من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
بعد عامين من غيابه عن المشهد السياسي، يتذكر إيهود باراك الوقت والفرص الضائعة لحكومة نتنياهو، التي كان جزءاً منها بين عامي 2009 و2013 من غير أن يستبعد عودته إلى المعترك السياسي.
في أيام الحكومة السابقة، كان وزير الدفاع إيهود باراك، ومن شهر إلى آخر، يصل عموماً في الساعة السادسة صباحاً إلى المقر الرسمي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القائم في شارع بلفور في القدس، حيث كان يجد دائماً في قاعة الانتظار التي يستقبل فيها نتنياهو زواره، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان.
- يستذكر باراك الآن هذه اللقاءات للمرة الأولى علناً، فيقول: "أحياناً كنا نجلس ساعات في فناء مقر رئيس الوزراء. كنت أتحدث معظم الوقت، وأشرح لهما لماذا علينا أن نجري مفاوضات مكثفة مع الفلسطينيين، وهي من وجهة نظري مهمة جداً بحد ذاتها لأن من شأنها تخفيف المعارضتين الخارجية والداخلية للحظة الفاصلة التي سنضطر فيها الى التصرف باستقلالية ضد إيران. بيبي كان يتكلم. ليبرمان كان يبقى صامتاً معظم الوقت.
- وفي نهاية اللقاء، كان ليبرمان يلتفت إلى بيبي ويقول: "كيف أستطيع أن أتعايش مع مقترحات باراك هذه ". جرت عدة لقاءات بيننا على هذا المنوال، وشارك في بعضها يعقــوب عميــدرور [بصفته مستشاراً للأمن القومي آنذاك] ورون ديرميــر [مستشار سياسي] - وكانا من الحلقة المقربة لبيبي.
- في تلك الأيام كان باراك يتمتع بمكانة كاتم أسرار نتنياهو والشخص المقرب جداً منه. ويقول باراك: "عندما كنا ننظر إلى الأعلى، لم نكن نرى سوى السماء"، في إشارة إلى ما كان يوحّد الرجلين ضد العالم أجمع: الرغبة المشتركة في مهاجمة منشآت إيران النووية.
- كان باراك موفداً لرئيس الحكومة إلى الأميركيين، ولعب دوراً موازناً لدور وزير الخارجية ليبرمان في نظر المجتمع الدولي. وكان هناك سياسيون، ربما من بينهم وزير الدفاع، يحلمون بأن يولد التحالف مع نتنياهو زخماً سياسياً ومسيرةً مشتركةً إلى الحكم. لكن في الواقع، أفضى هذا التحالف إلى تأكل مكانة باراك العامة.
س: عمّ تكلمتم طيلة تلك الساعات في بيت رئيس الوزراء؟ وما هي المقترحات التي لم يكن ليبرمان يستطيع التعايش معها؟
ج: "لما كان توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية هو الشيء الأهم، كان الامتحان الوحيد للقيادة هو الاستعداد لإبداء مرونة في أمور أخرى. وكان واضحاً أن الدخول في مفاوضات مكثفة [مع الفلسطينيين] يؤدي إلى تخفيف العوائق إلى حدّ كبير، وإلى تغيير الوضع في أوروبا، وتغييره كلياً في الولايات المتحدة. صحيح أن هذا لن يدفعهم إلى التصفيق لنا أو تشجيعنا، لكنه يخفف من المعارضة".
"كانت هناك معارضة داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، وداخل الحكومة أيضاً، ومن جانب رئيس الدولة، لفكرة القيام بعملية عسكرية ضد إيران. وتجلت هذه المعارضة بنشاط علني وبمحاولات تخويف شديد، لا أساس لها، من تداعيات الضربة العسكرية". فبعد كل شيء، "قلت لنتنياهو وليبرمان أكثر من مرة "جزء من الأسباب الكامنة في اللاوعي للمعارضة الشديدة لنيتنا العمل [عسكرياً] ضد إيران... مصدره لدى التمعن في الأمر هو أن عملية ضد إيران في الحقيقة تخيفهم، وليس من دون سبب. فهذا في الحقيقة أمر ليس بسيطاً أبداً، وبالتأكيد يمكن أن يؤدي على الأقل لحرب مع إيران وحزب الله".
س: أنت تصف ليبرمان الذي يدّعي اليوم أنه وسطي معتدل، بأنه أعاق أي إمكانية لخوض مفاوضات جدية مع الفلسطينيين. هل كان العائق السياسي لنتنياهو، أم أنه كان بمثابة ذريعة؟
ج: "بيبي لا يستطيع، أو أنه لا يريد - لا يمكننا أن نعرف حقيقة الأمر. في سلوكه العلني ثمة عنصر تشاؤمي بارز، وسلبية، وتفضيل سياسة الإحجام على الإقدام".
س: كيف كان يرد ليبرمان عليك عندما حاولت أن تشرح له أهمية المفاوضات مع الفلسطينيين، ولو فقط من أجل تحقيق رغبته بتوجيه ضربة عسكرية لإيران؟
ج: "أريد توضيح الأمور: قلت لهما باستمرار إنه من الضروري إجراء مفاوضات مكثفة مع الفلسطينيين حتى لو كان خطر القنبلة النووية الإيرانية غير موجود. وكان يرد ليبرمان قائلاً إنه لا فرصة للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. شعرت بأنه بإمكاني إقناع نتنياهو... لكن في النهاية، قال لي: "لسنا وحدنا، لا نستطيع أخذ قرار بهذا الشأن من دون ليبرمان".
س: إلى أين ستؤدي سلبية نتنياهو تجاه المسألة الفلسطينية حسب رأيك؟
ج: "في نهاية المطاف، تؤدي السلبية وعدم الفعل إلى أن يُفرض علينا أمر أقل بكثير مما كنا نستطيع نحن تحقيقه... نحن نحكم شعباً آخر منذ 47 عاماً، متجاهلين حقيقة أن الوضع تغيّر كثيراً في الساحة الدولية. لم يعد زعماء العالم يذكرون الظروف التي رافقت نشوء دولة إسرائيل وكفاحها... انقلبت صورة داوود ومقلاعه في مواجهة جوليات الذي يسعى لقتله. ما يعلق اليوم في وعي الناس هو صورة الفتى الفلسطيني الذي يستخدم سلاح داوود في مواجهة إسرائيليين مدجّجين بأسلحة داخل دبابات، وبصواريخ وما إلى ذلك. أضحت هذه الصورة مغروسة في وعي عموم الناس في الخارج. وفي القرن الحادي والعشرين، لا فرصة للإبقاء على هذا الوضع مقبولاً من قبل المجتمع الدولي، أي استمرار حكم إسرائيل لهؤلاء الملايين [من الفلسطينيين]، وفي الوقت نفسه، حرمانهم من المشاركة في الانتخابات العامة للكنيست".
س: متى سيأتي اليوم الذي سيعاملنا فيه العالم مثلما عامل دي كليرك [آخر رئيس أبيض] في جنوب أفريقيا؟
ج: "سيأتي. حتماً سيأتي. إنه منحدر زلق، ونحن نسير عليه باتجاه دولة واحدة لشعبين."
س: انهار نظام الأبارتهايد [في جنوب أفريقيا] تحت ضغط مقاطعة اقتصادية عالمية. هل ترى أن وضعاً كهذا سيصل إلينا؟
ج: "هناك مسارات بطيئة لنزع الشرعية عن إسرائيل تجري تحت السطح. إن حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (BDS) آخذة في التطور.. انظر إلى مكانة إسرائيل في مجتمع الاتحادات العمالية الدولية في أرجاء العالم: الصورة كالحة. وهذا سيتواصل ليشمل منظمات المستهلكين، وصناديق التقاعد، والجامعات".
س: هل صادفت بنفسك مظاهر هذه الحملة؟
ج: "أنا ألقي محاضرات كثيرة في جامعات أميركية، ويسعني أن أقارن مع الماضي، عندما ألقيت محاضرات في تلك الجامعات قبل عشرة أعوام، وعندما كنت طالباً في الولايات المتحدة قبل 35 عاماً. آنذاك، كانت الجامعات الأميركية حافلة بمعاقل تعاطف مع إسرائيل. أما اليوم، أنت تذهب إلى جامعة، ويطلعونك مسبقاً إن كانت ستجري تظاهرة معارضة أم لا... قد تكون هذه المجموعات غير مهمة من الناحية العددية، لكن على صعيد الجوهر، إنها نواة القيادة المستقبلية للولايات المتحدة وللعالم. إنه مسار بطيء، ولكنه آخذ في الانزلاق، لا سمح الله، لكنه ينحدر نحو الهاوية".
خطر تفاقم عزلة إسرائيل الدولية
- إبان عملية "الجرف الصامد" وعندما بدا أنه ساد الطرقات والشبكات الاجتماعية خطاب عنيف وعنصري دعا إلى القضاء على العرب وإلى شنق اليساريين، عبّر باراك خلال لقاء مع أحد أصدقائه، عن تحفظه من مواصلة العملية في الجنوب، وعن اشمئزازه من دعوات ليبرمان وبينت وديسكين، إلى احتلال قطاع غزة. كان ثمة نغمة تنبؤية مروعة في تحليله. اعتبر باراك آنذاك أنه عندما تصل إلى الحكم حكومة مشكلة من ائتلاف يميني ضيق، تتشبث أكثر بذرائعها، وتصطدم بالمجتمع الدولي، وتتسبب بعقوبات اقتصادية دولية شديدة وبعزلة إسرائيل، يمكن أن يبصر الناس الأمور على حقيقتها ويتغير الحكام.
- وقد يكون مصيره السياسي الشخصي مرتبطاً بهذا التغيير مثلما سيتبين في ما يلي.
لكن باراك يقول اليوم: "أرفض هذه الأطروحة الماركسية التي تقول "يا أزمة اشتدي إلى أن تتحسن الأحوال". لكن أليس هذا احتمالا واردا؟ فقد يحدث هذا الأمر برغم إرادتنا. لا نريد المقاطعة، لكنها واردة. لا نريد عزلة إسرائيل، لكن عزلة مؤلمة جداً لإسرائيل واردة. وهناك أيضاً خطر تلوح بوادره منذ الآن قد يأخذنا إلى نقطة اللاعودة: إذ يوفر الضغط الخارجي مناخاً تبريرياً يدفعنا إلى قول التالي: "العالم كله ضدنا"، "إنها قضية خاسرة"، "فلنتشبث بتبريراتنا الذاتية"". - "في حالة دي كليرك، حدث الأمر من خلال الضغط الاقتصادي، إذ لم يستطع تحمل ضغط العقوبات. وهذا ما أحدث يقظتهم. كانوا أناساً أذكياء ومثقفين، مع تبريرات مدهشة. كانوا يقولون: أعطينا السود كل شيء، أعطيناهم إمكانية العمل، والفرص لكي يتطوروا".
س: إنها الرواية نفسها التي نرويها لأنفسنا عن العرب.
ج: "كلامي واضح بما يكفي. وبشكل أساسي بالنسبة إلى أولئك الذين أقصد توجيه كلامي إليهم. في الفجوة بين سلوك يهود الشتات وخطابة العمود الفقري الصلب، علقنا حتى قبل أن يتسنى لك السيطرة على خطاب الغطرسة، وبذلك يمكن تضييع النقطة التي كان يجب أن تتخذ فيها القرارات الأخيرة. الخلل في رأيي هو التالي: عدم القيام بأي شيء، ونختبئ وراء تبريراتنا الذاتية فنجد أنفسنا نتجه نحو حل الدولة الواحدة. اما الإمكانية الثانية فهي الخروج في أقرب وقت من واقع دولة واحدة لشعبين...".
"طيلة تلك السنوات التي كنت فيها مع نتنياهو في الحكومة، عندما كان يطرح السؤال: "ما هو الضرر؟" كان بيبي يجيب: ما هي المشكلة في هذه الأثناء؟ لا توجد مقاطعة، لا يوجد عنف، وفي غضون ذلك نجحنا في الحفاظ على السقف، وفي الحفاظ على الجدران، لم ينهر شيء والقافلة تسير، التنبؤات لم تتحقق، وضعنا ممتاز'،.بيد أن هذه الأمور تحدث فعلاً".
س: في عهد نتنياهو، لم نعايش جموداً وحسب، بل رأينا شروطاً قاسية. ما هو رأيك مثلاً في مطالبة نتنياهو الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل؟
ج: "منذ متى أنت تربط مشروعية التفاوض مع شريك فلسطيني بمسألة ما إذا كان مستعداً للاعتراف بدولة إسرائيل دولة للشعب اليهودي؟ الصهيونية تأسّست لكي نقرر نحن، لا لنبحث عن اعتراف من قبل الآخرين. هل طلبنا اعترافاً من المصريين؟ أو الأردنيين؟ أو السوريين؟
س: عندما دخلت الكنيست عام 2009، قلت: "بيبي سيكون أكثر شبهاً ببيغن منه بشامير".
ج: "صحيح. لكن تسألني هل تحقق ذلك؟ كلا".
س: ماذا حدث؟ لقد وعدكما أنت ودان مريدور باتخاذ خطوات كبيرة. قدّم نتنياهو تنازلات أكبر في ولايته الأولى: أعاد الخليل ووقع اتفاق واي ريفير [1998].
ج: "تعلّم نتنياهو درساً واحداً من ولايته الأولى: ضرورة ألا تفقد قاعدتك السياسية مهما كان الثمن! إن العامل الحاسم في ما يفعله، في نهاية المطاف، هو البقاء.
"الزمن سيخبرنا إن كان نتنياهو فقد سحره بالنسبة للناخبين. هناك شعور بخيبة الأمل منذ عملية الجرف الصامد لأن تكلفتها كانت باهظة، ولأن النصر لم يكن حاسماً"...
س: أنت تصف نتنياهو بأنه شخص تشاؤمي وسلبي. لكن نظرته إلى ذاته ليست هكذا بالتأكيد. ما هي الأوصاف التي يسبغها على نفسه كي يواصل التصرف على هذا المنوال، من دون أن يولّد لديه الواقع تناقضاً حاداً؟
ج: "لقد بلور رؤية خاصة به للعالم، هي نوع من أيديولوجية بمعنى ما، ومستقاة من الموروث بأكثر من طريقة، ومن إدراكه وتجربته الذاتيين. تقوده رؤيته إلى مقاربة تشاؤمية وسلبية تجاه الواقع... فهو يقول: 'انظروا ماذا فعل شارون في غزة، وماذا فعل باراك في لبنان'. هو لا يسأل نفسه هل يرغب أحد بالعودة إلى غزة، أو إلى لبنان. إنه يستفيد من واقعين: يقبل نتيجة [الانسحاب من غزة ولبنان] ويواصل انتقاده".
"أنا أستشعر حركةً مماثلةً وسط الجمهور الإسرائيلي. إن الجسد السياسي (body politic) أي مجتمع المنشغلين بالسياسة، يميل نحو اليمين بقوة. لكن، بالنسبة لما هو الجمهور مستعد للقبول به، فالجمهور حسب رأيي، أكثر نضجاً مما هم يعتقدون. يزداد يومياً عدد الإسرائيليين الذين يدركون أن لا حلّ غير الحلّ الذي كان موضوعاً على الطاولة في كمب ديفيد، أو الخطوط العريضة لمقترحات كلينتون أو أنابوليس، لا فرق".
س: هل سيجد هذا التناقض تعبيره في الانتخابات القادمة؟
ج: "يا ليت! كم أود ذلك".
قلبه على هرتسوغ [حزب العمل] وكحلون [حزب "كولانا"]
... ....
- في غضون ذلك، وفي خطوة فاجأت حتى باراك، أعلن نتنياهو تقديم موعد الانتخابات. وعلى رأس معسكر الوسط - يسار شخص كان يعتبر حتى قبل شهرين مرشحاً يفتقر إلى البريق والكريزما، ولا تتاح له فرصة حقيقة للاقتراب من مواقع السلطة المرغوبة.
"ابن أورا [هيرتسوغ]"، هكذا لقّب باراك "بوغي [يتسحاق] هرتسوغ" [زعيم حزب العمل ورئيس المعارضة]، الذي كان رئيس مكتبه في أثناء حكومته، والذي التزم الصمت في تحقيق تحذيري للشرطة حول تمويل حملة باراك الانتخابية لرئاسة الحكومة [1999]. - يقول باراك اليوم إن هرتسوغ، مستشاره الخاص خلال الحملة، كان على حق في التزام الصمت، لأن تحقيقات الشرطة مولودة في الخطيئة، ولا سيما أنهما حصلا على إذن مسبق من السلطات القضائية لإقامة نظام سمح بتدفق ملايين الدولارات، أساساً من كبار رجال الأعمال العاملين في الخارج.
س: هل هرتسوغ جدير بتولي رئاسة الحكومة؟
ج: "بوغي شخص جدي وجدير. صحيح أنه لا يمتلك طلّة وحضوراً ملتهباً، ولكن بدأت هذه الملامح بالتفتح في الأسابيع القليلة الماضية، في مواجهة وضوح التحدي وخطورته. إنه ذكي وهادف، ومجتهد في العمل. وهو بالتأكيد سيقف على قدميه في هذه الانتخابات. هاجموه كثيراً بسبب اتحاده مع تسيبي [ليفني]. لكنني أعتقد أنها كانت خطوة صحيحة من جانبه".
س: المداورة في رئاسة الحكومة أيضاً؟
ج: "بالتأكيد.لأنهما إذا لم يفوزا، فلا مشكلة. أما إذا فازا بأكثرية تمكنهما من تشكيل حكومة لوحدهما، أو مع حزب صغير يدور في فلكهما، فسيتناوبان مثلما تعهدا. أنا أثق به في هذا الشأن".
س: تبدو فرصة حصول ذلك شبه معدومة.
ج: "إذا تبيّن أن الائتلاف الحكومي يتطلب شريكاً آخر يمكن إشراك كحلون، أو ليبرمان، أو كليهما، والمطالبة بالتناوب. عندئذ، فلا مفر أمام تسيبي سوى التنازل".
س: لمن ستعطي صوتك؟
ج: "من الطبيعي أن أمنحه لهرتسوغ. لكن [موشيه] كحلون شخص جيد أيضاً. ترك لدي انطباعاً جيداً في الحكومة. إنه صريح، وحقيقي، وعملي، ومهتم ومنفتح. بوغي أكثر خبرةً. هناك شريحة من الشباب الذين لا يمكنهم التصويت لحزب العمل، وفئات أميل إلى الوسط، ومن هنا، يمثل كحلون إمكانية جيدة بالتأكيد".
س: وماذا عنك؟ إذا فاز اليمين وتحصن في شرنقته وعجّل بحلول الكارثة، هل سيتم استدعاؤك؟
ج: "أنا واع بما فيه الكفاية لأعرف أنه يمكن أن تنشأ ظروف، معاذ الله، وهو التعبير المناسب، يأتون بسببها إليّ وسأضطر إلى درس هذا الأمر. ونظراً إلى أنني أعرف ما هي طبيعة تلك الظروف، فأنا أدعو إلى أن لا نصل إليها، وأن يحدث أي شيء آخر. هناك اليوم بوغي، وعلينا أن نمنحه الفرصة هو وكحلون. ومن الممكن أن نشرك أيضاً في الحلبة شمعون بيرس".
س: يبدو بيرس وهو في عمر الـ91 عاماً، لاعباً مناسباً لتعزيز معسكر الوسط - يسار أكثر منك. طُرح اسمه ولم يذكر اسمك ولو تلميحاً.
ج: "أنا أقول للجميع: لا تأتوا إليّ إذا كان شمعون موجوداً".
حول موقف باراك المؤيد لضربة
عسكرية لمشروع إيران النووي
"هآرتس"، 14/1/2015
- اعتُبر إيهود باراك من أشد مؤيدي الضربة العسكرية لمنشآت إيران النووية، فقد تحالف مع نتنياهو وليبرمان في مواجهة ائتلاف عريض معارض للضربة ضمّ شمعون بيرس ووزراء ورؤساء أجهزة أمنية من أمثال رئيس الموساد مئير داغان ورئيس الشاباك يوفال ديسكين. وقال لزملائه في الحكومة في أواخر العام 2012 قبل أن يستقيل بفترة قصيرة، أنه إذا لم تُقْدم إسرائيل قريباً على توجيه ضربة لإيران، فهناك شك كبير في أن تتمكن يوماً ما من تنفيذ هكذا ضربة.
- بعد نحو عام على هذا التوقع، توصّلت القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة إلى اتفاق موقت مع إيران تضمّن تخفيفاً للعقوبات من جانب الدول الكبرى وتجميداً لتخصيب اليورانيوم من جانب إيران. ومن المفترض أن يؤدي الاتفاق الموقت إلى اتفاق دائم لم يتبلور بعد. بيد أن باراك لا يعتقد أن العالم سينجح في إيقاف مسعى الإيرانيين بواسطة المفاوضات. وهو يعبّر عن تشاؤمه بالقول: "هذا المفهوم بمجمله خطأ".
س: لماذا خطأ؟ لعلهم ينجحون في وقف البرنامج النووي الإيراني من دون عملية عسكرية ستتسبب في ضحايا كثيرين.
ج: "إن ما دفع الإيرانيين إلى الدخول في مفاوضات هو حصيلة تضافر ضغوط ثلاثة: أولها العقوبات، وأساساً في مجال تصدير النفط، وعدم إمكانية الوصول إلى النظام المالي والمصرفي الدولي؛ وثانيها هو التهديد المتمثل في احتمال أن توجه إسرائيل أو الولايات المتحدة، أو في نظر الإيرانيين، الاثنتان معاً، ضربة لإيران في حال استمرار الوضع على ما هو عليه من دون محادثات أو اتفاق. ونتيجة هاتين الضائقتين، نشأ عنصر ضاغط إضافي: الخشية من إصابة النظام الإيراني بالضعف، هكذا توصل الإيرانيون إلى استنتاج مفاده أنه يجدر السماح لحسن روحاني بالفوز في الانتخابات والذهاب إلى اتفاق. فالذهاب إلى اتفاق من شأنه أن ينتج واقعاً واقعاً مريحاً أكثر للإيرانيين على صعيد العقوبات الخانقة، وأن يتيح خوض نقاش يستغرق وقتاً طويلاً حول بلوغ اتفاق دائم. وتنطوي هذه المنهجية على ضرر يتمثل في تخفيف الضغطين الرئيسيين على الإيرانيين: العقوبات من جهة، والخوف من الضربة العسكرية من جهة ثانية. ونتيجة لذلك، بدأ يخف الضغط الثالث: الخوف من تعرض نظام الملالي في إيران للضعف. وهنا وقع خطأ كبير على الرغم من أن المفاوضات أعادت الإيرانيين نصف عام إلى الوراء".
"الإيرانيون غير معنيين بالتوصل إلى اتفاق دائم. فهم يحبذون اتفاقاً موقتاً معدّلاً، واستغلالَ واقع أن الأميركيين يفضلون بحسب تقديرهم، اتفاقاً من هذا القبيل على رفع الأيدي استسلاماً والاعتراف بالفشل. فالإيرانيون الذين يتقنون تقييم الأوضاع يعتقدون أن الإدارة الأميركية غيّرت هدفها المعلن من أنه: "لن نسمح بدولة إيرانية نووية عسكرية"، إلى هدف آخر دون أن تعترف بذلك: "لن نسمح بدولة إيرانية نووية عسكرية في عهدنا". والإيرانيون يبتغون كسب الوقت وانتظار فرصة تنطوي على فتح نافذة متمثلة في انصراف العالم عن التدخل في شؤونهم طيلة عام، فيسرعون قدماً، ونحن ربما نجد أنفسنا في مواجهة أمر واقع جديد".
.......
س: الأميركيون غير متحمسين للضربة العسكرية. والإيرانيون ماضون في اكتساب قوة ومناعة. فهل قدرة إسرائيل على توجيه ضربة محدودة؟
ج: "إن السباق بين قدرتنا على إلحاق الأذى بالمناعة الذي هم ماضون في اكتسابها، ليس فقط نتيجة المحادثات الجارية، وإنما أيضاً نتيجة تقدم المسار من قبلهم بحد ذاته، لا يوحي بالتفاؤل. لا تزال القدرة الإسرائيلية موجودة، لكنها تضاءلت وهي عرضة للتأكل".
س: هل يتهددنا الآن خطر تحول إيران إلى دولة على عتبة النووي أكثر مما مضى؟
ج: "بمعنى ما، نعم. بمعنى ما، حصانة المناعة تزداد، وبمعنى ما، قدرتنا تتضائل. وبمعنى ما، كون المحادثات مستمرة لا يعزز إمكانية عمل عسكري إسرائيلي مستقل...
س: إذا تمكن الإيرانيون من امتلاك سلاح نووي، هل تعتقد أنهم سيستخدمونه بصورة هجومية؟
ج: "لا أعتقد أنهم سيبادرون إلى استخدام السلاح النووي إلا إذا شعروا بأن نظامهم على وشك السقوط. إن المشروع النووي الإيراني لا يمثل تهديداً وجودياً فورياً، لكن وحده أعمى البصيرة لا يرى أنه قد يتطور إلى تهديد وجودي مستقبلاً. انظر إلى ما قاله [علي أكبر] هاشمي رفسنجاني قبل أكثر من عقد، وهو يعتبر سياسياً معتدلاً. قال إن قنبلة واحدة كفيلة بالقضاء على الحكاية الصهيونية، وبما أن إسرائيل تواجه 25 دولة إسلامية، فهي لا تستطيع أن ترد إلا على من تعتقد أنه الطرف الذي هاجمها، وهذا يؤدي إلى نشوء لا تناظر عميق. لم يتابع هاشمي رفسنجاني تصوره، ولم يقل إنه يمكن بالتحديد إرسال قنبلة نووية من دون توقيع المرسل في حاوية إلى أسدود أو حيفا، بحيث لن نعرف إلى من ينبغي توجيه الرد الانتقامي. هناك في إيران تفكير عقلاني من ناحية التحليل، وتطرف من ناحية الإمكانيات الذين هم على استعداد للتلويح بها".
س: هل علينا حزم حقائبنا؟
ج: "المسألة ليست إما شعور بالابتهاج أو إحساس بالكآبة. فنحن لا نزال الدولة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، وسنبقى كذلك في المدى المنظور، حتى في حال سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على العراق، وسورية، والأردن، ولبنان، وحتى في حال سقوط باكستان ووجود ست قنابل نووية السعودية، وست قنابل في إيران.
س: هل تصريحاتك وكلام نتنياهو حول توجيه ضربة عسكرية لإيران كانت بمثابة ثرثرة لا طائل تحتها؟
ج: "كل ما قلناه آنذاك لم يكن من أجل إحداث انطباع طيّب ولم يكن ثرثرة. نوينا العمل بجدية، لكن في كل عام لهذا السبب أو ذاك، لم يصل الأمر إلى الفعل. كان المنطق لدينا ولا يزال أنه علينا أن نكون قادرين على العمل، لأنه من الممكن أن نصل إلى وضع يتضح لنا فيه أن [المشروع النووي] بات قريباً من اكتساب المناعة وأنه لا أحد ينوي القيام بعمل [لوقفه]، وأنه نتيجة التقصير ستتحول إيران تلقائياً إلى دولة على عتبة النووي ولاحقاً إلى قوة نووية كبرى".
س: لم تنجحوا في تشكيل ائتلاف سياسي داعم للضربة العسكرية. وصلت الأمور إلى حد النقاش في طاقم الوزراء الثمانية ولم تحصلوا على التأييد.
ج: "بالفعل لم يصل الأمر إلى حصولنا على أكثرية واضحة في طاقم الثمانية تسمح لنا بالذهاب إلى الحكومة الأمنية المصغرة، وهلم جراً. كانت هناك بؤر مقاومة لفكرة الضربة العسكرية. وجرى تعريض الجمهور لحملة تخويف".
س: تكلم رئيس الموساد السابق مئير داغان عن سقوط مئات القتلى.
ج: "وتحدثت [عضو الكنيست عن حزب كديما] داليا إيتسيك عن عشرات آلاف القتلى".
س: مع احترامنا لداليا إيتسيك.
ج: "داليا إيتسيك لم تقل "أنا حلمت بذلك". زعمت أن مسؤولين أمنيين كباراً تكلموا معها. وأنا قلت إنه لن يسقط آلاف الضحايا وإن الرقم لن يصل إلى 500 ضحية. أؤكد لك أن سيناريوات الجيش الإسرائيلي تضمت تقديرات لعدد أقل بكثير".
س: تعاملت المؤسسة الأمنية معكما أنت ونتنياهو، بقلق وعدم ثقة. روى [يوفال] ديسكين [رئيس الشاباك] أن الانطباع الذي تولد لديه إبان النقاشات هو أنك تفضل مصلحتك الشخصية على المصلحة الوطنية، وأنه لا يعتمد عليك ولا على نتنياهو في الملف الإيراني.
ج: "قد لا تكون شخصية ديسكين مكتملة النضوج، ولعله يعيش في عالمه الداخلي الخاص المنقطع عن الواقع".
س: امتعض ديسكين عندما رآكما تتناقشان حول مهاجمة إيران وأنتما تشربان الويسكي وتدخنان السيجار.
ج: "أنا لا أريد التكلم بفوقية والتذكير بزعماء غيروا الواقع حين كانوا يدخنون سيجاراً ويشربون كأس ويسكي. لا أدعي أن الويسكي يشحذ الحواس بشأن قرارات تاريخية، كما أنني لا أستخف برأي معارضي الضربة العسكرية. فهذا ليس قراراً بسيطاً أو سهلاً، إذ كان يمكن أن يؤدي إلى حرب مع إيران وحزب الله. درجت الممارسة العملية في إسرائيل، وهذا أمر جيد، على استدعاء رؤساء الأجهزة الأمنية لأخذ آرائهم حول ضرورة أي عمل عسكري، كما لو أنهم جزء من فريق صانعي القرار، من دون أن يحق لهم المشاركة في التصويت. ولكن لأسباب يصعب فهمها، أضحى رؤساء الأجهزة الأمنية يعملون بطريقة أقل مشروعية من خلال تصريحات هاذية كالتي صدرت عن ديسكين، أو غير مسؤولة كالتي صدرت عن داغان وأشكنازي".
س: أنت افترضت أن الضربة العسكرية من شأنها أن تؤخر البرنامج النووي الإيراني بضعة أعوام، وأن نظام الملالي سينهار قبل ذلك الوقت. ألا ينطوي الأمر على مراهنة خطرة: نجازف بالحرب ونتعرض لانتقام إيران، من دون أن تكون لدينا ضمانة فعلية بأنهم لن يعيدوا بناء ما دمرنا؟
ج: "لا أحد يتلهف للقيام ضربة عسكرية. لم نفكر على الإطلاق في أنه ينبغي القيام بعمل عسكري لمجرد وجود فرصة، بل فقط عندما تتوفر إمكانية، وقدرة عملانية، وتكون هناك ضرورة. والضرورة تعني أنه إذا لم نتصرف فلن يوقف إيران شيء. كنا نفضّل جميعاً أن تحدث ثورة من الداخل أو أن يرضخوا للعقوبات. أو إذا لم يحدث ذلك - أن يقوم طرف آخر بإيقافهم. وإذا ما تبددت كل الآمال، علينا أن نتصرف. وأنا أقول بمسؤولية إن معارضي الضربة العسكرية بالغوا في وصف ما يمكن أن يحدث في حال الصدام. بمستطاع الإيرانيين على أبعد تقدير أن يطلقوا صواريخ. هذا ليس أمراً بسيطاً، لكن في مواجهة مثل هذه الصواريخ هناك فترة إنذار تبلغ عشر دقائق. ولا سبب يدعو أي إنسان ليكون في منطقة سقوط هذه الصواريخ المعروفة مقدماً".
"إن قدرتهم على استخدام حزب الله ضدنا هي تهديد حقيقي يفوق قدرتهم على العمل بشكل مباشر. لكن كان هناك تصوير لمجرى الأحدات بهدف التخويف من قبل شخصيات كبيرة في الدولة، مثل ذلك الذي وصف كيف يتم شنق طيارين في إيران. في العام 1967، طار سرب الطائرات المقاتلة الإسرائيلية وعاد بعد ساعة وقد فقد 10% من طاقمه. لكن هذا هو ما حسم نتيجة الحرب. وأيضاً في حالات سابقة تصرفنا فيها، لم نعرف كم من الزمن كنا نستطيع تأخير حصول دولة معينة على سلاح نووي، فعندما دمرنا المفاعل العراقي، لم يكن واضحاً هل سيدوم مفعول التدمير أكثر من ثلاثة أو أربعة أعوام، لأنه [إعادة البناء] كان من الممكن مطالبة الشركة الفرنسية بإعادة بناء المفاعل. لكن، ليس الأمر بسيطاً إلى هذا الحد، لأنه يوجد دائماً، من ضمن أمور أخرى، خطر التكرار، ليس فقط من قبلهم وإنما تكرار الضربة ايضاً".
س: في الختام، دعاك كل من نتنياهو وقادة الليكود، في أعقاب الكلام الذي قلته لنا في [الجزء الأول] من المقابلة الأسبوع الماضي، حول ضرورة تحريك المفاوضات قبل الانزلاق إلى العزلة والمقاطعة، إلى "الصحو والتخلي عن مواقف يسارية غير مسؤولة". فهل صحوت؟
ج: "لست بحاجة إلى أي شخص من معسكر اليمين كي أصحو. أنا جئت من عالم الفعل. الأمر الذي أمتاز فيه على نتنياهو وليبرمان هو أنني جئت من مجال الفعل العملاني، في حين أنهم يجيئون من عالم الخطابة. أعرف أكثر كل واحد منهم حقيقة التهديدات وأدرك بصورة منهجية ما هي طبيعة الأخطار. وهذا ما يجعلني أدلي بأقوال تبدو يسارية للوهلة الأولى، وأهاجم بشكل صريح أطروحات معسكر اليمين، مثل الطرح الذي أسمعه اليوم من فم ليبرمان الذي يزعم أنه يمكن الذهاب إلى تسوية إقليمية من دون وضع النزاع مع الفلسطينيين على رأس جدول الأعمال. إنها مجرد أوهام، إنه هذيان. أو ما يقوله [نفتالي] بينت بصراحة ولا يجرؤ بيبي [نتنياهو] على قوله: أي أن الحل هو حكم ذاتي. هذا أيضاً هذيان، لن يقبله أحد في العالم اليوم. أو الطرح الذي يطرحه نتنياهو والذي علق في أذهان جمهور اليمين، وهو أنه على ضوء تجربة الثلاث سنوات الماضية، لا يمكن ربط مطالب الحد الأدنى الأمنية لإسرائيل بفكرة دولتين لشعبين. وفي نظري لا يوجد تناقض بينهما. استدع جميع رؤساء هيئة الأركان العامة والشاباك السابقين، واستمزج آراءهم. سيقولون لك إنه من الأسهل الدفاع عن إسرائيل انطلاقاً من حدود معترف بها دولياً، وفي ظل ترتيبات أمنية وكتل استيطانية".