تسويات مرحلية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– عدكان استراتيجي

إن الجهود التي هدفت إلى التوصل إلى اتفاق دائم بين إسرائيل والفلسطينيين بحلول نهاية سنة 2008، في إطار عملية أنابوليس، لم تلق نجاحاً. وهذا الفشل لا يعبر فقط عن عجز الجانبين عن التوصل إلى النتيجة المنشودة ضمن إطار زمني محدد سلفاً، بل يعبر أيضاً عن وزن بعض العوامل الأساسية التي تجعل من الصعب على الجانبين إنهاء المفاوضات بنجاح، حتى لو مُنح المفاوضون مزيداً من الوقت.

العامل الأول هو الوضع السياسي الداخلي في السلطة الفلسطينية المنقسمة بين قطاع غزة الذي تسيطر عليه حكومة حركة "حماس" الإسلامية، ويهودا والسامرة ]الضفة الغربية[ التي تسيطر عليها حكومة محمود عباس وسلام فياض، بقاعدتها السياسية التي تستند إلى حركة "فتح" العلمانية القومية. الحكومة الأولى، حكومة "حماس"، تحتفظ بالسيطرة الفعلية على قطاع غزة بواسطة الميليشيا العسكرية التابعة لها، لكنها لا تعترف بإسرائيل، وليست على استعداد للدخول في مفاوضات معها بشأن الاتفاق الدائم. أما الحكومة الثانية، حكومة "فتح"، فتعترف بإسرائيل وتريد إجراء مفاوضات معها بشأن الاتفاق الدائم، ويسيطر عليها الشركاء القدامى في المفاوضات مع إسرائيل (منذ سنة 1993)، غير أن ثمة شك في أن يكون لديها القدرة على التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل وتنفيذه ]....[.

هذا الوضع له عدة تداعيات. أولاً، إنه يضع صعوبات أمام نقل المسؤولية عن الأراضي الفلسطينية من قوات الأمن الإسرائيلية إلى قوات الأمن الفلسطينية، وذلك بسبب الخشية من عدم قدرة قوات الأمن الفلسطينية على الاضطلاع بمهماتها. إن ضعف الأداء من شأنه أن يفسح المجال أمام إعادة تأهيل الميليشيا العسكرية التابعة لـ"حماس" وإقامة بنية تحتية إرهابية واسعة، الأمر الذي سيمكّن "حماس" في نهاية المطاف من السيطرة على الضفة الغربية. وهذا يعني أنه حتى لو نجحت إسرائيل في التوصل إلى اتفاق دائم مع الفلسطينيين، فإن تنفيذه سيكون أمراً صعباً. ثانياً، هناك درجة عالية من عدم الثقة بين الجانبين. فالجانب الإسرائيلي ليس واثقاً بقدرة الفلسطينيين على تنفيذ الاتفاقات، أو برغبتهم في تنفيذها، في حين أن الجانب الفلسطيني لا يعتقد أن إسرائيل تريد حقاً أن تتنازل عن سيطرتها على الفلسطينيين. وفي مثل هذه الحالة، من الصعب جداً على الجانبين إضفاء مرونة على مواقفهما إلى حدٍّ يمكّن من التوصل إلى اتفاق، ومن تنفيذ الاتفاقات التي سيتوصلان إليها [....].

العامل الثاني هو الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل. فبعد أعوام طويلة من الانتفاضة، وحربين ـفي لبنان صيف سنة 2006، وفي قطاع غزة في أواخر سنة 2008 وأوائل سنة 2009 ـفقد الجمهور الإسرائيلي الثقة بالقدرة على التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين من شأنه إنهاء المواجهة معهم. وهناك أيضا عدم ثقة بمبدأ الأرض في مقابل السلام. فقد استخلص الجمهور الإسرائيلي مما يعتبره فشل الانسحاب الأحادي الجانب من جنوب لبنان وفك الارتباط مع غزة، أن الانسحاب من مناطق معينة وتسليمها إلى الجانب الفلسطيني يولدان فقط تهديدات جديدة ضد إسرائيل. وقد انعكس هذا الشعور في نتائج الانتخابات الأخيرة التي أدت إلى تأليف حكومة تستند إلى الأحزاب اليمينية أساساً. يضاف إلى ذلك استمرار الانقسام العميق في النظام السياسي الإسرائيلي الذي يضعف الحكومة ويجعل من الصعب عليها اتخاذ قرارات بشأن قضايا مثيرة للجدل، وتطبيقها [....].

هناك عدة طرق للتعامل مع صعوبة التوصل إلى اتفاق دائم وتنفيذه. والنهج الذي اختير في عملية أنابوليس كان اتباع مسارين متوازيين. من جهة، إجراء مفاوضات بشأن الاتفاق الدائم ومحاولة الوصول إلى خاتمة ناجحة لها، ومن جهة أخرى، بدء العمل تحت عنوان تنفيذ المرحلة الأولى من خطة خريطة الطريق ـعملية بناء القدرات والمؤسسات الفلسطينية، وخصوصاً في مجال الأمن، الأمر الذي سيمكّن الفلسطينيين من تنفيذ الاتفاق الذي يتم التوصل إليه. وقد انطوى هذا التصور، منذ البداية، على مشكلتين رئيسيتين. أولاً، أنه لم يعالج العقبات الرئيسية التي وصفناها أعلاه، والتي تحول دون التوصل إلى اتفاق. ثانياً، كان هناك مشكلة عدم التزامن بين العمليتين. فالموعد النهائي لإكمال المفاوضات كان نهاية سنة 2008، على الرغم من أنه كان من الواضح أن عملية بناء القدرات هي عملية بطيئة لا يمكن أن تنضج في الفترة نفسها. وأدت محاولة حل هذه المشكلة إلى بلورة فكرة الاتفاق المؤجل (Shelf Agreement) ، أي اتفاقاً لن يطبق فوراً بعد إنجازه، وإنما سيطبق في عملية متدرجة يكون النجاح في بناء قدرات السلطة الفلسطينية هو ما يحدد نهايتها. وينطوي هذا الحل أيضاً على نقطة ضعف كبيرة، لأن توقيع اتفاق من دون تنفيذه فعلياً لا يمكن إلاّ أن يزيد في عدم الثقة لدى كلا الجانبين فيما يتعلق بالقدرة على التوصل إلى اتفاق دائم وتنفيذه، وبالتالي، فإنه يضر بالقدرة على تهيئة الأوضاع التي تجعل تنفيذ الاتفاق ممكناً.

في ظل الواقع السياسي القائم لدى طرفَي هذه المفاوضات، وخصوصاً بعد الانتخابات التي جرت في إسرائيل، ثمة شك في إمكان مواصلة تطبيق نهج عملية أنابوليس. في المقابل، فإن حالة الجمود التام تنطوي على خطورة. هناك خطر في أن يصبح الوضع القائم على الأرض وضعاً لا رجعة فيه، وأن يصبح حل الدولتين مستحيلاً. كما أن الجمود لن يكون مقبولاً لدى المجتمع الدولي، وخصوصاً لدى إدارة أوباما، التي ترى، خلافاً للإدارة السابقة، ضرورة ملحة لحل النزاع الإسرائيلي ـالعربي، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي يتبنى وجهة نظر مماثلة، وسيمارسان الضغط على إسرائيل كي تواصل المشاركة في عملية سياسية مع الفلسطينيين تتخطى تحسين الأوضاع المعيشية للسكان الفلسطينيين (وهو ما سمي "السلام الاقتصادي").

لهذه الأسباب جميعاً، ثمة حاجة إلى التفكير في تبني تصور جديد يقوم على تجاوز صعوبة التوصل إلى اتفاق دائم في غضون فترة زمنية قصيرة وتطبيقه، وخصوصاً فيما يتعلق بالمجالات الحساسة، وفي الوقت نفسه، تجنب الجمود وبناء عملية مفاوضات تعالج، في نهاية المطاف، كثيراً من المشكلات القائمة بين الجانبين وتقنع شعبيهما على حد سواء بأنهما قادران على العيش جنباً إلى جنب. وأحد البدائل الممكنة هو البدء بعملية متدرجة تهدف إلى التوصل إلى اتفاقات جزئية وتطبيقها، على نحو يجعل الجانبين أكثر قرباً من الاتفاق الدائم، حتى لو واجها في أثناء العملية صعوبات في التوصل إلى اتفاق بشأن مختلف الموضوعات الحساسة.

[.......]

ج ـمنطلقات أساسية

  1. المنطلق الأساسي الرئيسي هو أن التوصل إلى اتفاق دائم ليس ممكناً في الوقت الحاضر، وذلك بسبب الوضع السياسي الداخلي في كلا الجانبين والذي لا يسمح بتضييق الفجوات في مواقفهما. علاوة على ذلك، حتى لو تمكن الجانبان من التوصل إلى اتفاق، فإنهما سيواجهان صعوبة في تنفيذه ـالجانب الفلسطيني بسبب ضعف السلطة الفلسطينية، والجانب الإسرائيلي بسبب صعوبة إخلاء عدد كبير من المستوطنات.

  2. خيار القيام بخطوات من جانب واحد ليس عملياً في نظر الجمهور الإسرائيلي، لأنه يرى أن فك الارتباط مع قطاع غزة والانسحاب أحادي الجانب من لبنان كانا فشلاً، وأن هذا الخيار سيخلق تهديدات أمنية شديدة لعدم وجود التزامات من الطرف الآخر.

  3. الاتفاقات الجزئية ستخدم مصالح الأطراف كافة. فبالنسبة إلى إسرائيل، سيكون الهدف من هذه الاتفاقات تعزيز قوة الشريك الفلسطيني تمهيداً للاتفاق الدائم، وإضعاف معارضي الاتفاق لدى الطرفين، وإرساء الأسس للاتفاق الدائم. أما في الجانب الفلسطيني، فإن الاتفاقات الجزئية ستسمح بتسليم الفلسطينيين السيطرة على مزيد من الأراضي، وستسهل إنشاء بنية تحتية سياسية والعودة إلى الحياة الطبيعية. كما أنها ستمكّن من تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية على نحو يعزز قوة السلطة الفلسطينية وأركان الحكم فيها، ويرسي البنية التحتية للتسوية الدائمة التي من شأنها أن تكون مقبولة لديها. وسيكون في إمكان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دعم عملية واقعية لها فرص في النجاح من شأنها أن تساعد على التقدم نحو الاتفاق الدائم، وأن تحسن الوضع الأمني والاقتصادي للفلسطينيين.

  4. .وكما ذكرنا آنفاً، فإن التسويات الجزئية يمكن أن تكون تفسيراً محتملاً لخطة خريطة الطريق، وهي لا تتناقض معها، ويمكن أن تتم جنباً إلى جنب مع عملية سياسية شبيهة بعملية أنابوليس. كما أنها تلائم وضعاً تقرر إسرائيل فيه إعطاء أولوية لقناة المفاوضات مع سورية من دون السماح بسيطرة الجمود على القناة الإسرائيلية ـالفلسطينية.

  5. إن تحليلنا للاتفاقات الجزئية [الممكنة] يتناول أساساً الاتفاقات التي تتعلق بمنطقة الضفة الغربية فقط وبالشريك الفلسطيني في هذه المنطقة. وافتراضنا هو أنه لن يكون هناك في المرحلة الأولى حكومة وحدة فلسطينية يكون من الصعب على إسرائيل التفاوض معها، نظراً إلى أن السياسة الإسرائيلية ترفض الحوار مع "حماس". ولن يكون في استطاعة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة الإضرار بفرص التوصل إلى اتفاقات جزئية في الضفة الغربية وتنفيذها، كما أنه من المحتمل أنها لن تعارضها لأن الاتفاقات الجزئية ستعني تسليم الفلسطينيين السيطرة على مزيد من الأراضي، وهي لن ترغب في أن ينظر إليها الرأي العام الفلسطيني على أنها تعارض ذلك لأسباب سياسية.

[.......]

 

هـ ـالمبادئ

تتألف العناصر الرئيسية لاتفاقات جزئية من هذا النوع من عنصر جغرافي يشمل عموماً تسليم الفلسطينيين السيطرة على أراضٍ محددة، وتغيير مكانة (status) هذه الأراضي، ومن عنصر أمني يعالج الترتيبات الأمنية ذات الصلة، ومن عنصر اقتصادي يعالج تغيير الواقع المدني على الأرض. وفي أثناء هذه العملية، وبالتوازي مع تقدمها، سيكون هناك حاجة إلى معالجة المجالات الحساسة، كقضيتَي القدس واللاجئين، ولو لإثبات أن هذه القضايا سيتم تناولها في نهاية المطاف، وبالتالي لتسهيل قبول الاتفاقات الجزئية في كلا الجانبين.

[.......]

هناك طيف واسع من الاتفاقات الجزئية التي يمكن التوصل إليها. وقد قسمنا مختلف الموضوعات التي ستشملها الاتفاقات إلى خمسة مجالات رئيسية هي: العنصر الجغرافي؛ الترتيبات الأمنية؛ الاقتصاد وغيره من المجالات المدنية؛ القدس؛ اللاجئون. وقد حددنا مجموعة من الاتفاقات الممكنة في كل من هذه المجالات. وهذا التحليل سيمكّن، في المرحلة المقبلة، من استنباط مستويات مختلفة لاتفاق جزئي يضم عناصر من هذه المجالات الخمسة.

1ـ العنصر الجغرافي

يبين تحليل العنصر الجغرافي أن هناك ستة مستويات ممكنة:

أ ـإعادة المسؤولية الأمنية والمدنية عن كل أو جزء من المنطقة (أ) إلى الفلسطينيين، وتقديم تسهيلات متعلقة بحرية الحركة في مناطق أخرى إليهم.

ب ـمنح أجزاء من المنطقة (ب) مكانة المنطقة (أ)، بحكم الأمر الواقع أو بحكم القانون.

ج ـالسماح بنشاط اقتصادي فلسطيني في جزء من المنطقة (ج).

د ـإخلاء بضع مستوطنات من أجل إنشاء اتصال جغرافي فلسطيني في مناطق معينة

 (وخصوصاً في شمال الضفة الغربية وجنوبها).

هـ ـإخلاء جميع المستوطنات المعزولة في سفوح الجبال [المطلة على غور الأردن] (نحو 17 مستوطنة)، وإيجاد اتصال جغرافي فلسطيني أكثر تكاملاً.

و ـإخلاء مستوطنات على نطاق أوسع بحيث يصار إلى إيجاد واقع قريب من وضع الاتفاق الدائم (قريب مـن خـط الجدار الفاصل). وهذا حـل جغرافي يستند إلى مبدأ العودة إلــى خطوط 1967، مع أخذ الواقع الديموغرافي الذي نشأ على الأرض، وكذلك الحاجات الأمنية [الإسرائيلية]، في الاعتبار.

وفي المستويات الأدنى، يمكن الدمج بين إخلاء البؤر الاستيطانية غير المرخصة وتجميد توسيع المستوطنات وفقاً لمقاييس يتم الاتفاق عليها.

 

2ـ الترتيبات الأمنية

هناك عدد من المقاييس التي يمكن، بناءً عليها، تحديد مضمون الترتيبات الأمنية التي سيتم ملاءمتها مع العنصر الجغرافي.

المقياس الأول يتعلق بمناطق انتشار قوات الأمن الفلسطينية. يجب السعي، في إطار الاتفاقات الجزئية، لإلغاء الفرق بين المنطقة (أ) والمنطقة (ب) بالتدريج. وفي كل منطقة يتم نقل المسؤولية عنها إلى الفلسطينيين، سيصبح في إمكانهم نشر قوات أمنية على أساس الخريطة التي سيتم الاتفاق عليها بين الجانبين، ونقل قوات من مكان إلى آخر من دون أي عرقلة، وذلك كي يتمكنوا من تنفيذ تعهداتهم في مجال الأمن.

المقياس الثاني هو حجم قوات الأمن الفلسطينية. هناك علاقة متبادلة بين حجم القوات والمناطق التي سيتم تسليمها إلى الفلسطينيين. فمن جهة، يجب أن يكون في تصرف الفلسطينيين قوات كافية للقيام بالمهمات الأمنية في المناطق التي سيتسلمون السيطرة عليها، وسيحدِّد حجم القوات وتيرة تسليمهم السيطرة على المناطق. ومن جهة أخرى، يتطلب تسليم المناطق إليهم أن توافق إسرائيل على زيادة حجم القوة التي يستطيع الفلسطينيون تفعيلها.

المقياس الثالث هو طبيعة القوات ومعداتها. وفي هذا المجال، ليس من الضروري أن تحيد إسرائيل عن المعايير التي عملت بموجبها في السابق، والتي تقضي بأن تكون الدولة الفلسطينية من دون جيش، وبأن تكون قوات الأمن التابعة لها قوات شرطة ودرك، مع المعدات التي تلائم قوات من هذا النوع.

المقياس الرابع هو مدى حرية حركة هذه القوات. يجب التطلع إلى أن تتمتع القوات الفلسطينية بأقصى قدر من حرية الحركة في المناطق التي تسيطر عليها، وبالقدرة على تحريك القوات من منطقة إلى أخرى. ففي سيناريوهات المستويات الجغرافية الأدنى [التي ستتسلم السلطة الفلسطينية بموجبها السيطرة على مناطق أقل مساحة]، والتي لن يكون الاتصال الجغرافي الفلسطيني فيها واسعاً، سيكون من الضروري إرساء ترتيبات وآليات تنسيق تسمح بحركة هذه القوات عبر المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل عندما تدعو الحاجة إلى ذلك.

المقياس الخامس والمهم هو درجة حرية عمل القوات الإسرائيلية في المناطق الواقعة ضمن نطاق مسؤولية الفلسطينيين. ففي المراحل المبكرة [من تطبيق الاتفاقات الجزئية]، عندما يكون هناك ضعف ثقة بأداء القوات الفلسطينية، سيكون ثمة حاجة إلى تمتع إسرائيل بدرجة كبيرة من حرية العمل. وإذا نجحت العملية فستقل الحاجة إلى ذلك في المستقبل.

المقياس المهم أيضاً، هو درجة مشاركة قوات دولية في الترتيبات الأمنية، أكان ذلك عبر مهمات المراقبة والتحقق من التطبيق، أو في مجالات ذات طابع عملاني أكبر.

هناك عنصر مهم آخر هو درجة مشاركة القوات الفلسطينية في المعابر الدولية. والخيارات هنا تتراوح بين الوجود الرمزي والسيطرة الكاملة، مع إشراف دولي وإسرائيلي.

ويجب أن تشمل الترتيبات الأمنية أيضاً آليات للتنسيق والتعاون بين قوات الأمن التابعة للطرفين.

في الإمكان دراسة مقاربتين مختلفتين بالنسبة إلى الترتيبات الأمنية. في المقاربة الأولى، سيتم وضع نموذج موحد للترتيبات الأمنية، وسينعكس الطابع المتدرج لتطبيقها في توسيع نطاق الترتيبات لتشمل مناطق إضافية، تبعاً للتغييرات الجغرافية؛ أما في المقاربة الثانية، فسيكون هناك مستويات مختلفة من الترتيبات الأمنية، وربما يكون هناك بعض الاختلاف بين هذه الترتيبات في مختلف المناطق التي سيتم نقل السيطرة عليها إلى الفلسطينيين، وذلك وفقاً للحالة الأمنية وحالة القوات الفلسطينية الموجودة فيها.

3ـ الاقتصاد والقضايا المدنية

إن حيز المرونة في المجال الاقتصادي سيشمل الموضوعات التالية:

أ ـعدد التصاريح التي تمنح للعمال الفلسطينيين من أجل الدخول إلى إسرائيل.

ب ـطبيعة النظام الاقتصادي بين الجانبين ـالخيارات تتراوح بين منطقة جمركية موحدة (الوضع الراهـن) وإقامـة منطقـة تجارة حـرة، أو نظـام يدمج بين عناصـر مـن هذيـن الخيارين.

ج ـطبيعة الترتيبات على المعابر الدولية ونقاط العبور إلى إسرائيل.

د ـمدى حرية الحركة بين مختلف المناطق الفلسطينية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] (مسألة الحواجز).

هـ ـالسماح بتشغيل مطار (مع خضوعه لسيطرة جوية إسرائيلية).

و ـالسماح للسلطة الفلسطينية بتوقيع اتفاقات اقتصادية مع أطراف ثالثة.

ز ـمنح الفلسطينيين حرية الوصول إلى البحر الميت.

وهناك موضوعات مدنية أخرى يوجد فيها مجال للمرونة، وتشمل رموز الدولة على أنواعها، بما في ذلك مشاركة الفلسطينيين في المنظمات الدولية وتحسين ترتيبات تقاسم المياه الجوفية المشتركة.

4 ـالقدس

نظراً إلى حساسية الموضوعات المرتبطة بالقدس، يبدو أنه لن يكون في الإمكان إدراج خطوات من هذا النوع في الاتفاقات الجزئية إلاّ في مراحل متقدمة جداً من تلك الاتفاقات.

ثمة خطوة يمكن أن تكون ذات أهمية رمزية كبيرة وهي تغيير مسار الجدار الفاصل في القدس. فعن طريق تغيير مسار الجدار، يمكن تمرير رسالة إلى الجانب الفلسطيني فحواها أن هناك استعداداً لنقل السيطرة على أحياء من القدس إليهم في المستقبل.

في الإمكان أيضاً اتخاذ خطوات إدارية تكون دلالتها الاعتراف بالطابع الفلسطيني للقدس الشرقية. وإحدى الخطوات من هذا القبيل هي إنشاء إدارات مدنية في الأحياء العربية، مع الموافقة على ربط هذه الإدارات بالسلطة الفلسطينية في مجالات معينة (مثل الصحة والتعليم). وهذا الاقتراح لا ينطبق على البلدة القديمة والحوض التاريخي بكليّته، نظراً إلى حساسية هاتين المنطقتين. وقد يكون هناك أيضاً مستويات متنوعة من الصلاحيات التي يمكن منحها لهذه الإدارات.

وثمة خطوة أكثر تقدماً، هي تغيير الهيكل الإداري للقدس، بحيث يصبح هناك بلدية عليا تتبع لها بلدية إسرائيلية وأخرى فلسطينية، وتتولى كل منهما المسؤولية عن جزء من المدينة.

وهناك خطوة ممكنة أخرى وهي تغيير مكانة أحياء فلسطينية تقع على الجانب الآخر من الجدار الفاصل. وستكون هذه الخطوة بمثابة إعلان إسرائيلي فحواه أن إسرائيل توافق على أن تكون هذه الأحياء تابعة للدولة الفلسطينية في الحل النهائي. وسينعكس هذا التغيير في تحول مكانة هذه الأحياء بحيث تصبح مماثلة للمنطقة (ب). وهذه الخطوة ليست معقدة عندما تكون هذه الأحياء واقعة خارج المنطقة المعرفة بأنها جزء من القدس وفقاً لقانون [ضم] القدس، وهي أكثر تعقيداً عندما تكون داخل مجال القدس، لأنها ستتطلب تشريعاً خاصاً.

ويمكن لإسرائيل أن تسمح بإقامة ممثلية للسلطة الفلسطينية داخل القدس، بصورة رسمية أو بصورة شبه رسمية، وذلك عن طريق موافقتها على تنفيذ تعهدها بموجب الاتفاق المرحلي الذي ينص على السماح لمؤسسات فلسطينية ثقافية واقتصادية، مثل بيت الشرق، بالعمل.

وفي جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، أحد الأماكن المهمة في القدس، تتمتع السلطة الفلسطينية حالياً، بسيطرة فعلية على الموقع، وذلك من خلال سيطرتها على الوقف، ويمكن دراسة منحها وجوداً له صفة رسمية أكثر.

ومرة أخرى، نظراً إلى حساسية الموضوعات المتعلقة بالقدس، يبدو أنه لن يكون في الإمكان إدراج خطوات من هذا النوع في الاتفاقيات الجزئية إلا في مراحل متقدمة منها.

 

5 ـاللاجئون

هناك مصلحة إسرائيلية واضحة في أن يكون بعض الثمن الذي ستحصل إسرائيل عليه من الفلسطينيين لقاء الخطوات التي ستقوم بها من أجل تحقيق الاتفاقات الجزئية مرتبطاً بإيجاد حل لمشكلة اللاجئين. ومن الواضح أن هذه لا يمكن أن تكون خطوات يتنازل فيها الفلسطينيون عن مطالبهم الرئيسية في هذا الموضوع خارج إطار الاتفاق النهائي، ولذا، يجب أن تكون، أساساً، خطوات في اتجاه معالجة إعادة تأهيل اللاجئين بصورة عملية.

إحدى هذه الخطوات الممكنة هي بدء نقاش وخلق أطر للنقاش مع جهات دولية بشأن مشاركتها في عملية إعادة التأهيل.

ومن الخطوات الممكنة الأخرى، إجراء مناقشة مبدئية بشأن مستوى التعويضات الدولية التي ستُمنح للاجئين، وآلية تنفيذ التعويضات.

إن الموافقة على مناقشة رواية كلا الطرفين بشأن هذا الموضوع بغية تضييق الفجوات بين روايتي الطرفين قدر الإمكان وخلق الاستعداد لدى كليهما للاعتراف بمسؤوليته، يمكن أن تشكل خطوة ذات أهمية رمزية كبيرة.

وفي مرحلة متقدمة يمكن لإسرائيل أن توافق على عودة لاجئين فلسطينيين إلى المناطق التي يسيطر عليها الفلسطينيون، لكن بصورة خاضعة للمراقبة (بما أن إسرائيل تسيطر على المعابر، فإن هذه العودة ستكون خاضعة للمراقبة في أي حال).

و ـأربعة سيناريوهات

استناداً إلى نطاق المرونة المتاح في كل واحد من المجالات الخمسة المذكورة آنفاً، من الممكن تركيب صيغ متباينة من الاتفاقات الجزئية على عدة مستويات.

ولتوضيح ذلك سنعرض أربع مستويات ممكنة، من المستوى الأدنى والأسهل للتطبيق بالنسبة إلى إسرائيل، حتى مستوى اتفاق جزئي قريب من اتفاق نهائي. والمستويات التي اخترناها هي: "جنين زائد"؛ "شمال الضفة الغربية وجنوبها"؛ "شمال الضفة الغربية وجنوبها مع إخلاء مستوطنات"؛ "اتفاق نهائي ناقص". وهذه ليست الصيغ الوحيدة الممكنة، وقد تم اختيارها لأنها تمثل طيف الاحتمالات بحدوده الدنيا والقصوى والوسطى.

1ـ جنين زائد

الفكرة الرئيسية الكامنة وراء اتفاق "جنين زائد" هي البناء على نجاح نشر قوات الأمن الفلسطينية التي تم تدريبها على يد الجنرال دايتون في جنين، وإيجاد منطقة واسعة نسبياً تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة في شمال الضفة الغربية. وضمن هذه المنطقة سيكون هناك حرية حركة للفلسطينيين، وترتيبات من شأنها أن تسهل دخول البضائع والأشخاص إليها من باقي مناطق الضفة الغربية، وأيضاً من إسرائيل، من أجل تعزيز اقتصادها.

وسيطبق الاتفاق على مجمل منطقة شمال الضفة الغربية حتى حدود مدينة نابلس، وسيتضمن مدينة طولكرم وضواحيها. وهو يشمل في معظمه أراضي من منطقتي (أ) و (ب)، غير أنه من المهم أن يشمل أيضاً بعض أراضي المنطقة (ج)، على نطاق محدود، لأن ذلك سيمكّن من إيجاد اتصال جغرافي أفضل داخل المنطقة، ولأن ذلك سينطوي على رسالة إلى الفلسطينيين فحواها أن الاتفاقات الجزئية لا تهدف إلى تجميد وضع الاتفاق المرحلي وإنما إلى توسيع المناطق الخاضعة لسيطرة الفلسطينيين وتوسيع مسؤوليتهم بالتدريج. وستتحول هذه المناطق كلها، بحكم الأمر الواقع إن لم يكن بحكم القانون، إلى مناطق (أ)؛ بعبارة أخرى، مناطق تقع تحت المسؤولية الفلسطينية الكاملة، من الناحيتين الأمنية والمدنية.

هذا الاتفاق يأخذ أيضاً حدود قدرات السلطة الفلسطينية بعين الاعتبار، ويمنحها سيطرة ومسؤولية تستطيع الاضطلاع بهما بواسطة قوات الأمن التي تحت تصرفها، وبالقوات الجديدة التي هي على وشك إكمال التدريب.

ومن السهل نسبياً تنفيذ هذا الاتفاق لأن هذه المنطقة تكاد تكون خالية من المستوطنات، منذ إخلاء المستوطنات في إطار خطة فك الارتباط [سنة 2005].

وستنص الترتيبات الأمنية المتعلقة بهذه المنطقة على أن الفلسطينيين يتولون المسؤولية الأمنية الكاملة عنها ويتمتعون بحرية العمل والانتشار في أنحائها كافة. وستتعهد إسرائيل بالامتناع من القيام بنشاط في هذا المنطقة، إلا في حالات استثنائية. وسيُنشر في هذه المنطقة كتيبتان من قوات الأمن الوطني [الفلسطينية]، بالإضافة إلى قوات شرطة مدنية. كما سيكون في هذه المنطقة وجود قوي لبعثة دايتون، من أجل مساعدة القوات الفلسطينية، وأيضاً كي تعمل كهيئة مراقبة وتحقق. وسيتم إنشاء آلية للتنسيق الأمني المشترك مع إسرائيل، وسيكون من الضروري وضع ترتيبات خاصة للسماح بانتقال قوات إسناد إلى المنطقة ومنها.

ويجب أن تشكل هذه المنطقة نموذجاً للنجاح يمكن توسيعه مستقبلاً إلى مناطق أخرى، وبالتالي، فإنه من المهم أن يؤدي تطبيقه إلى تعزيز النشاط الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. ومن الخطوات المهمة التي يجب اتخاذها في هذا الإطار، تشغيل ممر اقتصادي مع وضع ترتيبات ملائمة للعبور إلى إسرائيل عن طريق المعبر الشمالي (الجلمة)، ومنح سكان المنطقة مزيداً من تصاريح العمل في إسرائيل، والتعاون مع فريق الممثل الخاص للجنة الرباعية توني بلير في دعم مشاريع التنمية الاقتصادية في هذه المنطقة.

وسيكون من الممكن، بل من المرغوب فيه، أن تدرج في المشاريع الاقتصادية التي سيجري تنفيذها في منطقة الاتفاق مشاريع لتحسين الأوضاع في مخيمات اللاجئين، بدعم دولي.

إن العقبة الرئيسية التي يجب التغلب عليها في المحادثات مع الفلسطينيين بشأن اتفاق كهذا هي خشية الفلسطينيين من أن تكون إسرائيل تحاول تنفيذ خطة لتقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات. ولتبديد هذه الخشية، سيكون من الضروري إشراك جهات عربية ودولية تمنح الفلسطينيين ضمانات بأن الأمر يتعلق بخطوة أولية في عملية ستؤدي إلى توقيع اتفاق دائم وتنفيذه. إن استعداد إسرائيل للسماح بدخول السلطة الفلسطينية إلى المنطقة (ج)، على الأقل في المجال الاقتصادي، ستسهّل إقناع الفلسطينيين [بالموافقة على اتفاق كهذا].

 

2ـ شمال الضفة الغربية وجنوبها

الفكرة الرئيسية الكامنة وراء اتفاق يشمل شمال الضفة الغربية وجنوبها مطابقة للفكرة الرئيسية المتعلقة بالاتفاق الجزئي السابق، لكن هذا الاتفاق سيطبق على جزء أكبر من منطقة الضفة الغربية. وقد اخترنا هاتين المنطقتين لأنه يكاد لا يوجد في الشمال مستوطنات تقطع الاتصال الجغرافي الفلسطيني، ولأن عدد المستوطنات في جنوب الضفة الغربية قليل، ومن الممكن إيجاد اتصال جغرافي فلسطيني في منطقة كبيرة نسبياً.

وفيما عدا الفارق في مساحة المنطقة التي يسري عليها الاتفاق، فإنه سيكون هناك حاجة إلى مزيد من القوات الأمنية كي تكون السلطة الفلسطينية قادرة على السيطرة على المنطقة بشكل فعال، ومن دون الحاجة إلى نشاط أمني إسرائيلي. ومعنى ذلك هو أنه سيكون هناك حاجة إلى مضاعفة حجم قوات الأمن الوطني التي ستنتشر في منطقة الاتفاق من كتيبتين إلى أربع كتائب، مع قوات شرطة مدنية إضافية.

وفيما يتعلق بالمجال الاقتصادي، فإنه سيتم إنشاء ممر اقتصادي آخر يؤدي إلى معبر ترقومية، على غرار الممر الشمالي.

أما في باقي المجالات، فإن هذا الاتفاق سيكون مماثلاً للاتفاق السابق.

ويمكن لإسرائيل أن تطبق هذا الاتفاق أيضاً من دون صعوبات سياسية داخلية خاصة، ولا سيما إذا ما كان ذلك سيتم في أعقاب نجاح نموذج "جنين زائد"، وبمستوى معقول من المخاطر من الناحية الأمنية. والعامل الرئيسي الذي سيحدد مدى قابلية هذا الاتفاق للتطبيق هو وضع قوات الأمن الفلسطينية. ووفقاً لخطط السلطة الفلسطينية التي جرى الاتفاق عليها مع بعثة دايتون، فإن حجم قوات الأمن الفلسطينية بات قريباً من حجم القوات المطلوب.

3ـ شمال الضفة الغربية وجنوبها مع إخلاء مستوطنات

هذا الاتفاق الجزئي ينطبق أيضاً على شمال الضفة الغربية وجنوبها، والفارق بينه وبين الاتفاق السابق هو أنه يقضي بإخلاء عدد قليل من المستوطنات، وذلك بغية إيجاد اتصال جغرافي فلسطيني وحرية حركة أفضل. فعلى سبيل المثال، يمكن في شمال الضفة الغربية إيجاد اتصال أفضل كثيراً عن طريق إخلاء مستوطنتين فقط، هما معاليه دوتان وحِرمِش.

وهذه الإضافة تنطوي على تغيير نوعي كبير لأنها تنقل رسالة سياسية واضحة إلى السلطة الفلسطينية، وأيضاً إلى الجمهور الإسرائيلي في الداخل، كونها تظهر استعداداً [من جانب إسرائيل] لدفع ثمن سياسي من أجل التقدم نحو الحل القائم على دولتين، وتعزز الرسالة التي مفادها أنه ليس هناك نية للحفاظ على الوضع الراهن. ولهذا السبب، فإن تنفيذ هذا الاتفاق يعتبر أصعب من ناحية إسرائيل.

أما من النواحي الأخرى، فإن هذا الاتفاق مماثل للاتفاق السابق إلى حد كبير. ويمكن أن نضيف إلى العناصر الاقتصادية التي ينطوي عليها موافقة على بناء وتشغيل مطار في منطقة أريحا.

4ـ اتفاق نهائي ناقص

إن الاتفاق النهائي الناقص يسمح بإقامة دولة فلسطينية، وهو في الواقع يشكل تنفيذاً كاملاً لمرحلة إقامة دولة فلسطينية ذات حدود موقتة وفقاً لخطة خريطة الطريق.

إن هذا الاتفاق هو خطوة أكثر تقدماً بكثير، ولا يختلف بشكل كبير عن الاتفاق النهائي نفسه. والفارق الرئيسي بين هذا الاتفاق الجزئي والاتفاق النهائي هو أن هذا الاتفاق لا يتضمن حلاً كاملاً لمشكلة اللاجئين، أو حلاً كاملاً في موضوع القدس، وبالتالي، فهو لا يتضمن اتفاقاً بشأن إنهاء النزاع.

إن الحدود الجغرافية لهذا الاتفاق قريبة من خط الجدار الفاصل، وسيتم إخلاء جميع المستوطنات الواقعة خلف الجدار. وهذه التسوية تترك عدداً من أوراق المساومة الجغرافية للمرحلة الأخيرة من المفاوضات بشأن الاتفاق النهائي، ولا سيما أن هذا الاتفاق الجزئي لا يتضمن تبادلاً للأراضي، وأن الفلسطينيين لن يحصلوا في إطاره على أراضٍ بديلة من المناطق التي ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية. وسيشمل الجزء الجغرافي من الاتفاق ترتيباً بشأن معبر آمن بين غزة والضفة الغربية (سيكون من الضروري الاتفاق على "الثمن" [الذي سيدفعه الفلسطينيون لقاءه] في إطار تبادل الأراضي الذي سيتم في وقت لاحق).

أما في المجال الأمني، فإن هذا الاتفاق [الجزئي] سيشمل الاتفاق النهائي بشأن حجم وتسليح قوات الأمن الفلسطينية. والفكرة الأساسية هي أن الدولة الفلسطينية لن يكون لديها جيش، وإنما قوات درك وشرطة مدنية ومخابرات فقط، وسيكون تسليحها وفقاً لذلك. كما سيشمل الاتفاق وجوداً دولياً قوياً يساعد الفلسطينيين في أداء المهمات الأمنية، ويراقب تطبيق الاتفاق، ويشارك في الإشراف على الحدود، على الأقل خلال الأعوام الأولى التي ستتلو توقيع الاتفاق. وإلى جانب ذلك، سيصار إلى إنشاء آليات للتعاون والتنسيق مع إسرائيل.

وسيتضن الاتفاق سيطرة فلسطينية على المعابر الدولية، بما في ذلك الموانئ والمطارات، مع وجود دولي يشارك في مهمات الإشراف والتحقق، ورصد إسرائيلي فعال عن بعد.

وسيكون هناك وجود عسكري إسرائيلي محدود في محطات إنذار، وفي إطار القوة الدولية.

وسيتم الاتفاق على ترتيبات نهائية في مجال الطيران، والمجال الكهرومغناطيسي.

وستكون الصلاحيات المدنية التي يتمتع بها الفلسطينيون كاملة. أما في المجال الاقتصادي، فستتفق الدولتان على شكل العلاقات الاقتصادية بينهما ـاستمرار الوحدة الجمركية بصيغة محسنة أو إنشاء منطقة تجارية حرة، وسيتم تحديد ترتيبات أكثر نجاعة لمرور البضائع والأشخاص من إسرائيل وإليها، وسيُمنح الفلسطينيون حرية كاملة في توقيع اتفاقيات اقتصادية مع دول أخرى. وسيتم الاتفاق على ترتيبات نهائية في مجال المياه والبيئة، بالإضافة إلى ترتيبات تنسيق وتعاون في مجالات مدنية أخرى.

وفيما يتعلق بالقدس، سيتضمن الاتفاق تغييراً في مسار الجدار الفاصل، وتبعاً لذلك، ستُنقل أحياء القدس الشرقية التي لا يوجد مطالبة إسرائيلية بشأنها إلى الجانب الفلسطيني. وسيُسمح بإقامة ممثلية فلسطينية في منطقة القدس الشرقية التي ستبقى في الجانب الإسرائيلي من الجدار، كما سيُسمح للحكم الفلسطيني بممارسة صلاحيات في عدد من المجالات الحياتية كالتعليم والصحة.

وفي موضوع اللاجئين، سيتم الاتفاق مع جهات دولية على حجم التعويضات، ومعايير توزيعها، وآليته، وستُجرى مناقشة تهدف إلى بلورة رواية مشتركة [فلسطينية وإسرائيلية بشأن المسؤولية عن مشكلة اللاجئين]. وسيسمح للاجئين بالعودة إلى المنطقة الخاضعة للسيطرة الفلسطينية بحسب شروط تتفق عليها الدولتان. وسيتم الشروع في تنفيذ خطة لإعادة تأهيل جميع اللاجئين المقيمين في منطقة الكيان الفلسطيني، وذلك في مجالات مثل السكن والعمل، بمساعدة دولية.

وهذه المرحلة ستسمح بمشاركة أكبر للدول العربية، وفقاً لمبادرة السلام العربية. وستتجلى هذه المشاركة، من جهة، في إعطاء إسرائيل مكافآت في مجال العلاقات مع الدول العربية، ومن جهة أخرى، في المشاركة في تنفيذ الاتفاق، وذلك من خلال تقديم مساعدات اقتصادية للدولة الفلسطينية، بما في ذلك مساعدات لإعادة تأهيل اللاجئين في أراضيها، والمشاركة في القوة الدولية، وإعادة تأهيل اللاجئين الفلسطينيين الذين سيختارون البقاء في الدول العربية، بما في ذلك منحهم حقوق المواطنة الكاملة في الدول التي لم تفعل ذلك حتى الآن.

في ظل الأوضاع السياسية الراهنة القائمة لدى الطرفين، من الصعب أن نتصور تنفيذ هذا الاتفاق الجزئي الواسع النطاق. وسيتطلب تنفيذه الكامل النجاح في تنفيذ اتفاقات مرحلية بحسب صيغة الاتفاقات المذكورة أعلاه. وسيؤدي هذا النجاح إلى تعزيز الثقة بين الجانبين، وسيساعد على تحقيق القفزة الكبيرة نحو هذا الاتفاق. وسيعني هذا النجاح أيضاً أن الفلسطينيين خطوا خطوات كبيرة في مجال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، وخصوصاً أجهزتها الأمنية، وأنهم أثبتوا فعاليتهم.

من الصعب أن نفترض أيضاً أنه سيكون من الممكن تنفيذ هذا الاتفاق بشكل كامل من دون استعادة السلطة الفلسطينية السيطرة الفعالة على قطاع غزة، الأمر الذي سيعني أن "حماس" ستكون قد أصبحت ضعيفة بشكل جوهري وفقدت السيطرة على القطاع، أو أنه نشأ وضع من المصالحة الوطنية الفلسطينية مع حركة "حماس" التي تكون قد أصبحت أكثر اعتدالاً. ويمكن التفكير في بديل جزئي يطبَّق في الضفة الغربية فقط، إذا لم يتحقق شرط استعادة السلطة الفلسطينية سيطرتها الفعالة على قطاع غزة.

 

ز ـخلاصة

لقد اكتسبت فكرة العملية [السياسية] التي تقوم على اتفاقات جزئية سمعة سيئة في أعقاب عملية أوسلو، ويوجد معارضون كثر لها. إن نقاط ضعفها معروفة، ومن الصعب طرحها باعتبارها تشكل حلاً مثالياً. ومع ذلك، ربما تكون هي الحل الوحيد الممكن، في واقعنا الحالي، الذي سيمكّن من الحؤول دون اسـتمرار الجمود ويتيح التقـدم على المسار الإسرائيلي - الفلسطيني على نحو يمنع نشوء وضع لا رجعة فيه ويضر بمصالح كلا الشعبين.

إن الدروس المستفادة من عملية أوسلو تجعل من الممكن اتخاذ عدد من الخطوات التي من شأنها تجنب إخفاقات تلك العملية:

· التأكد من وفاء كلا الطرفين بالتزاماته وتعهداته، بمساعدة آلية موثوق بها تقوم بمهمة الرصد والتحقق.

· مشاركة اللاعبين الدوليين في تقديم المساعدة لكلا الطرفين، وخصوصاً للطرف الفلسطيني، من أجل الوفاء بالتزاماته، ومشاركتهم في منح كلا الطرفين المكافآت والضمانات، وكذلك في الإشراف والتحقق من التطبيق.

· قيام الطرفين بتنفيذ التزاماتهما في وقت واحد.

· الانتقال إلى المرحلة التالية سيتوقف على نجاح المرحلة التي تسبقها، ولن يكون تلقائياً.

· تشديد الطرف الفلسطيني على نشاطات بناء الدولة ومؤسساتها، بمساعدة وتوجيه دوليين مكثفين.

·تجنيد العالم العربي، من خلال مبادرة السلام العربية، لدعم الاتفاقات والمشاركة في تطبيقها.

وستكون العقبة الأصعب في هذا المجال هي إقناع الشريك الفلسطيني بالمشاركة في هذه العملية، والتنازل عن موقفه المبدئي الذي يرفض إجراء مفاوضات بشأن اتفاقات جزئية. وسيكون من الضروري توفر استعداد لدى اللاعبين الدوليين (بمن فيهم اللاعبون العرب) لتقديم ضمانات للفلسطينيين والمساعدة في إقناعهم. وإذا اقتنعت القيادة الفلسطينية بأنه لا يوجد أمامها بديل أفضل، وبأن لديها ما يكفي من الضمانات من المجتمع الدولي بشأن الاتفاق النهائي، فقد توافق ـلعدم وجود خيارات أخرى ـعلى المشاركة في هذه العملية.

ثمة عقبة صعبة أخرى بالنسبة إلى إسرائيل وهي عدم حصولها على اعتراف بانتهاء النزاع، على اعتبار أن هذا الاعتراف يشكل المكافأة المهمة الوحيدة التي يملك الفلسطينيون منحها لإسرائيل في مقابل جميع تنازلاتها. إن نهاية النزاع تعني نهاية المطالب المتبادلة، ولعل الحل الموقت يكمن في هذا المجال تحديداً ـلدى عرض الاتفاقات الجزئية على الرأي العام الإسرائيلي بشكل خاص، سيكون في الإمكان القول: مع أن إسرائيل تريد التوصل إلى حل نهائي يكون محوره إنهاء النزاع، فإنه ما دام الطرف الآخر يصر على مطالب معينة، فإن إسرائيل أيضاً تحتفظ بحقها في الإصرار على هذا المطلب.