الضم في حماية الكورونا (الجزء الثاني)

 

  • فيما يتعلق بردود محتملة على خطوة ضم من طرف واحد من جانب إسرائيل، هناك تقديران متعارضان:
  • التقدير الأول يقول إنه لن يحدث شيء دراماتيكي، مثلما لم تحدث هزة أرضية (بخلاف المخاوف والتحذيرات)، بعد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وقد جرى تفسير الرد البسيط على هذه الخطوة بانشغال الساحة الدولية بصورة عامة، والإقليمية بصورة خاصة، بموضوعات ونزاعات أكثر اشتعالاً. وهذه المرة، بالإضافة إلى انشغال العالم بوباء الكورونا، لوحظ في السنوات الأخيرة تعب من الانشغال بمحاولة الدفع قدماً بتسوية إسرائيلية -فلسطينية تبدو ميؤوساً منها، ولوحظ الانطباع بأن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ليس المشكلة المركزية في الشرق الأوسط. انسجاماً مع هذا التقدير، كلما كان حجم الضم صغيراُ ومحدوداً، كلما كانت معقولية نشوء عاصفة في أعقابه ضئيلة جداً.
  • التقدير الثاني ينظر بجدية إلى التهديدات برد قاس، مثل التي يسمعها ناطقون فلسطينيون، ويتوقع ضغطاً من جانب الجمهور الفلسطيني، وأيضاً من جانب الجماهير في الدول المجاورة، للقيام برد قاس، حتى بالقوة، على خطوات الضم. والتقدير هو أنه على كل خطوة ضم من المتوقع حدوث ردود فلسطينية شديدة وعنيفة، هجمات إرهابية، أعمال شغب، ومن المتوقع أيضاً تداعيات سلبية إضافية - نهاية مرحلة التنسيق الأمني بين إسرائيل والأجهزة الأمنية للسلطة؛ إلحاق ضرر شديد بعلاقات السلام بين إسرائيل والأردن، ومن المحتمل مع مصر؛ قطع العلاقات (غير الرسمية) مع دول الخليج؛ وقوف المجتمع الدولي ضد إسرائيل، وحتى إلى حد فرض عقوبات ومقاطعة لها.

أيضاً مع أن خطوات الضم، حتى لو كانت موجهة على أساس من تبصّرات وافتراضات ذكية كما أيضاً المواجهة مع أزمة الكورونا - فإنها خطوات لإدارة مخاطر في ظروف من عدم اليقين. فيما يتعلق بوباء الكورونا، تمارس حكومة إسرائيل مقاربة حذرة جداً، تهدف إلى تقليص الإصابات بالأرواح بقدر الإمكان، مع الاستعداد لدفع ثمن باهظ بمصطلحات اقتصادية ومن نسيج الحياة الاجتماعية في إسرائيل. في الموازاة، من الواضح أن العناصر السياسية التي تشكل الحكومة لا يردعها احتمال دفع ثمن سياسي وأمني باهظ، والذي من المحتمل أن يترافق مع عملية الضم، حتى لو جرى تنفيذه بموافقة – وحتى بمباركة - إدارة ترامب، وتحت حماية أزمة الكورونا - التي تعتبر فرصة للقيام بذلك، بينما اهتمام العالم موجه نحو اتجاهات أُخرى. ومن هنا، يزداد الإغراء للقيام حتى بضم أرض صغيرة الحجم، كـ"بالون اختبار"، لاختبار الردود قبل الخطوات التالية (مثلاً ضم المناطق المبنية في المستوطنات فقط، والتي تشكل 4% من الأراضي في الضفة الغربية). يمكن تشبيه خطوة كهذه إذا اتُّخذت بينما العالم مشغول بأزمة الكورونا، بـ"سرقة الجياد في الليل". لكن عملياً، فإن هذا يثبت أن ليس لدى إسرائيل نية حقيقية للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، كما أنه دليل على اعتراف إسرائيلي بأن شرعية السيادة في أراضي الضفة الغربية هي محدودة ومشروطة قبل أي شيء برئيس أميركي محدد.

علاوة على ذلك، المطلوب من دولة إسرائيل في الوقت الحالي مواجهة التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الثقيلة الوطأة، المرتبطة بالتحدي المعقد الذي تفرضه عليها أزمة الكورونا. بيْد أن السعي لتعافٍ صحي واقتصادي واجتماعي سريع لإعادة الاقتصاد والمجتمع إلى عمل فعال لا ينسجم مع الخطر الذي قد ينطوي عليه تجدد الانتفاضة، وهجمات إرهابية وإطلاق صواريخ من قطاع غزة على جنوب إسرائيل وعلى وسطها أيضاً. في حساب المخاطر، ما الأهمية التي توليها حكومة إسرائيل لإمكان انهيار السلطة الفلسطينية جرّاء عمليات الضم، أو إذا قررت "إعادة المفاتيح" إلى دولة إسرائيل؟ حينها ستضطر إسرائيل إلى تحمّل المسؤولية عن كل السكان الفلسطينيين، من كل النواحي، من دون مساعدة المجتمع الدولي (كما هو الوضع اليوم)، وأكثر من ذلك، في حال تجدد تفشي وباء الكورونا. ما حجم الاهتمام الذي تستطيع حكومة إسرائيل تخصيصه لمواجهة مباشرة مع تجدد تفشي الوباء مترافقاً مع ارتفاع كبير في الإصابات بالمرض، وفي الوفيات، وبموازاة ذلك تجدد أزمة اقتصادية وأيضاً الحرص على تأمين الحاجات الأساسية للمواطنين الفلسطينيين في أراضي الضفة الغربية التي ضُمت (نحو 20 ألف في أقل تقدير)، وفي الوقت نفسه، خوض معركة عسكرية تتطلب تعبئة قوات احتياطية؟

  • بالنسبة إلى المجتمع الدولي، فإنه حالياً مشغول بمواجهة وباء الكورونا. لكن يجب ألّا ننسى أن هذا المجتمع يعارض بشدة ضم إسرائيل مناطق في الضفة الغربية - كلها أو جزء منها، ومن المتوقع أن يظل متمسكاً بمعارضته هذه أيضاً في اليوم التالي للكورونا. من المعقول الافتراض أن الرد على هذه الخطوة في ضوء هذه الظروف سيكون بطيئاً. مع ذلك، النقد والمعارضة بالتأكيد آتيان. في كانون الأول/ ديسمبر، أعلن بنيامين نتنياهو عن فكرة الضم، من دون نية فورية أو قدرة على التنفيذ. ومع ذلك، قوبل تصريحه بشجب من قبل المدعية العامة في محكمة العدل الدولية في لاهاي. وجرى تحذير نتنياهو من قبل المستشار القانوني للحكومة د. أفيحاي مندلبليت، من أن عملية الضم يمكن أن تؤدي إلى تحقيق جنائي دولي ضد جنود وضباط في الجيش الإسرائيلي، وموظفين في الدولة، وأيضاً ضد رؤساء السلطات في الضفة الغربية بشأن نشاطات إسرائيل هناك.
  • لقد أوضحت الدول الأوروبية في الماضي مراراً وتكراراً بأنه يجب وسم المنتوجات الإسرائيلية المنتجة في المستوطنات في الضفة الغربية. أيضاً المخاطرة باتخاذ دول الاتحاد الأوروبي خطوات جزئية ضد تسويق منتوجات المستوطنات، في إثر عمليات ضم بهذا أو ذاك، هي مخاطرة لا مبرر لها.
  • أيضاً خطوات رمزية يمكن أن تتوسع وتصبح دائمة. يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضاً الضغط الاقتصادي للاتحاد الأوروبي على إسرائيل: التصدير الإسرائيلي إلى دول الاتحاد الأوروبي (بضائع) بلغ في المنتصف الأول من سنة 2019 9.1 مليار دولار - نحو 38% من مجموع التصدير الإسرائيلي.
  • بالإضافة إلى ذلك، من المهم التفكير في أنه في كانون الثاني/يناير 2021، من المحتمل أن يجلس في البيت الأبيض جو بايدن. بايدن كرر التصريح بأنه "يجب استخدام ضغط دائم على الإسرائيليين للتقدم نحو حل الدولتين." يبدو أن تطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة الغربية، تحت حماية إدارة ترامب، سيثير توترات بين إسرائيل وبين إدارة ديمقراطية ستعمل على تحديث السياسة الأميركية في هذا الموضوع.
  • في الساحة الإقليمية - شهدت العلاقات مع الأردن في الماضي صعوداً وهبوطاً، ومؤخراً شهدت في الأساس هبوطاً (كما تجلى في استعادة الأردن نهاريم بعد 25 عاماً من تأجيرها لإسرائيل من دون القدرة على التوصل إلى اتفاق بين الدولتين لتمديد الإيجار)، ومن المتوقع أن تتزعزع هذه العلاقات إلى حد تعريض اتفاق السلام لخطر ملموس.
  • من المتوقع أن يؤدي الضم إلى وقوف عربي وإسلامي علني إلى جانب الفلسطينيين وتأييد معارضتهم للعملية، على غرار الوقوف ضد خطة ترامب، على الرغم من توقعات مغايرة لواضعي الخطة في الإدارة، وكان تقدير أصدقاء الولايات المتحدة في العالم العربي هو أن تحقيق الخطة هو سيناريو غير معقول، لذا لا يوجد سبب للشجار مع الإدارة بإدانته. أيضاً على الرغم من ظهور تعب من القضية الفلسطينية، ستضطر الأنظمة إلى الاستجابة لضغط الشارع الذي سيعتبر عملية الضم عدواناً، ليس فقط على الشعب الفلسطيني، بل على الأمة العربية كلها. صحيح أنه في العقد الأخير لوحظ في العالم العربي رغبة متبادلة في تشجيع العلاقات مع إسرائيل على أساس مصالح استراتيجية مشتركة، لكن لا يمكن أن نستخلص من ذلك وجود قاعدة صلبة من ناحية دول المنطقة لقبول خطوة ضم من طرف واحد من إسرائيل.

خلاصة

  • من المعقول أيضاً أنه في 1 تموز/يوليو 2020ـ التاريخ المحدد للدفع قدماً بتطبيق السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية، المذكور في الاتفاق الائتلافي الذي ستؤلَّف الحكومة الجديدة على أساسه (يبقى الموعد ساري المفعول أيضاً في حال لم تؤلَّف حكومة جديدة ومواصلة الحكومة الموقتة عملها برئاسة نتنياهو) ستكون إسرائيل ما زالت في مواجهة مع وجود وباء الكورونا، ومع تداعياته السلبية على الاقتصاد والمجتمع.
  • من أجل مواجهة التحديات السياسية والأمنية في آن معاً، المطلوب البحث في دلالات تطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة الغربية، أي الضم، على مختلف المستويات - الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية والسياسية. هذه الدلالات تتلخَّص فيما يلي ببديلين:
  • البدء بتطبيق القانون/السيادة فقط على مناطق المستوطنات بحجم مقلص (3% وحتى 10% من مساحة الضفة الغربية) - هذه الخطوة لن تحسّن الوضع الاستراتيجي لدولة إسرائيل، حتى لو كان في الإمكان استيعاب النقد المتوقع ضدها والردود القاسية على تنفيذها. باستثناء الولايات المتحدة، لن يعترف أي طرف في العالم أو في الشرق الأوسط بالأراضي المضمومة على أنها جزء من دولة إسرائيل (ما جرى في هضبة الجولان هو سابقة)؛ أيضاً وضع المستوطنين الإسرائيليين في المناطق التي ضُمت لن يتغير، لأن القانون الإسرائيلي أصلاً يطبق عليهم منذ اليوم على الصعيد الشخصي. الضم سيعقّد الإجراءات البيروقراطية للتخطيط والقيام بعمليات على الأرض. علاوة على ذلك، العملية ستبعد احتمال العودة إلى مفاوضات مع السلطة الفلسطينية. أيضاً في حال تمت بلورة تسوية مع الفلسطينيين في المستقبل في مرحلة معينة، فإن تطبيق السيادة سيجعل عمليات إخلاء هذه المناطق لتطبيق هذه التسوية صعبة، بسبب مطلب غالبية مكونة من 80 عضو كنيست، أو إجراء استفتاء عام للموافقة على إخلائها. بالإضافة إلى ذلك، رداً على معارضي قيام دولة فلسطينية مستقلة بأي شكل من الأشكال، فإن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية لن يمنع الفلسطينيين من المطالبة بحقهم في تقرير مصيرهم، وأيضاً الاعتراف الدولي بهذا الحق.
  • بناء على ذلك، الضم سيتخلى عن عملية سياسية لها علاقة بالوعي من أساسها، وأضراره أكبر من فوائده: الضرر الأساسي هو منع إخلاء يهود من منازلهم ومن مستوطناتهم في الضفة الغربية، وهذا موضوع ليس مطروحاً في الوقت الحالي أو في المدى المنظور. هذه التداعيات السلبية للبدء بتطبيق السيادة/الضم سارية المفعول في كل وضع. لذا يجب التعاطي معها بصفتها ذات دلالة، ليس فقط في الوقت الحالي لأزمة الكورونا، أو التعاطي مع الأزمة نفسها كفرصة للتقليل دلالاتها.
  • ضم نصف أراضي المنطقة ج بما يتلاءم مع مخطط ترامب - معناه إغلاق الباب أمام تسوية مستقبلية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بسبب تقلص الأرض المخصصة للاستيطان والزراعة للفلسطينيين، وكذلك بسبب المس بقدرة إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. عدا ذلك، ستنشأ صعوبة إضافية في ترميم الضرر الذي سيتسبب به الضم للثقة الفلسطينية والعربية والدولية بنوايا إسرائيل، وبمدى استعدادها للدفع قدماً بفكرة "الدولتين". إضافة إلى ذلك، خطوة في اتجاه ضم واسع تزيد من معقولية "إعادة المفاتيح" من السلطة إلى إسرائيل التي ستجد نفسها حينئذ مسؤولة، ليس عن الأرض فقط، بل أيضاً عن السكان الفلسطينيين - أكثر من 2.5 مليون نسمة- وعن اقتصادهم ورفاهم وأمنهم من وجهة نظر القانون والنظام، وأيضاً عن صحتهم. ومثل هذا الوضع له ثمن اقتصادي – أمني - سياسي باهظ. وسيرافقه ثمن باهظ يتعلق بزعزعة الرؤية الأساسية لدولة إسرائيل - كدولة يهودية، ديمقراطية، آمنة وأخلاقية، ذات حدود معروفة، وتتمتع بشرعية دولية. عملياً، إن هذه الصيغة من الضم معناها الانزلاق إلى واقع دولة واحدة، نظرياً وعملياً.
  • تطبيق السيادة الإسرائيلية من طرف واحد على مناطق في الضفة الغربية، من دون محاولة حقيقية للتوصل إلى تسوية مع السلطة الفلسطينية، وفي الوقت الراهن من أزمة الكورونا، ليس فقط لن يؤدي إلى تحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي وقدرتها على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية - أيضاً تلك المتعلقة بأزمة الكورونا، وتلك التي لا تتعلق بها مباشرة – وإنما أيضاً سيزعزع الرؤية الأساس والروح المؤسِّسة لدولة إسرائيل بكونها دولة تسعى للسلام مع جيرانها.
  • بناء على ذلك، نوصي الحكومة الجديدة في إسرائيل بدعوة قيادة السلطة الفلسطينية إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، في الواقع بحيث تشمل هذه المفاوضات "مخطط ترامب". إذا واصل الفلسطينيون رفضهم مناقشته، المطلوب من الحكومة أن توضح للجمهور في إسرائيل ميزات وتداعيات خطوات الانفصال عن الفلسطينيين من طرف واحد، وأن تحاول تجنيد تأييده لخطوة الضم، بينما توجد في الخلفية نية مبدئية للانفصال عن الفلسطينيين. في الوقت عينه، سيكون عليها العمل لإقناع المجتمع الدولي بأن إسرائيل لن تبقى أسيرة الرفض الفلسطيني للبحث في تفصيلات التسوية. فقط مع استمرار معارضة السلطة الفلسطينية العودة إلى طاولة المفاوضات، والتنسيق مع الولايات المتحدة، تستطيع إسرائيل البحث في ضم تدريجي ومدروس للمستوطنات والكتل الاستيطانية التي يوجد إجماع واسع وسط الجمهور الإسرائيلي على ضمها إلى أرض ذات سيادة إسرائيلية. يجب أن تكون العملية مشروطة بعدم إلحاق الضرر بقدرة تقديم أمن شامل لمواطني إسرائيل، وبأن ضم المنطقة إلى إسرائيل لا يتعارض مع نية الانفصال الجغرافي والديموغرافي والسياسي عن الفلسطينيين.