سيناريو حرب لبنان الثالثة بين حزب الله وإسرائيل
المصدر
المؤلف
  • بعد ثمانية أعوام من الهدوء النسبي على الجبهة اللبنانية، هناك قلق متزايد في إسرائيل من إمكانية اندلاع القتال مع حزب الله، الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران. ويميل الإسرائيليون إلى عزو الهدوء الطويل الأمد إلى ردعٍ محقَّق ظاهرياً بفعل حرب لبنان الثانية.
  • بيد أن هناك عوامل أخرى ليست أقل مركزية في قرار حزب الله اجتناب التصعيد ضد إسرائيل، وأول هذه العوامل أنه خلال الأعوام القليلة الماضية تورّط الحزب عميقاً في الحرب الأهلية الدائرة في سورية. فبإيعاز من إيران، أرسل الحزب قواته للدفاع عن نظام بشار الأسد، حليفه الرئيسي، ضد ميليشيات المعارضة السنية، وعلى وجه الخصوص ضد "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" المتشددين. بل أكثر من ذلك، فهو اضطر إلى نشر قواته كي يصدّ محاولات سنية متشددة لنقل دائرة القتال إلى داخل الأراضي اللبنانية. كما أن قواته منغمسة بدرجة أقل في العراق واليمن.
  • ومع ذلك، تبقى إسرائيل العدو الرئيسي للحزب. وفي هذا السياق، حقق له تورطه في سورية مكسبين استراتيجيين مهمّين:
  1.  استعداداً سورياً لنقل أسلحة متطورة إليه، ومن ضمنها صواريخ أرض - أرض وأرض – جو وأرض - بحر دقيقة.
  2. جبهة ثانية ضد إسرائيل انطلاقاً من سورية في منطقة مرتفعات الجولان حيث يقوم التنظيم بمساعدة إيرانية بتشييد بنية تحتية إرهابية.
  • وهذه لعبة خطيرة للغاية، فقد أوضحت إسرائيل أنها لن تسمح بنقل أسلحة متطورة. ووفق مصادر أجنبية، أقدمت على منع هكذا عمليات من خلال قصف قواف الأسلحة [التابعة للحزب]، على سبيل المثال.
  • كما تتخذ إسرائيل إجراءات لمنع إقامة بنية تحتية إرهابية على جبهة الجولان. ووفق مصادر أجنبية، أسفرت إحدى هذه العمليات عن مقتل جهاد مغنية، ابن عماد مغنية العقل الإرهابي المدبر في الحزب، وجنرال إيراني. وإذا واصل حزب الله استفزاز إسرائيل، فقد يتطور بسهولة هذا النوع من الاحتكاك إلى مواجهة أشمل.
  • وقد تنفجر أعمال قتالية جديدة بمبادرة من هذا التنظيم كجزء من قرار استراتيجي لقادته أو أسياده في طهران، وليس بالضرورة نتيجة تصاعد وتيرة التصعيد. وقد يُستخدم القتال الجديد كذريعة لتخليص الحزب من المستنقع السوري، بحجة أن حرباً مع إسرائيل تتطلب إنهاء الاقتتال العربي.
  • يدفع الحزب ثمناً باهظاً لقاء تورطه في سورية على صعيد الإصابات والخسائر البشرية، واستهلاك ذخيرة وفقدان شرعية في الساحة اللبنانية الداخلية.
  • وفي المقابل، يكسب مقاتلوه خبرة قتالية ثمينة قد يوظفونها في حرب أخرى ضد إسرائيل.
  • وفي الواقع، وبرغم تورطه في سورية، يواصل الحزب رصد معظم موارده لمواجهات مستقبلية مع إسرائيل. وبعد حرب لبنان الثانية، ركّز في البداية على إعادة تسلح شملت إعادة ملء ترسانة الصواريخ وكميات الذخيرة المدمرة أو التي أطلقت خلال الحرب، بالتوازي مع استيعاب أسلحة أكثر تطوراً للاستخدام في مواجهة مستقبلية.
  • ولدى التنظيم اليوم أكثر من 100 ألف صاروخ (مقارنة بنحو 12 ألف صاروخ في 2006)، فضلاً عن طائرات بلا طيار، وأسلحة مضادة للدبابات، وصواريخ مضادة للطائرات وصواريخ أرض - بحر. واستثمر الكثير في ترميم بنى تحتية عسكرية وبناء تحصينات جديدة تحت سطح الأرض في مئات القرى الشيعية التي تحولت إلى قواعد لتخزين وإطلاق الصواريخ والقذائف. وتقع معظم مراكز القيادة التابعة للحزب، ومستودعات الأسلحة، ومنصات إطلاق الصواريخ، في مناطق مأهولة بالسكان، كثير منها يقع تحت الأرض بحيث يشكل السكان المدنيون درعاً بشرياً لمقاتلي الحزب.
  • ويسعنا افتراض أن الجولة المقبلة من القتال مع الحزب ستكون أصعب وأعنف من حرب لبنان الثانية، وهذا يُعزى جزئياً إلى أن الحزب قد يعتمد في مواجهة مقبلة استراتيجيا مختلفة كلياً.
  • ففي حرب لبنان الثانية، أطلق صواريخ وقذائف ضد مراكز مدنية، وانتشر مقاتلوه على طول خط دفاعي في جنوب لبنان في مواجهة القوات البرية الإسرائيلية. ولكن يبدو أن التنظيم تبنّى عقيدة قتالية جديدة انعكست في ادعاء قائده [السيد] حسن نصر الله مراراً وتكراراً أنه في الحرب القادمة ضد إسرائيل، سوف يحتل مقاتلوه منطقة الجليل.
  • ومع أن هذا خطاب فارغ لا طائل منه، إلا أن لدى التنظيم وحدات نخبة قادرة على شن هجمات سريعة ضد قرى محاذية للحدود، والاستيلاء عليها لفترة محدودة من الزمن، والعودة عبر الحدود إلى لبنان. ويمكن تحقيق هذه الاختراقات عبر اختراق السياج الأمني أو الالتفاف حوله. وهناك مخاوف من أن يستخدم هذا التنظيم أنفاقاً هجومية عبر الحدود. وحتى الآن لم يُكتشف وجود أي أنفاق. لكن الجيش الإسرائيلي لا يستبعد إمكانية أن يكون الحزب قد نجح في بناء هكذا أنفاق وأنه قد يستخدمها في حالة نشوب حرب.
  • ومع ذلك، تنبع معظم قوة الحزب من قدرته على إطلاق عدد كبير من الصواريخ والقذائف ضد مراكز سكانية إسرائيلية، محولاً الجبهة الداخلية إلى جبهة أمامية. والهدف من ذلك هو نشر الفوضى في الجبهة الداخلية، وإلحاق أذى واسع المدى بها، إضافة إلى عدد كبير من الإصابات. ومن ضمن هذا السعي، سيحاول ضرب التجمعات السكانية الحدودية، الأمر الذي قد يحدث نزوحاً جماعياً للسكان المدنيين الذين سيفرون من منازلهم.
  • وسوف يحاول أيضاً ضرب أهداف استراتيجية وحيوية، مثل مصافي النفط في خليج حيفا، قواعد الجيش الإسرائيلي، وحدات قيادة القتال الجوي، المقر الرئيسي للجيش الإسرائيلي في تل أبيب، محطات توليد الطاقة الكهربائية وضخ المياه، مطار بن غوريون الدولي، ومرافئ الدولة. كما أن هناك تعاوناً بين الحزب والإيرانيين في مجال الحرب السيبرانية.
  • على مدى 40 عاماً منذ حرب يوم الغفران، ساد هدوء نسبي منطقة مرتفعات الجولان، هدوء جرى الحفاظ عليه حتى إبان القتال الضاري ضد الحزب في لبنان. اليوم، يبدو أنه في أي مواجهة مستقبلية، ستجري الأعمال القتالية على المسرحين اللبناني والسوري. وبعبارة أخرى، سيكون على الجيش الإسرائيلي التعامل مع حرب على جبهتين، وفي سيناريو مبالغ فيه، على ثلاث جبهات- إذا دخل الفلسطينيون في المعركة.
  • إذا أقدم الحزب بالفعل على تبني الاستراتيجيا الجديدة التي تحدث عنها نصر الله، فمن المرجح أن تبدأ أي حرب مستقبلية بهجوم مفاجئ يشمل محاولة قوات برية تجاوز تجمعات سكانية مدنية، وإطلاق كثيف لصواريخ وقذائف ضد مراكز مدنية وأهداف استراتيجية، والانتشار الحالي للحزب يشير إلى إمكانية إطلاق 1000 صاروخ يومياً.
  • وعلى ضوء خطورة هذا التهديد، على إسرائيل أن تعيد النظر في جهوزية الجبهة الداخلية، وتعمل على تعزيزها قدر المستطاع. وهذا يستدعي "دفاعاً فعّالاً" معززاً (منظومات اعتراض صواريخ وقذائف صاروخية مثل "القبة الحديدية" و"العصا السحرية")، و"دفاعاً سلبياً" (ملاجئ للاحتماء من القصف، غرفاً محصنة وهلم جراً).
  • لكن الأهم من ذلك، يتعين على الجيش الإسرائيلي أن يردّ بهجوم ساحق يلحق أذى بالغاً بالحزب ويقصّر مدة الحرب.
  • فعلى مدى العقود القليلة المنصرمة، اعتمدت إسرائيل استراتيجيا الردع بدلاً من انتصار حاسم في ساحة المعركة، مفضلة استخدام سلاح الجو والمدفعية من أجل تدفيع الخصم ثمناً باهظاً واستعادة قوة الردع، والامتناع عمداً عن شن عملية مكثفة للقوات البرية.
  • لكن، في أي مواجهة مقبلة مع الحزب، سيكون على إسرائيل إعادة فحص هذه العقيدة القتالية، ودرس خيارات استراتيجية تنطوي على مناورة برية واسعة النطاق.
  • إن للجيش الإسرائيلي القدرة على هزيمة تنظيم مثل حزب الله في ساحة المعركة، إذا أُمر بذلك. ليس من أجل تحقيق هدوء مؤقت فحسب، بل من أجل إحداث تغيير حقيقي في الميزان الاستراتيجي للقوى على الجبهة الشمالية.