[أجرت الصحف الثلاث الكبرى في إسرائيل، كل على انفراد، مقابلة مع وزير الدفاع موشيه يعلون هي الأولى من نوعها منذ انتهاء عملية الجرف الصامد في غزة، نقتطف أهم ما جاء فيها].
- [هآرتس] عندما يُسأل وزير الدفاع موشيه يعلون عن التحديات الخارجية التي تواجهها إسرائيل، فإن جوابه يكون دائماً موزوناً وحكيماً، فهو دائماً يحاول أن يضع خطورة التهديد في حجمه الصحيح أو أقل. وفي ما يتعلق بالعملية السياسية مع الفلسطينيين، فإن موقفه المتشائم يترجم من خلال موقف صقري متصلب، لكن بالنسبة إلى كل ما له علاقة باستخدام القوة العسكرية، فيبدو وزير الدفاع رجلاً حذراً للغاية. وقد برز هذا التوجه طوال الحرب في غزة خلال الصيف الأخير، كما برز في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "هآرتس"، ففي رأي يعلون تعيش إسرائيل في محيط عدائي وعليها أن تتحرك داخله بحزم لكن بحذر، ولا يوجد سبب للانفعال
- [هآرتس] بعد مرور أسابيع من وقف كامل لإطلاق النار في غزة، شهد الشمال تحديداً عدداً من الحوادث الأمنية - إسقاط طائرة سورية حربية خرقت الحدود في الجولان، وجرح جنديين بتفجير عبوات زرعها حزب الله في هار دوف [مزراع شبعا]. يعترف يعلون "بأن من الممكن أن يكون حزب الله أصبح أكثر ثقة بنفسه مما اعتقدنا" وأنه يحاول وضع معادلة ردع جديدة على طرفي الحدود اللبنانية والسورية، يقوم في إطارها بالرد بهجمات على أراضينا على كل عمل عسكري ينسب إلى إسرائيل داخل أراضي لبنان. وأضاف: "يوجد هنا تحول بالمقارنة مع الماضي حين كان النظام السوري يستخدم حزب الله من أجل مهاجمتنا في جنوب لبنان من دون أن نستطيع توجيه التهمة إليه مباشرة. اليوم، يستخدم حزب الله الأسلوب عينه في هضبة الجولان". وتنسب إسرائيل المسؤولية عن عدد من الحوادث التي جرت السنة الماضية في الجولان من نوع زرع عبوات ناسفة وإطلاق صورايخ، إلى ميليشيات مرتبطة بنظام الأسد في سورية لكنها تعمل بإمرة حزب الله والحرس الثوري الإيراني.
- [هآرتس] يعترف يعلون بأن الهجوم الأخير الذي شنه حزب الله كان هجوماً طموحاً، لكنه يستبعد أن تكون الاستخبارات الإسرائيلية تقلل من جدية نيات الحزب الذي يبدو وكأنه كان مستعداً للمجازفة بالتصعيد لو نجحت خطته في قتل عدد كبير من الجنود من خلال استخدام العبوات. ويرى يعلون أن الحزب يرسل مقاتليه إلى العراق وسورية بطلب إيران. كما يغرق في حرب داخلية في مواجهة الفصائل السنية المتشددة في البقاع اللبناني. وهو يعاني من الكثير من المشكلات غير التصعيد في مواجهة إسرائيل.
- [ورداً على سؤال موجه من "معاريف"]: "هل تعتقد أن حزب الله يرغب في التصعيد" أجاب: "صحيح أن الهجوم الذي جرى في هار دوف [مزارع شبعا] هو الثاني من نوعه في السنة الأخيرة. لكن يجب النظر إليه ضمن إطار محاولة حزب الله المحافظة على قواعد اللعبة وردعنا عن العمل في لبنان، وليس كمن يريد التصعيد في الشمال".
الأسد يسيطر على 25% من أراضي الدولة السورية
- [هآرتس] في رأي يعلون أن المواجهات في لبنان هي نتيجة الحرب الأهلية في سورية. وهو يعتقد أن الأسد يسيطر حالياً على 25% من أراضي الدولة السورية، ويضيف: "هذه ليست سورية بل علويستان - مجموعة مدن الساحل شمال البلاد والممر الذي يربطها بدمشق. لقد نجح الثوار في السيطرة على المنطقة القريبة من حدودنا في الجولان. في حين تسيطر داعش على شرقي سورية، وفي الشمال الشرقي هناك حكم ذاتي للأكراد".
خطر داعش قد يصل إلى حدودنا
- يثير دخول تنظيمات سنية متشددة قريبة من القاعدة مثل جبهة النصرة، إلى الجولان، القلق لدى يعلون، لكنه يعتقد أن الوضع حتى الآن ما يزال تحت السيطرة. ويقول: "من الواضح أن هناك حالة من عدم الاستقرار. لكن في المنطقة القريبة من الحدود تسيطر ميليشيات أكثر اعتدالاً مثل الجيش السوري الحر. وليس سراً أنهم يستفيدون من المساعدة الإنسانية التي نقدمها لسكان القرى في المنطقة مثل المعالجة الطبية في مستشفياتنا، وتقديم الغذاء للأطفال، والمعدات والبطانيات في فصل الشتاء. وهذا يجري شرط عدم السماح للتنظيمات المتشددة بالاقتراب من الحدود".
- [معاريف] ولدى سؤاله عن خطر داعش أجاب: "حتى الآن لا يشكل داعش خطراً علينا، وهو ليس قريباً من حدودنا، لكنه ظاهرة نتعامل معها بوصفها خطراً على مصالحنا، ولأن أتباع هذا التنظيم قادرون على الاقتراب من هضبة الجولان، والتسلل إلى الأردن وزعزعته. وهم يقاتلون حالياً داخل لبنان في عرسال وبريتال - قرية شيعية مهمة في البقاع، حيث تدور حرب يومية ضد قوات مشتركة من داعش وجبهة النصرة اللتين تقاتلان حزب الله والجيش اللبناني.
- [معاريف] ومن الأمور التي تثير دهشتنا كيف أن حزب الله والجيش اللبناني اللذين يتعاونان معاً لا ينجحان في معالجة المشكلة من جذورها، ويتكبدان القتلى والمخطوفين. إذا لم يجر كبح هذه الظاهرة فمن الممكن أن تصل إلى حدودنا".
- [معاريف] وسئل: "هل تتخوف من أن تؤدي الحرب على داعش إلى تقديم تنازلات غربية إلى إيران؟"، فأجاب: "حتى الآن هذا لم يحدث، لكن هذا التخوف عاد إلى الظهور في الأسابيع الأخيرة. نحن نتابع بقلق المفاوضات بين الدول الست بقيادة الولايات المتحدة. لقد جرى تمديد موعد انتهاء المفاوضات من 24 تموز/يوليو إلى 24 تشرين الثاني/نوفمبر. وهناك إصرار إيراني على الاحتفاظ بالقدرة على الوصول إلى قنبلة نووية. والتنازلات التي يقدمونها في المفاوضات تؤدي إلى تمديد الفترة التي يحتاجون اليها من أجل الوصول إلى القنبلة النووية.... لذا فالاتفاق كما يبدو اليوم ليس اتفاقاً جيداً".
وسئل: "هل لدى إسرائيل خيار عسكري ضد إيران؟" فأجاب: "بصورة مبدئية نحن قادرون على الدفاع عن أنفسنا بقوانا الذاتية".
دروس الحرب الأخيرة على غزة
- [هآرتس] ولدى سؤال يعلون ماذا تعلم حزب الله والتنظيمات الأخرى من الحرب الأخيرة على غزة أجاب: "قبل كل شيء مقولة خيوط العنكبوت لم تعد قائمة". ويقصد يعلون الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في أيار/مايو 2000 بعد أيام على انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان حين شبّه ضعف صمود المجتمع الإسرائيلي بخيوط العنكبوت. ففي رأي يعلون أن هذا الوصف ينطبق على التسعينيات لكن الأمور اختلفت منذ ذلك الحين. وتابع: "في البداية هناك عملية الجدار الواقي سنة 2002، والعمليات العسكرية في غزة وآخرها الجرف الصامد. نحن أمام توجه مختلف وإصرار مختلف". لا يثير استمرار القتال في غزة 50 يوماً رضى يعلون، لكنه يرى أن هذا أظهر للعرب أن إسرائيل بعكس بعض التقديرات، قادرة على الصمود في حرب استنزاف، وقادرة على الدفاع عن نفسها وعلى تدفيع أعدائها ثمناً باهظاً.
- [يديعوت أحرونوت] وسئل يعلون: "قال نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة إن "حماس" هي داعش، لكن إسرائيل تجري مفاوضات مع حماس في القاهرة، وقررت عدم إسقاطها"، فأجاب: "في مواجهة التحديات أنت تدرس الفائدة والثمن، وهذا ما فعلناه بهدوء في نقاشات المجلس الوزاري خلال العملية العسكرية. وما خططنا له على المدى البعيد سيتحقق. حركة "حماس" ستنهار، فالحركة التي تستند إلى الموت والدمار لا يمكنها الصمود. وعلى عكس حرب لبنان الثانية، فقد خضنا العملية العسكرية الأخيرة مع هدف وضعناه مسبقاً. منذ قيام الدولة ونحن نعيش جولات متتالية، والعملية الأخيرة ستضمن لنا فترة طويلة من الهدوء".
- [يديعوت أحرونوت] وسئل: "هل سمع المجلس الوزاري تحذيرات من وقوع الحرب خلال الصيف من الاستخبارات العسكرية أو من الشاباك؟" فأجاب: "لم يصلني كما لم يصل إلى رئيس الحكومة أي تحذير. لكن يتعين علينا أن نكون مستعدين. لقد كنا نرى عدم الاستقرار في القطاع، وتوقعنا أن يأتي الشرّ من الجنوب. لكن "حماس" منذ البداية لم تكن ترغب بالقتال".
الحكومة فشلت في معالجة مشكلة غلاء المعيشة
[يديعوت أحرونوت] يبدي يعلون تفهمه للاحتجاجات على غلاء المعيشة ويقول: "أنا أفهم وأسمع ذلك في منزلي. لدي ثلاثة أولاد هم أزواج جدد مع أطفال صغار، وأنا أعرف مشكلة السكن والأشياء التي نحتاج إلى شرائها. وأعتقد أننا فشلنا في حل هذه المشكلات، ويجب على الحكومة معالجة ذلك. إن حل مشكلة السكن لن يتحقق من خلال خطة وزير المال لبيد: "صفر" ضريبة على قروض السكن. الحل هو في زيادة العرض من أجل خفض أسعار الأراضي وتحرير المزيد من الأراضي للبناء". وعلى الرغم من تفهم يعلون لمشكلة غلاء المعيشة، فهو لا يفهم تحولها إلى ذريعة للتشجيع على النزوح عن إسرائيل.
شلومو سيزانا - محلل سياسي
"يسرائيل هيوم"، 15/10/2014
[وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يَعَلون:
"الفلسطينيون يريدون تدمير الدولة اليهودية"]
لا أحد يتمنى أن يكون في مكان وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يَعَلون. فهو يتربّع على قمّة هرم المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية، ويصادق على جميع الخطط العملانية، ولديه معرفة دقيقة بجميع التهديدات على كافة الجبهات، وعليه أن يواجه مطالبات بتقليص ميزانية الأمن، وأن يتولّى لقاءات مؤلمة مع أهالي الجنود القتلى أو الجرحى. والآن، بعد أقل من شهرين على إنتهاء عملية "الجرف الصامد"، آخر مواجهة في قطاع غزة، يتوقف يَعَلون للردّ على أسئلتنا في مقابلة تغوص في أدق التفاصيل.
يشرح يَعَلون المعضلات الأخلاقية التي واجهها إبان القتال فيقول: "أنا مقتنع أخلاقياً بالقرارات التي اتخذتها". كان الهدف هو القضاء على الإرهابيين، لكن في الواقع تعرّض العديد من المدنيين (فلسطينيين غير مقاتلين) للأذى. ويتابع يَعَلون: "عندما أتفحص ما إذا كان ينبغي استخدام القوة، أُخضع نفسي لثلاثة اختبارات: أولها، هل سأتمكن من مواجهة نفسي في المرآة بعد القصف أو العملية العسكرية التي أصادق عليها. ثم أتفحص الحالة من منطلق قانوني، استناداً إلى القانون في إسرائيل فضلاً عن القانون الدولي... نعم، أنا مقتنع بالقرارات التي اتخذناها إبان عملية "الجرف الصامد".
س: هل قائد الجناح العسكري لحركة حماس محمد ضيف حيّ أو ميت؟
ج: "قد يكون حيّاً وقد يكون ميتاً".
س: هل كان قرار قصف منزل ضيف، مع العلم أن زوجته وإبنته كانتا هناك، قراراً صحيحاً؟
ج: "هذا بالضبط نوع المعضلات التي وصفتها عندما تساءلت هل سأتمكن من النظر إلى وجهي في المرآة بعد الموافقة على هكذا عملية. نعم كان القرار صحيحاً ".
س: خلال عملية الجرف الصامد، عملت أنت ورئيس الحكومة ورئيس هيئة الأركان العامة معاً كثلاثي في القمة. وقررتم عدم إسقاط حكم حماس في قطاع غزة. هل تستطيع أن تشرح الأسباب؟
ج: "لم نصل إلى [قرار شن] عملية الجرف الصامد فجأة. كانت الحكومة الأمنية المصغرة تتدارس الأمر منذ تشكيل الحكومة الحالية. عقدنا لقاءات تمهيدية حول جبهة قطاع غزة وجبهات أخرى، [بشأن ما العمل] في حال تعرّضنا لاعتداء من لبنان أو سورية، وحتى من مناطق أبعد. ولهذا الغرض أجرينا نقاشات معمّقة. طُرحت خيارات عديدة، ومن بينها خطط عملانية شملت دخول قطاع غزة، السيطرة عليه وتطهيره. بعد تحليل التكلفة والفائدة، توصّلنا إلى أن هذه ليست الخطوة الصحيحة في الوقت الحالي. أدركنا أنه لايوجد طرف يمكن أن يحلّ محلنا بعد أن نسيطر ونطهّر: لا محمود عباس [رئيس السلطة الفلسطينية]، ولا المصريون، ولا جامعة الدول العربية، ولا الأمم المتحدة. ومعنى ذلك هو أنه إذا دخلنا إلى القطاع، سوف نبقى عالقين فيه".
س: ألا يمكن السيطرة، والتطهير، ثم الخروج؟
ج: "ثم ماذا؟ ما فائدة ذلك؟ كثيراً ما يقول البعض 'نفّذتم عملية الدرع الواقي في مطلع الألفية (2000)، فلماذا لا تقومون بعملية درع واقٍ أخرى في قطاع غزة؟' أودّ أن أذكرّكم بأنه في عملية الدرع الواقي استغرق التخلّص من البنية التحتية الإرهابية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] ثلاثة أعوام تقريباً، ولم يكن هناك سوى بضع مئات الإرهابيين. أما في قطاع غزة فهناك عشرات الآلاف. وفي معركة جنين الشهيرة فقدنا 23 جندياً. وفي قطاع غزة، كل حيّ هو بمثابة جنين: [مخيّم] جباليا ومخيّمات النصيرات، والشبورة، والشاطئ، والبريج، وسواها الكثير. الوضع هناك أكثر تعقيداً بكثير. هناك أيضاً مدينة سفلية من الأنفاق. مجدداً، الجيش يعرف كيف ينفذ هذه الأمور، لكن الأمر يتعلق بنسبة التكلفة للفائدة".
"إبان عملية الدرع الواقي في يهودا والسامرة، لم يكن لديهم قاذفات قنابل صاروخية. كنا نركب في سيارات جيب معززة. أما في غزة، فهناك قاذفات صاروخية (آر بي جي)، وصواريخ كورنيت، والتهديد أكبر بكثير. عندما نذهب إلى هناك، نستخدم الجيل الرابع من دبابة ميركافا (Mark IV) المعززة بنظام الحماية "تروفي"، وناقلات جند مدرعة من طراز "نمير"، ونوظّف أفضل مواردنا. استغرق إنجاز عملية الدرع الواقي ثلاثة أعوام؛ هنا سوف يستغرق الأمر مدة أطول، وفي غضون ذلك لا شيء يمنع حركة حماس من إطلاق صاروخ باتجاه هذا المكان أو ذاك في إسرائيل؛ أو من أن تستخدم قناصين ضد وحداتنا؛ وأن تحصد عدداً كبيراً من الخسائر البشرية. ولن ينتهي الأمر بالسيطرة لفترة عشرة أيام. سيتطلب التطهير أعواماً لإنجازه. وأنا لست على يقين من أن هذه الحكومة ستنجو من وضع كهذا. فالناس سيسألون: عن ماذا نبحث هناك؟ لماذا دخلنا ثم خرجنا؟ لماذا لم يتوقف إطلاق الصواريخ، لماذا دخلنا؟' وبالتالي، لعله خير لنا أن نطبق القول المأثور "فكّر قبل أن تفعل".
فضّلوا الصواريخ على الفراولة
لم يذكر وزير الدفاع أية اسماء، لكنه وجّه انتقاداً مبطناً لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، ولوزير الاقتصاد نفتالي بينيت، ولآخرين، الذين أبدوا اقتراحات معيّنة إبان العملية.
"مع الأسف، من خلال التصرف غير اللائق، حدثت تسريبات لنقاشات الحكومة الأمنية المصغرة. كان القتال دائراً بينما عمل بعض الوزراء على تعزيز رصيدهم السياسي من خلال شعارات وكلام يدعو لإسقاط حركة حماس، زاعمين أن وزراء آخرين يعارضون هذه الخطوة. وهذا أفضى إلى سلوك غير مقبول اضطرّينا إلى مواجهته إبان العملية".
س: تحدث كثيرون عن المذاق المرّ الذي نجم عن طريقة إجراء العملية. لعلهم فهموا أن غزة لا تُهزم، وأن إسرائيل لا تستطيع تحقيق انتصار كما ينبغي، بالضبط بسبب التكلفة التي وصفتها؟
ج: "أولاً وقبل كل شيء، السؤال المطروح هو ما الذي يشكل انتصاراً؟ الناس يتوقون لانتصار على شاكلة انتصار حرب الستة أيام [1967]. وبمصطلحات عسكرية، كان ذاك بالتأكيد انتصاراً مذهلاً: القضاء على جيوش دول الجوار العربية. لكن كم دام هذا الوضع قبل أن تبدأ حرب الاستنزاف؟ ليس فترة طويلة. وبالتالي، يجدر بنا البحث في مسألة تعريف الانتصار، ودراسته بدقة. وأنا أؤكد أن الانتصار هو دفع الطرف الآخر إلى الموافقة على وقف إطلاق النار بشروطنا نحن. هكذا نظرنا إلى المعادلة، قبل العملية، وبعدها. وبالفعل، دفعنا حركة حماس إلى الموافقة على وقف النار بطريقة معاكسة لأمنياتها. وهذا بلا ريب إنجاز. وهناك انتصار على الأرض بحكم الثمن الباهظ الذي دفعه قطاع غزة. أتوقع أن يفكروا مرتين قبل تصعيد العنف مجدداً في المستقبل. فبعد عملية عمود سحاب، دام مفعول قوة ردعنا عاماً ونصف العام، من جراء ثمانية أيام ونيّف من القتال. دفعوا ثمناً آنذاك، لكن الثمن أكبر بكثير هذه المرة. وحده الزمن سيخبرنا ما هو نوع الردع الذي حقّقته هذه العملية".
س: ما هو الحل الدبلوماسي بالنسبة لقطاع غزة؟
ج: "انسحبنا من قطاع غزة. اختار الغزاويون حركة حماس، التي بدورها فضّلت تصنيع الصواريخ على تصدير الفراولة. ومن جراء ذلك، هم يدفعون الثمن حالياً. لعله ليس حلاً دائماً ومستقراً، لكن من المهم التحدث عن 'إدارة الأزمة' بالنسبة لقطاع غزة، وبالنسبة ليهودا والسامرة أيضاً، بطريقة تخدم مصالحنا. وبحسب نظرية الجدار الحديدي [لجابوتنسكي]، سوف يقتنعون أننا هنا لنبقى. ومنذ بدأت الاشتباكات في العام 1936، كان يُطرح على الدكتور موشيه بيلينسون، نائب رئيس تحرير جريدة دفار [توقفت عن الصدور عام 1996]، السؤال التالي 'متى ستنتهي؟' وكان يجيب 'عندما يفهم آخر أعدائنا أننا هنا إلى الأبد.' لا توجد طرق مختصرة بديلة. وقد باءت بالفشل كل جهودنا لإيجاد طرق مختصرة خلال العقدين الماضيين، منذ أوسلو وحتى اليوم. نعرف كيف نتعايش مع الوضع. ومن المؤكد أنه ليس من الضروري السيطرة عليهم. يمكننا أن نمنحهم حكماً ذاتياً سياسياً مثل ما هو عندهم الآن".
س: هل لا يزال محمود عباس شريكاً للسلام؟
ج: "لم يقل عباس أبداً إنه يعترف بنا كدولة قومية للشعب اليهودي. كما أنه لم يقل أبداً إنه إذا جرى التوصل إلى حل وسط، حتى لو كان وفق رؤيته لحدود 1967، سيضع هذا حداً للصراع وللمطالب [الفلسطينية]. لم يقل أبداً إنه تخلى عن المطالبة بحقوق اللاجئين. فإلى أين سنصل معه؟ إنه شريك للنقاش؛ شريك لإدارة الصراع. أنا لا أتطلع إلى حلّ، وإنما إلى طريقة لإدارة الصراع والإبقاء على علاقات بطريقة تخدم مصالحنا. علينا أن نتحرر من فكرة أن كل شيء يتلخص بخيار واحد اسمه دولة [فلسطينية]. في ما يخصني، يمكنهم أن يسموها الامبراطورية الفلسطينية. ما الذي يهمني. إنه حكم ذاتي إذا كان في نهاية المطاف أرضاً منزوعة السلاح. هذا ليس ستاتيكو (إبقاء الوضع كما هو عليه). إنه تأسيس لنوع من التعايش (modus vivendi) مقبول ويخدم مصالحنا".
س: هل ترفض فكرة حل الدولتين؟
ج: "سمّ ما قلته ما تشاء؟ إن الفصل السياسي قد تمّ بالفعل، وهذا أمر جيد. نحن لا نتحكم بحياة السكان في قطاع غزة أو يهودا والسامرة. وهذا الفصل هو ذو أهمية. بودّي أن أشجّع وأعزّز القدرة على الحكم، والاقتصاد، وقدرة السكان على العيش بكرامة ورفاه اقتصادي. لكن هل ينبغي أن نستنتج من ذلك أن الأمر إما أبيض أو أسود؟ دولة أو لا دولة؟ دعونا نضع المصطلحات جانباً".
س: هل سيحصلون على التواصل الجغرافي الذي معناه أنها دولة؟
ج: "أولاً وقبل كل شيء، من الممكن ربط نابلس، وجنين، ورام الله، إذا كانت هذه هي المشكلة. السؤال المطروح هو ما هي تطلعاتهم على المدى البعيد. إذا كنا نسعى للسلام والأمن، والعيش بسلام وهدوء، فهذا أمر. لكن، الطرف الآخر لا يعتقد أن حدود 1967 ستكون نهاية الحكاية، كما إنهم لم يقولوا أبداً إنها ستكون نهاية الحكاية. بالنسبة لهم، إنها مجرد مرحلة؛ الأمر لا يتعلق بإقامة دولة، وإنما بتدمير الدولة اليهودية وإنكار حقها في الوجود. هناك انعدام تناظر في غير مصلحتنا. وعليه، يجب أن نتعلم إدارة هذا الصراع من دون أوهام وتوهمات".
مصالح مشتركة تفوق الخلافات
أثار يَعَلون عاصفة إعلامية عندما نُقل عنه وصفه لوزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بأنه "مسيحاني مهووس". لكنه رفض مزاعم أنه قلّل من احترام أقرب حليف إلى إسرائيل. "هل سمعتني أقول ذلك؟ شخص ما روى أنني قلت ذلك". ويضيف ما يلي: "إن علاقتنا بالولايات المتحدة الأمريكية مهمة للغاية. أولاً وقبل كل شيء، إنها مهمة بالنسبة لنا، وآمل أن تكون مهمة أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة. إن العلاقات الأمنية بيننا ممتازة. وعلاقتي الشخصية بوزير الدفاع تشاك هيغل جيدة جداً، مثلما هي العلاقات بين وزارة الدفاع الإسرائيلية والبنتاغون، وبين الجيش الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية الأميركية. هذا لايعني أنه لا توجد خلافات، كما يحدث بين أصدقاء. لكن لا ينبغي أن تظهر هذه الخلافات إلى العلن على هذا النحو أو ذاك.
"نعم، نحن نختلف أحياناً. نختلف حول كيفية معالجة الملف النووي الإيراني؛ وحول الموضوعات التي ينبغي نقاشها مع الإيرانيين: فقط الإرهاب والصواريخ، أم أجهزة الطرد المركزي أيضاً؟ دارت نقاشات حول كيفية مواجهة مصر في عهد [الرئيس السابق حسني] مبارك، وفي عهد جماعة الإخوان المسلمين، وعلاقات الأمريكيين مع [الرئيس المصري الحالي] عبد الفتاح السيسي. وكانت هناك تباينات في وجهات النظر. جرت نقاشات مشروعة خلف الأبواب الموصدة. بالطبع كانت هناك خلافات حول موضوع الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وفي ما يتعلق بمركزية هذا الصراع في إطار منطقة الشرق الأوسط؛ هل هو مصدر عدم الاستقرار الإقليمي؛ أو إن سبب عدم الاستقرار هو شيء آخر. أعتقد أنه لا يوجد زعيم عربي واحد، على سبيل المثال، يطرح اليوم أن المسألة الفلسطينية هي أساس جميع المشكلات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط. فهم يركزون اليوم على التهديد الإيراني، وتنظيم الدولة الإسلامية، وجماعة الإخوان المسلمين.
"لدينا الكثير من المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تفوق بكثير الخلافات. وهناك بالتأكيد قيم مشتركة تأسست عليها الدولتان. إن الخلافات نابعة من تباينات في وجهات النظر والرؤى. منظورهم من هناك يختلف عن منظورنا من هنا. إن الخلاف في وجهات النظر مسموح. وهناك خلافات فيما بيننا نحن أيضاً، بشأن تحليل الوضع، وتشخيص الأسباب، وتوقع النتائج مسبقاً".
س: ألم تشعر أنه عليك الاعتذار من كيري؟
ج: "قلت ما ينبغي قوله. الكثير مما سمعه كيري مباشرة مني لم يُقَل بروحية الأشياء التي تناقلتها الصحف هنا في إسرائيل، لم يسمعني أحد يوماً أقول هكذا أمور عن الآخرين، لا في الكنيست أو في المقابلات، أو أي مكان آخر. إن الطريقة التي جرى تداولها غير مقبولة.
"إن الولايات المتحدة هي القوة العظمى رقم واحد في العالم. وحتى عندما نصف عالماً متعدّد الأقطاب وصعودَ قوى كبرى أخرى، واحتمال أفول قوة الولايات المتحدة، فإنها تبقى هي القوة العظمى رقم واحد. فلدى الولايات المتحدة القدرة على التأثير في كافة المجالات. إنها تقود حالياً تحالفين عسكريين ضد تنظيم الدولة الإسلامية – في العراق وسورية- وهي تتفاوض مع إيران حول الملف النووي، وتلعب دوراً قيادياً في المنظمات الدولية وفي الأمم المتحدة. وهناك أيضاً الكونغرس الأمريكي الذي يتمتع بقوة ذاتية. فقد قاد الكونغرس جهود العقوبات ضد إيران، وجعل [المرشد الأعلى الزعيم آية الله علي] خامنئي يدرك أنه إذا كان يريد البقاء، يتوجب عليه أن ينخرط في مفاوضات. وقبل كل شيء، هناك الشعب الأمريكي، الذي نتشارك وإياه القيم ذاتها".
س: إن أحد أهم الخلافات مع الولايات المتحدة هو حول البناء ما وراء الخط الأخضر [الضفة الغربية]. هناك زعماء للمستوطنين يتهمونك بتجميد البناء، في حين يتهمك آخرون بالسماح بالبناء بتهوّر؟
ج: "لا تجميد للبناء. تأجل الإعلان عن عمليات التخطيط مراعاة لبعض المخاوف. وفي هذا الخصوص، من المهم أن نتصرف بحكمة، وعدم التسبب لأنفسنا بقرارات دولية قد نندم عليها لاحقاً. لا نريد حشر أنفسنا في الزاوية".
وشدّد وزير الدفاع على أن إسرائيل مستعدة لمواجهة أي سيناريو على أي جبهة. وبالنسبة للجبهة الشمالية، قال التالي: "بقدر ما نستطيع أن نرى، حزب الله لا يسعى لتصعيد النزاع في الوقت الحالي. إن المناوشات في هاردوف [مزارع شبعا] محدودة النطاق، حيث يحاول حزب الله أن يردّ على عمليات منسوبة إلينا. لدى حزب الله 100 ألف قذيفة صاروخية وصاروخ، مصدرها إيران وسورية بشكل أساسي. هذا التنظيم مرتهن لإيران، وهنا تكمن المشكلة.
"نحن نستعد لاحتمال التصعيد، من أي جهة، وليس فقط من لبنان. حتى قبل عملية الجرف الصامد، ولكن أيضاً بعدها، كل من يحاول تهديدنا بالصواريخ بات يعرف أننا سندفّعه ثمناً باهظاً. فقد دمّرنا في ضاحية بيروت الجنوبية [عام 2006] 70 بناية سكنية، ويقول البعض إننا دمرنا كلياً في قطاع غزة نحو 7 آلاف مبنى. النتيجة واضحة: في النهاية، هم يدفعون ثمناً باهظاً عندما يعملون ضدنا. إذا هاجمنا حزب الله سيدفع ثمناً كبيراً؛ ولبنان سيدفع ثمناً كبيراً. لا يزال الهجوم أفضل وسيلة للدفاع. على أية حال، على صعيد التهديد الصاروخي، إسرائيل هي المكان الأكثر أماناً في العالم بفضل منظومات الدفاع المتعددة الطبقات، التي تتراوح بين القبة الحديدية ونظام آرو [حيتس]".
ويَعَلون مقتنع بأن تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد، الذي يقلق بال العالم بأسره حالياً، لا يشكل تهديداً بالنسبة لإسرائيل.
"في الوقت الحالي، إن تنظيم الدولة الإسلامية بعيد جداً عنا. يمكنه أن يشكل تهديداً لنا فقط عندما يسيطر على سورية من جهة الغرب وباتجاهنا. ليست هذه هي الحال اليوم".
في الأسابيع القليلة الماضية، طُرحت مسألة طرد تركيا من حلف الناتو. يفضل يعلون عدم الخوض مباشرة في هذه المسألة، ومع ذلك يقول: "إذا كانت هناك دولة عضو في الأمم المتحدة وفي حلف الناتو وفي الوقت نفسه تدعم حركة حماس- التي هي قطعاً تنظيم إرهابي ينشط ضد مواطني دولة إسرائيل- ينبغي أن توجه إليها دعوة للمحافظة على النظام".
س: العلاقات مع مصر جيدة، لكن مثل سواها من الدول العربية المعتدلة، لا يجري الإعلان عنها؟
ج: "نعم، مع الأسف، لا تزال دولة إسرائيل تبدو في غير محلها في المنطقة، وبالتالي يصعب إنجاز التطبيع. أؤكد أن أي علاقات تتطلب أولاً وقبل كل شيء مجموعة من المصالح. عندما تسأل شخص إسرائيلي عادي عن رأيه حول السلام، يطرح تلقائياً ثلاثة أسئلة: ما هي الأرض التي علينا التخلي عنها في مقابل السلام – وهذا سؤال أرفضه؛ متى سأستطيع أن آكل صحن حمص في رام الله، ودمشق، وبيروت، إلخ. أتمنى ذلك، لكن علينا أن نكتفي بالحمص الذي لدينا هنا؛ والسؤال الأكثر إشكالية، هو إذا ما تحقق السلام، أين المحامون الذين سيقومون بصياغة الاتفاق التفصيلي الذي سنوقعه في حفل خاص في أوسلو أو في البيت الأبيض؟ أعتقد أن اتفاقاً من دون مصالح لا يساوي قيمة الورقة التي كتب عليها. إن المصالح لا تحتاج إلى حفلات أو اتفاقات.
"لدينا سلام مع الأردن ومصر، ولقد تعزز في الأعوام الأخيرة نتيجة وجود مصالح. يمكن أن نرى بوضوح، عندما يخاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أن الأفق الدبلوماسي ليس موجوداً في رام الله، وإنما في عواصم عربية أخرى. من دون حفلات، ومن دون اتفاقات، وعلى قاعدة مصالح مشتركة، وما دام لدينا وللدول السنية أعداء مشتركون مثل إيران، وجماعة الإخوان المسلمين، والمحور الشيعي، ومجموعات الجهاد العالمي، وتنظيم القاعدة، فهذا أفضل".