المواجهة تقترب، لكن من جديد، رئيس هيئة الأركان هو الرجل الأقوى في المنظومة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- إن التحديات التي يواجهها رئيس هيئة الأركان الرابع والعشرين للجيش الإسرائيلي إيال زامير هائلة الأحجام. من الصعب العثور على "نقطة هادئة" من حولنا، والتحدي الذي يواجهنا عندما نعرض الوضع ماذا ندرج في القائمة من تحديات: وفي الواقع، حتى اتفاقيات السلام مع الأردن ومصر في خطر. هناك تهديدات عالمية تمتد من الصين، وتصل إلى الولايات المتحدة، حتى إن "الإرهاب الجهادي الإسلامي" الآتي من مدرسة "داعش"، يمكن أن يتخذ صورة دولة في سورية.
- المشكلات والتحديات كثيرة، لكن من بين هذه التحديات الأكثر إلحاحاً، يمكن الإشارة إلى 7 منها: تحدّيان خارجيان (إيران و"حماس") وخمسة تحديات داخلية. المطلوب من رئيس هيئة الأركان السير على خيط رفيع بين التحديات الخارجية وبناء شبكة أمان تحظى بثقة الجمهور الإسرائيلي، لأنه توجد تحت هذا الحبل هاوية عميقة من الجدل السياسي، وصراع على القيـم، وإعادة التفكير في الهوية الوطنية - الإسرائيلية في هذه المرحلة الحاسمة التي نواجهها.
- إيال زامير الذي أعرفه منذ أعوام عديدة، هو ضابط أخلاقي مهني، صادق وذكي. عندما كان ضابطاً في سلاح المدرعات حمل معه روحاً جديدة: روح التصميم مع الالتزام بالنظام والانضباط وأهمية البساطة. وهذه الصفات تؤهله في الوقت الحالي لمواجهة التحديات السبعة التالية:
- تحدّي سيطرة "حماس" على غزة: مَن يقرر بشأن المرحلة الثانية من صفقة المخطوفين لا يغيّر شيئاً، إذ لا تزال "حماس" تسيطر على غزة. هذا الواقع ناجم عن عدم اتخاذ القرار في الوقت الملائم بشأن عنوان مدني بديل. وإذا لم نفعل شيئاً، فكأننا لم نتعلم شيئاً، وفي حال بقيت "حماس" تسيطر على غزة، فإنها سترمّم قواها، وفي نهاية الأمر، ستعود لتشكل تهديداً لمستوطنات الجنوب. لذلك، المطلوب حلّ ذو طابع عسكري، وآخر ذو طابع سياسي:
- حلّ ذو طابع عسكري: يتمثل في احتلال قطاع غزة وفرض حكم عسكري عدة سنوات، ثم استبداله بتحرك سياسي ينتهي في المستقبل بكيان يقرّره المستوى السياسي؛ هذه المرة، بتأييد أميركي، ومن دون حرب متعددة الجبهات، ومن دون حسابات دقيقة لعدد شاحنات المساعدات التي دخلت، أو لم تدخل إلى القطاع. لكن من الناحية السياسية، ثمة شك في أن يحظى هذا الحلّ بشرعية دولية وداخلية. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الحلّ ليس جيداً لإعادة المخطوفين، وإذا كان هدف العملية زيادة الضغط من أجل التوصل إلى صفقة، فإن الحكم العسكري لا يفيد، ويجب أن تكون "حماس" طرفاً في الصفقة، لذلك، يجب التخطيط لعملية عسكرية مختلفة الهدف.
- حلّ ذو طابع سياسي: هو تطبيق نموذج الضفة الغربية في غزة، أي سلطة مدنية فلسطينية، مع مسؤولية أمنية إسرائيلية. ومثلما بقيت "حماس" موجودة في الضفة، فإنها للأسف الشديد، ستبقى موجودة في غزة، وستظل تنظيماً مقاوماً، لكن هذه المرة، ستواجه منافسة مزدوجة: ستحاربها إسرائيل عسكرياً، وستتنافس مع السلطة الفلسطينية في غزة على النفوذ المدني والسياسي والاقتصادي. في الواقع، ومن دون أن ننتبه، وافقت إسرائيل على هذا النموذج في معبر رفح، والذي يشكل سابقة.
- التحدي الإيراني: خسرت إيران ثلاثة أعمدة من أمنها القومي: لم يعُد وكلاء إيران مؤثرين في إسرائيل، ومكانتها كدولة على عتبة النووي لم تردع إسرائيل عن مهاجمتها، وجيشها لم يدافع عنها كما يجب في مواجهة القدرات الإسرائيلية. هذه الأخبار جيدة. لكن من خلال معرفتنا بالإيرانيين، هم عنيدون وأذكياء وأصحاب مبادرة، وقادرون على المفاجأة. وسيجدون طريقة لترميم وتغيير نظرية المقاومة من جديد، والتهديد الأكثر إثارةً للقلق هو تغيير نظريتهم بشأن التهديد النووي. إذا تحولت إيران إلى دولة نووية، فيجب علينا مهاجمتها قبل ذلك، وبأسرع وقت ممكن. ومن المحتمل أن يحدث ذلك خلال الأشهر الأولى من تولّي زامير منصبه. إن قرار مهاجمة المنشآت النووية، في حال حدوث خرق إيراني، معقّد التنفيذ، لكن من السهل اتخاذه. والأكثر تعقيداً هو الهجوم الاستباقي، والمعضلة المركزية هي: هل سيمنع هجوم من هذا النوع حصول إيران على القنبلة النووية؟ وإلى متى سيوقف البرنامج النووي؟ ويكمن الخطر الكبير في أن يؤدي الهجوم إلى العكس تماماً، أي أن يدفع إيران نحو القنبلة، ومن المحتمل أن يحدث ذلك بمساعدة كوريا الشمالية.
- تحدّي الثقة والتعاون بين المستويَين السياسي والعسكري: إن توتُّر العلاقات بين وزير الدفاع وبين رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته شكلت نقطة في مسار تدهور طويل. من غير الواضح متى بدأت، لكنها أثّرت سلباً في الجيش. وكانت النتيجة أن الحكومة لا تعتمد على هيئة الأركان العامة للجيش، وتشعر بأنها بحاجة إلى جنرالات أكثر "هجوميةً"، وأن "جيل النصر" في حرب "السيوف الحديدية" مختلف عن جيل "جنرالات النظرية"...
- تحدّي قانون التجنيد: أعادت الحرب طرح مسألة المساواة في تحمُّل العبء. وسيكون من الصعب محوها. إن الحاجة العملانية، فضلاً عن الإحباط، خلقت وضعاً سريالياً، لأن أفضل شبابنا يُقتلون في الحرب، بينما يرفض آخرون الخدمة. واليوم، يُعتبر تجنيد الحريديم موضع إجماع وسط الجمهور الصهيوني في إسرائيل، لكنه يتعارض مع المصلحة السياسية...
- تحدّي استخلاص الدروس والبحث والتحقيق: إن الفشل في بداية الحرب والسلوك خلالها يتطلبان تحقيقاً حقيقياً، كما أن استخلاص الدروس والتعلم الجذري سيؤديان إلى تغيير سلوك الجيش. حتى الآن، جرت التحقيقات بصورة غير دقيقة، واستغرقت وقتاً طويلاً... فالتحدي الذي سيواجهه رئيس هيئة الأركان الجديد لن يكون سهلاً، نظراً إلى مرور الوقت، ولأنه جرى استجواب كثيرين بشكل غير مهني، الأمر الذي يجعل الوصول إلى الحقيقة صعباً...
- خلال فترة ولاية رئيس هيئة الأركان الجديد، من الممكن تشكيل لجنة تحقيق رسمية.. وتشكيل مثل هذه اللجنة يُعتبر مصلحة سياسية وأخلاقية ووطنية. ومن واجب رئيس هيئة الأركان التشجيع على تشكيلها، حتى لو كان عملها غير مريح للجيش الذي يقوده....
- تحدّي بناء القوة: ... إن البناء السريع للقوة الذي يعتمد على الصدمات لا يؤدي إلى بناء جيش أفضل، بل إلى جيش ضخم ومترهل ومكلف ومبذّر، ولا يخلق قدرات تشغيلية أفضل. فمن أجل بناء الجيش بصورة صحيحة، من الضروري الاتفاق على التهديد الذي يواجهه وتحديد كيفية الرد. وهنا نجد مدرستين فكريتَين: الأولى ترى في فشل 7 أكتوبر جرس إنذار يتطلب جيشاً كبيراً وحاسماً؛ بينما ترى المدرسة الثانية أن إنجازات الجيش في الحرب (وخصوصاً ضد المحور الشيعي) تشكل فرصة لإدارة المخاطر، مع تراجُع التهديدات وتحسُّن وضعنا الأمني من الناحية العسكرية...
- سيكون التحدي الأبرز في بناء القوة هو مسألة التركيبة الاجتماعية للقيادة القتالية. فالجيش ليس مؤسسة قائمة على المساواة، وإذا كان جزء من الجمهور يتحمل عبء القيادة والقتال، فهذا مؤشر إلى وجود مشكلة أعمق. وهيمنة قطاع معين قد تؤدي إلى مشكلات تتعلق بتكافؤ الفرص في الترقية والتعيينات... ويكمن الخطر في وجود مجموعات ضغط خارجية تؤثر في الجيش (من خلال دعم ترقية عناصرها وتأخير الآخرين)، مروراً بالمعايير والقيم.
- التحدي الأخلاقي والمعياري: يخوض الجيش حرباً طويلة الأمد، ويؤدي التوتر العملاني إلى ظهور مسائل إشكالية ازدادت الأدلة عليها في الآونة الأخيرة في الميدان. هناك تراجُع في الانضباط ... وغيرها ممّا رأيناه في المراحل الأخيرة من القتال في شمال القطاع، والتي تدل على الإنهاك...
- قد يكون هناك ما يبرر لهؤلاء تحدّي القواعد، ومن الواضح أن الفشل يتطلب تغييراً. لكن يجب أن نتذكر أن مَن يضع تعليمات فتح النار وروحية الجيش الإسرائيلي والعقيدة القتالية هي هيئة الأركان العامة... وأيّ تغيير فيها يجب أن يتم من خلال عملية منتظمة. التغيير أمر إيجابي، بشرط أن يجري بحكمة ومسؤولية، واستناداً إلى العلم والمعرفة، وليس بشكل سطحي وشعبوي...