تحرير المخطوفات يشير إلى بدء الإصلاح؛ والسؤال عن استمراريته
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- أمام مشهد الفوضى في قطاع غزة، يوم أول أمس، حين كان كثيرون من الفلسطينيين يحيطون بالمخطوفات الإسرائيليات الثلاث، برزت فكرة أننا نشهد بداية النهاية. كان يبدو أن هناك مخرجاً ممكناً من الحرب البشعة التي زعزعت حياة الفلسطينيين والإسرائيليين منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. لقد بدأت المرحلة (أ) من الاتفاق، ويمكن أن تنتهي بنجاح بعد 6 أسابيع. من الواضح أن الانتقال إلى المرحلة (ب) سيكون أكثر صعوبةً، ومن غير الواضح إطلاقاً ما إذا كانت القيادات من الطرفين معنية بذلك. وعلى الرغم من ذلك، فإننا بدأنا منذ الأمس، على ما يبدو، بمسار استكمال الصفقة ونهاية الحرب، بتشجيع كبير من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
- أمس، خرجت "حماس" في استعراض للقوة مع انسحاب الجيش من مواقع الاشتباك داخل القطاع ونقْل المخطوفات الثلاث - دورون شتاينبرخر وإميلي ديماري، من كيبوتس "كفار عزة"، ورومي غونين التي خُطفت من حفل "نوفا" - إلى الصليب الأحمر. وفي وسط قطاع غزة، وعلى بُعد كيلومترات عن المكان الذي كانت القوات الإسرائيلية تنشط فيه قبل أيام قليلة، خرج مئات الناشطين المسلحين. يبدو أن الحركة قدمت بذلك عرض قوة عسكرية، وأيضاً دليلاً على سيطرة مدنية، لكن هذه الأخيرة ليست أمراً مفروغاً منه؛ فخلال أشهر معدودة، يمكن أن يكون هناك ترتيبات مختلفة لمستقبل قطاع غزة.
- استمر التوتر أمس، حسبما هو متوقع، حتى اللحظة الأخيرة. ولا يوجد أيّ سبب يدعو إلى الافتراض أن الأمور ستُدار بشكل مختلف خلال الأسابيع المقبلة، إمّا بسبب صعوبات التواصل الداخلي الناتجة من القتال، وإمّا بسبب الرغبة في الاستمرار في تعذيب عائلات المخطوفين نفسياً. لم تلتزم "حماس" الجدول الزمني الذي أُقرّ، ولم ترسل، مع انتهاء يوم السبت، أسماء المخطوفات اللواتي من المتوقّع تحريرهن. وعندما استمرت المماطلة حتى ساعات صباح يوم أمس، أعلنت إسرائيل أنها لن تحترم وقف إطلاق النار الذي كان سيدخل حيز التنفيذ الساعة 8:30 صباحاً. وفي نهاية المطاف، تم ارسال الأسماء، بعد تأخير ساعتين إضافيتين، وبعد ذلك بوقت قصير، أوقف الجيش إطلاق النار. حتى ذلك الوقت، قام سلاح الجو بقصف عدة مواكب للاحتفال بالنصر للذراع العسكرية لـ"حماس" في مناطق مختلفة من القطاع، وأشارت الأنباء إلى سقوط 14 قتيلاً على الأقل.
- في البداية، ظهرت هذه المواكب في جنوب القطاع. دخل ناشطو "حماس" بسيارات تويوتا الرباعية الدفع، من النوع نفسه الذي انتشر يوم "المذبحة"، وأطلقوا النيران في الهواء ابتهاجاً. تبذل "حماس" جهوداً كبيرة لتثبيت رواية النصر في أوساط المجتمع في داخل القطاع، على الرغم من كل المعاناة التي مرّت عليهم خلال الأشهر الـ15 الماضية. في هذه المرحلة، يبدو أن حركة العودة الجماعية للسكان من مناطق الإيواء في المواصي، على الشاطئ الجنوبي، في اتجاه شمال القطاع، لم تبدأ بعد، لأن الجيش لم يقُم بإجلاء كل قواته، بحسب ما خُطط له مستقبلاً - وتحديداً، محور نتساريم.
- وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن الشعور، منذ الآن، بالحركة الداخلية في شمال القطاع، بين مدينة غزة وجباليا وبيت حانون، حيث أخلت قوات الجيش هذه المواقع خلال نهاية الأسبوع الماضي. وبعد إخلاء محور نتساريم، ستبدأ الحركة الجماعية شمالاً، وبحسب التقديرات، فإن العدد سيكون أكثر من مليون شخص. وحتى لو انهار الاتفاق خلال الأسابيع السبعة القريبة، فسيكون من الصعب على الجيش العودة إلى القتال.
- يمكن أن يجري النقاش بشأن العودة إلى القتال، بعد مرور الأسابيع الستة ونهاية المرحلة الأولى، لكن في رأيي، الآن، الإجابة موجودة لدى ترامب. الوعود التي وزعها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على الوزير بتسلئيل سموتريتش بشأن ضمان بقائه في الحكومة، هو وحزب "الصهيونية الدينية"، حتى نهاية المرحلة الأولى، ستصطدم بمطالب ترامب مستقبلاً. إذا صمّم الرئيس على أن الحرب في غزة يجب أن تنتهي، فسيكون من الصعب على نتنياهو أن يرفض.
- وفي الوقت نفسه، تتضح التفاصيل بشأن التنازلات الإسرائيلية كلها في هذه الصفقة. تثير عملية الإطلاق الجماعية للأسرى ردوداً جماهيرية صعبة جداً، والسبب هو هوية الأسرى أكثر مما يتعلق بعددهم - الحديث يدور حول "مخربين" كانوا ضالعين بعمليات قُتل فيها عدد كبير من الإسرائيليين خلال تسعينيات القرن الماضي، وخلال الانتفاضة الثانية.
- كان يمكن لكلّ مَن تابع الوضع في القطاع، ولم تتلاعب به تصريحات نتنياهو وما قالته أبواقه، أن يحزر منذ وقت طويل أن نتيجة الحرب ستكون هكذا. الحقيقة أن إسرائيل خسرت الحرب إلى حد بعيد جداً يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. كل ما قامت به، منذ ذلك الوقت، هو محاولة لتقليل الضرر، ومن أجل توقيع صفقة تحرير جميع المخطوفين، كان عليها أن تقدّم تنازلات كبيرة. المرحلة الثانية من الصفقة ستشمل أيضاً عدداً أكبر من المسؤولين الكبار، ومن "القتَلة"، من ضمن الأسرى الذين سيُحرَّرون خلال المرحلة الأولى.
- أحد الأسباب المركزية لهذا الوضع الذي وصلنا إليه ينبع من رفض نتنياهو المستمر البحث في أيّ حلّ يتطرق إلى اليوم التالي لِما بعد "حماس" في القطاع، وخصوصاً تدخُّل السلطة الفلسطينية في إدارة غزة. من الممكن أن تفرض خطة ترامب - الصفقة السعودية - الأميركية – الإسرائيلية - على نتنياهو ترتيبات إضافية، لأن نتنياهو دائماً ما يكون بريئاً وغير مسؤول عن شيء، في نظر مؤيّديه، وتُبذل جهود كبيرة جداً في عمليات التمويه التي تهدف إلى التغطية على الفجوة بين الوعود والوضع الحقيقي. عندما نذكر الأسرى الذين سيُحرَّرون، يردّ اليمين باتهام اليسار و"احتجاجات كابلان"، وكأنهم يملكون أيّ تأثير كهذا.
- الآن، تتم الإشارة إلى أن الجيش هو السبب في فشل الحكومة في تحقيق النصر المطلق. لقد طُرح تسريع إزاحة رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي خلال الأيام الأخيرة في اللقاءات بين "الليكود" وسموتريتش وبن غفير، في إطار محاولات إقناعهما بالبقاء في الائتلاف. سموتريتش وصف هليفي في الأمس خلال لقاءات إعلامية بأنه "رئيس هيئة أركان تقدمي" و"ضابط دفاعي". وبذلك، تكون الرسالة للجمهور: أننا سنستغل وقف إطلاق النار من أجل تطهير قيادة الجيش من الانهزاميين، وبعدها، يمكن استئناف الحرب بقيادة جديدة. عملياً، هذه الجهود تهدف إلى زرع البلبلة في أوساط الجمهور. فإذا كان الضباط مسؤولين عمّا حدث، فإن الحكومة التي وضعت الاستراتيجيا غبية، واستهترت بخطر "حماس"، يمكنها الاستمرار في جهودها لمنع تشكيل لجنة تحقيق مستقلة.
- وعلى الرغم من ذلك، فإن أول أمس لم يكن يوماً سيئاً، وخصوصاً إذا ما قارنناه بالعامين الماضيَين. وقف إطلاق النار في غزة، وتحرير ثلاث مخطوفات اجتمعن بعائلاتهن، بعد فترة معاناة طويلة، ووزير أمن قومي يستقيل - إنه حصاد مقبول نسبةً إلى ما اعتدناه مؤخراً. والأهم، كما يبدو: استعدنا الشيء الأساسي الذي تزعزع في يوم "المذبحة" وبعدها، من خلال التعامُل الفاشل للحكومة إزاء كل ما يخص أزمة المخطوفين، وهو الشعور بالتكاتف ما بين الدولة ومواطنيها الذين تم التخلي عنهم في "غلاف غزة". وأن يوم أمس هو اليوم الذي بدأ فيه مسار الإصلاح - على الرغم من التأخير الكبير.