الهجوم الأميركي على سورية: ضرر محدود، رسالة إلى العالم، وليس بعد تغييراً استراتيجياً
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في ظهيرة 3 نيسان/أبريل هاجم نظام الأسد بسلاح كيميائي بلدة خان شيخون في شمال سورية، وأوقع عشرات الضحايا المدنيين وبينهم أطفال. وفي ليل 7 نيسان/أبريل هاجمت الولايات المتحدة بعشرات الصواريخ البحرية قاعدة الشعيرات التابعة لسلاح الجو السوري بالقرب من حمص، والتي منها انطلق الهجوم الكيميائي. وكان هذا الهجوم الأميركي الأول من نوعه ضد أهداف تابعة لنظام الأسد. في ما يلي تحليل للنتائج الأساسية لما حدث وانعكاساته على إسرائيل.
- على المستوى المادي التقني - التكتيكي؛ تأثير الهجوم ليس كبيراً. قرابة 60 صاروخاً أُطلقت من سفن [أميركية] في البحر المتوسط أصابت، وفقاً للتقارير، البنية التحتية في القاعدة، وقتلت أشخاصاً، ودمرت عدة طائرات. وكان قد جرى إخلاء طائرات أخرى من القاعدة في وقت سابق، بعد أن أعلمت الولايات المتحدة روسيا مسبقاً [بالهجوم] لتفادي المس بقوات روسية. لم يؤدّ الهجوم إلى خسارة نظام الأسد قدرة كبيرة لمواصلة القتال، كما يمكن أن يدل على ذلك تجدد الهجمات الجوية على خان شيخون نفسها بعد الهجوم الأميركي. لكن على الرغم من ذلك، فقد دلّ الهجوم على سهولة إصابة نظام الأسد عندما تختار الولايات المتحدة التحرك في مواجهته، ولم تعترض منظومات الدفاع الجوي التابعة للنظام السوري وأيضاً منظومات روسيا الصواريخ البحرية، عن اختيار أو عن عجز. بناء على ذلك يجب تحليل هدف العملية وانعكاساتها على المستوى الاستراتيجي كما تتبدى على صعيد السمعة، والصورة، وعلاقات القوة، وقواعد اللعبة، وعلى الردع وتأثيره على متخذي القرارات.
- على الصعيد الداخلي الأميركي: يتيح الهجوم للرئيس دونالد ترامب تمييز نفسه عن باراك أوباما الذي امتنع عن مهاجمة نظام الأسد حتى عندما نفذ هجوماً كيميائياً وتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعت له؛ التموضع بصفته زعيماً حازماً لا يخاف استخدام القوة، سريعاً في اتخاذ القرارات، ومع ذلك متّزناً ودقيقاً في حساباته (لقد وُصف الهجوم بأنه مدروس ومحدود، ولا تعرّض طريقة تنفيذه مقاتلين أميركيين للخطر). في موازة ذلك، أثبت ترامب للمشرعين الأميركيين أنه ينوي استخدام القوة من دون الحصول على موافقة الكونغرس، والأهم من هذا كله، أثبت أنه لا يخشى تحدي روسيا على خلفية الانشغال الواسع بتدخلها في الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة، وبالصلات الممنوعة بين أفراد من إدارة ترامب وحكومة بوتين.
- على الصعيد الدولي: جسّد الهجوم استعداد ترامب لاستخدام القوة العسكرية منفرداً [دون إذن أو مصادقة من أية جهة دولية] من أجل فرض معايير وقرارات دولية سابقة، ولا سيما بعد أن منعت روسيا والصين صدور قرار جديد من مجلس الأمن بشأن هذا الموضوع. أولاً، ثمة أهمية رمزية لوقوع الهجوم خلال زيارة الرئيس الصيني جيان بينغ إلى الولايات المتحدة للمرة الأولى كضيف لترامب. وعلى الرغم من حرص الزعيمين على عدم التطرق إلى ما حدث في مباحثاتهما أثناء الزيارة، فمن الواضح أهمية الهجوم بالنسبة إلى التحديات السياسية – العسكرية في شرق آسيا، خاصة تلك المتعلقة بكوريا الشمالية وبحر الصين الجنوبي والشرقي. لقد بحثت إدارة ترامب عن ساحة دولية لتبرهن عملياً التغييرات في توجهاتها. وقد أتاحت سورية لها إرسال رسالة إلى دول أكثر إشكالية تشغل الإدارة. لقد أدانت كوريا الشمالية، التي في الفترة الأخيرة تتحدى الدول المجاورة لها والدول العظمى بواسطة تجارب صاروخية وسلاح كيميائي، الهجوم على سورية مما يثبت أن الرسالة الأميركية وصلتها بصورة جيدة. كما تدل الإدانات في الشرق الأوسط من جانب إيران على أن طهران فهمت هي أيضاً الرسالة.
- لكن بصورة أساسية يشكل الهجوم تحدياً لروسيا، الدولة العظمى حامية نظام الأسد، التي وسعت نفوذها في سورية وفي الشرق الأوسط كثيراً جرّاء عدم اهتمام الولايات المتحدة بالحرب الأهلية في سورية، وتركيزها على مهاجمة تنظيم داعش مباشرة، والامتناع حتى الآن عن استخدام القوة في الساحة لأهداف سياسية. لقد أدانت روسيا الهجوم وردّت بقطع قناة التنسيق التكتيكي مع الولايات المتحدة، لكن لم يُظهر ما يفيد بأي تحرك من جانبها لإحباط الهجوم، مثل استخدام وسائل الدفاع الجوي ضد الصواريخ البحرية الأميركية، أو لاحقاً من خلال خطوات تصعيدية أخرى. ويمكن التوصل إلى فهم أفضل لشبكة العلاقات المحدّثة بين الدولتين العظميين يوم الثلاثاء المقبل، حين من المنتظر أن تبدأ الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركي تيلرسون إلى موسكو. والهجوم على سورية سيوفر له، إلى جانب التوترات والمصاعب المتوقعة من ناحية مضيفيه، موقعاً تفاوضياً أقوى في مواجهة نظرائه الروس لم يكن متوفراً للوزير الذي سبقه في منصبه. كما تستمد الولايات المتحدة قوة من التصريحات المؤيدة لها من جانب الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ومن شركائها في الشرق الأوسط، ومن بينهم تركيا ودول الخليج.
- إن هجوماً واحداً ليس مؤشراً على تغير أو على خطوط سياسة جديدة للولايات المتحدة في الساحة السورية، وقد شدد وركّز ترامب وموظفو الإدارة على أن ما جرى هو هجوم منفرد هدفه ردع نظام الأسد عن القيام بهجوم آخر بسلاح كيميائي. ويجري هذا بينما أغلبية القتلى المدنيين قضوا بسلاح تقليدي. وتجدر الإشارة إلى أنه قبل الاستخدام السوري لسلاح كيميائي، صرح وزير الخارجية الأميركي والسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة بأن إطاحة الأسد من السلطة لا يأتي في رأس سلم الأولويات، لكن بعد الهجوم جرى التشديد على أن حلاً سياسياً في سورية مرتبط بالقضاء على داعش، لن يشمل الأسد. ومع ذلك لم يُعلن بعد عن سياسة أخرى في المدى المباشر على الرغم من وضوح عدم ضمان حصانة بشار الأسد لا ضمانة لها، وأنه تم إثبات ضعفه. بعد الهجوم تحدث ترامب بالفعل عن الحاجة إلى وقف سفك الدماء في سورية، وذكّر وزير الخارجية بالجهود الرامية إلى ترسيخ الاستقرار في مناطق معينة (كردية وسنية) من خلال ترتيبات بين السلطات المحلية والحكم المركزي، لكن الإدارة الأميركية لم تبلور بعد هذه المكونات ضمن سياسة واستراتيجية متجانسة ومحدّثة. وبناء على ذلك يصح افتراض أن سياسة الولايات المتحدة حيال سورية ستظل تتمحور على القضاء على تنظيم داعش بمساعدة قوات محلية وبالتنسيق مع روسيا من خلال القبول بالنظام القائم على المديين القصير والمتوسط، والدفع قدماً بترتيبات محلية بينها وبين عناصر قوة محلية وإقليمية. إن التأرجحات الأساسية في هذه السياسة ما زالت على حالها: بين القضاء على داعش واحتواء إيران ونفوذها؛ بين مساعدة القوى المحلية والتنسيق مع روسيا؛ بين السعي إلى استبدال الأسد وعدم وجود بديل مقبول أفضل منه؛ بين الاعتماد على القوات الكردية في شمال سورية والتنسيق مع تركيا؛ بين ترك الساحة لروسيا وما ينجم عن ذلك من تآكل لمكانة الولايات المتحدة وسط حلفائها في المنطقة. في الفترة الأخيرة وسعت الولايات المتحدة حجم قواتها العاملة في سورية وبذلك زاد انكشاف هذه القوات للهجوم من جانب أطراف مختلفة، وبعد الهجوم من جانب قوات نظام الأسد وميليشيات شيعية قريبة من إيران.
- من السابق لأوانه معرفة الانعكاسات العامة للهجوم قبل مرور وقت كافٍ لفحص الردود المضادة لروسيا ونظام الأسد وإيران ولاعبين آخرين في مختلف الساحات المهمة في أنحاء العالم. في مثل هذا النوع من الحديث عن الردع ثمة دينامية مألوفة لرسم حدود وتحديات مختلفة يتضح مفعولها مع مرور الزمن. من المعقول أن يمتنع النظام السوري عن استخدام سلاح كيميائي في المدى القريب، لكن هجماته الأخرى وهجمات روسيا على المدنيين قد بدأت تتحدى الولايات المتحدة وتجسد حدود تدخلها. ويجب ألا نستبعد أبداً إمكانية أن يبقى هذا الهجوم المحدود منفرداً، وألا يجر إلى عمليات عسكرية أخرى، وبذلك لن يؤثر على ميزان القوى، وعلى توجهات القتال وعلى التسويات في سورية، عندما تتحقق. لكن على الرغم من ذلك، فإن مجرد تحقق احتمال الاحتكاك بين الدولتين العظميين وزيادة حدة التوتر بينهما، يمكن أن يزيد من الجهود المشتركة المبذولة للبحث عن تسويات للتخفيف من القتال.
- من الناحية الإسرائيلية، المطلوب توضيح مغزى الهجوم والخطوات التي ستأتي في أعقابه بالنسبة للسياسة الحالية التي أساسها هو: عدم التدخل في الحرب في سورية؛ منع المس بإسرائيل ومواطنيها وقواتها على الأرض؛ منع تهريب سلاح متطور إلى حزب الله وسلاح كيميائي إلى تنظيمات إرهابية؛ تقديم مساعدة إنسانية إلى السكان المدنيين السوريين بالقرب من حدود إسرائيل وفي هضبة الجولان؛ وختاماً منع تمركز قوات تابعة لإيران وحزب الله في هذه المنطقة.
- وفي ما يتعلق بالسلاح الكيميائي، لإسرائيل مصلحة كبيرة في تفكيك هذا السلاح الموجود في سورية، حيث بات واضحاً اليوم أن هذا الأمر لم ينجز؛ والمحافظة على فرض منع استخدام هذا السلاح كما أثبت ذلك الرئيس الأميركي؛ كما أنها معنية بانعكاسات هذه القضية على التزام إيران بقيود الاتفاق النووي والأثمان التي ستتكبدها إذا خرقت هذه القيود. ويدل استخدام سلاح كيميائي كالتهديدات الصادرة عن الرئيس الأسد في الفترة الأخيرة ضد إسرائيل والمتعلقة بالهجوم على انتقال السلاح إلى حزب الله، على الثقة الكبيرة بالنفس لدى الأسد، كما أن ذلك يؤكد أهمية الخطر المتعاظم لتمركز إيران وحزب الله اللذين يعتمد عليهما الأسد في سورية.
- على الصعيد المعياري، يتعين على إسرائيل الدعوة بوضوح إلى محاكمة بشار الأسد دولياً لمسؤوليته عن ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، ومذابح جماعية. ولهذا الموقف وزن أساسي أخلاقي وقيمي على الرغم من كونه غير قابل للتنفيذ فوراً.
- على الصعيد العملي، يبدو أن أغلبية مكونات سياسة إسرائيل التي ذكرناها سابقاً ما تزال على حالها مع بعض التشديدات والملاءمات [مع الوضع الجديد]: يجب على إسرائيل مواصلة تتبعها عن قرب لقدرات السلاح الكيميائي في سورية، وإنتاجه واستخدامه، وتقديم الدعم السياسي والاستخباراتي للخطوات الدولية الرامية إلى تفكيك هذا السلاح نهائياً. وإذا اضطرت إسرائيل إلى التحرك ضد تهريب السلاح المتطور إلى حزب الله، فإنه يتعين عليها أن تأخذ في حسابها سواء تهديدات نظام الأسد الأخيرة بالرد بالنار على مثل هذه العمليات، وأيضاً حساسية روسيا المفرطة للمس مرة أخرى بصورتها كحامية لهذا النظام. ومن المهم بالنسبة لإسرائيل مواصلة دعم خطوات الولايات المتحدة العلنية والسرية، مع المحافظة على قنوات التنسيق مع روسيا. وإذا غيّرت هذه الأخيرة سياستها التي سمحت بموجبها لإسرائيل حتى الآن بهامش للتحرك في سورية دفاعاً عن مصالحها، فسيكون مطلوباً من إسرائيل المحافظة على هذا الهامش بمساعدة الولايات المتحدة، كوزن قوة عظمى مضادة. وإذا جرى الدفع قدماً بعملية تقليص القتال في سورية، بالاستناد إلى إيجاد مناطق مستقرة فيها خاضعة إلى هيمنة محلية، فمن المهم بالنسبة لإسرائيل أن تعمل مع الدول العظمى من أجل تحقيق استقرار منطقة جنوب سورية من دون وجود إيران وحزب الله فيها، وذلك من أجل المحافظة على أمن إسرائيل نفسها وأمن الأردن جارتها وشريكتها في السلام. أخلاقياً وأمنياً، من الصحيح الاستمرار في زيادة جهود المساعدة الإنسانية للسكان المدنيين في الجانب الآخر من حدودنا في الجولان، والدفع قدماً ببادرات حسن نية طبية وإنسانية.
- ختاماً، إن صلية الصواريخ البحرية التي أطلقتها الولايات المتحدة ضد قاعد تابعة لسلاح الجو السوري هي خروج عن أسلوب عملها المعروف قبل ذلك، لكن ما يجري حتى الآن هو سنونوّة منفردة ليس واضحاً أنها تبشر بسياسة أميركية جديدة باستثناء الاستعداد لاستخدام القوة. ومع ذلك، فإنها تحمل بين جناحيها رسائل استراتيجية موجهة إلى دول كثيرة في العالم، سواء إلى أعداء الولايات المتحدة وبينها روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية ونظام الأسد، أم بالنسبة إلى أصدقائها، ومن بينها الدول السنية البراغماتية ودول السلام وإسرائيل نفسها. وطالما لم تتغير سياسة الولايات المتحدة حيال سورية، فإنه يتعين على إسرائيل إجراء تعديلات طفيفة على طريقة تطبيق سياستها الحالية، التي ما تزال سارية المفعول ولم تتعرض لتحديات مهمة.
- في النهاية، وفي ضوء إمكانات نشوء ظروف جديدة في سورية من بينها تزايد خطر ترسيخ نظام الأسد وسنده الإيراني - حزب الله، فمن الصواب إعادة فحص سياسة الموافقة على بقاء الأسد في السلطة لزمن طويل، الأمر الذي سيسمح بزيادة قوة حزب الله وإيران في سورية وترسيخهما كتهديد خطير قريب جداً من إسرائيل.