معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- إسرائيل تتبنى مفهوم "إدارة الصراع إلى الأبد" مع الفلسطينيين. تؤدي خطوات إسرائيل إلى حالة من السيطرة على جميع الأبعاد والجوانب المتعلقة بالسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية (وربما أيضاً في قطاع غزة)، وهو ما يشكل، فعلياً، "دولة واحدة" بين نهر الأردن والبحر. بناءً عليه، هناك حاجة إلى النظر في نماذج بديلة تمنع تحمُّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية (وأيضاً في قطاع غزة، الذي يبدو أن إسرائيل في طريقها إلى احتلاله).
- أحد هذه النماذج هو نموذج الحكم الذاتي، وهو ترتيب سياسي يتيح لمجموعة متميزة داخل دولة ما التعبير عن هويتها الخاصة، ولا سيما عندما تكون هذه المجموعة تشكل أغلبية في منطقة معينة ومحددة. الحكم الذاتي لا يعادل السيادة الكاملة، بل يركز على منح صلاحيات حكم محددة لمجموعة معينة، مع الحفاظ على وحدة الدولة (بحسب البروفيسورة روت لابيدوت). تكمن المشكلة في مصطلح "الحكم الذاتي" في أنه يشير إلى علاقة ارتباط بين هذا الكيان ودولة إسرائيل، في حين أن إسرائيل تسعى، في الأساس، للابتعاد عن واقع "الدولة الواحدة". لذلك، من المفضل استخدام هذا المصطلح "كيان فلسطيني ذو سيادة محدودة".
- والمقصود بـ"سيادة فلسطينية محدودة في الضفة الغربية"، تسوية سياسية- إقليمية، قد تشكل حلاً معقولاً في الوضع الراهن من الناحية الأمنية، بالنسبة إلى إسرائيل، في ظل ازدياد الضغوط الدولية والإقليمية عليها لطرح مسار تسوية مع الفلسطينيين، إذ لا تتوفر لدى كلا الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، الشروط اللازمة لاستئناف مفاوضات من أجل تسوية شاملة. كذلك، يسود إسرائيل فهم (قائم على أسس) بأن السيادة الفلسطينية الكاملة قد تشكل تهديداً أمنياً خطِراً، والساحة متوترة، وبالإضافة إلى الحرب المستمرة في قطاع غزة، تزداد احتمالات اندلاع مواجهة واسعة في الضفة الغربية أيضاً.
- الفكرة المركزية: هي أن إسرائيل لا تسيطر على السكان الفلسطينيين، وتشكل واقعاً من الانفصال السياسي، والجغرافي، والديموغرافي، لكن من دون انفصال أمني عن الفلسطينيين. سيتولى الفلسطينيون الحكم بأنفسهم، وفي الوقت ذاته، تحافظ إسرائيل على هويتها كدولة يهودية وديمقراطية.
- البعد الإقليمي: سيغطي نطاق السيادة الفلسطينية المحدودة المناطق "أ" و"ب" القائمة، ويمكن توسيعه من خلال نقل أراضٍ من المنطقة "ج" (حتى 8%) إلى السلطة الفلسطينية، بهدف توحيد السيطرة الفلسطينية في عدة مجالات: أن تشمل أغلبية مطلقة (أكثر من 99%) من السكان الفلسطينيين المقيمين بالضفة الغربية، وتخلق تواصلاً مرورياً، وتخصيص مناطق للإنتاج، وأراضٍ زراعية، ومحاجر. إن تحديد الحدود والتواصل الإقليمي، يتيحان ترسيم حدود مادية، وحاجزاً أمنياً بين الأراضي الواقعة تحت سيطرة الكيان الفلسطيني وبقية أراضي إسرائيل، وتثبيت نقاط عبور، مع مراقبة على دخول وخروج الأشخاص و/أو البضائع.
- الصلاحيات: سيُمنح الحكم الفلسطيني صلاحيات في أوسع نطاق ممكن من المجالات: الإدارة ومؤسسات الحكم، وصلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية فيما يتعلق بكافة جوانب الحياة داخل الأراضي الخاضعة للحكم الذاتي، وصلاحيات في القضايا المتعلقة بالبنى التحتية، والجوانب المتعلقة بالأمن الداخلي، ونظام تنفيذي يشمل الشرطة والمفتشين، وكذلك السلطات القضائية، وسيكون في الإمكان انتخاب الحكومة الفلسطينية من جانب السكان الفلسطينيين المقيمين بنطاقها.
- الآثار المترتبة على السلطة الفلسطينية: لن يتغير وضعها كسلطة مستقلة تمثل الشعب الفلسطيني، حتى وإن كانت تقدم نفسها على المستوى الدولي كـ"دولة". لكن احتمال موافقة السلطة الفلسطينية على سيادة محدودة كحلّ دائم للنزاع، مع التنازل عن السيادة الكاملة، ضئيل للغاية، ولذلك، سيكون من الضروري إقناع قادتها بأن الحديث يدور حول فترة انتقالية، يتم خلالها تحسين نسيج حياة الفلسطينيين.
- قطاع غزة: سيُعتبر منطقة منفصلة، بإدارة من التكنوقراط متصلة بالسلطة الفلسطينية، وبدعم عربي مشترك. هذا الوضع سيتيح تحديد ترتيبات مختلفة بخصوص القطاع. في المستقبل، وعندما تنفّذ السلطة الفلسطينية الإصلاحات المطلوبة، وتثبت قدرتها على الحوكمة الفعالة في الضفة الغربية، سيكون في الإمكان اعتبار غزة إقليماً ضمن إطار الكيان الفلسطيني.
- الاستجابة الأمنية الإسرائيلية: ستستمر العقيدة العملياتية الحالية، في الاعتماد على ما يلي:
- رصد استخباراتي شامل ومتعدد المجالات، من أجل إحباط تنظيمات وعمليات "إرهابية"، وكذلك منع سيطرة حركة "حماس" وعناصر متطرفة أُخرى على الكيان الفلسطيني.
- سيطرة أمنية متواصلة، وحرية عمل عملياتي للجيش الإسرائيلي في كامل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن، بهدف إحباط نموّ بنى تحتية "إرهابية" وتهديدات، وتحييد انتفاضات قومية، وتقليص الجريمة.
- سيكون لإسرائيل الحق في تطبيق الترتيبات الأمنية، وعلى رأسها نزع قدرات عسكرية من المنطقة الفلسطينية.
- الرقابة وإحباط تهريب الأسلحة، من خلال السيطرة الإسرائيلية على الغلاف الأمني والمعابر.
- دعم الدول العربية المعتدلة: قد تكون الدول العربية المعتدلة أكثر انفتاحاً على فكرة السيادة المحدودة، ولا سيما في الواقع الذي نشأ بعد السابع من أكتوبر، بشرط الحفاظ على أفق حلّ "دولتين لشعبين". وفي إطار المحادثات بشأن تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، يمكن أن يشكل هذا النموذج رداً على المطلب السعودي بشأن بلورة مسار سياسي عملي لحلّ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وإقامة حُكم فلسطيني مستقل.
- قد يحقق تطبيق هذا النموذج توازناً مثالياً في ظل الظروف الراهنة بين الحاجات الأمنية لإسرائيل وبين ما تكون إسرائيل مستعدة لمنحه للفلسطينيين، بهدف رفع عبء السيطرة المدنية عن كاهلها تجاه السكان الفلسطينيين، وكذلك رسم أفق سياسي، على الرغم من التوقعات أن ينطوي التطبيق على مواجهة تحديات غير بسيطة تتعلق بالاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.
مبادئ السيادة الفلسطينية المحدودة
- ستبقى إسرائيل تسيطر سيطرة أمنية كاملة، ويترتّب على ذلك:
- عدم وجود جيش فلسطيني: لن يُسمح بإنشاء جيش فلسطيني، أو قوة ميليشياوية مستقلة، بل ستكون لقوات الأمن الفلسطينية صلاحيات تتعلق بالأمن الداخلي والشرطة المدنية وحفظ النظام العام فقط.
- حرية العمل العملياتي لإسرائيل: ستحتفظ إسرائيل بحقها في العمل داخل جميع مناطق الكيان الفلسطيني لإحباط "الإرهاب"، وتفكيك البنى التحتية "الإرهابية"، ومنع التنظيمات المعادية.
- السيطرة الإسرائيلية على الغلاف الأمني: سيطرة أمنية إسرائيلية على الغلاف الخارجي للكيان الفلسطيني، بما في ذلك الحدود مع الأردن ومصر، سيطرة كاملة، وتفتيش أمني إسرائيلي على المعابر الحدودية البرية والجوية والبحرية.
- السيطرة الإسرائيلية على المجال الجوي: تسيطر إسرائيل على المجال الجوي الفلسطيني لمنع اختراق طائرات معادية، أو سوء استخدام للطائرات المسيّرة، والطائرات من دون طيار، وغيرها من وسائل الطيران، وقد تسمح إسرائيل بإنشاء مطار تابع للكيان الفلسطيني (على سبيل المثال، في وادي هيركانيا، شرقي القدس)، وفقاً لاعتبارات الأمن والسلامة، مع رقابة وتفتيش أمني إسرائيلي كامل في المطار، باعتباره معبراً جوياً حدودياً.
- السيطرة على المجال البحري: لن يُسمح للفلسطينيين بامتلاك قوة بحرية، أو حرس حدود مستقل؛ ستخضع جميع النشاطات البحرية لرقابة سلاح البحرية الإسرائيلي، بما في ذلك حركة البضائع والأشخاص، عبر البحر، ومناطق الصيد المسموح بها.
- السيطرة على المجال الكهرومغناطيسي: بما في ذلك شبكات الاتصالات الخلوية والإنترنت في أراضي الكيان الفلسطيني. وستخصص إسرائيل الترددات للاستخدام الفلسطيني.
- تقييد القدرة على توقيع تحالفات عسكرية واتفاقيات دولية: لن يُسمح للكيان الفلسطيني بتوقيع اتفاقيات أمنية، أو عسكرية، مع دول أجنبية من دون موافقة إسرائيلية.
- النظام القضائي: سيتمكن الكيان الفلسطيني من تفعيل نظام قضائي مستقل، لكنه سيكون مُلزماً بإنفاذ مبادئ مكافحة "الإرهاب"، وستكون المنظومة الأمنية الإسرائيلية مخوّلة محاكمة فلسطينيين، على خلفية مخالفات أمنية خطِرة.
مزايا النموذج
- الحفاظ على الحاجات الأمنية الإسرائيلية، فتسيطر إسرائيل على جميع المناطق الأمنية، وستتمكن من إحباط تهديدات "إرهابية" وعسكرية، وفرض نزع السلاح داخل أراضي الكيان الفلسطيني.
- الإدارة الذاتية للفلسطينيين، إذ سيتمكن الفلسطينيون من إدارة شاملة لشؤونهم المدنية.
- الاستقرار، سيكون في استطاعة إسرائيل منع قيام دولة فلسطينية معادية، أو سيطرة "حماس" عليها، أو أن تتحول إلى قاعدة للعدوان ضد إسرائيل.
- أفق سياسي، تَظهر إسرائيل من خلال هذا النموذج أنها لا تنوي السيطرة على السكان الفلسطينيين، أو إسقاط السلطة الفلسطينية، أو ضم أراضيها إلى إسرائيل. وبهذا، يزول العائق أمام تقدُّم عملية التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وتوسيع اتفاقيات أبراهام.
السلبيات
- عدم الرضا الفلسطيني، إذ يتمسك الفلسطينيون بحقهم في السيادة الكاملة، وقد يستمرون في النضال السياسي والقانوني، ويمكن أن يلجأوا إلى "العنف والإرهاب"، بهدف تحقيق هدف الاستقلال السياسي.
- الاحتكاك بين السكان: سيستمر الاحتكاك المحتمل بين السكان الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية والمستوطنين الإسرائيليين، في ظل صعوبة الفصل بينهم في الوضع القائم.
- الضغط الدولي: عاجلاً أم آجلاً، ستواجه إسرائيل ضغطاً من المجتمع الدولي للسماح بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة.
- الاعتماد الاقتصادي: من المرجح أن يبقى الكيان الفلسطيني معتمداً على إسرائيل اقتصادياً.
المنطق الاستراتيجي للكيان الفلسطيني ذي السيادة المحدودة
- يدعم نموذج الكيان الفلسطيني ذي السيادة المحدودة رؤية إسرائيل، كدولة يهودية وديمقراطية وآمنة ومزدهرة، ويجب عرضه وفهمه كتسوية انتقالية في الطريق نحو اتفاق شامل. ومن أجل ضمان تنفيذه، سيتعين على إسرائيل مواصلة تعزيز التعاون الأمني مع الأطراف الإقليمية، وتحسين ظروف الحياة والوضع الاقتصادي في أراضي الكيان الفلسطيني بشكل ملموس، والتعاون مع أجهزة الأمن الداخلي والشرطة الفلسطينية، وتقديم النموذج كمرحلة انتقالية تساهم في تعزيز استقرار طويل الأمد، حتى ينضج الطرفان للدخول في مفاوضات بشأن تفاصيل السيادة الفلسطينية الكاملة التي لن تشمل، في أيّ حال، امتلاك قوات، أو قدرات عسكرية.
- في هذه المرحلة، من المناسب تعزيز الحوار مع الدول العربية بهدف فحص مدى استعدادها لدعم هذا النموذج، بصفته أداة تتيح المضيّ قدماً في عملية التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وتوسيعها إلى تحالف إقليمي يضم الدول العربية المعتدلة، والولايات المتحدة، وإسرائيل، ويشكل جزءاً منه. في الخلفية، يُتوقع أن تدعم الدول العربية المعتدلة الكيان الفلسطيني، اقتصادياً ووظيفياً وتعليمياً، من خلال تعزيز التسامح واقتلاع التطرف.