دلالات وخلاصات أولية بشأن الانتخابات الإسرائيلية
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في 22 كانون الثاني/ يناير 2013 جرت الانتخابات العاشمة للكنيست الإسرائيلي التاسع عشر، وسأحاول فيما يلي التوقف أمام نتائج هذه الانتخابات والخلاصات المترتبة عليها، ودراسة الاحتمالات المتعددة لتأليف الحكومة، والتأثيرات التي ستكون لذلك في مجالات الأمن القومي والسياسة الخارجية والأمنية الإسرائيلية.
نسبة المشاركة في الاقتراع
- بلغت نسبة المشاركة في الاقتراع في هذه الانتخابات نحو 68%، وهي نسبة تفوق بـ 1% نسبة المشاركة في انتخابات 2009، وتُعتبر أعلى نسبة مشاركة منذ سنة 1999. ومع ذلك، فإن النسبة الحقيقية للمشاركة في الاقتراع هي أعلى، إذ يجري عادة احتساب نسبة الاقتراع استناداً إلى عدد الناخبين الفعلي، الذي يُقدّر بـ 3,843,136 ناخباً، من مجموع 5,656,705 ممّن يملكون حق الاقتراع. لكن بحسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاءات، فإن سجلات الناخبين بحسب سجلات النفوس، تشير إلى وجود نحو 400 ألف إلى 500 ألف شخص ممّن يحق لهم الاقتراع ولا يعيشون بصورة دائمة في إسرائيل، أو على الأقل لفترة طويلة، أو أنهم في الخارج ولا يقيمون في البلد، ولا يكونون فيها في يوم الانتخابات، وبالتالي لا يشاركون في التصويت. وبحسب التقديرات، فإن نسبة الاقتراع بين هؤلاء الذين يحق لهم المشاركة في التصويت تتعدى الـ 5% ، الأمر الذي يرفع نسبة المشاركة في التصويت إلى 73%.
- لقد وصلت نسبة المشاركة في الاقتراع في القطاع العربي إلى 56%، وهي أعلى من تلك التي سُجلت في سنة 2009، لكنها أدنى بصورة واضحة من نسبة المشاركة في القطاع اليهودي. واستناداً إلى المعطيات، يمكن تقدير نسبة المشاركة الفعلية في القطاع اليهودي، من دون الموجودين في الخارج، بنحو 75% ، وهي النسبة الأعلى في العالم بما في ذلك في الولايات المتحدة الأميركية، وفي أغلبية الدول الأوروبية، الأمر الذي يدحض ما قيل بشأن اللامبالاة والشعور بعدم الانتماء لدى أجزاء كبيرة من الجمهور الإسرائيلي. وقد اعتبر عدد من المعلقين هذه الانتخابات بأنها الأهم منذ وقت طويل، وبناء على ذلك، فإن ثلاثة من أصل أربعة أشخاص مارسوا حقهم في الاقتراع، وهذا الأمر يُعتبر شهادة تقدير للمواطن الإسرائيلي وللديمقراطية الإسرائيلية.
توزيع المقاعد
- إن أهم نتيجة للانتخابات الأخيرة من ناحية تأثيرها في سياسة إسرائيل مستقبلاً، هي تراجع قوة كتلة أحزاب اليمين، وخصوصاً الانخفاض الكبير في قوة "الليكود - بيتنا"، والصعود الكبير لحزب "يش عتيد" بزعامة يائير لبيد. ففي انتخابات 2009، حصلت أحزاب اليمين على 65 مقعداً وكان لها أغلبية واضحة في الكنيست. أمّا في هذه الانتخابات فقد حصلت كتلة أحزاب اليمين: الليكود - بيتنا، والبيت اليهودي، وشاس، ويهدوت هتواره، على 61 مقعداً، وهو ما يعني الأغلبية زائد مقعد واحد فقط. وقد خسر تحالف "الليكود - بيتنا" 11 مقعداً، أي نحو ربع قوته، وانخفض من 42 مقعداً في الكنيست المنتهية ولايته إلى 31 مقعداً في الكنيست الجديد. كما خسر الليكود 7 مقاعد لمصلحة شركائه في اليمين – خمسة مقاعد ذهبت إلى البيت اليهودي، واثنان ذهبا إلى يهدوت هتوراه، وأربعة إلى أحزاب خارج كتلة اليمين. ودحض هذا التراجع لليمين الافتراضات التي تحدثت عن تحوّل الجمهور الإسرائيلي في اتجاه اليمين. وفي المقابل حصل حزب "يش عيتد"، الذي لم يكن موجوداً قبل عام، على تسعة عشر مقعداً، وهذا إنجاز لم يسبق له مثيل في تاريخ دولة إسرائيل.
- ثمة انعكاسات عديدة لهذه المعطيات أولاً: إن قدرة كتلة اليمين على الدفع قدماً بجدول أعمالها السياسي باتت محدودة، والمقصود بذلك مواصلة حركة الاستيطان في جميع أنحاء يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، والدفاع عن بقاء البؤر الاستيطانية غير القانونية والسعي لشرعنتها، ومنع نشوء دولة فلسطينية. كما ستتراجع قدرة هذه الكتلة تماماً في مجالات معينة مثل التضييق على عمل محكمة العدل العليا، وفرض القيود على نشاط تنظيمات الدفاع عن حقوق الإنسان.
- ثانياً: ضعفت مكانة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، جرّاء تحميله مسؤولية الخسارة التي مني به حزبه في الانتخابات وتراجع عدد مقاعد الليكود في الكنيست. وهذا من شأنه أن يلحق الضرر بحرية عمل السيد نتنياهو، ولا سيما في مجال التعيينات في الحكومة مستقبلاً، وكذلك فيما يتعلق بالخطوات التي سيتخذها في المجال السياسي، وخصوصاً في ظل الطابع اليميني المتشدد الذي يطبع ممثلي حزب الليكود في الكنيست.
- ثالثاً: بروز الوزن الكبير لحزب "يش عتيد" في القرارت السياسية والأمنية في المستقبل. لكن المشكلة أن مواقف هذا الحزب ومواقف زعيمه في المجالات السياسية ـالأمنية، سواء فيما يتعلق بالعملية السياسية مع الفلسطينيين، أو بالمشكلة الإيرانية، ليست واضحة تماماً. فقد ركز الحزب وزعيمه يائير لبيد خلال المعركة الانتخابية على المشكلات الداخلية، مثل المساواة في تحمل العبء [في تطبيق الخدمة الإلزامية]، وتحسين وضع الطبقة الوسطى، ولم يوليا المشكلات السياسية اهتماماً حقيقياً. ومن مجموع 19 عضواً من الحزب في الكنيست هناك مَن ينتمي إلى يسار الوسط، وهناك أيضاً مَن ينتمي إلى يمين الوسط. وعلى الرغم من هذا، فإن الموقف المعلن للحزب وللبيد مؤيد لحل الدولتين لشعبين، ويدعم استئناف العملية السياسية في أسرع وقت.
- ثمة نقطة أخيرة يمكن الإشارة إليها فيما يتعلق بتركيبة الكنيست، وهي أنه في تكتل اليمين الحالي، هناك كتلتان تتألفان من قائمة مشتركة بين حزبين هما: كتلة الليكود ـبيتنا، والتي تتألف من 20 مقعداً لحزب الليكود و11 مقعداً لحزب إسرائيل بيتنا؛ وكتلة البيت اليهودي المؤلفة في الواقع من 8 مقاعد لحزب البيت اليهودي، و4 مقاعد لحزب تكوما [الاتحاد القومي]. ويمكن القول إن احتمال حدوث انشقاق في هاتين الكتلتين مستقبلاً، أمر قائم على الدوام، ويحتاج إلى ثلث أعضاء الكتلة، وعملياً، فإن كل حزب من هاتين الكتلتين يملك الثلث المطلوب. ومن المؤشرات الأولى إلى احتمال حدوث مثل هذا الانشقاق، دعوة السيد ليبرمان في اليوم التالي للانتخابات إلى عقد اجتماع منفرد لأعضاء الكنيست من حزب إسرائيل بيتنا، إذ رأى البعض في هذا الاجتماع رسالة تحذير من جانب ليبرمان موجهة إلى نتنياهو. وقد صرّح ليبرمان في هذا الاجتماع بأن على الحكومة المقبلة معالجة الموضوعات الداخلية، لا الموضوعات السياسية التي من الصعب التوصل إلى اتفاق بشأنها بين أعضاء الحكومة. ويمكن أن نرى في هذا الكلام رسالة تحذيرية من جانب ليبرمان ضد خطوات سياسة محتملة لرئيس الحكومة.
التركيبة الائتلافية
- إن المرحلة الأولى في تشكيل الائتلاف الحكومي تبدأ بقرار يصدره رئيس الدولة بتكليف أحد أعضاء الكنيست تأليف الحكومة. وفي ضوء تصريح السيد لبيد بأنه لا ينوي الانضمام إلى كتلة مانعة، فإن السيد نتنياهو ضمن ترشيحه لرئاسة الحكومة من جانب 62 عضو كنيست (الليكود ـبيتنا؛ يش عتيد؛ البيت اليهودي). وسيُمنح نتنياهو مهلة 42 يوماً لتقديم تشكيلته الحكومية الجديدة أمام الكنيست.
- هناك عدة احتمالات للتشكيلة الحكومية، لكن في ظل الوضع القائم، فإن هذه المهمة ستنطوي على مصاعب كثيرة. وبين الاحتمالات تشكيل ائتلاف يستند إلى دعم 61 عضو كنيست من أحزاب اليمين فقط، إلاّ إن هذا الاحتمال ضعيف للغاية، ومن الواضح أنه آخر ما يرغب فيه رئيس الحكومة. لكن على الرغم من ذلك، فإنه يجب عدم استبعاده بالكامل. ومن الواضح أن الحكومة التي ستنشأ عن هذا الائتلاف ستكون حكومة شلل سياسي بكل ما تعنيه هذه الكلمة. وثمة احتمال آخر، هو تأليف حكومة وحدة وطنية تشمل أغلبية الأحزاب، بما في ذلك ميرتس والأحزاب العربية من اليسار، ويهدوت هتوراه من اليمين، وتحظى بتأييد 96 عضواً في الكنيست. لكن هذا الاحتمال ضعيف هو أيضاًَ، وثمة شك كبير في أن حكومة بهذا الحجم الكبير ستكون قادرة على العمل بفاعلية والبقاء مدة طويلة من الزمن.
- إن الاحتمال الأكثر منطقية هو ائتلاف يجمع الليكود - بيتنا، مع يش عتيد، وهَتنوعا وكاديما، علاوة على حزب شاس، (وهو ما يشكل 69 عضواً)، وفي استطاعة هذه الحكومة أن تمضي قدماً في العملية السياسية. كما يمكن أن يحل حزب البيت اليهودي محل شاس (الأمر الذي يرفع عدد المؤيدين له في الكنيست إلى 70 عضواً). ومثل هذه الحكومة يمكن أن تعمل من أجل تحقيق المساواة في تحمل العبء، لكنها ستكون أقل نشاطاً على صعيد العملية السياسية. كما يمكن تشكيل ائتلاف يضم شاس والبيت اليهودي في وقت واحد، أي تشكيل ائتلاف يحظى بتأييد 81 عضو كنيست. ويمكننا الافتراض أن هذا الاحتمال الأخير هو الذي يريده نتنياهو لأنه يعطيه حرية العمل في المجال السياسي - الأمني، وكذلك في المجال الاقتصادي - الاجتماعي.