التبادل التجاري الإسرائيلي مع أسواق الشرق الأوسط في سنة 2011: نمو صحي رغم البيئة السياسية المناوئة
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

المؤلف

كانت منطقة الشرق الأوسط، خلال العقد الأخير، من أسرع المناطق نمواً في العالم، وحلّت في المرتبة الثانية بعد شرق آسيا وجنوب شرق آسيا لجهة معدل النمو الاقتصادي وسرعة تطور التبادل التجاري الدولي. ويقدّر مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA في سنة 2011 بنحو 3,5 تريليون دولار أميركي، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا، وهي رابع أكبر اقتصاد في العالم. ويضاهي حجم التجارة الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ذاك الخاص بألمانيا والبالغ نحو 2,8 تريليون دولار، وهو ما يمثل نسبة 7٪ من حجم المبادلات العالمية من سلع وخدمات.

وفي حين ازدادت الواردات العالمية من سلع وخدمات بنسبة 130٪ في الفترة 2003 - 2011، سجّلت واردات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زيادة بنسبة 250٪.

وتُعزى هذه الزيادة في معظمها إلى نمو واردات العملاقَين الاقتصاديين في المنطقة، وهما: كتلة دول مجلس التعاون الخليجي (وهذا المجلس هو بمثابة سوق مشتركة بين ست دول خليجية، العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين وعُمان)، وتركيا. وهاتان القوتان الاقتصاديتان الإقليميتان هما من بين أكبر عشرين اقتصاد في العالم. ويعادل مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي، والبالغ نحو 1,4 تريليون دولار، الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، التي يحلّ اقتصادها في المرتبة الحادية عشرة في ترتيب أكبر اقتصادات العالم، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي لتركيا يبلغ 750 مليار دولار، الأمر الذي يجعلها في المرتبة السابعة عشرة في ترتيب أكبر اقتصادات العالم. وهكذا، تلعب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دوراً قيادياً في أسواق الطاقة العالمية، ولقد أصبحت مؤخراً لاعباً رئيسياً في الأسواق المالية العالمية. وهذه المنطقة هي من أكبر مصدّري البتروكيماويات، ومن أكبر مستوردي تكنولوجيات تحلية المياه.

الشكل 1: إجمالي واردات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سنة 2003 وفي سنة 2011
(بحسب المناطق الرئيسية وبمليارات الدولارات الأميركية)

المصدر: صندوق النقد الدولي.

 

إن حجم تجارة إسرائيل مع الأسواق الشرق أوسطية أكبر بكثير مما يمكن تصوره. وتقدّر قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى أسواق دول منطقة الشرق الأوسط بأكثر من 6 مليار دولار في سنة 2011، أي ما نسبته 13٪ من مجمل الصادرات الإسرائيلية من السلع (من دون الماس، بما فيها الصادرات إلى مناطق السلطة الفلسطينية). وعلى سبيل المقارنة مع التصدير الإسرائيلي إلى مناطق أخرى، فقد فاقت الصادرات الإسرائيلية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سنة 2011، قيمة مجملِ التصدير إلى أوروبا الشرقية وأميركا الجنوبية والوسطى وإفريقيا (من دون مصر) وأوقيانوسيا مجتمعة. أمّا قياساً بأسواق أخرى تشكل مقاصد رئيسية للصادرات الإسرائيلية، فإن التصدير الإسرائيلي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو بمقدار حجم مجمل التصدير إلى الصين والهند وروسيا واليابان وجنوب كوريا مجتمعة.

يبيّن الشكل 2 أدناه حجم الصادرات الإسرائيلية إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال سنة 2011، مقارنة بحجم التصدير الإسرائيلي إلى دول أخرى شكّلت المقاصد الرئيسية للسلع الإسرائيلية في تلك السنة. ويظهر بوضوح أن مناطق السلطة الفلسطينية هي أهم سوق للصادرات الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية. وتشكل هذه المناطق، بالنسبة إلى إسرائيل، سوقاً تصديرية أوسع من أي سوق أوروبية غربية، كما أنها تضاهي سوقَيْ الصين والهند مجتمعَتين، لا بل إنها تبلغ أربعة أضعاف حجم التصدير إلى أي من روسيا أو اليابان. وتشكل تركيا بالنسبة إلى إسرائيل ثاني أكبر سوق تصديرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في حين أن دول مجلس التعاون الخليجي تحتل المرتبة الثالثة. وتجري جميع أنشطة التصدير إلى أسواق مجلس التعاون الخليجي بطريقة غير مباشرة، عن طريق أكثر من دولة ثالثة، وتُدوّن هذه الأنشطة في إحصاءات التجارة الخارجية الرسمية كصادرات إلى الدول الثالثة المعنية. وتمرّ بعض الصادرات الإسرائيلية إلى دول مجلس التعاون الخليجي عبر الأردن وتركيا، لكن أغلبيتها يُعاد تصديرها عبر دول أوروبية متعددة ودول أخرى من خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويسمح تحليل بعض المعطيات الجزئية ذات الدلالة بتقدير قيمة الصادرات الإسرائيلية غير المباشرة إلى دول مجلس التعاون الخليجي بنحو أكثر من 500 مليون دولار في العام. وتجدر الإشارة إلى أن قيمة الصادرات إلى كل من الأردن ومصر بلغت نحو 200 مليون دولار لكل منهما في سنة 2011.

الشكل 2: صادرات إسرائيل إلى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
 قياساً بصادرات إسرائيل إلى دول أخرى (سنة 2011)
(بمليارات الدولارات الأميريكية)

 

المصدر: المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل.

 ملاحظة: صادرات البضائع من دون ألماس، بيانات أولية لسنة 2011.

 

كما يبيّن الشكل 3 أدناه تطور الصادرات الإسرائيلية إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العقد الأخير. فقد زادت هذه الصادرات ثلاثة أضعاف، أي من نحو ملياري دولار في مطلع العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، إلى أكثر من 6 مليار دولار في سنة 2011. في حين زاد إجمالي التصدير الإسرائيلي (من دون الماس، وبما فيها الصادرات إلى مناطق السلطة

الفلسطينية) بمقدار الضعفين خلال الفترة المذكورة. وتكتسب التطورات في سنة 2011 أهمية خاصة، فعلى الرغم من تدهور العلاقات السياسية بين إسرائيل وتركيا، والثورات في العالم العربي، قفزت الصادرات الإسرائيلية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تلك السنة بنسبة 20٪ تقريباً.

[.......]

 

 

الشكل 3: صادرات إسرائيل إلى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في الفترة 2000-2011
(بمليارات الدولارات الأميركية)

 

المصدر: المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل. 

ملاحظة: بيانات سنة 2011 هي بيانات أولية.

 

يعكس الحجم الكبير والاستثنائي للصادرات الإسرائيلية إلى مناطق السلطة الفلسطينية دور إسرائيل الطاغي على الاقتصاد الفلسطيني الضئيل. وهكذا فإن إسرائيل هي منشأ ثلاثة أرباع الواردات الفلسطينية، وهي مقصد 90٪ من الصادرات الفلسطينية. وعلى الرغم من أن المنتوجات النفطية، والمنتوجات المستوردة من الخارج، وهي ذات قيمة مضافة إسرائيلية منخفضة، تشكل قرابة نصف الصادرات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطينية، يبقى أن للتصدير الإسرائيلي إلى الاقتصاد الفلسطيني أهمية بالغة لمجموعة واسعة من الصناعات، وللقطاعين الزراعي والخدماتي في إسرائيل. ولقد انخفضت الصادرات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطينية انخفاضاً حاداً في الأعوام الأولى للانتفاضة الثانية. لكن، ومثلما يظهر في الشكل 3 أعلاه، بدأت تتعافى بصورة ملحوظة اعتباراً من سنة 2003، على الرغم من الانخفاض الحاد في الصادرات إلى قطاع غزة بسبب القيود الإسرائيلية المشددة عقب سيطرة حركة "حماس" على القطاع سنة 2007. ومن هنا، بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في سنة 2011 مقدار ثلاثة أضعاف ونصف حجمها في سنة 2002، وهي أدنى درجة بلغتها خلال فترة الانتفاضة.

وقد ازدادت الصادرات إلى تركيا أكثر من أربعة أضعاف خلال الفترة المذكورة. إذ شهد التبادل التجاري نمواً قوياً ومستمراً وموزعاً على مجموعة واسعة من المنتوجات الصناعية وغير الصناعية، وهو الأمر الذي يعكس قوة وعمق العلاقات الاقتصادية التي تطورت فيما بين القطاعات الإنتاجية في البلدين.

وقفزت الصادرات الإسرائيلية إلى مصر في أواسط العقد الأخير من الصفر تقريباً إلى أكثر من 100 مليون دولار في العام، بفضل إبرام بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة [سنة 2004]. ويقدم هذا الاتفاق الثلاثي فيما بين الولايات المتحدة الأميركية، ومصر، وإسرائيل، تحفيزاً ملموساً [إعفاءات ضريبية وجمركية] لتصدير المنتوجات المصرية إلى الولايات المتحدة (المنتوجات النسيجية والملابس بشكل أساسي)، شرط تضمينها مُدْخلات إسرائيلية في سياق إنتاجها. وعليه، يعكس النمو المتواصل للصادرات الإسرائيلية إلى مصر منذ أواسط العقد الأخير، أساساً، الشراء المصري للمُدْخلات الإسرائيلية بموجب بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة. ولقد تواصل هذا الاتجاه في سنة 2011، حين اقتربت الصادرات الإسرائيلية في تلك السنة من عتبة الـ 200 مليون دولار، أي ضعف ما كانت عليه في سنة 2005.

نمت الصادرات الإسرائيلية إلى الأردن بقوة وبلا انقطاع خلال معظم العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. وفي سنة 2008، بلغت عتبة الـ 300 مليون دولار في السنة، أي سبعة أضعاف ما كانت عليه في سنة 2000. ويُعزى هذا النمو اللافت أساساً إلى بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة فيما بين الولايات المتحدة الأميركية، وإسرائيل، والأردن، الموقَّع سنة 1997. وانخفضت الصادرات الإسرائيلية إلى الأردن خلال الفترة 2009-2010 بصورة ملموسة، لكنها سجّلت بداية انتعاش في سنة 2011.

أمّا بالنسبة إلى حجم الواردات الإسرائيلية من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فهي تناهز نصف حجم الصادرات الإسرائيلية إلى هذه المنطقة. ولقد بلغت مقدار 3 مليار دولار في سنة 2011، أي ما نسبته 6٪ من إجمالي الواردات الإسرائيلية (من السلع ومن دون الماس، بما فيها الواردات من مناطق السلطة الفلسطينية)، مقارنة بنسبة 13٪ للصادرات الإسرائيلية. ويُعزى السبب الرئيسي في هذا الأمر إلى الضآلة النسبية لحجم الاستيراد من مناطق السلطة الفلسطينية، مثلما يظهر في الشكل 4 أدناه. وعلى الرغم من بعض النمو في المستوردات الإسرائيلية من مناطق السلطة الفلسطينية في الأعوام الأخيرة، لا تزال هذه الواردات تشكل بالكاد سدس الصادرات الإسرائيلية إلى هذه المناطق، وهذا ما أدى إلى فائض تجاري (لمصلحة إسرائيل) بمقدار 3 مليار دولار في سنة 2011، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف ما كان عليه الفائض في التبادل التجاري الإسرائيلي - الفلسطيني قبل عقد من الأعوام. وهناك أيضاً فائض تجاري هائل في التجارة الإسرائيلية غير المباشرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا يعود إلى صغر حجم المستوردات الإسرائيلية غير المباشرة من هذه الأسواق، على الرغم من بعض الدلائل والمؤشرات على زيادة هذه الواردات في الأعوام الأخيرة.
 

 الشكل 4: واردات إسرائيل من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في الفترة 2000-2011 (بمليارات الدولارات الأميركية)

 

المصدر: المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل.

ملاحظة: بيانات سنة 2011 هي بيانات أولية.

غير أن الواردات الإسرائيلية من تركيا فاقت الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا. وسجّل كل من الواردات والصادرات زيادة ملموسة في سنة 2011، على الرغم من التوتر السياسي المتصاعد بين إسرائيل وتركيا. لكن الواردات الإسرائيلية من مصر هي أقل حجماً، وأضيق دلالة لجهة تنوع المنتوجات المستوردة، قياساً بالمنتوجات المستوردة من تركيا ومن مناطق السلطة الفلسطينية. وقد انخفضت هذه الواردات بمقدار النصف في سنة 2011، بعد أن حققت قفزة في الاعوام السابقة، الأمر الذي يعكس صعود عمليات استيراد الغاز من مصر وهبوطها. وتضاعف حجم الاستيراد من الأردن في سنة 2011، بعد أن شهد زيادة حادة خلال النصف الثاني من العقد الأخير. ولأول مرة منذ بدء العلاقات التجارية بين البلدين، تعادلت تقريباً واردات إسرائيل وصادراتها من وإلى الأردن.

وفي المحصلة، يتبين أن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يُستهان به، وتثبت الأرقام المذكورة أعلاه الأهمية الاقتصادية لهذه المنطقة بالنسبة إلى الاقتصاد الإسرائيلي. فضلاً عن ذلك، وباستثناء تركيا والسلطة الفلسطينية، تمثّل الصادرات الإسرائيلية إلى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جزءاً فقط من إمكانات التصدير إلى هذه الأسواق. ففي سنة 2011، لم تكن تمثل أكثر من واحد في الألف (0,1 في المئة) من إجمالي واردات هذه الأسواق، كما أن الفجوةَ بين حجم التجارة الحالي، والحجم الممكن، تغدو أكثر لفتاً للانتباه عندما نأخذ في الحسبان أرقام الواردات الإسرائيلية.

أخيراً، سنقدّم دراسات تحليلية أكثر تفصيلاً عن التجارة الإسرائيلية مع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبعض الأفكار بشأن الإمكانات التجارية غير المتحققة، على أساس تحليل أوضاع كل بلد على حدة، وذلك في الأعداد القادمة من "اقتصادي".