هل سيبني لنا ترامب "دولة أخلاقية"؟
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل

مهند مصطفى


أسامة حلبي, موسى أبو رمضان


أنطوان شلحت

المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد أن هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتحويل كندا إلى الولاية الواحدة والخمسين، واحتلال غرينلاند، يبدو أنه جاهز الآن لقبول كوكب أقلّ حجماً، هو إسرائيل، التي ستنضم إلى خريطة الولايات المتحدة. صحيح أنه توجد في إسرائيل حكومة وبرلمان (حتى لو كان الحديث يدور حول مساحة خيالية)، ويوجد فيها أيضاً رئيس دولة، لكن دائماً ما كانت القرارات المصيرية التي تتعلق بوجودها وأمنها واقتصادها، تتطلب "اتفاقا وتنسيقاً" مع واشنطن. وإن كانت هذه المجالات الثلاثة لا تطرح جديداً لأن إسرائيل تعتمد، منذ عشرات الأعوام، على المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تحصل عليها من الولايات المتحدة، فقط تمّ الآن، إضافة مركّب جوهري آخر إلى عصا السيطرة الأميركية، والذي يمكن تسميته بالحصانة الأخلاقية لإسرائيل.
- سابقاً، كانت الميزات القيَمية لإسرائيل بمثابة أصول استراتيجية: الحلف الذي بنته مع الولايات المتحدة استند إليها في الأساس، وبدرجة أقلّ، إلى المصالح. كما أن شعار التسويق لـ"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، ولقيَم العدل والقضاء وسلطة القانون الثابت، إلى جانب ذكرى المحرقة، أمور كلها حسّنت مكانة إسرائيل كدولة تستحق الحماية بأيّ ثمن، وليس فقط في الولايات المتحدة. هذه هي الأساسات الصلبة، ورؤساء الولايات المتحدة تنافسوا على مدار أجيال على مَن يكون "الصديق الأفضل لدولة إسرائيل"، حتى لحظة وصول حكومة بنيامين نتنياهو التي بدأت بنزع أصول الدولة.
- وها هو ترامب، الذي لا يبدي أيّ اهتمام بالتفاهات الليبرالية، وبقيَم الأخلاق، أو الإرث والعدل وحقوق الإنسان ومكانة الأقليات، أو حرية التعبير، بات المخلص الأكبر للدولة التي فقدت طريقها وضميرها.
- الكاتب الألماني سيباستيان هافنير كتب عن سنة 1923 في كتابه، الذي تقشعر له الأبدان، تحت عنوان "قصة ألماني"، بأنها السنة التي بدأت فيها "المسارات" التي تم تشخيصها بعد عشرات الأعوام في إسرائيل. وقال "هناك جيل كامل في ألمانيا فقد عضواً مهما من الروح: العضو الذي يمنح الإنسان الاستقرار والتوازن والتفكير الصحيح، وهو عضو يعتبرونه أحياناً الضمير، وأحياناً أُخرى، الفطنة والذكاء، أو الأمانة، أو الأخلاق ومخافة الرب". وبحسبه، فإن هذا "الجيل تعلّم حينها - أو كان مقتنعاً بأنه تعلّم - أنه يمكن العيش من دون هذا الوزن الزائد". في دولة إسرائيل، حيث يعامَل المخطوفون وعائلاتهم وداعموهم على أنهم خوَنة، ويتعاملون مع جهود تحريرهم على أنها سكين في ظهر الأمة، وعبء جانبي يهدف إلى منع النصر المطلق، تقلّص "عضو الضمير"، وبات صغيراً جداً، حتى تبخّر تقريباً.
- بعدها، جاء ترامب وتدخّل بما تقوم به ما تُسمى حكومة إسرائيل، والتي داست على شعار "سنقوم بكل شيء ممكن" من أجل تحرير المخطوفين، وبلهجته العنجهية، أخذ منها صلاحية تحديد حدود الأخلاق والضمير الخاص بها. ترامب الذي هدد بفتح أبواب جهنم على "حماس"، ومنح إسرائيل رخصة كاملة لـ"إنهاء العمل"، يشرح الآن ماذا يعني "القيام بكلّ شيء"- حتى لو كان الثمن بدء مفاوضات مباشرة مع "حماس" وتطبيق وقف إطلاق نار طويل والتزام بالاتفاقيات التي وقّعتها إسرائيل بنفسها.
- هناك مصاعب في الائتلاف؟ إنهم يهددون بتفكيك الحكومة؟ في نظر ترامب، هذه ليست سوى أمور هامشية تشير إلى عدم قدرة نتنياهو على القيادة. فكما شرح للمصريين والأردنيين أنه يتوجب عليهم الالتزام بخطة "الترانسفير" الخاصة به، أي طرد مليونَي شخص من منازلهم، فقط لأنهم يحصلون على مساعدات من دافع الضرائب الأميركي، الآن، حان الوقت لتمارس إسرائيل دورها في المعادلة. الآن، ترامب هو أمل إسرائيل، ومن غير المهم بتاتاً ما هي دوافع هذا الشخص الذي لا يلتزم بأيّ حدود. وإذا نجح في فرض ما كان يجب أن يكون بديهياً، بالنسبة إلى حكومة إسرائيل- وهو أنه يجب على الدولة أن تلتزم بالعقد الموجود بينها وبين مواطنيها - فإنه يستحق الشكر العميق.