والأهم من ذلك، لمسألة الاكتظاظ السكاني، لم يكن مشروعاً أبداً. وفقط في الآونة الأخيرة بدأت هذه المسألة تدخل ببطء وتدريجياً في الخطاب العام في إسرائيل. لكن النقاش لا يزال بطيئاً ومكتوماً". وفي الوقت الراهن، يبدو الخطاب مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالوضع السياسي الراهن في إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع. لقد أدت "فوبيا الديموغرافيا الحديثة"، بحسب قول البروفسور إيريتز تزفاديا من كلية سابير، إلى تضخيم "حجة 'اختلال التوازن الديموغرافي' القديمة، التي تشدد على الخوف من الاكتظاظ البشري. وقد يكون التصدي لمسائل المواطنة والحقوق المتساوية، ومجتمع متشارك، وكيفية حماية البيئة، والفعالية الاقتصادية، عوض الكلام عن 'كارثة حضرية'، بدايةً جديدةً لسياسة تخطيط مكاني أفضل".
البحث عن الوضوح وسط التعقيدات
- بإيجاز، الخطاب الديموغرافي متعدد الجوانب ومشحون سياسياً بشكل استثنائي. ومع أن حدة النقاش وتعقيد الموضوع يجعلان من دراسة المسائل الديموغرافية بعمق تحدياً كبيراً، فإن هذه الحدة والتعقيد بالذات هما اللذان يجب أن يحثّا العلماء للقيام بتحليل شامل للموضوع. وكلام البروفسور كوبي مايكل، وهو حالياً باحث كبير في معهد دراسات الأمن القومي، مبرر عندما يؤكد أن "أي نقاش بشأن الديموغرافيا، عندما يتعلق بإسرائيل، يستدعي مسح وتحليل المجالات الديموغرافية (الإقليمية والعالمية) وتحليل الترابط فيما بينها".
- مؤخراً، وفي استجابة مباشرة على "خطاب القبائل"[1] الذي ألقاه الرئيس ريفلين، أنشأ مركز هرتسليا المتعدد الاختصاصات مركز أبحاث جديداً مكرساً لدراسة وتعيين سياسات ملموسة كفيلة بتمكين جميع طوائف المجتمع الإسرائيلي من التوصل إلى أرضية مشتركة، وتعايش سلمي ومزدهر، وتجاوز مختلف الانشقاقات، بما فيها تلك التي تعكسها الاتجاهات الديموغرافية الإسرائيلية الحالية. إن الخطاب الديموغرافي السائد في إسرائيل لن يتبدد قريباً، وهذا يؤكد بالتالي جسامة المسؤولية الملقاة على العلماء لجهة توفير بيانات دقيقة وتحليل صارم من خلال عملهم الأكاديمي والتزامهم بالأسئلة والانعكاسات الناشئة من هذا العمل.
ملحق رقم (1)
إسرائيل والخصوبة [عدد الولادات لكل إمرأة]
|
* بسبب النزاع السياسي المزمن تعرف حدود إسرائيل بطرق عديدة.
المصدر: المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل (CBS).
نسبة التمثيل اليهودي في إسرائيل (نسبة يهود إسرائيل من يهود العالم)
المصدر: إيفغينيا بيستروف (جامعة كييل في ألمانيا) وأرنون سوفر (جامعة حيفا) –عام 2010
الشكل رقم ( 2): الهجرة إلى إسرائيل بالأرقام، 1948-2014
المصدر: المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل (CBS)
دراسة استطلاعية أجريت بين تشرين الأول/أكتوبر 2014 وأيار/مايو 2015. قسم صغير من المستطلعين (أقل من 0,5%)
لم يحددوا انتماءهم لأي مجموعة سكانية فرعية.
Source: PEW Research Center
ملاحظة:
بسبب احتجاب الصحف الإسرائيلية في مناسبة رأس السنة العبرية، تقتصر نشرة "مختارات" على هذه الدراسة التي تتناول التوجهات الديمغرافية في إسرائيل.
نشر هذا المقال في المجلة الصادرة عن "معهد إسرائيل" ومركزه واشنطن ويرأسه إيتامار رابينوفيتس، سفير إسرائيل الأسبق في الولايات المتحدة:
.Abby Bergren & Dr. Ilai Saltzman, “Understanding the Demographics of Israel”, Israel Institute Magazine, Winter 2017, pp. 6-11
- ترجمته عن الإنكليزية: يولا البطل.
- راجع الترجمة: أحمد خليفة.
[1] قال ريفلين إن المجتمع الإسرائيلي مكون من أربعة أسباط (قبائل) وهي على النحو التالي:
1) اليهــود المتدينين، 2) اليهــود غيـر المتدينين، 3) اليهود الأرثوذكـس المتشددين (الحريديم) و4) العرب في إسرائيل. أنظر منشورات مؤتمر هرتسليا: IPS Publications, President Rivlin Four Tribes Initiatives, January 2016, www.herzliyaconference.org (المحرر).