وثيقة توصيات سياسية إزاء الأزمة الآخذة في التعمّق في العلاقات الإسرائيليّة – الأميركية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

خلفية:

  • إن الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتعمّق، ولا يبدو، حتّى بعد اللقاء بين الرئيس هرتسوغ والرئيس بايدن في البيت الأبيض، والمُحادثة الهاتفية بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة نتنياهو في 17 تموز/ يوليو، أن الإدارة الأميركية في صدد إبداء ليونة في رسائلها بشأن قلقها العميق من سياسات حكومة إسرائيل في سياق الدفع قدماً بالتشريعات القانونية، وكذلك السياسات في الساحة الفلسطينية. حتّى الآن، على الرغم من الوعد بعقد لقاء في الولايات المتحدة بين بايدن ونتنياهو في الأشهر القريبة، فإنه يبدو أن عقده، ونتائجه طبعاً، كلّها أمور ستتأثّر بالتطوّرات في إسرائيل.
  • بعد حواراته مع القيادة الإسرائيليّة، رأى الرئيس بايدن مُباشرة أنّه من المهم التوضيح عبر المحلّل في صحيفة "نيويورك تايمز"، توم فريدمان، أن "حركة الاحتجاجات المستمرة [في نظره] تعكس قوّة الديمقراطية الإسرائيلية التي تقع في صلب العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل." وبحسبه، فإنه "يجب الوصول إلى إجماع في الموضوعات السياسية التي توجد خلافات بشأنها، ويجب أخذ الوقت اللازم. هذا ضروري عندما يدور الحديث حول تغييرات جدّية." وفي هذا السياق، شدّد بايدن قائلاً: "أوصي القيادة الإسرائيليّة ألاّ تتسرّع. أنا أعتقد أن النتيجة الأفضل ستكون عبر التوصل إلى أوسع اتفاق ممكن."
  • حتّى قبل ذلك، قال الرئيس بايدن، خلال مقابلة صحافية تطرّق فيها إلى حكومة إسرائيل، إنها في نظره "إحدى أكثر الحكومات تطرفاً"، وإن بعض الوزراء في الحكومة هم "جزء من المشكلة"، وخصوصاً في كُل ما يخص القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، عاد بايدن مكرّراً طلبه من إسرائيل، خلال محادثته مع رئيس الحكومة نتنياهو؛ أن تتخذ خطوات تحفظ إمكان حل الدولتَين، وتضمن الاستقرار الأمني ميدانياً.

الإسقاطات:

من دون قيم مشتركة مع الولايات المتحدة، لا توجد مصالح مشتركة ولا علاقات خاصة.

  • إن الولايات المتحدة قوّة عظمى تعمل وفقاً لمصالحها فقط. تكمن أهمية إسرائيل بالنسبة إلى الولايات المتحدة في مجالَين مركزيَين؛ التكنولوجيا، والقوّة الأمنية. وستكون أهمية إسرائيل في هذَين المجالَين ذات معنى فقط في حال بقيت إسرائيل ملتزمة القيم المشتركة التي تُعرّف هذه العلاقات الخاصة. إن تغيّرت إسرائيل وابتعدت عن القيم "الديمقراطية" للولايات المتحدة، فستتعارض تقوية إسرائيل في هذه المجالات مع المصلحة الأميركية. يبدو أن الولايات المتحدة تستطيع إقامة علاقات واسعة مع دول لا يجمعها أي شيء بما يخص حقوق الإنسان، والديمقراطية، والليبرالية، والاقتصاد الرأسمالي. لكن هذا صحيح فقط في حال كان لهذه الدول موارد أو أرصدة ضرورية للأمن القومي الأميركي أو الاقتصاد الأميركي. لا تملك إسرائيل أي موارد طبيعية نادرة، كما أن موقعها الجغرافي غير ضروري للولايات المتحدة، وهي ليست جزءاً من أي حلف دفاعي، كما أن رأس مالها البشري التكنولوجي، على الرغم من أهميته، فهو ليس حكراً لإسرائيل.

للمرّة الأولى في التاريخ بين الدولتَين، الولايات المتحدة قلقة على إسرائيل كدولة ديمقراطية.

  • إن التوتّرات في منظومة "العلاقات الخاصة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليست بالأمر الجديد، إلاّ إن التشكيك في وجود مرساة أساسية للعلاقات هو أمر لم نشهده سابقاً.

العلاقات مع الولايات المتحدة هي ما يصنع الفرق بين إسرائيل كقوّة إقليمية وكونها دولة صغيرة ذات قدرات محدودة.

  • تستطيع إسرائيل الصمود حتّى لو تم تقليص الدعم الأميركي لها، ويمكنها البقاء. لكن هذا سيؤثّر، بصورة كبيرة، في قوّتها الأمنية، ورفاهها الاقتصادي، وجودة حياة مواطنيها. وهُنا يجب الإشارة إلى أننا لسنا قريبين من حالة، سيتم فيها نزع الدعم الأميركي الشامل عن إسرائيل، لكن الاتجاه المستمر وطويل الأمد سلبي جداً. هذا لا يرتبط فقط بسياسات إسرائيل، بل أيضاً بالتغييرات الداخلية في المجتمع والسياسة الأميركية.

الإدارة الأميركية تعارض بشدّة الإصلاحات القضائية وسياسات إسرائيل في الضفة.

  • المواقف ليست جديدة، أمّا اللغة الحادة وخطورة الرسائل، فبلى. تقوم الإدارة بكُل ما يمكن بهدف التشديد على معارضتها ما تقوم به الحكومة في سياق الإصلاحات القضائية والسياسات في الضفة، التي هي، في نظر الإدارة، تضع حل الدولتَين في خطر.

الولايات المتحدة محبطة من موقف إسرائيل بشأن الصين ومن سياساتها في سياق الحرب الروسية - الأوكرانية.

  • يشتّت التوتّر في إسرائيل تركيز الإدارة على القضايا الموجودة على رأس سلم أولوياتها في مجال السياسة الخارجية؛ وعلى رأسها الصين والحرب الروسية - الأوكرانية. وفيما يتعلق بالصين، هُناك إحباط مستمر ومتصاعد من سياسة إسرائيل، ومن أن إسرائيل، في نظر الإدارة، لا تعترف تماماً بالقلق الأميركي في هذا المجال.

السياسة الأميركية الداخلية؛ الناخبون الديمقراطيون يدعمون الفلسطينيين أكثر وإسرائيل أقل.

  • تشير استطلاعات الرأي التي أُجريت مؤخراً إلى أن أغلبية الناخبين الديمقراطيين يدعمون الفلسطينيين الآن. هذه المواقف تتطابق مع تصريحات المسؤولين الديمقراطيين منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة سنة 2020، إذ كانت هُناك مطالبات بربط المساعدات الأميركية العسكرية لإسرائيل بسياسات إسرائيل في الضفة. هذه المواقف تحصل على اهتمام متصاعد، حتّى لو لم تكُن الموقف الموجه للحزب الديمقراطي.

تغييرات ديموغرافية جدّية تُباعِد بين إسرائيل والولايات المتحدة.

  • إن الولايات المتحدة تصبح أقل تديُّناً، بينما إسرائيل تصبح أكثر تديُّناً. هذا هو الاتجاه الواضح في المجتمع الأميركي، إذ هُناك ارتفاع مستمر في أعداد الجمهور الذي يعرّف ذاته بأنه ملحد. أمّا الاتجاه في إسرائيل، فهو عكس ذلك.

يهود الولايات المتحدة يبتعدون عن إسرائيل.

  • وذلك أساساً بسبب سياسة إقصاء تيّارات غير أورثوذكسية من "المعسكر". إن رفض إسرائيل الاعتراف بالتيّارات الإصلاحية والمحافِظة، التي تشكّل جزءاً كبيراً من يهود الولايات المتحدة، يعزّز شعور الاغتراب عن إسرائيل. يدور الحديث حول تيّارات تعرّف ذاتها كليبرالية تتشارك الرؤية نفسها مع الإدارة، وتشاركها قلقها أيضاً إزاء كُل ما يخص الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

توصيات سياسية

يجب على حكومة إسرائيل أن توقف مسار التشريع الأحادي الجانب وأن تعمل على الوصول إلى اتفاق وطني واسع.

  • لهذا الموضوع علاقة مباشرة بتقليل حدّة التوتّر أو تخفيفها في العلاقات مع أميركا. ستمتنع الإدارة الأميركية من التدخّل المباشر الفعّال فيما يحدث من تغييرات في النظام القضائي في إسرائيل في حال حدثت باتفاق بين المعسكرات المتعددة في إسرائيل. ويكرر معهد دراسات الأمن القومي موقفه بأنه يجب على هذا الاتفاق أن يعكس مواقف المعسكرات من جانبَي الخارطة السياسية، وأنه يجب عدم الوصول إلى وضع فيه يحسم أحد الطرفَين، إنما تقليل التوتّر بصورة مشتركة.

الامتناع من خطوات أحادية الجانب تخرق الوضع القائم ميدانياً ومبادرة فاعلة إسرائيلية في الساحة الفلسطينية.

  • إن الاستمرار في السياسات الحالية سيؤدي بالأميركيين في نهاية المطاف إلى الاعتراف بحل الدولة الواحدة، حتّى لو لم يحدث هذا في الأعوام القريبة. من غير المؤكد أن تحوُّل إسرائيل مستقبلاً إلى "دولة جميع مواطنيها" سيتطابق مع الطموحات القومية لأغلبية مواطني دولة إسرائيل الذين يعتبرون أنفسهم صهيونيين.

قلب طريقة العمل؛ تقريب التيّارات اليهودية المتعددة بدلاً من إبعادها.

  • إن استمرار الاتجاه الحالي يترك وراءه أضراراً صعبة تتمثل بتسريع الانقسام داخل اليهودية وعدم المبالاة في أواسط القيادة الشابة لليهود في الولايات المتحدة. إن أبناء جيل الألفية الثانية الذين وُلدوا لعائلات مختلطة، وكبروا بانتماء إلى الشعب اليهودي، سيتوقّفون عن التزامهم الصهيونية وأصولهم اليهودية. بذلك، يمكن أن نخسر النخبة القادمة في الولايات المتحدة.

اعتراف إسرائيل بحدود القوة.

  • عندما يتم تفعيل قوّة عسكرية كبيرة، يجب القيام بذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة. هذه التوصية مهمة أساساً بسبب التهديدَين المركزيَين على أمن إسرائيل القومي؛ التهديد الإيراني والتهديد الفلسطيني. في الحالتَين، لن تحل القوة العسكرية وحدها المشكلة، ويمكن فقط أن تُفاقمها. هذا بالإضافة إلى أنه، في الحالتَين، فإن انعدام التنسيق مع الولايات المتحدة له إسقاطات خطِرة على صعيد الإنجاز العسكري وعلى صعيد استقرار النتيجة بعد نهاية المعركة.
 

المزيد ضمن العدد