3 أحداث وهاجس مشترك: الخطر الذي يهدد الاقتصاد الإسرائيلي
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– العدد 1974، 8/4/2025
المؤلف
  • ارتفعت المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة نتيجة 3 أحداث وقعت بالتوازي: انتهاء وقف إطلاق النار في قطاع غزة والعودة إلى القتال، وإقرار ميزانية دولة إشكالية لسنة 2025  وإقالة الجهات الرقابية، وعودة "الانقلاب القضائي". هذه الأمور كلها تطرح علامات استفهام بشأن المسؤولية المالية لحكومة إسرائيل بشكل عام، وبشأن تمويل الحرب بشكل خاص.
  • الحدث الأول هو العودة إلى القتال في منتصف شهر آذار/مارس، حين أدت عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة ولبنان إلى تجديد التهديد الصاروخي لإسرائيل، فضلاً عن هجمات الحوثيين من اليمن. وبالإضافة إلى عنصر عدم اليقين الملازم لهذه المرحلة من الحرب وأهدافها، فإن عودة القتال تعيق أيضاً عمل الاقتصاد الذي بدأ بالعودة إلى طبيعته في الأسابيع السابقة. فعلى سبيل المثال، تؤثر العودة إلى القتال سلبياً في النمو الاقتصادي في إسرائيل نتيجة استدعاء جنود الاحتياط: إذ ستضطر الشركات مجدداً إلى إيجاد بدائل من أولئك الموظفين الذين سيتم استدعاؤهم إلى الخدمة في الاحتياط، كما أن التكاليف المرتبطة بتجنيد جنود الاحتياط تزداد أيضاً.وأظهر بحث أجرته وزارة المال في سنة2024 أن التكلفة الاقتصادية لجندي الاحتياط تبلغ نحو 48 ألف شيكل شهرياً. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2024، قدّر محافظ بنك إسرائيل، البروفيسور أمير يارون، أن التكلفة الاقتصادية المترتبة على عدم تجنيد الحريديم تبلغ نحو 10 مليارات شيكل سنوياً (ما يعادل نحو 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي). حسبما ورد في التقرير السنوي لبنك إسرائيل الذي نُشر في آذار/مارس 2025:

https://www.boi.org.il/publications/regularpublications/financial_statements/financialreport2024/

  • كذلك، يشير التقرير إلى أنه لن يكون في الإمكان العودة إلى القتال بوتيرة عالية من دون اتخاذ خطوات جوهرية، بما في ذلك تقليصات إضافية ورفع الضرائب.
  • يوضح الرسم البياني 1 أن تمويل الحرب، حتى الآن، تطلّب اقتراضاً هائلاً، تجاوز حتى حجم الاقتراض خلال أزمة كورونا في سنة2020،إذ بلغ حجم الاقتراض في سنة2024 نحو 278 مليار شيكل، مقارنةً بـ265 مليار شيكل في سنة2020. وكما يمكن أن نرى في الرسم البياني، فإن هذا الاقتراض، إلى جانب نموّ شبه معدوم في الناتج المحلي الإجمالي، أدى إلى ارتفاع كبير في نسبة الدين إلى الناتج، من 60% في سنة2022 إلى 69% في سنة2024.
رسم بياني
  • الحدث الثاني الذي يزعزع استقرار الاقتصاد الإسرائيلي هو مصادقة الكنيست على أكبر ميزانية دولة على الإطلاق، بقيمة تقارب 620 مليار شيكل. من الناحية الظاهرية، يُفترض أن يكون إقرار ميزانية الدولة مؤشراً إيجابياً إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي. ومع ذلك، فإن الميزانية التي أُقرَّت تُعد إنجازاً  لحكومة بنيامين نتنياهو، لكنها تمثل فشلاً اقتصادياً للدولة.
  • أشار بنك إسرائيل ووزارة المال، مراراً، إلى أن أولويات الحكومة الحالية لا تتماشى مع التحديات الاقتصادية التي تواجه إسرائيل، لذلك، من غير المفاجئ وجود فجوة كبيرة بين توصيات الجهات المهنية لميزانية 2025 وبين الميزانية التي أُقرَّت فعلياً.فالميزانية مليئة بالإجراءات التقشفية التي تستهدف السكان العاملين في إسرائيل، بما في ذلك رفع رسوم التأمين الوطني، وتجميد شرائح ضريبة الدخل، وتقليص أيام الاستراحة (الاستجمام)، ورفع ضريبة القيمة المضافة، وهي أمور قد تؤثر سلباً في مستوى الطلب في الاقتصاد. كذلك، تشمل الميزانية تقليصات شاملة في ميزانيات التعليم والصحة والرفاه.
  • في المقابل، تفتقر الميزانية إلى محركات نموّ رئيسية، ولا تتضمن تقليصاً ملموساً في الأموال الائتلافية التي لا لزوم لها، ولا تشمل الأموال التي تم التعهد بها في إطار "قانون النهضة" لإعادة تأهيل غلاف غزة والشمال، وبدلاً من البنود التي قد تشجع على النمو والانخراط في سوق العمل، تحتوي الميزانية على مخصصات مالية تُمنح في إطار الاتفاقيات الائتلافية، تحفّز على عدم الخدمة في الجيش الإسرائيلي وعدم الانخراط في سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك، فإن توزيع الأموال على المؤسسات المعفاة من تدريس مناهج التعليم الأساسية في جهاز التعليم الحريدي (المدارس الدينية اليهودية) يعمّق ويكرّس المشكلة، إذ إن التعليم الذي يتلقاه الطلاب في هذه المؤسسات لا يعزز قدرتهم المستقبلية على الكسب.
  • في الخلاصة، وعلى الرغم من تعهّد وزير المال بتسلئيل سموتريتش في كانون الأول/ديسمبر 2024 أن العجز في الميزانية لن يتجاوز 4%، فإن الهدف المخطط للعجز في الميزانية التي تم إقرارها يقف فعلياً عند 4.9%، وذلك بعد عامين لم تتمكن فيهما إسرائيل من الالتزام بالوصول إلى هدف  العجز المخطط، وذلك  بسبب الحرب، إذ بلغ العجز 4.1% في سنة2023 و6.8% في سنة2024.هذا كله أدى إلى زيادة كبيرة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل، من مستوى 60% إلى مستوى 70% خلال فترة زمنية قصيرة (انظر الرسم البياني 1). وإذا ما تم تنفيذ خطة رئيس الأركان الجديد، إيال زامير، بشأن إعادة احتلال قطاع غزة، فسيرتفع العجز ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير.
  • الحدث الثالث هو عدم الاستقرار السياسي، المصحوب بعودة "الانقلاب القضائي" ومحاولات إقالة المستشارة القضائية للحكومة ورئيس الشاباك. منذ اندلاع الحرب، خفّضت ثلاث وكالات تصنيف ائتماني التصنيف الائتماني لإسرائيل، وأشارت في كلّ تقرير من التقارير التي أصدرتها منذ الانتخابات، في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، إلى القلق من عدم الاستقرار السياسي وازدياد الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي. وخلال العام الماضي، هاجم وزير المال بتسلئيل سموتريتش في عدة مناسبات قرارات وكالات التصنيف الائتماني، مدعياً أن هذه الوكالات تتعامل مع قضايا غير اقتصادية، وأنه يتوقع نمواً عالياً للاقتصاد الإسرائيلي بعد انتهاء الحرب، لكن هذا الادعاء يحمل في ثناياه مشكلة جوهرية، إذ تُظهر أدبيات واسعة في علم الاقتصاد أن المؤسسات الاقتصادية والسياسية تؤثر في النمو والازدهار في الدول.فعلى سبيل المثال، أظهر حائزو جائزة نوبل في الاقتصاد في سنة2024 (دارون أسيموغلو، وسيمون جونسون، وجيمس روبنسون) أن الدول ذات المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون المستقرة تميل إلى الازدهار اقتصادياً، في حين أن الدول ذات المؤسسات الضعيفة تجد صعوبة في تحقيق نموّ اقتصادي ملحوظ في المدى الطويل. وبمعنى آخر، حتى من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن إضعاف السلطة القضائية يؤثر في التصنيف الائتماني للدولة.لذلك، فإن وكالات التصنيف مُلزمة بأخذ القضايا السياسية في كلّ دولة تخضع لتقييمها بعين الاعتبار من أجل تقييم المخاطر المستقبلية على الاقتصاد، وفي المحصلة النهائية، فإن عدم الاستقرار السياسي يساهم في رفع تكاليف تمويل الدين، والدليل على ذلك كان الارتفاع في علاوة المخاطرة في إسرائيل في سنة2023، أي قبل بدء الحرب.
  • من أجل فهمٍ أفضل لتأثير العمليات الثلاث، التي تحدث في آنٍ واحد،في المتانة المالية لإسرائيل، كما تُرى perceivedفي أعين المستثمرين الدوليين، من المفيد النظر إلى عقود مبادلة مخاطر الائتمان (Credit Default Swaps - CDS).هذا عقد مالي يُستخدم كأداة للحماية من تقلبات الإفلاس، أو بشكل أبسط: هو تأمين ضد خطر عدم سداد الدين، فكلما ارتفع معدل الـ CDS لدولة ما، كلما دلّ ذلك على وجود مخاوف أكبر لدى المستثمرين بشأن الاستقرار الاقتصادي لتلك الدولة.هذا المؤشر يتغير يومياً، وبالتالي يقدم نظرة فورية إلى مستوى مخاطر الائتمان المرتبطة بالدول.
  • يعرض الرسم البياني 2 تطوّر عقود مبادلة مخاطر الائتمان (CDS) للسندات الإسرائيلية ( بالدولار) مدة 10 أعوام منذ الأول من كانون الثاني/يناير 2023، ويُظهر أن معدل الـCDS لإسرائيل بدأ بالارتفاع بشكل معتدل في بداية سنة2023، ثم قفز بشكل حاد مع اندلاع الحرب، وواصل الارتفاع لاحقاً، لكن بوتيرة معتدلة خلال السنة الأولى من الحرب.وفي أعقاب الضربة الإسرائيلية ضد إيران في تشرين الأول/أكتوبر 2024 والإنجازات التي رافقتها، انخفض معدل الـCDS بشكل حاد، ثم واصل الانخفاض في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، لكن مع استئناف القتال في قطاع غزة في بداية آذار/مارس 2025، عاد معدل الـCDS الإسرائيلي إلى الارتفاع.المغزى العملي من هذا "الارتفاع" هو أن الأسواق تُقدر وجود احتمال كبير لحدوث تعثّر مالي (عجز عن السداد) في إسرائيل.

 

الرسم البياني 2: تطوُّر عقود مبادلة مخاطر الائتمان (CDS) للسندات الإسرائيلية ( بالدولار) مدة 10 أعوام.

رسم بياني
  • يميل هذا المؤشر (CDS) إلى استباق قرارات وكالات التصنيف الائتماني. فعلى سبيل المثال، قامت وكالة موديز بخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل في شهرَي شباط/فبراير وأيلول/سبتمبر2024، وذلك بعد فترة طويلة من القفزة في معدلات الـCDS.عموماً، انخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل من الدرجة A1 قبل الحرب إلى الدرجة الحالية Baa1 ، مع نظرة مستقبلية سلبية، وهي درجة قريبة جداً من Ba1، التي تُعتبر فيها السندات "سندات خردة".قد يؤدي الانخفاض إلى هذا المستوى بإسرائيل إلى أزمة مالية تجد فيها صعوبة في جمع التمويل من الأسواق المالية لتغطية نفقاتها، بما في ذلك نفقات الحرب.
  • الجدول 1 يوضح هذا الخطر، وإمكان أن تقوم وكالات التصنيف الائتماني بخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل مرة أُخرى. يعرض الجدول معدلات الـCDS للسندات الحكومية لمدة 10 أعوام لعدد من الدول، إلى جانب تصنيفها الائتماني، وفقاً لوكالة موديز.ويُظهر الجدول أن المستثمرين يقدّرون أن مستوى الخطر المرتبط بالسندات الإسرائيلية، حسبما ينعكس في معدل الـCDS، أعلى مما يعكسه التصنيف الائتماني الرسمي للدولة.فعلى سبيل المثال، التصنيف الائتماني لإسرائيل أعلى من تصنيف كلٍّ من إيطاليا واليونان والهند، ولذلك، ووفقاً لتقييم وكالة موديز، يُفترض أن تكون السندات الإسرائيلية أقلّ خطورةً من سندات تلك الدول.لكن بخلاف ذلك، وبحسب مؤشر الـCDS (الذي يتغير في كل لحظة، ويميل إلى التنبؤ بتخفيضات قادمة في التصنيف الائتماني)، تُعتبر السندات الإسرائيلية، من وجهة نظر المستثمرين، أكثر خطورةً من سندات الدول الأُخرى المذكورة.
جدول

جميع البيانات في الجدول صحيحة حتى 31 آذار/مارس 2025

  • في الختام، إن الصورة الاقتصادية التي تتشكل نتيجة تزامُن الأحداث الثلاثة التي تم تحليلها في هذه المقالة، لا تبشر بالخير. لا يُقصد من ذلك القول إن الأسواق الدولية هي التي تُجبر إسرائيل على اتخاذ قرارات غير مسؤولة في مجال الأمن القومي للدولة، ومع ذلك، من المهم التأكيد أن قادة الدولة يجب أن يأخذوا في الحسبان أن الأمن القومي لإسرائيل مرتبط أيضاً بالطريقة التي تنظر فيها الأسواق المالية إليها.فمن وجهة نظر الأسواق المالية، إسرائيل غارقة في دوامة من الاضطرابات الأمنية والسياسية والاجتماعية، وكل ذلك لا يحدث من فراغ، فهذه العمليات الثلاث تجري على خلفية حروب تجارية، وحالة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، في ظلّ السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب.وبسبب الحروب التجارية، نشهد تراجعاً في الأسواق المالية العالمية، وهناك مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي، وربما حتى من ركود تضخمي قد يحدث في سنة2025، وسيواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات أكبر كثيراً إذا تحققت هذه السيناريوهات.لذلك، ينبغي على إسرائيل أن تصغي بعناية للمؤسسات المالية الدولية، وأن تتبنى نهجاً أكثر حذراً في هذه الفترة، وأن تسعى، بقدر الإمكان، لتقليص عناصر عدم اليقين التي تُثقل كاهل اقتصادها.
 

المزيد ضمن العدد