نتنياهو نموذج 2023: ألم يعُد "السيد اقتصاد" و"السيد أميركا"؟
المصدر
  • ارتبط اسم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بروايتين شبه بديهيتين: أولاً، أنه أفضل العالِمين بالاقتصاد؛ وثانياً، أنه من أفضل العالِمين بأميركا. وبكلمات أُخرى، إنه السيد اقتصاد والسيد أميركا. فهو الذي وضع إسرائيل على مسارها حين كان وزيراً للمال، وهو أيضاً الذي عرف كيف يناور في مواجهة إدارة انتقادية كإدارة باراك أوباما.
  • وحتى خلال الأشهر الأخيرة، كان هناك مَن اعتمد على أن نتنياهو سيمنع انهيار الاقتصاد، وسيمنع وصول العلاقات مع الولايات المتحدة إلى مناطق خطِرة. كان هناك قناعة بأنه سيضغط على الكوابح في اللحظة الأخيرة، وكعادته، سيُخرج من قبعته حلاً سحرياً معيناً، ويثبت للجميع أنه لا يزال معنا، وأن هناك مَن يمكن الاعتماد عليه "لأنه أفضل مَن يعرف الاقتصاد، وأفضل مَن يعرف ثنايا النظام في الولايات المتحدة".
  • يبدو أن البديهيات لا تصمد في مراحل صعبة كهذه، حين تدق كل أجراس الخطر. من غير الواضح حتى الآن، لماذا لا يزال "السيد أميركا والسيد اقتصاد" يتجاهل التحذيرات الصادرة عن جميع خبراء الاقتصاد في البلد والعالم، والتي بدأت تتحقق على أرض الواقع: الشيكل يضعف، المستثمرون يهربون، يتم إخراج الأموال من إسرائيل، وهناك تخوف من تراجُع تصنيف الائتمان. عملياً، كان يكفي وجود إحدى هذه المشكلات فقط لتحذير أجهزة الاستشعار الحادة لدى نتنياهو القديم.
  • وماذا يحدث اليوم؟ لا شيء. فهو يرسل وزير ماليته للوقوف أمام الكاميرات، وليعِد بأن الأمور ستكون على أحسن وجه، بفضل الله. وذلك بعد أن يقول إن كل التوقعات المخيفة تبثّها المعارضة، وعندما سنبدأ بالعمل، سنكتشف الضوء. أين ذهبت الأيام التي كان فيها نتنياهو هو الذي يقود المجال الاقتصادي بنفسه؟ الأيام التي كان فيها هو وزير المال الحقيقي، وهو الذي كان يوجّه السفينة. لقد اختفى الرجل، لا نراه ولا نسمعه، ومن المؤكد أنه لا يردّ على الأسئلة، أو يطمئن الجمهور الذي بات يشعر بالأزمة في جيوبه، وبأن حكومته تخلت عن وعودها خلال الحملات الانتخابية، وانطلقت بسرعة نحو "الإصلاحات القضائية" فقط.

ماذا حدث لـ"السيد أميركا"؟

  • وهذا لا شيء مقارنةً بما يحدث لـ"السيد أميركا"، مَن كان نجم اليافطات الكبيرة خلال إحدى الجولات الانتخابية إلى جانب ترامب، وكُتب تحتها "دوري آخر"، وأراد أن يقول إنه لا يوجد أحد يعرف كيف يدير الساحة الدولية غيري. قبل عدة أسابيع، سمعت من أحد المسؤولين في مكتبه أن أكثر الأمور التي تستفزه بشكل استثنائي هي الانتقادات التي يتلقاها، علناً، من وزير الخارجية الأميركي، ومن وزير الدفاع الأميركي، ومن الرئيس الفرنسي ماكرون، ومن المستشار الألماني، وتندرج تحت إطار نقاط الحديث "talking point". وبكلمات أُخرى، باتت كلّ عادة تُستبدل بأُخرى، وهي الحديث عن "حلّ الدولتين" في كل مناسبة.
  • في داخل الغرفة، كما قال لي هذا المسؤول، لم يتغير شيء في العلاقات، و"هي لا تزال على حالها". إن ما يجري مجرد مسرحية. حتى أنه تكلم عن عبقرية نتنياهو، الذي كان أول مَن شخّص هذا الاتجاه بعد المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي وصل إلى هنا، مصاباً بالرعب، كي يكتشف ما هي توجهات هذه الحكومة، وعاد مع استنتاجات صعبة لزملاءه في الإدارة.
  • ويبدو أن القطار الجوي الذي أقلّ المسؤولين الأميركيين إلى هنا لم ينجح في تهدئة البيت الأبيض حتى هذا الأسبوع، خلال ظهر يوم الأحد، حين أُرغم الرئيس جو بايدن على الاتصال بصديقه القديم ليلقّنه درساً في المواطَنة والديمقراطية. والمحادثة الهاتفية بين الزعيمين، كما اتضح لاحقاً، لم تكن أبداً كما أراد نتنياهو.
  • بايدن، الذي يعرف صديقه جيداً، لم يسمح لنتنياهو بأخذ المحادثة إلى قضايا أُخرى، وخصّص دقائق طويلة ليشرح له الإسقاطات والضرر، وبشكل خاص في أوساط اليهود داخل الولايات المتحدة. والخلاصة النهائية كانت واضحة، وكما قال السفير الأميركي في إسرائيل توم نيدس "ما دامت الساحة الداخلية مشتعلة"، فسيكون من الصعب الدفع بالقضايا الحارقة فعلاً، كالنووي الإيراني، وطبعاً التطبيع مع السعودية. وما لا يقلّ أهمية عن ذلك، الرسالة المهمة التي تمنع نتنياهو من الحصول على بعض الصور التي يحبها كثيراً في البيت الأبيض، والصورة إلى جانب الرئيس في المكتب البيضاوي؛ وزيارة أميركا.

توضيح الإدارة الأميركية لنتنياهو

  • في هذه الإدارة لم ينسوا مع مَن يتعاملون. هذه المرة أوضحوا له أنهم لن يسمعوا تبريرات عن مصاعبه السياسية الداخلية. بالنسبة إليهم، المسؤول هو مَن يمسك بالمقود، وهو شخص واحد: بنيامين نتنياهو. إذا طالب وزير ماليته بمحو حوارة، فإن الأسئلة ستوجَّه إلى نتنياهو. وإذا قال وزير ماليته إنه لا يوجد شعب فلسطيني، وكان يقف فوق منصة عليها خريطة تقسّم الأردن، قبل دقائق من قمة سياسية يشارك فيها الفلسطينيون والأردنيون، فإن رئيس الحكومة هو العنوان. وهو الأمر ذاته بالنسبة إلى المحادثات التوبيخية غير المسبوقة التي تمت دعوة سفير إسرائيل في الولايات المتحدة إليها، في أعقاب إلغاء جزء من قانون "الانفصال [فك الارتباط]".
  • ما الذي حدث لنتنياهو؟ يتساءل المسؤولون الأميركيون وغيرهم في الغرب. أين اختفى السيد اقتصاد والسيد العالمي؟ كيف لا يقرأ الإشارات؟ كيف يصمم على زيارة عواصم أوروبا في نهايات الأسبوع مع جدول زمني مضغوط جداً، في الوقت الذي لا يريده الأميركيون عندهم، حتى أن الزيارة إلى الإمارات العربية المتحدة أصبحت بعيدة المنال.
  • وهنا أيضاً يُسأل السؤال: لماذا يستعد نتنياهو لتحمُّل الضرر الاقتصادي، والضرر في العلاقات الخارجية، وكذلك الضرر في الوضع الأمني، وبشكل خاص الضرر الذي يلحق بمكانته؟ هل هذا قرار واعٍ، أم أنه لم يعد يتحكم في الأمور لوحده؟ من الصعب الوصول إلى تفسير منطقي بشأن الاقتصاد بصورة خاصة. إنها معادلة مع الكثير من الإبهام.
  • أما بخصوص الولايات المتحدة، فيمكن الاعتقاد أن نتنياهو والوزير رون دريمر [السفير السابق في واشنطن] يكسبان الوقت، ويراهنان على خسارة الديمقراطيين في الانتخابات غير البعيدة، في سنة 2024، لمصلحة مرشح جمهوري. وإذا كانا محظوظين، فسيفوز حاكم فلوريدا رون دي سانتيس، أو حتى ترامب نفسه. إلاّ إن هذا الرهان هو بالضبط كالرهان على أن يكون جميع الخبراء الاقتصاديين على خطأ، وأن تؤدي الإصلاحات إلى تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي. حالياً، يشير استطلاع للرأي أجراه معهد "غولف" إلى أنه وللمرة الأولى، يحصل الفلسطينيون على دعم أكبر من إسرائيل في أوساط الديمقراطيين: 49% مقابل 38% في أوساط ناخبين مستقلين. وإن كان نتنياهو مخطئاً، فسيجلس في البيت الأبيض خلال سنة 2024 رئيس ديمقراطي، وسيغدو وضع إسرائيل أصعب بكثير.
  • لأعوام طويلة، كان هناك اعتقاد بأن نتنياهو سيعرف متى يتوقف ويحافظ على مصالح إسرائيل. لأعوام طويلة أيضاً، كان يُعتبر قائداً مسؤولاً في كل ما يخص الأمن، لا يخرج إلى مغامرات، ويكون حذراً في استعمال القوة، ولم ينجرف خلف الأصوات التي طالبته بأن يجن.
  • والآن، خلال الولاية التي ستحفظ مكانته في التاريخ، وتقرر ماهية إرثه الكبير بين قيادات إسرائيل، ينسحب ويزرع الشكوك في مكانته التي حصل عليها عبر إنجازات اعترف بها منافسوه أيضاً. لأعوام طويلة، كان يمكن تحليل سياسة نتنياهو والفجوة بين قدراته الاستثنائية وحاجاته السياسية والشخصية. الآن، يبدو أن هذه الفجوة تقلصت، حتى أنها لم تعد موجودة، وهو ما ستدفع ثمنه الدولة برمتها. إن "السيد اقتصاد" و"السيد أميركا" يعرف الحقيقة، وعلى الرغم من ذلك، فإنه لم يتوقف حتى الآن.