إسرائيل تحاول فرض حقائق على الأراضي السورية وتخاطر بنزاع واسع النطاق
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • تطورت في الأمس مواجهة دموية في بلدة كويا الصغيرة في محافظة درعا على الحدود السورية - الأردنية، قُتل خلالها ستة مواطنين سوريين. وذكر البيان الإسرائيلي القصير أن مسيّرة تابعة لسلاح الجو هاجمت مسلحين أطلقوا النار على قوات الجيش الإسرائيلي. لكن شهادات أبناء البلدة كانت مفصّلة أكثر، إذ تحدثت عن اشتباك وقع بين قوة من الجيش الإسرائيلي مع مدنيَّين يحملان "سلاحاً فردياً" كانا في طريقهما إلى حقولهما.
  • اصطدم الجنود الإسرائيليون، الذين حاولوا تجريدهما من سلاحهما، بمقاومة، "وكان الرد فورياً. إذ أطلق الجنود النار عليهما، وقتلوهما"، بحسب رواية ابن البلدة الصحافي معتز حشيش، للموقع الإخباري اللبناني "رصيف 22". حاول الجنود الانسحاب عبر البلدة، فتصدى لهم سكان البلدة من المسلحين، وبدأت المرحلة الثانية من التصعيد. بعدها، قامت الدبابات الإسرائيلية المتمركزة بالقرب من البلدة بالقصف، ثم وصلت مسيّرات وقصفت تجمعات المدنيين. وكانت النتيجة مقتل 6 مواطنين وإصابة عشرة آخرين. وأدّت هذه التطورات إلى فرار عدد كبير من أبناء البلدة، خوفاً من استمرار المعارك، بحسب الصحافي السوري.
  • من الصعب التحقق من صحة التقرير، لكن هذه المواجهة المحلية القاسية أثارت ضجة إعلامية وسياسية، ودانها بشدة كلٌّ من الأردن والسعودية وتركيا، وطبعاً، الحكم السوري الجديد، الأمر الذي يدل على إمكانات التفجير الناجمة عن العمليات الإسرائيلية على الأراضي السورية.
  • بعد سقوط نظام الأسد، سارعت إسرائيل إلى احتلال المنطقة التي تفصل بين سورية وإسرائيل في هضبة الجولان، وفق الخطوط التي حددتها اتفاقات فصل القوات في سنة 1974. وكان الهدف المعلن منع تمركُز التنظيمات "الإرهابية" في المناطق المحاذية لإسرائيل، وما دام لا يوجد جيش نظامي في سورية يحمي الحدود، ولا قوات دولية أُخرى، روسية، أو من الأمم المتحدة، كانت تراقب الحدود في فترة حُكم الأسد. لكن حجم السيطرة الإسرائيلية على الأراضي السورية والتصريحات العلنية لوزير الدفاع يسرائيل كاتس بأن "الجيش الإسرائيلي سيبقى في المنطقة الأمنية فترة غير محددة، ولن نكون تابعين للآخرين في الدفاع عن أنفسنا، ولن نسمح لقوات معادية بالتمركز في المنطقة"، وتصريحات مسؤولين إسرائيليين آخرين، كل ذلك يدل على نيات بعيدة المدى، يمكن أن تُقحم إسرائيل في مواجهة، ليس فقط مع النظام السوري، بل أيضاً مع تركيا، ولاحقاً، ربما مع الولايات المتحدة.
  • باستثناء رغبة إسرائيل في إقامة "منطقة معقّمة" خالية من السلاح على طول خط الحدود في هضبة الجولان، تفسَّر تحركات إسرائيل بأنها تنوي إقامة "منطقة أمنية" مدنية، وليس عسكرية فقط، وتريد تجنيد السكان الدروز الذين يعيشون في مدينة السويداء وتحويلهم إلى قوة مستقلة تمنع وتكبح نشاط التنظيمات المعادية، وتعرقل تطلُّعات الرئيس أحمد الشرع إلى قيام دولة سورية موحدة. كما أن قرار السماح للدروز في سورية بالعمل في إسرائيل، والمساعدات الإنسانية التي تقدمها إسرائيل في المنطقة، ونشاط ضباط الاستخبارات الذين يقيمون علاقات وثيقة بالسكان المحليين، يعزز الإحساس بأن ما يجري هو عملية بعيدة المدى، تذكّر كثيراً بطبيعة العمليات التي شهدتها المنطقة الأمنية التي أقيمت في لبنان خلال حرب لبنان الأولى [1982].
  • لكن مقارنةً بلبنان آنذاك، الذي لم يكن يوجد فيه حُكم مركزي تقريباً خلال فترة الحرب، يوجد في سورية حاكم جديد يحاول توحيد الدولة، معتمداً على المساعدة التركية سياسياً، وعلى المساعدات الاقتصادية والعسكرية السعودية والقطرية. من هنا، فإن الاستراتيجيا الإسرائيلية التي تسعى لاستغلال التركيبة الطائفية في سورية، لكي تبني لنفسها مركز نفوذ، وربما سيطرة، يمكن أن تصطدم بمقاومة ومواجهات مع قوى إقليمية ودولية.
  • لقد أعلن الشرع، فور استلامه منصبه، أنه لا ينوي خوض حرب مع إسرائيل، وأن مهمته هي إعادة إعمار سورية. وتركيا التي ساعدت عسكرياً في الانقلاب ضد الأسد، كانت أول مَن حضر إلى القصر الرئاسي في دمشق، وعرضت مساعدتها. ليس فقط في إعادة الإعمار الاقتصادية، بل في بناء جيش جديد مدرب وتزويده بسلاح متطور. والزيارة الأولى التي قام بها الشرع خارج سورية كانت إلى الرياض، حيث التقى محمد بن سلمان الذي وعده بمساعدات سخية لإعادة إعمار سورية. كذلك، أرسلت قطر مساعدات إنسانية، وهي تنوي دفع جزء كبير من رواتب الإدارة والجيش السوريين.
  • الاتحاد الأوروبي علّق العقوبات التي فرضها على نظام الأسد فترة عام، للسماح للشركات السورية والبنوك بالتعامل معه، بينما رفعت الولايات المتحدة جزءاً من العقوبات مدة نصف عام، وتنوي قريباً إعلان إلغاء جزء آخر منها. ونشرت وكالة رويترز قبل أسبوعين تقريراً تحدثت فيه عن لقاء رفيع المستوى جرى، لأول مرة، خلال ولاية ترامب بين مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وسورية ناتاشا فرانشيسكي ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونقلت إليه الدبلوماسية الأميركية قائمة تضمنت شروط الإدارة الأميركية لرفع العقوبات.
  • تطالب واشنطن بتأليف حكومة تمثيلية تشارُكية، تتضمن "كلّ مكونات الشعب السوري"، والمحافظة على حقوق الأقليات، وإلغاء تعيين أجانب في مناصب كبيرة في الجيش السوري (والمقصود كبار المسؤولين الذين كانوا شركاء الشرع في "هيئة تحرير الشام"، والذين جرى تعيينهم، مكافأةً على خدماتهم)، ومحاربة الإرهاب. وبعكس إسرائيل، تتفق واشنطن والسعودية وتركيا بشأن رغبتهم في قيام دولة موحدة تحت حكم موّحد، وليس كانتونات مستقلة ترى فيها إسرائيل إمكاناً لإنشاء مراكز نفوذ لها في سورية.
  • والدليل على ذلك الاتفاق الذي وقّعه الشرع مع مظلوم عبدي، قائد "قوات سورية الديمقراطية"، الجناح العسكري الكردي، الذي يسيطر على المحافظات الكردية في شمال البلد، والذي بموجبه، ستنضم قواته إلى الجيش السوري. صحيح أن هذا الاتفاق لا يزال، حتى الآن، اتفاقاً تصريحياً أكثر من اتفاق تفصيلي دقيق مع جدول زمني، لكنه يدل على القرار الاستراتيجي الذي اتّخذه الأكراد، والذي وُلد بتأثير أميركي.
  • ويبدد هذا القرار سعي إسرائيل للاعتماد على المحافظات الكردية كقاعدة لنفوذها، وهو مرتبط بتوجُّه ترامب إلى الانسحاب من الأراضي السورية، وبالتالي تحوُّل تركيا إلى "سيدة البيت" في الشمال السوري. أمس، زار وزير الخارجية التركي حقان فيدان واشنطن، والتقى نظيره الأميركي مارك روبيو، وبحث الاثنان في مجموعة من الموضوعات، بينها صوغ سياسة مشتركة في سورية، ورفع العقوبات الأميركية عنها. وعبّر الوزيران في المؤتمر الصحافي المشترك عن تأييدهما "لسورية موحدة ومستقرة"، وهذا الكلام موجّه إلى الذين يحاولون إقامة دولة كانتونات مستقلة في سورية. والهدف من زيارة فيدان التحضير للاجتماع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس ترامب الذي لم يحدد موعده، لكن من المنتظر أن يكون قريباً، وبهذه الطريقة، قد تصطدم إسرائيل بعقبة معقدة يمكن أن تعرقل سعيها لتطبيق استراتيجيتها في سورية.
  • إسرائيل تعتبر تركيا دولة معادية تسعى للحلول محلّ روسيا، كحامية عسكرية لسورية، ويمكن أن تكبح حرية العمل الجوي الذي تتمتع به إسرائيل في الأجواء السورية، والعمل ضد وجودها البري في سورية. ربما على إسرائيل أن تدرك أنه بشأن كل ما له علاقة بسورية، قد يفضّل ترامب "مهمة" تركيا، التي تخطط لإقامة قواعد عسكرية للجيش السوري في مدينة تدمر، على الحجة الإسرائيلية.
  • يمكن أن يقترح "سيد الصفقات" الأميركي تسوية مصالحة بين إسرائيل وتركيا، لكن التصريحات الإسرائيلية الرنانة والهجوم الكلامي على الرئيس السوري لا يساعدان، طبعاً، على التوصل إلى التسويات المطلوبة. لا يزال الشرع "شخصية في موضع شك"، سواء في الساحة الداخلية السورية، أم في المجتمع الدولي، لكن الغطاء السياسي الدولي والعربي الذي يُبنى حوله يمكن أن يؤثر في سلوكه إزاء موضوعات تهمّ إسرائيل، مثل جهوده في منع تهريب السلاح من سورية إلى لبنان، سيُطرح هذا الموضوع  في النقاش اليوم في جدة، بين وزيرَي الخارجية اللبناني والسوري، فضلاً عن ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، والمرتبط ببضع نقاط، مثل قرية الغجر في مزارع شبعا، والموافقة السورية على التنازل عن أراضيها، وبصورة خاصة العمل في المناطق الحدودية القريبة من إسرائيل في مرتفعات الجولان.