المساعدات لتركيا - واجب إنساني أكثر مما هو فرصة سياسية
المصدر
  • تشهد تركيا خلال هذه الأيام إحدى أصعب الكوارث في تاريخها. فقد تكون الهزة الأرضية التي وقعت في جنوب شرق الدولة، الهزة الأرضية الأقوى التي تم تسجيلها تاريخياً في تركيا، التي شهدت أحداثاً كهذه مرات عدة في تاريخها. التضاريس الجبلية وظروف الطقس وانهيار البنى التحتية تصعّب عمل المنقذين، ويمكنها أن ترفع الثمن الإنساني للكارثة.
  • الصور القاسية التي تصل من مكان الحدث تذكّر الكثيرين من الأتراك بصور الهزة الأرضية التي وقعت في سنة 1999، حينها، قُتل 18 ألف شخص. ذاكرة الإسرائيليين بما يخص تلك الحادثة مختلفة بعض الشيء، عملية الاغاثة بعد الكارثة تُعد إحدى اللحظات الأكثر إيجابية في العلاقات ما بين أنقرة والقدس. حينها، أرسلت إسرائيل إلى تركيا بعثة طبية كبيرة، وشكّلت صور الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يعملون هناك رمزاً للعلاقات الدافئة ما بين الدولتين.
  • لم تبدأ "دبلوماسية الكوارث" بين تركيا وإسرائيل في بداية التسعينيات من القرن الماضي. فمنذ التسعينيات، ومن دون علاقة بمستوى العلاقات السياسية بين أنقرة والقدس، مدت إسرائيل يد العون لجارتها تركيا حين شهدت الأخيرة كوارث طبيعية. المساعدات لم تكن أحادية الجانب، ففي سنة 2010 مثلاً، وبعد بضعة أشهر فقط على حادثة "مرمرة"، أرسلت تركيا إلى إسرائيل طائرة إطفاء حرائق لإخماد حريق الكرمل.
  • نحن اليوم في وضع مشابه. الحكومة التركية فهمت حجم الكارثة والأضرار سريعاً، وطالبت بمساعدات دولية. وعلى الرغم من الخطورة الأمنية - وقعت الكارثة في منطقة حدودية مع سورية ومليئة بالتحديات الأمنية- استجابت حكومة إسرائيل للطلب التركي، وبدأ وزيرا الدفاع والخارجية بالتحضيرات لإرسال بعثة مساعدات إلى تركيا.
  • في كل مرة يقع فيها حدث من هذا النوع، ويتم عرض أو طلب مساعدات، تندمج الحسابات السياسية بالإنسانية. اليوم أيضاً، لا يمكن تجاهُل التفكير في الإسقاطات السياسية الممكنة في أعقاب إرسال مساعدة إسرائيلية إلى تركيا. تشير الأبحاث المختلفة المتعلقة بـ"دبلوماسية الكوارث" إلى أن المساعدة في وقت الكوارث لا تؤدي، عادةً، إلى تغيير جذري في العلاقات بين الدول. في أفضل الحالات، فإن مساعدة كهذه يمكنها تسريع مسارات تقارُب قائمة أصلاً، لكنها لا تبدأ بها.
  • يبدو أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل موجودة في هذه الخانة. فتحسين العلاقات بدأ قبل عامين تقريباً، والمساعدة الإسرائيلية لتركيا يمكنها أن تكون خطوة إضافية في تقريب هذه العلاقات. إلا إن تأثير خطوة كهذه يمكن أن يكون محدوداً زمنياً. المساعدة الإسرائيلية لتركيا في سنة 1999 أوضحت هذا. فعلى الرغم من الصور العاطفية، فإنني أشك في أن هذه المساعدة كان لها أي تأثير سياسي ملحوظ في المدى المتوسط - البعيد.
  • لذلك، في هذه الحالة أيضاً، لا يجب النظر إلى البعثة الإسرائيلية إلى تركيا على أنها فرصة سياسية ستؤثر في العلاقات بين تركيا وإسرائيل في المدى البعيد، ويجب أن تجري بغض النظر عن الحسابات السياسية. الحديث يدور عن كارثة إنسانية صعبة تؤثر في كل العالم، ودول المنطقة تتجند من دون علاقة لوضع العلاقات بينها وبين تركيا. حتى اليونان، التي لديها صراع تاريخي مع تركيا، أرسلت بعثة إنقاذ - بعد أقل من أسبوع على وقوع حادثة بحرية بين الدولتين. أرمينيا أيضاً، التي لها حدود مغلقة أصلاً مع تركيا بسبب العلاقات السيئة بين البلدين، عرضت المساعدة. وفي هذا السياق، فإن البعثة الإسرائيلية لن تقوم بأي خطوة سياسية، بل ستستجيب لطلب جارة في أزمة، وتقوم بدورها الأخلاقي في إنقاذ الحياة حين يمكنها ذلك.
  • للأسف، الهزات الأرضية ليست الكوارث الطبيعية الوحيدة التي تهدد شرق المتوسط، وبصورة خاصة مع إسقاطات التغيير المناخي المحسوسة أكثر فأكثر. تحديات كبيرة كحالات الطقس الخارجة عن المألوف والحرائق الكبيرة هي مشكلات سيتعين على دول المنطقة التعامل معها بوتيرة عالية. والتعاون الإقليمي في هذا المجال ضروري.
  • عندما ينتهي التعامل مع حالة الطوارئ في الكارثة الحالية يستطيع كل من تركيا وإسرائيل المشاركة في بناء بنية تحتية واسعة للتعاون في قضايا الكوارث الطبيعية. هذا التعاون يمكن أن ينقذ حياة المواطنين الأتراك والإسرائيليين، ويؤدي إلى تقارُب بين المجتمعات، وبالتالي يقوّي العلاقات السياسية بين الدولتين. لكن الحديث يدور عن مسار منفصل. الآن، يجب القيام بالعملية من دون حسابات سياسية، والهدف منها ليس تحسين العلاقات - إنما إنقاذ حياة الإنسان.