الأزمة ليست ديموغرافية
المصدر
  • يجب الافتراض أن الاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي، بحجمها وقوتها، فاجأت رئيس الحكومة وشركائه. وبصراحة، فاجأتني أنا أيضاً.
  • بعد سنوات من الإحباط والبلبلة وطأطأة الرأس، أثبت الجانب الليبرالي أنه لم يتنازل عن الدولة بعد، ولديه غضب صحي، ورغبة في الحياة، وطاقة وإرادة. لقد خرج بأعداد كبيرة جداً، ليدافع عن نمط حياته، وعن حرية الفرد الخاصة به، وعن الإطار الديمقراطي الذي يسمح بذلك. ويمكن أيضاً أن تدفع هذه الاحتجاجات إلى تشكيل معسكر جماهيري، أو حزب سياسي جديد أكثر حداثة. كل هذا لم يكن متوقعاً، وهذا ليس بالقليل.
  • لكن أبعد من الإنجازات الفورية، فإذا كان الهدف وقف الانجراف، أو حتى البدء بتغيير الاتجاه، فيجب الاعتراف بأن المطلوب أكثر من مئات آلاف الأشخاص المصممين، ولديهم نيات حسنة، حتى لو كانوا مبدعين وأقوياء جداً: المطلوب انقلاب بحجم ما قام به بن غوريون تقريباً، لا يدافع فقط عن نفسه، بل يطمح إلى صوغ بنى اجتماعية من الجذور.
  • ذلك بأن ما أدى إلى كارثة نتنياهو واليمين المتطرف، وتعاظُم قوة السياسة الحريدية، ومهاجمة النظام القضائي، وزعزعة الديمقراطية، هو مسار التفكك الاجتماعي، والانسحاب والتنكر للجماعة. وبكلمات أخرى، إنها الخصخصة: الاقتصادية، السياسية، الثقافية، الهوياتية، وفي الوعي. المعسكر العلماني - الليبرالي يتحمل مسؤولية كبيرة عن مأسسة الخصخصة، التي كان لديه الأمل بأن يستفيد منها، والآن يعاني جرّاء نتائجها، وهو فقط مَن يستطيع، نظرياً على الأقل، قيادة التغيير.
  • الديموغرافيا ليست المشكلة. الحريديم والمتدينون يستطيعون العيش في ظل ديمقراطية، وهناك الكثير من النماذج في العالم. المشكلة هي الأيديولوجيا الحريدية والدينية المسيانية - اليمينية، وتطبيقها في إسرائيل من دون مسؤولية، مع تشجيع جوانب "جمهورية"، لديها ميل إلى الهدم الذاتي. يجب كسر هذا بالذات. ليس الحريديم مَن يجب كسرهم، إنما طفرة الحكم الذاتي الحريدية وجماعة التعليم التوراتي، التي كبرت من دون كوابح. ليس الصهيونيون الحريديم مَن يجب كسرهم، بل ما سمح بتعاظُم قوتهم وبناء هيمنة خاصة بهم من دون حدود - تأبيد الاحتلال.
  • فقط تفهّم الأغلبية في المجتمع الإسرائيلي أن لا مهرب أمامها من الاشتباك مع القيادة الحريدية، وتصميمها على دمج الحريديم في الواقع الحديث: سوق العمل، والجيش، والتعليم العالي، وتوضح لهم أنها لا توافق بعد على وجود دولة داخل الدولة؛ تسعى لهدمها؛ فقط في هذه اللحظة، عندما تفهم الأغلبية أن عليها التوصل إلى اتفاق سياسي، وتحبط معسكر المستوطنات الذي يؤدي إلى تطرّف يمكن أن يعتاش المرء منه حتى، وتحبط الفكرة المسيانية التي تهدد بتحويل إسرائيل إلى دولة شريعة؛ فقط حينها، سيكون هناك احتمال لإنقاذ الديمقراطية.
  • وقف التهديد الحريدي واليميني – المسياني هو عملية طارئة ودراماتيكية، وفقط بعدها، يمكن وقف الانجرار إلى الهاوية. إلى جانبه، سيكون هناك حاجة إلى وقف بقية مسارات الخصخصة، وتعزيز التكاتف الاجتماعي في كل مكان ممكن: الدفع بالعمل المنظم والنقابات؛ الاستثمار في الخدمات العامة، وتجفيف التعليم الخاص والصحة الخاصة ونصف الخاصة.
  • هذا بالإضافة إلى أنه يجب تعزيز الهوية العلمانية - الليبرالية، التي تراجعت جداً، من جديد: النضال ضد انهيار الثقافة الإسرائيلية، ضمان وجود إعلام نوعي ومستقل لا يزودنا فقط بالترفيه، وتعميق التعليم الصهيوني والإنساني في المدارس، بالإضافة إلى التشديد على البديل القومي، وليس الديني، هذا الموجود في صلب التعريف اليهودي.
  • إن زيادة قوة القوى الدينية والحريدية ناجمة أيضاً عن حالة المعارضة العلمانية في أيامنا، بصيغتها الخاصة، والتي لا تستقطب ما يكفي من الجماهير بسبب ضعف الجوانب الجماعية فيها. هذا أيضاً يجب تغييره، حتى لو احتاج سنوات. هل هذه التغييرات جميعها في إطار الممكن؟ الخطوة الأولى هي أن نفهم أنه من دونها، لا يمكن وقف الانهيار.