تزويد روسيا إيران بصواريخ S-300 مؤشر على تغير سياستها حيال الشرق الأسط
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- أعلنت روسيا الأسبوع الماضي الإفراج عن المنظومة الدفاعية المتطورة S-300 ونقلها إلى إيران في وقت قريب. وكان تزويد هذه المنظومة عُلق خلال السنوات الست الأخيرة على الرغم من كونها في نظر روسيا دفاعية وغير هجومية، وبرغم أن إيران دفعت ثمنها. وحدث ذلك في أعقاب طلب الولايات المتحدة وإسرائيل منع حصول إيران على هذه المنظومة في الوقت الذي تحاول فيه الدول العظمى إقناع طهران بالتخلي عن برنامجها النووي العسكري، سواء من خلال المفاوضات أو من خلال التهديد باستخدام الخيار العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية.
- ونظراً إلى كون هذه المنظومة دفاعية، فإن تزويد إيران بها لا يعتبر خرقاً للعقوبات الدولية المفروضة عليها، لكن يجب أن نتذكر أن الاطار الأوسع لهذا التطور هو الصراع على النفوذ الدائر بين روسيا والغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، بسبب توسع حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية، ومشكلة نشر منظومات دفاعية أميركية ضد الصواريخ البالستية في أوروبا الشرقية، وقبل كل شيء بسبب المواجهة في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا نتيجة طريقة تصرفها في هذه الأزمة. وتتركز هذه العقوبات بصورة خاصة ضد أطراف في الحكم وفي الاقتصاد وضد مسؤولين كبار في روسيا التي تعتبر أن العقوبات تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي والحكم. وعلى ما يبدو فقد شكل هذا كله خلفية لاختيار روسيا توسيع المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة والغرب إلى الشرق الأوسط أيضاً.
التحرك الروسي في الشرق الأوسط
- إلى جانب الاعلان المتعلق بتحويل منظومة S-300 لإيران، برز في الآونة الأخيرة نشاط متزايد لروسيا في الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة في هذا الاطار إلى زيارة وزير الدفاع الروسي طهران في كانون الثاني/يناير 2015، وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصر في شباط/فبراير 2015 وتزويد مصر بالعتاد العسكري، وقيام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بزيارة موسكو في نيسان/أبريل من أجل البحث في العملية السياسية الإسرائيلية – الفلسطينية، إلى جانب اتصالات بين الأردن وروسيا بشأن تزويد الأردن بمفاعلات للطاقة النووية. وهناك أيضاً تدخل روسيا في سورية الذي يبرز من بين أمور أخرى في السعي إلى حل يبقي نظام الأسد على حاله، وفي الفترة الأخيرة جرى توجيه دعوة إلى مسؤولين من السعودية لزيارة موسكو.
- التبرير الرسمي للافراج عن المنظومة الدفاعية الجوية التي اشترتها إيران كما قدمه نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنطونوف هو أن إيران طالبت بإعادة المال الذي دفعته لكونها لم تحصل على المنظومة. ونظراً للمشكلات الاقتصادية التي تعانيها روسيا بسبب العقوبات الغربية، فإنها لا تستطيع أن تعيد لإيران مبلغاً يقدر بنحو أربعة مليارات دولار كغرامة مثلما يطالب الإيرانيون (مع العلم بأن ثمن الصفقة مليار دولار فقط). لكن شبكة الاعتبارات التي وجهت القيادة في موسكو في هذا الموضوع هي أوسع بكثير وتشمل الخوف الروسي من أن يؤدي الاتفاق النهائي في الموضوع النووي إلى تقريب إيران من الولايات المتحدة، ورغبة روسيا في اعادة إيران إلى حضنها. من هنا كان نشر مبادئ الاتفاق فرصة ملائمة لروسيا لإعلان التزويد المرتقب للمنظومة من أجل أن تسبق سائر دول العالم في توسيع تعاونها مع إيران قبيل رفع العقوبات، وأيضاً السعي إلى توقيع صفقات في مجالات الطاقة والأمن والاقتصاد.
- نظرياً السياسة الروسية في الشرق الأوسط تدعي الحيادية، لكن روسيا تميل عملياً إلى دعم "المحور الإيراني" الممتد من سورية، والعراق، وحتى اليمن، وهي تطالب بعدم التدخل العربي ضد الحوثيين. ويظهر هذا الميل أيضاً في الانتقادات التي توجهها موسكو للدول العربية السنية، وفي طليعتها السعودية التي تعتبرها مسؤولة عن انتشار الإرهاب السني - السلفي في الشرق الأوسط والعالم والموجّه حتى نحو روسيا. في المقابل، تدير روسيا "لعبة مزدوجة" في المنطقة، فقيادتها، من جهة، تدعم "المحور الإيراني"، ومن جهة أخرى، تحاول التقرب من الدول السنية القائدة مثل السعودية ومصر وتركيا والإمارات الخليجية والأردن وكذلك إسرائيل.
- وهي تدير مع إسرائيل لعبة معقدة أيضاَ. ففي السنوات الأخيرة حدث تقارب بين الدولتين برز من خلال الامتناع عن تزويد إيران وسورية بالمنظومة الدفاعية S-300، ومن خلال التفاهم الصامت على عدم تدخل أي منهما في نزاعات الدولة الأخرى مع دولة ثالثة. وبناء على ذلك التزمت إسرائيل الحياد بشأن سياسة روسيا في شبه جزيرة القرم وفي أوكرانيا، كما امتنعت روسيا عن تحدي إسرائيل في الموضوع الفلسطيني بما في ذلك خلال عملية "الجرف الصامد". لكن على الرغم من ذلك، فإن روسيا لن تتردد في المسّ بالمصالح الإسرائيلية عندما تتعارض مع توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وبصورة خاصة تحدي الولايات المتحدة.
- ولكن يجب ألا نرى في رغبة روسيا نقل منظومة دفاعية متطورة جوية لإيران على أنه سياسة موجهة ضد إسرائيل تحديداً. لذا من المحتمل أن تجري محاولة روسية من أجل تهدئة التخوف الإسرائيلي عبر الحوار السياسي المدعوم بتشجيع المشاريع الاقتصادية. وفي الواقع تنظر روسيا إلى إسرائيل بوصفها لاعباً مهماً في الشرق الأوسط لا يمكن من دونه تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين، ووقف انتشار الارهاب الإسلامي الراديكالي.
خلاصة وتوصيات
- لا يمكن لإسرائيل العودة إلى المجرى العادي للعلاقات مع روسيا، لكن يتعين عليها الامتناع عن افتعال أزمة عميقة وغير منضبطة في العلاقات بين الدولتين. لذا نقترح أن تلمح إسرائيل إلى موسكو بأنها تنوي إعادة النظر في سلسلة أمور تتعلق بروسيا، بينها "الحيادية" الإسرائيلية بشأن المسألة الأوكرانية، وصفقات بيع السلاح إلى دول مجاورة لروسيا امتنعت إسرائيل حتى الآن عن القيام بها بسبب المعارضة الروسية، والموقف من مبادرات روسيا في موضوع العملية السياسية مع الفلسطينيين، وعلى الأخص تلك التي لم يجر التنسيق بشأنها مع الولايات المتحدة، وتفحّص المصالح الروسية في موضوع تزويد دول في الشرق الأوسط وأوروبا بالغاز، ودعم دول عربية سنية في محاربة "المحور الإيراني" وعملائه في الشرق الأوسط.
- إلى جانب هذه التلميحات، يتعين على إسرائيل الامتناع عن تخريب العلاقة مع روسيا ومواصلة الحوار السياسي - الاستراتيجي معها. وفي هذا الإطار يجب عليها أن تطلب من روسيا، بل يجب مواصلة فرض الحظر على تزود سورية بمنظومة صواريخ أرض - جو المتطورة (قد تصل إلى يد حزب الله) وتوسيع هذا الحظر بحيث يشمل صواريخ بحر - بر ومنظومات صاروخية متطورة أخرى.