أبعد ما يكون عن "رفض الخدمة العسكرية": الحقيقة وراء عرائض جنود الاحتياط
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • بعكس ادعاءات "آلة بث السموم"، فإنه لا توجد في عريضة جنود الاحتياط أي دعوة إلى رفض الخدمة العسكرية. ماذا يوجد فيها؟ يوجد فيها تعبير واضح عن فقدان الثقة الكلي في رئيس الحكومة والحرب السياسيّة التي يُديرها في غزة. إن قوات الاحتياط - جنوداً وضبّاطاً - ليسوا عمياناً، إنما يقرؤون الواقع جيداً، ولا ينجرّون وراء الشعارات الفارغة كـ"النصر المُطلق"، ولم يعودوا يصدّقون الشعارات بشأن إعادة المخطوفين. وانعدام الثقة هذا خطِر أكثر كثيراً من المطالبات بعدم الامتثال للخدمة، لأنه عندما يتضح أن المخطوفين الأحياء قُتلوا في خطوة قادتها الحكومة، فإن الأزمة ستكون أخطر كثيراً.
  • نتنياهو أخطأ، وكتّاب العرائض ليسوا "أعشاباً ضارة"، إنهم أفضل ما في هذه الدولة؛ هم الطبق الفضي والقاطرة التي تقود إسرائيل والجيش في السلم والحرب. إنهم ذاتهم الذين رأوا الكارثة تقترب حين جرى الدفع بالانقلاب الدستوري، وحذّروا من هذه الأفعال. وحده الانغلاق والاستعلاء هو ما قادنا إلى كارثة 7 تشرين الأول/أكتوبر، وليسوا هُم. رئيس الحكومة هو المسؤول، والآن يكرر الإخفاقات ذاتها التي قادتنا إلى الكارثة. إنها الحسابات الغريبة ذاتها التي وجّهته سابقاً وجعلت من وضعه أخطر، والآن لديه مزيد من الأسباب التي تدفعه إلى الهروب وتوجيه أصابع الاتهام والكراهية إلى كُل من يقول له الحقيقة ولا يمطره بالإطراءات.
  • يجب ألاّ نبحث عن "الأعشاب الضارة" بعيداً، إنهم يتواجدون حول رئيس الحكومة، وَهُم مجموعة من المتملقين تزرع السموم والكراهية والتفرقة وتُحيط به. لم يسبق في تاريخ إسرائيل كُلها أن شهدنا حكومة منتفخة وغير مجدية إلى هذا الحد، وتتضمن أشخاصاً بلا عامود فقري يتمسّكون بالسُلطة.
  • يدّعي رئيس الحكومة أن الشعب اختاره، لكن 70% من هذا الشعب لا يصدّقه، إنما لا يصدّقون أنه يعمل من أجل إعادة المخطوفين، ولا يصدقون الميزانية غير المسؤولة، ويطالبون بلجنة تحقيق رسمية، ويعرفون جيداً أنه لن يتحمل المسؤولية أبداً.

يستغلّون وطنية الجمهور

  • هذه الحرب كاذبة ولا تهدف فعلاً إلى إعادة المخطوفين، إنما تهدف إلى احتلال قطاع غزة كخطوة للمحافظة على الائتلاف، وبالتالي، فإنها ليست حرباً شرعية، إنما هي حرب بلا إجماع، وعاجلاً أم آجلاً ستفقد بقايا الدعم في الجمهور الإسرائيلي. وهذا قبل الحديث عن الجيش الذي يُرغَم على القتال في حرب تتناقض مع أهدافها. هذا استغلال للجنود الذين يُريدون إعادة إخوانهم بكُل صدق إلى منازلهم وَهُم غير مستعدّين للتنازل عنهم والذين تربّوا على عدم ترك المصابين ولا الأصدقاء في أَسْرِ العدو. إنهم يعرفون أنهم يمكن أن يكونوا مكانهم، ونتنياهو يفهم هذا جيداً، لذلك يوزّع الشعارات بأن هدف القتال هو إعادة المخطوفين، ويعمل في الوقت نفسه على احتلال غزة وإفشال خطوات إعادة المخطوفين.
  • لا توجد قسوة أكبر من استغلال الصدق والوطنية والإيمان الأعمى وتصريحات الجنود والمواطنين الصادقة، في الوقت الذي يعبّر فيه القائد نفسه عن عدم الثقة في الدولة التي يترأسها وفي مؤسساتها. إنه يصرّح يوماً بعد يوم بوجود "دولة عميقة"، ويهاجم مؤسسات الدولة ومن يُدير هذه المؤسسات، ويرفض مبدأ فصل السُلطات. أين رأينا سابقاً رئيس دولة يقف على منابر دولية ويهاجم دولته؟ الأشخاص الذين كانوا فخورين جداً بإسرائيليتهم يواجهون صعوبة اليوم في تصديق انعدام المسؤولية الذي يحدث أمامهم، ويتساءلون إلى أي مناطق مظلمة سنصل لاحقاً.
  • عقيدة الأمن الإسرائيليّة دائماً ما كانت تخصص مكاناً للوقت كأساس للاستراتيجيا وقياس النجاح أو الفشل، ولذلك كانت الرؤية الأساسية هي السعي لـ"حروب قصيرة". سابقاً، تم التعامل مع الحروب التي امتدت لأسابيع على أنها حرب طويلة عبّرت عن ضعف الجيش في الحسم. أمّا هذه الحرب في المقابل، فقد تجاوزت كُل معيار البعد الزمني، وتُدار من شعار إلى شعار، ومن "النصر المطلق" إلى "أصبحنا على بعد خطوة من النصر" والآن "المفاوضات تحت النار". وأسبوع بعد أسبوع، يتحوّل إلى شهر بعد شهر ونحن نقاتل منذ عام ونصف العام العدو الأضعف أمامنا؛ "حماس". هذه الحرب ليست معقولة وغير منطقية، وتعبّر ببساطة عن إحباط الذين يعدوننا بالأمور الكبيرة ويواجهون صعوبة في تحقيقها. أساساً، هذه حرب سياسية يتطابق جدولها الزمني مع جدول حياة الائتلاف، ومعزولة عمّا يحدث في منطقة القتال.

ما الذي نُقاتل من أجله؟

  • الشرعية الوحيدة هي شرعية المخطوفين، لكن نتنياهو لا يستطيع إعادتهم إلاّ بالعودة إلى مخطط الاتفاق الذي قرر خرقه. نتنياهو يفضّل استنزاف الجيش وعدم إعادة المخطوفين، وهو ما يُمكن أن ينهي له الحرب مبكراً، والجيش فعلاً يُسْتَنْزَفُ.
  • وهيئة الأركان الجديدة، لأنها تُريد إثبات ذاتها وقدرتها على تحقيق إنجازات أفضل، تعمّق حالة التخبّط في مستنقع غزة. ومرة تلو الأُخرى، يعود الجيش إلى المناطق ذاتها التي تواجد فيها، ويقتل مزيداً من "المخربين" بعد الآلاف الذين قتلناهم. ومن دون أهداف وجدول زمني للوصول إليه، لا يُمكن حتّى قياس نجاح الجيش، والواقع يبدو مختلفاً الآن؛ فوظيفة رئيس هيئة الأركان هي أن يطلب من الحكومة وضع أهداف واضحة يمكن قياسها وجدول زمني يمكن التزامه. هذا واجبه أمام الجنود الذين يجب أن يعرفوا من أجل ماذا يقاتلون. وبدلاً من ذلك، فإن الجيش يؤخذ في حرب غير واضحة إلى طريق بلا هدف واضح للعيان.
  • حتى لو نجح المصريّون في إقناع "حماس" بتنفيذ دفعة أُخرى من الصفقة، فيبدو أن رئيس الحكومة لا يُريد التزام هذا الاتفاق، فطموحه هو الحصول على بضعة مخطوفين، وتهدئة الجمهور قليلاً وتحسين الأرقام التي تستغلها أبواقه للتفاخر بها في الإعلام، وكأن المخطوفين ليسوا إلاّ أرقاماً. إنه معزول، ولا يملك مشاعر ولا تضامناً، ولا يتعاطف مع مشاعر الجمهور.
  • من واجب الشعب أن يقول كلمته بكُل الطرق القانونية، ولا حق له في خرق القانون كما تفعل الحكومة. يجب أن يكون الجمهور أفضل كثيراً من مستوى قياداته التي فقدت الشرعية منذ زمن. ويجب القيام بكُل ما هو ممكن لإجراء الانتخابات الآن، لا يوجد لدى الشعب الكثير من الوقت، ولديه الكثير ليخسره عندما يسرقون أمواله ويضعون حريته في خطر ويرسلون أبناءه وبناته إلى حروب ليست ضرورية.

 

 

المزيد ضمن العدد