الضم بحماية الكورونا (الجزء الأول)
المصدر

 

  • مؤخراً، دخل إلى قاموسنا العام مصطلح جديد - "الحياة بوجود وباء الكورونا" - الذي يصف واقعاً من شأنه أن يميّز أساليب حياتنا، بكل المعاني، خلال الأشهر القادمة من سنة 2020، وحتى ما بعدها. وذلك إلى حين إيجاد علاج أو لقاح للوباء. العالم كله يركز في هذه الأيام على مواجهة تفشي الفيروس، والتأثير السلبي الخطير الناتج منه على ثلاثة مستويات: الصحية، الاقتصادية والاجتماعية.
  • الأهداف السياسية والأمنية المطروحة على دولة إسرائيل في فترة الكورونا تشمل: 1- تعافي صحي واقتصادي واجتماعي سريع، وعودة الدولة والاقتصاد والمجتمع إلى العمل بفعالية؛ 2- الحؤول دون دفع إسرائيل أثماناً غير محتملة جرّاء الوباء: وفيات جماعية، انهيار المنظومة الصحية، وانهيار الاقتصاد؛ 3- استقرار الحكم، المحافظة على أنظمة الحكم، وعلى الديمقراطية، والمحافظة على الصيغة التي تجمع وتدمج بين المجموعات المتعددة للجمهور في إسرائيل؛ 4- الاستعداد لفترة طويلة من العيش بوجود الكورونا، بما في ذلك احتمال تفشٍّ جديد للوباء؛ 5- استقرار أمني في مختلف الجبهات للمواجهة، ومنع استغلال الوضع من الخصوم والأعداء لمحاولة زعزعة الوضع الأمني - السياسي لإسرائيل؛ 6- إستنفاذ الفرص التي تنطوي عليها أزمة الكورونا للدفع قدماً بأهداف سياسية -أمنية واقتصادية أيضاً لإسرائيل. جميع هذه التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة في إسرائيل صحيحة في كل مراحل إدارة أزمة الكورونا - الكبح والاحتواء، وتجدد العمل في الاقتصاد والمجتمع، الحياة بوجود الوباء وفي اليوم الذي يلي الكورونا (عندما يكتشف علاج أو لقاح للوباء) - ويتطلب تحقيقها مقاربة شاملة. على هذه الخلفية للأزمة، وبينما يتركز الاهتمام في كل أنحاء العالم على مواجهتها، تعلو الفرصة، ظاهرياً، لتطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق المستوطنات في الضفة الغربية.

بدء تطبيق السيادة الإسرائيلية تحت

غطاء أزمة الكورونا: فرصة ظاهرياً

  • يتركز هذا النقاش على فكرة، وحتى النيّة، لاستنفاد ما يُعتبر فرصة للدفع قدماً بتطبيق السيادة الإسرائيلية على أراضٍ في الضفة الغربية، تحت حماية أزمة الكورونا، والغاية منه تحليل وتظهير المعاني المحتملة لخطوة في هذا الاتجاه، وأيضاً فحص الميزات والمخاطر التي تنطوي عليها خلال محاولة الدفع بها قدماً، أيضاً في المستقبل "في اليوم التالي" للوباء.
  • القول الشائع "التوقيت هو كل شيء في الحياة" يمكن أن يبدو صالحاً فيما يتعلق بضم مناطق في الضفة الغربية بحماية أزمة الكورونا. على الصعيد الدولي-زعماء الدول كلهم مشغولون بمواجهة الوباء في الساحات الداخلية في دولهم؛ الولايات المتحدة مشغولة بصراعات قوة داخلية قبيل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني/نوفمبر، والتي يمكن أن تسفر عن عدم حصول الرئيس دونالد ترامب على ولاية ثانية. سعي الرئيس ترامب لترك بصمته على التاريخ، وضمن هذا السياق أيضاً سعيه لإرضاء القاعدة الأساسية لمؤيديه - الجمهور اليميني الإنجيلي- يتلاءم مع فكرة ضم إسرائيل مناطق "الأرض المقدسة". من الزاوية الداخلية الإسرائيلية، تُلاحظ وجهة نظر تقول إن الوقت الحالي هو فرصة ذهبية لفرض سيادة إسرائيلية لم تكن موجودة في الماضي على مناطق في الضفة الغربية، وهي لن تتكرر في المستقبل القريب، وخصوصاً إذا جرى انتخاب رئيس ديمقراطي في الولايات المتحدة. هذا الإحساس بوجود فرصة يشارك فيه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يسعى هو أيضاً لأن يبقى التطبيق (الجزئي على الأقل) للسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية (أي الضم الجزئي)، كجزء من إرثه القومي - الاستراتيجي (وذلك بعد توليه رئاسة الحكومة في إسرائيل أكثر من أي زعيم آخر).
  • وفعلاً، في الاتفاق الائتلافي بين كتلة الليكود وتكتل "أزرق أبيض" برئاسة بني غانتس تقرر: "في كل ما يتعلق بتصريحات الرئيس ترامب [المقصود "خطة القرن"]، سيعمل رئيس الحكومة [بنيامين نتنياهو] ورئيس الحكومة المناوب [بني غانتس] باتفاق كامل مع الولايات المتحدة، بما في ذلك مسألة الخرائط مع الأميركيين والتحاور الدولي بشأن الموضوع، وكل ذلك من خلال سعي للمحافظة على المصالح الأمنية والاستراتيجية لدولة إسرائيل، بينها ضرورة المحافظة على الاستقرار الإقليمي، والمحافظة على اتفاقات السلام والسعي لاتفاقات سلام مستقبلية... وعلى الرغم من المذكور أعلاه، فإنه بعد إجراء نقاش وتشاوُر بين رئيس الحكومة ورئيس الحكومة المناوب بشأن المبادىء المفصلة أعلاه، في إمكان رئيس الحكومة طرح الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مع الولايات المتحدة بشأن تطبيق السيادة في تاريخ 1/7/2020 على النقاش في المجلس الوزاري المصغر، وفي الحكومة وللموافقة عليه في الحكومة و /أو الكنيست".
  • وعْد نتنياهو الانتخابي بضم غور الأردن وتطبيق السيادة الإسرائيلية على أراضي المستوطنات - نال دعماً في مخطط الرئيس ترامب، المسمى "صفقة القرن" لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. ينبغي التشديد على أن تطبيق القانون أو تطبيق السيادة هما أمر واحد، ومغزاهما ضم مناطق في الضفة الغربية. تجدر الإشارة إلى أن التمييز بين المصطلحين كان له منطق تقني - قانوني في حالة الجولان: المنطقة كانت جزءاً من سورية قبل حزيران/يونيو 1967، وإسرائيل لم تطبق القانون السوري على المنطقة، ولذلك كان مطلوباً إطار قانوني آخر. ادّعت إسرائيل أن فرض القانون الإسرائيلي على الجولان ليس بالضرورة فرضاً للسيادة. في مقابل ذلك، المنطق في الضفة الغربية هو فرض سيادة إسرائيلية على الأرض، ولا يوجد ادعاء أن المقصود خطوة تقنية لأسباب تسهيلية أو لضرورة قانونية. مع ذلك، نظراً إلى أن مصطلح "ضم" يتضمن دلالات سلبية لأنه يُفهم منه أن المنطقة لا تعود إلى الطرف الذي يضمها، المبادرون إلى الخطوة الذين يدفعون بها قدماً (على مختلف أنواعهم) يصرّون عموماً على الامتناع من استخدامه، ويفضلون التعامل مع المسألة بمصطلحات "تطبيق القانون" أو "تطبيق السيادة". ومعنى هذا المصطلح أن المنطقة تنتقل من وضعها كأراضٍ محتلة إلى وضع انتمائها إلى دولة إسرائيل بصورة كاملة، ويتحول الفلسطينيون الذين يعيشون فيها إلى مواطنين في دولة إسرائيل مع كل الحقوق التي تستتبع ذلك، مثل المواطنين في أي مكان آخر في الدولة.
  • هناك عدة تصورات لتطبيق السيادة/الضم، لكل من يدعو إليه طريقته ومقاربته:
  • ضم أراضي المستوطنات فقط، على طريقتين: 1) المنطقة المبنية ومحيطها القريب (أقل من 4% من أراضي الضفة الغربية]؛ 2) مرفق بها الأراضي التي تدخل ضمن نطاق اختصاص السلطة القانونية للمستوطنات (قرابة 10% من الأراضي).
  • ضم الكتل الاستيطانية التي تشكل موضع إجماع واسع بين الجمهور في إسرائيل، وتقع أغلبيتها غربي خط حدود العائق الأمني (نحو 10% من الأراضي).
  • ضم غور الأردن (نحو 17% من الأراضي).
  • ضم المنطقة ج كلها (نحو 60% من الأراضي).
  • ضم كل الأراضي التي ستُضاف إلى أراضي دولة إسرائيل بحسب مخطط الرئيس ترامب. وهذه الأراضي تشكل نصف المنطقة ج التي تشكل 30% من أراضي الضفة الغربية (17% في غور الأردن، 3% أراضي المستوطنات؛ 10% - كتل المستوطنات ومحاور التنقل). وفي المقابل، تعطي إسرائيل السلطة الفلسطينية النصف الباقي من المنطقة ج؛ بالإضافة إلى جنوب جبل الخليل، ومنطقتين في النقب تُضمّان إلى قطاع غزة.
  • كما هو مفصل وموضح في "خطة القرن"، وافقت إدارة ترامب للمرة الأولى على المطالب الإسرائيلية لضم كل المستوطنات وأراضي الكتل الاستيطانية وغور الأردن، حتى الهضاب المطلة على غربي غور الأردن. سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان قال إن إسرائيل ستنتظر انتهاء عمل "اللجنة الثلاثية"- 3 مندوبين أميركيين و3 إسرائيليين - التي ستقوم بملاءمة الخريطة المقترحة مع الواقع على الأرض، كي تصبح قابلة للتطبيق. حينئذ تعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على المناطق غير المخصصة للدولة الفلسطينية. أي للمرة الأولى في تاريخ محاولات حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، قدمت الإدارة الأميركية ظروفاً تسمح لإسرائيل بضم مناطق بصورة أحادية، من دون مفاوضات مع الطرف الفلسطيني أو موافقة فلسطينية.
  • الجانب الفلسطيني بكل مكوناته رفض مسبقاً مخطط ترامب (كما رفض في الماضي مسبقاً مقترحات أُخرى للتسوية مع إسرائيل)، ونجح في أن يجند إلى جانبه في هذه المسألة الدول العربية وأغلبية المجتمع الدولي.
  • في المقابل، في وسط الجمهور اليهودي في إسرائيل، يتأرجح الموقف من فكرة الضم بين لامبالاة وتأييد يزداد اتساعاً مع الوقت. بحسب نتائج استطلاع للرأي العام أجراه معهد دراسات الأمن القومي في نهاية 2019، كان حجم تأييد ضم كل أراضي الضفة الغربية هو 7%، بينما الذين أيدوا ضم كل المنطقة ج كان 8%، وأيّد 13% ضم كل أراضي المستوطنات، و26% أيدوا ضم كتل المستوطنات. رداً على سؤال عمّا هو الخيار الأفضل لإسرائيل: أيّد استمرار الوضع القائم 14%، بينما أيّد تسويات موقتة للانفصال عن الفلسطينيين 23%، أمّا السعي لاتفاق شامل فأيّده 36%؛ ضم كتل المستوطنات أيّده 17%؛ وأعرب 9% من الذين شملهم الاستفتاء عن تأييدهم لضم الضفة الغربية كلها إلى دولة إسرائيل.