من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
ملخص
يدرك القادة الروس أن دعمهم الشامل للنظام العلوي في سورية وتحالفه الحالي مع إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية يجب أن يوازنوه بجهود موازية لتحسين وتعزيز العلاقات مع الدول العربية السنية التي تمثل الأكثرية في الشرق الأوسط من حيث التركيبة السكانية والاقتصاد والمكانة الجيوسياسية. إن الاستراتيجية الجريئة والذكية التي اتبعها الرئيس بوتين منذ التدخل الروسي في سورية سنة 2015، على خلفية تراجع إدارتيْ أوباما وترامب عن المنطقة، قد منحت روسيا، بعد سنوات من الفشل على الساحة العالمية، النجاحات اللازمة لتوسيع مصالحها ونفوذها خارج منطقة شرق البحر المتوسط: إلى منطقة الخليج و شمال أفريقيا و البحر الأحمر. إن روسيا الآن هي في وضع من القوة يؤهلها لتكون وسيطاً للسلام في بعض المناطق أو وسيطاً فعالاً في الصراعات في مناطق أخرى، والمشاركة في الحفاظ على "الاستقرار" في الشرق الأوسط، وهو الاستقرار الذي يخدم بصورة رئيسية مصالحها وأهدافها الكبرى.
النشاط الروسي الحالي في الشرق الأوسط قائم على الخبرة التاريخية. فعلى مدار أكثر من قرنين، ركزت السياسة الخارجية الروسية على طرد الإمبراطورية العثمانية من منطقة البحر الأسود ومنطقة البلقان. وكانت مخططات سانت بطرسبيرغ بشأن القسطنطينية والمضائق التركية أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت روسيا تنضم إلى الحرب العالمية الأولى.[1]
إن الأحلام الروسية في تأسيس وجود في الشرق الأوسط قد استرشدت باهتمامات أيديولوجية في بادئ الأمر، وجاءت الاهتمامات البراغماتية لاحقاً. فقد ظلت النزاعات الروسية - التركية على مدى قرون مدفوعة بمحاولات روسيا حماية المسيحيين الأرثوذكس وترسيخ سلطتها الخاصة عليهم في ظل الحكم العثماني.
بدأت المشاركة النشطة للاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وسرعان ما نتج عنها تنافس شديد مع الولايات المتحدة. وكان عدد من الدول العربية، بما في ذلك الجزائر ومصر والعراق وليبيا وجنوب اليمن وسورية، لفترة من الزمن، وكلاء للسوفييت وشبه حلفاء لهم في دعم أعداء إسرائيل العرب ومنظمة التحرير الفلسطينية.[2]
كان انسحاب موسكو من الشرق الأوسط في عهد الرئيس ميخائيل غورباتشوف في بداية حرب الخليج الأولى يشير إلى تراجع في مكانة الاتحاد السوفييتي بوصفه قوة عظمى. وتهدف عودة ظهور روسيا لاعباً في الشرق الأوسط في عهد الرئيس فلاديمير بوتين إلى استعادة موقعها كقوة عظمى خارج الاتحاد السوفييتي السابق.
تشتمل أولويات موسكو الحالية على هندسة اتفاق سلام سوري؛ وتوسيع العلاقات مع إيران للاستفادة من رفع العقوبات؛ وتعزيز العلاقات مع مصر والعراق والأكراد (في كل من سورية والعراق) ودول الخليج وغيرها من الدول العربية السنية؛ والبقاء على اتصال وثيق مع إسرائيل. وبالتالي، فإن الدوافع الرئيسية لسياسات الكرملين في الشرق الأوسط هي دوافع جيوسياسية.[3]
الحاجة إلى الموازنة بين المحور الشيعي والتحالف السني
إن اهتمام روسيا بسورية يتجاوز مجرد إنقاذ نظام الأسد. فتصرفات الكرملين مدفوعة بالرغبة في إعادة وجوده ونفوذه في الشرق الأوسط بعد غياب دام ثلاثة عقود، وإعادة مكانته كقوة عظمى.
لذلك، يدرك القادة الروس أنه يجب موازنة الدعم الشامل للنظام العلوي في سورية وتحالفه الحالي مع إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية بجهود موازية لتحسين وتعزيز العلاقات مع الدول العربية السنية التي تمثل الأكثرية في الشرق الأوسط من حيث التركيبة السكانية والاقتصاد والمكانة الجيوسياسية. فكانت مقاربة بوتين إزاء المنافسات بين أطراف ثالثة هي التعاون مع الجانبين في آن واحد.
بين سنتيْ 2005 و2007، زار بوتين مصر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والأردن وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة، وحصلت روسيا على مركز مراقب في منظمة التعاون الإسلامي.
وقد نمت طموحات روسيا في الشرق الأوسط بالنجاحات في ساحة المعركة في سورية. ووفقاً لنيكولاي كوتزانوف (Nikolai Kozhanov)، وهو خبير في الشرق الأوسط في الجامعة الأوروبية في سان بطرسبرغ، فإن موسكو تستخدم الصراع لتوسيع دورها كقوة وساطة في الإقليم. وهو يقول إن "شهية موسكو تنمو وفقاً لإنجازاتها على الأرض"، و"تعتبر سورية الآن نوعاً من الوسائل [لتعزيز التأثير الإقليمي] بدلاً من كونها هدفاً في حد ذاتها."[4]
مصر. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، عندما كان الجنرال عبد الفتاح السيسي لا يزال وزيراً للدفاع في الحكومة التي تشكلت بعد الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين برئاسة الرئيس مرسي، قام وزيرا الخارجية والدفاع الروسيين بزيارة مشتركة للقاهرة لمناقشة التعاون في مجالات التنمية الصناعية والعلوم والاستخبارات. وقد قرر الرئيس بوتين أن يرسل هذا الوفد الرفيع المستوى بعد زيارة رئيس المخابرات المصرية لموسكو، حيث "قدم ضمانات جادة بأن [المصريين] يتحدثون بصورة عملية" بشأن التعاون ضد الإسلاميين المتشددين المستهدفين من الطرفين. وكان السيسي يرغب في فتح الباب أمام تنويع خيارات التسلح في الجيش، ويرجع ذلك جزئياً إلى قرار الولايات المتحدة بتعليق جزء من المساعدات العسكرية الأميركية بسبب خلافات سياسية بين القاهرة وواشنطن.
لكن في الواقع، وفقاً لمسؤول مصري، "هذا شيء كان يدور في ذهنه وذهن آخرين داخل الجيش وخارجه منذ بضعة أعوام". ومن المثير للاهتمام، وفقاً لدبلوماسي روسي، أن القاهرة كررت رفضها القاطع لأي هجوم على إيران، أو على سورية.[5]
وعرضت روسيا أن تبيع لمصر طائرات هليكوبتر حديثة وأنظمة دفاع جوي في صفقة تاريخية تبلغ قيمتها ملياري دولار وتمثل استعادة للتعاون العسكري واسع النطاق بين البلدين. وكان ثمة مجال آخر للتعاون المحتمل الطويل الأجل على نطاق واسع هو مفاعل مصر النووي المخطط له.[6]
في الواقع، وقعت موسكو والقاهرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 اتفاقية مع روساتوم لبناء "محطة للطاقة النووية السلمية" في مصر، في الضبعة، في شمالي البلاد، يكتمل بناؤها بحلول سنة 2022. وقد قدمت روسيا قرضاً لمصر لتغطية ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ اﻹﻧﺸﺎء ، ﻴﺠﺮي ﺳﺪادﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى 35 عاماً.[7]
وتم التوصل إلى اتفاقية بشأن اقتناء قاعدة جوية في مصر وإلى نقاشات متزامنة مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر، مما يسمح لروسيا بتوسيع قدراتها على منع الوصول (anti access-area denial)إلى المنطقة الممتدة من القطب الشمالي وبحر البلطيق والبحر الأسود ومناطق القوقاز وآسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط. ولا شك في أن موسكو تعتزم استخدام قاعدتها الجوية في مصر لضرب الفصائل المعادية لروسيا والمدعومة من الغرب في ليبيا. كما أن لديها الآن الاستطلاع المباشر لأول مرة للمجال الجوي الإسرائيلي وزيادة التأثير في إسرائيل من خلال القواعد الجوية في مصر وسورية، وهو أمر سعت إسرائيل إلى رفضه منذ إنشائها كدولة. وستتمكن موسكو من التنافس على كامل شرق البحر المتوسط وستعرّض قوات الناتو البرية و/أوالجوية و/أو القوات البحرية للخطر.[8]
في كانون الأول/ ديسمبر 2017، قام الرئيس بوتين بزيارته الثانية لمصر منذ 2015، لإجراء محادثات مع الرئيس السيسي بشأن العلاقات المتطورة بسرعة بين البلدين والقضايا الإقليمية. بعد أن تولى السيسي منصبه، اشترى ما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة الروسية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر الهجومية. وفي ما لم يكن من الممكن تصوره خلال الحرب الباردة، فإن مصر بقيادة السيسي تمكنت من الحفاظ على علاقات وثيقة مع كل من روسيا والولايات المتحدة.[9] وأجرت روسيا ومصر تدريبات عسكرية مشتركة لأول مرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2017.
وقد أوضح تيمور أخميتوف (Timur Akhmetov)، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في مجلس الشؤون الدولية الروسي، أن موسكو ستثمّن وجود منصة إطلاق مصرية للقيام بعمليات جوية في ليبيا التي مزقتها الحرب.[10]
ليبيا. منذ ربيع سنة 2017 ، كان يبدو أن روسيا نشرت قوات خاصة في قاعدة جوية في غربي مصر بالقرب من الحدود مع ليبيا، كجزء من محاولة لدعم القائد العسكري الليبي الجنرال خليفة حفتر. وقد زعمت مصادر مصرية أن وحدة من القوات الخاصة الروسية مكوّنة من 22 عضواً موجودة هناك، كما استخدمت روسيا قاعدة مصرية أخرى أبعد شرقاً في مرسى مطروح في أوائل شباط/ فبراير 2017. ومن شأن هذه التحركات أن تعزز المخاوف الأميركية بشأن دور موسكو المتعمق في ليبيا.[11]
لقد عمقت موسكو العلاقات مع حفتر، وهو جنرال منشق تسيطر قواته ، الجيش الوطني الليبي، على معظم الجزء الشرقي من البلاد، بما في ذلك منشآت نفطية حيوية. وهو زار روسيا مرتين في سنة 2016 لطلب المساعدة في حملته ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة.[12]
إن القوات العسكرية الخاصة الروسية ، مثل مرتزقة مجموعةRSB ، التي تعمل في شرقي ليبيا منذ آذار/مارس 2017، قد شاركت مؤخراً في عمليات متقدمة، واستكشفت مواقع لقاعدة عسكرية روسية في طبرق أو بنغازي. كما أن مجموعة فاغنر السيئة الصيت المكوّنة من المرتزقة الروس تعمل في شرق ليبيا، حيث يقال إنها تخدم أسلحة حفتر التي يوردها الروس وتساعد في إنشاء شبكة استخبارية لقوات الجنرال.[13]
المملكة العربية السعودية. لقد كان التنافس السعودي - الإيراني مفيداً بالفعل لروسيا، بمعنى أنه دفع الرياض وطهران إلى طلب ودّها بشكل أكثر نشاطاً مما لو كانت عليه الحال خلاف ذلك.[14] ففي 14 حزيران/ يونيو 2015، حضر ولي ولي العهد آنذاك الأمير محمد بن سلمان منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي السنوي واجتمع مع بوتين. وفي الشهر التالي، تعهد صندوق الثروة السيادي في المملكة العربية السعودية باستثمار 10 مليارات دولار في روسيا على مدى خمسة أعوام، وهو أكبر استثمار أجنبي مباشر على الإطلاق في البلاد. وفي 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، أصبح سلمان أول ملك سعودي على الإطلاق يزور روسيا. وقد رحب الرئيس بوتين بالزيارة باعتبارها "حدثاً تاريخياً". وبعد القمة، وقّع سلمان وبوتين حزمة من الوثائق بشأن الطاقة والتجارة والدفاع، واتفقا بشأن استثمارات مشتركة بقيمة عدة مليارات من الدولارات.[15]
إن أفضل مثال على العلاقة التبادلية بين روسيا والمملكة العربية السعودية هو التعاون في مجال الطاقة إذ أصبحت موسكو تثمّن التعاون مع الرياض ضد "التهديد" المشترك المتأتي عن زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي - خاصة أن الأسعار ارتفعت منذ بدء هذا التعاون.[16] وفي اجتماعات الرياض في شباط/ فبراير 2018 التي عقدت بين المسؤولين السعوديين والروس، أُبرمت صفقات طاقة رئيسية، غيّرت التموضع الإقليمي بشكل كبير. وعرضت روسيا بصورة مباشرة الاستثمار في الاكتتاب العام المقبل لشركة أرامكو ، ما يدعم جهود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد المملكة.[17] بل إن هناك شائعات بأن روسيا والمملكة العربية السعودية تناقشان إمكان إنشاء منظمة دولية جديدة لتنظيم إنتاج النفط لتحل محل أوبك أو تكون مساندة لأوبك، مع سيطرة مركزية أقوى من جانب المملكة العربية السعودية وروسيا.[18] إن الشراكة مع أوبك، بقيادة المملكة العربية السعودية، تسمح لروسيا بتقوية نفوذها في الشرق الأوسط وإضعاف الولايات المتحدة في الوقت نفسه.[19]
إن المملكة العربية السعودية هي ثاني حليف للولايات المتحدة قد يشتري منظومة S-400 بعد أن وافقت تركيا على شراء المنظومة من روسيا في أيلول/ سبتمبر 2017. كما وقعت الدولتان مذكرة تفاهم لمساعدة المملكة في جهودها لتطوير صناعاتها العسكرية الخاصة، في إطار العقود الموقعة لشراء S-400، ونظام Kornet-EM، وTOS-1A، وAGS-30 وبنادق كلاشنكوف من طراز AK-103. وكانت عملية الشراء "تستند إلى تأكيد الطرف الروسي على نقل تكنولوجيا منظومات التسلح هذه وتوطينها وتصنيعها واستدامتها في المملكة" ، ولكن لم يتم وضع إطار زمني لذلك.[20]
وفي الآونة الأخيرة، شدّد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر David Schenker)) خلال جلسة استماع على إن المملكة العربية السعودية وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين يجب ألاّ يشتروا معدات عسكرية روسية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي S-400، إذ إن هذه المشتريات يمكن أن تُواجه بالعقوبات.[21]
دولة قطر. تجري روسيا وقطر نقاشات حول إمكان بيع منظومات صواريخS-400 إلى الدوحة، وقد وقّعتا اتفاقية بشأن تزويد قطر بأسلحة صغيرة، مثل بنادق كلاشنيكوف، وأسلحة مضادة للدبابات.[22]
وقد هددت المملكة العربية السعودية "بعمل عسكري" ضد قطر في حال حصول جارتها على منظومات الدفاع الصاروخي الروسية S-400. وفي حزيران/ يونيو 2017، قطعت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات (من بين دول الخليج الأخرى) ومصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر، متهمة إياها بدعم الإرهاب وتمويله، و"التدخل" في الشؤون الداخلية لجيرانها وإعلانها عن دعمها لإيران. وتشعر الرياض الآن بالقلق من أن امتلاك الدوحة المخطط له لوحدات صواريخ أرض - جو الروسية S-400 سيعرّض للخطر "الأمن القومي" لجيرانها في الخليج الفارسي [العربي].[23]
لبنان. في شباط/ فبراير 2018، أصدر رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف Dmitry) Medvedev)، تعليمات إلى وزارة الدفاع الروسية لبدء محادثات مع نظيرتها اللبنانية بشأن توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين البلدين، بما في ذلك فتح الموانئ اللبنانية أمام السفن العسكرية والأساطيل الروسية، بالإضافة إلى جعل المطارات اللبنانية محطة عبور للطائرات والمقاتلين الروس، وإرسال خبراء عسكريين روس لتدريب أفراد الجيش اللبناني وتقوية قدراته، وتبادل المعلومات بشأن قضايا الدفاع وتعزيز التدريب في مختلف المجالات ذات الصلة بالخدمة العسكرية والطب والهندسة والجغرافيا وغيرها.[24]
وقد عرضت روسيا على لبنان خط ائتمان مناسب بقيمة مليار دولار لشراء أسلحة للجيش اللبناني في مسعى من موسكو لتوسيع نفوذها من سورية المجاورة إلى لبنان على حساب الولايات المتحدة. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة اللبنانية ستقبل العرض الروسي، نظراً للتداعيات الممكنة. وقال عضو برلمان لبناني: "إذا ذهبنا مع الروس، فإن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة سيبتعدان عن لبنان وهذا سيتركنا مع عدد قليل من الأصدقاء في الغرب وعرضة للعقوبات التأديبية. وأضاف: "لماذا يجب أن ندفع مقابل المعدات الروسية مع أننا كنا نتلقى أسلحة أميركية مجاناً لأكثر من 10 أعوام؟"[25]
وقد أفيد بأن رئيس الوزراء اللبناني السني المكلّف سعد الحريري يبدي في الآونة الأخيرة اهتماماً أكبر بتطوير العلاقات مع روسيا لأنه يعتقد أن روسيا هي الطرف الوحيد القادر على تلطيف سلوك إيران وحزب الله. وفرضيته الأساسية هي أنه لن يكون رأس حربة المعارضة الأميركية لإيران. ويبدو أن حزمة الأسلحة غير مطروحة في الوقت الحالي بعد تحذيرات من الولايات المتحدة وبريطانيا من إمكان أن تتعرض برامجهما الخاصة بالمساعدات العسكرية للبنان للخطر إذا قبلت بيروت الصفقة.[26] ووفقاً للصحافي اللبناني جوزيف حبوش، فقد أحبطت الولايات المتحدة اتفاقاً عسكرياً بين بيروت وموسكو، لكن الحكومة اللبنانية المقبلة قد تحاول إعادة الصفقة إلى الحياة.[27]
تركيا. تشكل تركيا حالة خاصة، بوصفها أكبر دولة سنية غير عربية في المنطقة، وهي عضو مهم في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وكانت منذ فترة غير بعيدة نظاماً علمانياً صارماً. على أية حال، منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية (AKP) الذي يتزعمه الرئيس أردوغان إلى السلطة سنة 2002، غدت تركيا نظاماً إسلامياً أكثر التزاماً، تحت قيادة شخصية كاريزمية سلطوية تود أن تكون زعيمة العالم السني ومؤسِّسة لدولة عثمانية جديدة.
يعتبر أردوغان أحد ألد أعداء نظام الأسد في دمشق، وقد دعم المعارضة السورية منذ بداية الانتفاضة الشعبية في سورية تقريباً: الجيش السوري الحر، وجماعة الإخوان المسلمين السوريين الذين سيطروا على معظم المعارضة السياسية السورية في الخارج، ودعم في ما بعد الجماعات السلفية والجهادية التي سيطرت تدريجياً على حركة التمرد الداخلية.
ولذلك، كان من الطبيعي أن ترى تركيا التدخل الروسي في سورية بأنه حدث سلبي يؤثر في أهدافها الاستراتيجية في البلد الذي مزقته الحرب وفي المنطقة. وكانت موسكو على علاقة جيدة مع الأكراد السوريين، بل واستضافت ممثلين عن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني لمناقشة إمكانية إقامة بعثة دائمة له في روسيا. وقد قوبلت هذه الخطوة بانتقادات في أنقرة، وحذر مسؤولون أتراك موسكو من أنها قد تلحق ضرراً دائماً بالعلاقات بين تركيا وروسيا.
ثم قامت الطائرات المقاتلة التركية بإسقاط طائرة سو-24 الروسية فوق سماء سورية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بعد أن قامت القوات الجوية الروسية المنتشرة في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية الساحلية بقصف منازل التركمان وقراهم، وهم مواطنون سوريون من أصل تركي - بحسب أنقرة. وبعد إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية، اتخذت موسكو قراراً سريعاً بنشر أحدث نظام للدفاع الجوي من طراز S-400 في القاعدة الواقعة في اللاذقية.[28]
تعافت العلاقات الروسية التركية بشكل مفاجئ بسرعة تثير الدهشة من نقطة سنتي 2015-2016 المنخفضة بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية.
وبينما انتقدت واشنطن أنقرة بسبب توجهاتها السلطوية المتصاعدة وإغلاق المجال أمام المجتمع المدني تحت حكم أردوغان، وبينما هي تدعم المقاتلين الأكراد والأقليات السورية، حاولت روسيا أن تتودد لتركيا بدعوات لدخول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (Eurasian Economic Union) ومنظمة شنغهاي للتعاون. ويبدو أن روسيا تأمل في استخدام تركيا لإثارة الخلاف داخل حلف الناتو في الوقت الذي تتقارب فيه موسكو وأنقرة. وقد رفعت الحكومتان جميع القيود التجارية تقريباً في أواخر ربيع سنة 2017. ومن شأن الاستثمار الروسي في محطة للطاقة النووية التركية ومشروع السيل التركي للغاز، إذا تم تنفيذهما بالكامل، أن يؤديا إلى زيادة دور روسيا في أسواق الطاقة التركية.
وقد ناقش بوتين، خلال زيارته تركيا في كانون الأول/ ديسمبر عام 2017 مع أردوغان التطورات في سورية والشرق الأوسط، وكذلك العلاقات الثنائية. وكان ذلك اجتماعها الثامن في تلك السنة، وظل أردوغان يخاطب بوتين بـ"صديقي العزيز" في بيانه. كما خاطب بوتين أردوغان بوصفه صديقاً، مؤكداً دوره في المساعدة في التفاوض على التسوية السلمية في سورية.[29]
إن قرار أنقرة الأخير بشأن شراء نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 هو بمثابة انقلاب من وجهة نظر الكرملين، وإذكاء للمعارضة داخل حلف الناتو، وإبراز لمكانة تركيا كحليف إشكالي للغرب.[30]
وافقت تركيا وروسيا على تقديم تسليم أنظمة الصواريخ الدفاعية S-400 إلى تموز/ يوليو 2019. وجاء هذا الإعلان بعد أن عقد الرئيس الروسي بوتين لقاء مع أردوغان في أنقرة دام عدة ساعات، وسجّل بداية العمل على إنشاء محطة الطاقة النووية التي تبنيها روسيا في أكويو، والتي من المتوقع أن تنتج 10٪ من احتياجات البلاد من الكهرباء. وفي إشارة إلى أهمية الشراكة ، تعد زيارة بوتين إلى تركيا في نيسان/ أبريل 2018 أول رحلة له إلى الخارج منذ فوزه بولاية رئاسية رابعة تاريخية في 18 آذار/ مارس 2018.[31]
كان أعظم نجاح حققه بوتين هو ضمّ أردوغان إلى حل "السلام الروسي" في سورية.
وفي 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، التقى بوتين بزعيميْ تركيا وإيران الرئيسين، أردوغان وحسن روحاني. وقد أنتج رؤساء الدول الثلاث وثيقة تدعم الدعوة إلى "مؤتمر للحوار الوطني" لسورية ما بعد الحرب، يُعقد في سوتشي. وعلى الرغم من أن الرؤساء الثلاثة أكدوا أنهم كانوا يتصرفون وفقاً للمبادئ التوجيهية التي وضعتها الأمم المتحدة بشأن إعادة بناء نظام سياسي سوري قابل للحياة، فإن القوى الثلاث تسعى في الواقع إلى متابعة جدول أعمال منفصل خاص بها. وهكذا، تم "تخفيض مكانة الولايات المتحدة والغرب بشكل غير رسمي في الشرق الأوسط ".[32]
لقد حصلت تركيا من علاقاتها الوثيقة مع روسيا على الضوء الأخضر لتوغلها العسكري في عفرين، في الشمال الغربي لسورية، في كانون الأول/ يناير 2018، لمحاربة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) وطردها من المنطقة. فقد كان من الضروري ضمان موافقة موسكو قبل إطلاق العملية، إذ كانت القوات الروسية متمركزة حول عفرين كمراقبين ولكن تم سحبها بناء على طلب تركيا. وبما أن تركيا مصممة على توسيع العملية للقضاء على وحدات حماية الشعب بشكل أكبر على طول الحدود السورية التركية وحتى في شمال العراق، فإنه من غير المحتمل أن تتغير هذه الديناميكية، وفقاً للباحث غولني يلدز. كتب يلدز: "عندما يتعلق الأمر بالمسألة الكردية داخل تركيا أو سورية، فإن روسيا تحمل من الجزر والعصيّ ضد تركيا أكثر من أي دولة غربية." و"في هذا السياق كانت الجزرة عفرين، وإذا تغيرت العلاقات مع تركيا، يمكن أن تكون العصا - بصورة مكشوفة أو خلف الكواليس - دعماً عسكرياً للأكراد في سورية أو تركيا."[33]
مع أن تركيا بلد سني وتريد أن تكون زعيمة للعالم السني، فإن العلاقات الوثيقة الحالية لروسيا مع تركيا لا تدفع قُدُماً خطتها الكبرى بشأن التوازن بين المحور الشيعي والتحالف السني المعتدل.
لم توافق تركيا بتاتاً على تحدي إيران والانضمام إلى التحالف السعودي في اليمن، وهي تدعم قطر ضد دول الخليج الأخرى، وتدعم الإخوان المسلمين ضد نظام السيسي في مصر، وتفضل حماس على السلطة الفلسطينية وتعارض مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تتماشيان اليوم مع السنة المعتدلين.
الخلاصة
خلال اجتماع الثلاثي [بوتين وروحاني وأردوغان] في سوتشي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، صرّح مصدر مجهول في وزارة الدفاع الروسية بما يلي:"إن الوجود العسكري الروسي في شرق البحر الأبيض المتوسط ضروري للحفاظ على توازن القوى والمصالح الذي فقدناه بعد تفكك الاتحاد السوفييتي [اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية] قبل 25 عاماً."[34]
إن الاستراتيجية الجريئة والذكية التي اتبعها الرئيس بوتين منذ التدخل الروسي في سورية سنة 2015، على خلفية تراجع إدارتيْ أوباما وترامب من المنطقة، قد حققت لروسيا، بعد سنوات من الفشل على الساحة العالمية، النجاحاتِ اللازمة لتوسيع مصالحها ونفوذها خارج منطقة شرق البحر المتوسط: إلى منطقة الخليج وشمال أفريقيا والبحر الأحمر.
إن روسيا الآن في وضع من القوة يؤهلها لتكون وسيطاً للسلام في بعض المناطق أو وسيطاً فعالاً في الصراعات في مناطق أخرى، والمشاركة في الحفاظ على "الاستقرار" في الشرق الأوسط، وهو الاستقرار الذي يخدم بصورة رئيسية مصالحها وأهدافها الكبرى.
*المصدر: Institute for Policy and Strategy, IPS publications, IDC Herzilya, August 2018.
- ترجمه عن الإنكليزية: خالد عايد. للاطلاع على المقال بالإنكليزية يمكن استخدام الرابط التالي:
https://www.idc.ac.il/he/research/ips/Documents/publication/5/ElyKarmonRussiaMiddleEastJuly2018.pdf
[1] Dmitri Trenin, “Russia in the Middle East: Moscow’s Objectives, Priorities, and Policy Drivers,” Task Force White Paper, Carnegie Moscow Center,
April 05, 2016. URL: http://carnegie.ru/2016/04/05/russia-in-middle-east-moscow-s-objectives-priorities-and-policy-drivers-pub-63244
[2] Ibid.
[3] Ibid.
[4] Kathrin Hille, Erika Solomon. Heba Saleh and John Reed, “Russia’s Middle East ambitions grow with Syria battlefield success,” Financial Times, January 18, 2017.
[5] Dina Ezzat, “Cairo and Moscow inch closer together,” English Al-Ahram, November 14, 2013.
[6] “Russia offering Egypt helicopters, air defence systems,” AFP, November 15, 2013.
[7] “Egypt, Russia sign deal to build a nuclear power plant,” Reuters, November 19, 2015.
[8] Stephen Blank, “Russia and the Middle East: Building Out Bases and Presence,” SLDinfo.com, December 4, 2017.
[9] Hamza Hendawi, “Putin lands in Egypt in sign of growing ties,” Times of Israel, December 11, 2017.
[10] Paul Iddon, “Russia expanding Middle East footprint with Egypt bases,” The New Arab, December 15, 2017.
[11] Phil Stewart, Idrees Ali, Lin Noueihed, “Exclusive - Russia appears to deploy forces in Egypt, eyes on Libya role: sources,” Reuters, March 14, 2017.
[12] Kathrin Hille, Erika Solomon. Heba Saleh and John Reed, Russia’s Middle East ambitions grow with Syria battlefield success.
[13] Bill Gertz, Russia moving into Libya, The Washington Times, July 11, 2018.
[14] Mark N. Katz, “Balancing Act: Russia between Iran and Saudi Arabia,” London School of Economics and Political Science, May 2018.
[15] Anna Borshchevskaya, “Will Russian-Saudi Relations Continue to Improve?” Foreign Affairs, October 10, 2017.
[16] Mark N. Katz, Balancing Act: Russia between Iran and Saudi Arabia.
[17] Cyril Widdershoven, “Russia and Saudi Arabia have signed 3 huge oil deals,” OilPrice.com, February, 15, 2018.
[18]“Russia and Saudi Arabia to Form an Alternative to OPEC? ´ The Real News Network, July 11, 2018.
[19] Patti Domm, “Putin's power play: Saudi-Russia oil deal leads to bigger Russia role in Middle East,” CNBC Ceraweek by IHS Markit, March 5, 2018.
[20] “Saudi Arabia to Buy S-400 Air Defense System from Russia,” Reuters, October 05, 2017.
[21] “Saudis Should Not Buy Russia’s S-400 - Assistant US Secretary of State Nominee,” Sputnik Military & Intelligence, June 14. 2018.
[22] “Qatar buys range of arms from Russia, discusses purchase of S-400 missiles,” RT News, July 22, 2018.
[23] Paul Gypteau , “Saudi Arabia threatens ‘military action’ if Qatar purchases Russian S-400 systems – report,” AFP, June 2, 2018.
[24] “Russian fleets control ports of Lebanon,” Middle East Monitor, February 8, 2018.
[25] Nicholas Blanford, “As Western influence recedes, Russia looks to fill Lebanon’s power vacuum,” The Arab Weekly, March 18, 2018.
[26] Nicholas Blanford, “How US stance on Iran could raise price of peace in Lebanon,” The Christian Science Monitor, July 16, 2018.
[27] Joseph Haboush, “Washington pushes back Lebanon-Russia Russia military deal,” The Daily Star, July 5, 2018.
[28] Yuri Barmin, “Following the Downing of its Su-24 Russia Changes the Rules of the Game in Syria,” Russian International Affairs Council, November 30, 2015.
[29] Hamza Hendawi and Vladimir Isachenkov, “A confident and upbeat Putin goes on Mideast 'victory' tour,” Chicago Tribune, December 11, 2017.
[30] Paul Stronski, Richard Sokolsky, “The Return of Global Russia: An Analytical Framework,” Carnegie Endowment for International Peace, December 14, 2017.
[31] Russian brings forward delivery of S-400 missiles to Turkey to July 2019, AFP, April 4, 2018.
[32] Stephen Blank, “From Sochi to the Sahel: Russia’s Expanding Footprint,” Eurasia Daily Monitor, Vol. 14 Issue: 154, The Jamestown Foundation, November 29, 2017.
[33] “Afrin brought Turkey, Russia relations “closer than ever” – analyst,” Ahval, April 2, 2018,
URL: https://ahvalnews.com/russia-turkey/afrin-brought-turkey-russia-relations-closer-ever-analyst
[34] Stephen Blank, From Sochi to the Sahel: Russia’s Expanding Footprint.