في الخلاف على دور سلاح البر، الجيش يخسر في المواجهة مع المستوى السياسي
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • كشفت عملية "الجرف الصامد" حدود قدرة سلاح البر. وكانت هي الحلقة الأخيرة حتى الآن في سلسلة مخيّبة للأمل بدأت مع حرب لبنان الثانية في سنة 2006، إن لم تكن بدأت قبل ذلك. وبعد الفشل في لبنان وخيبة الأمل، أعلن الجيش الإسرائيلي القيام بعمليات إصلاح واسعة، وعادت الوحدات إلى التدرّب بصورة أكثر جدية، وحصل الاحتياطيون على عتاد جديد.
  • لكن التغيير لم يكن عميقاً بما فيه الكفاية: ظل سلاح البر في مرتبة أدنى في سلّم أولويات الجيش، وظل المستوى السياسي يشكك في القدرة على القيام بمناورة برية في عمق أراضي العدو في أثناء الحرب. وبرز هذا الأمر في العمليات الثلاث التي قام بها الجيش الإسرائيلي منذ ذلك الحين في قطاع غزة: في عملية "الرصاص المسبوك" (2008) جرى فقط عملية برية رمزية، هدفها الأساسي أن تثبت للعدو (وأيضاً للجمهور الإسرائيلي في الداخل) أن الجيش استعاد عافيته بعد صدمة لبنان؛ في العملية التالية "عمود سحاب" (2012)، جرى تعبئة أعداد كبيرة من الاحتياطيين، لكن إسرائيل سعت لوقف إطلاق النار بعد مضي أسبوع من الهجمات الجوية؛ في عملية "الجرف الصامد" (2014) اقتصرت مهمة الجيش على مواجهات مع الأنفاق الهجومية على مسافة لا تتعدى الكيلومتر ونصف الكيلومتر في عمق أراضي غزة.
  • بعد مرور أربعة أعوام على العملية العسكرية الأخيرة، ما زال التخبط على حاله. ما هو الوضع الحقيقي لوحدات ذراع البر؟ هل هناك فرصة لردم الفجوة بينها وبين إعطاء الأفضلية لدور سلاح الجو، وشعبة الاستخبارات ومختلف الوحدات التكنولوجية؟ وهل هناك قيمة للتصريحات العلنية المتكررة للقيادة العسكرية التي تشدد على الحاجة إلى المناورة البرية في عمق أراض العدو وقت الحرب؟
  • مؤخراً، أصبح النقاش أكثر أهمية ومشحوناً أكثر، بسبب التقاطع العرضي لعدد من الأحداث: قرب انتهاء ولاية رئيس الأركان غادي أيزنكوت؛ التنافس على منصب رئيس الأركان المقبل؛ الانتقادات التي وجهها مفوض الشكاوى للجنود بشأن جهوزية سلاح البر للحرب؛ خطة "الجيش 2030" الطموحة والكثيرة الموارد التي عرض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نقاطها الأساسية هذا الشهر.
  • عندما تسلم أيزنكوت منصبه في رئاسة الأركان في شباط/فبراير 2015، وجد سلاح البر في وضع سيىء جداً. ولأنه كان نائباً لرئيس الأركان بني غانتس في عملية "الجرف الصامد"، يبدو أنه لم يتفاجأ. والانتقادات التي تجرأ القلائل في رئاسة الأركان على توجيهها في نهاية القتال في تلك العملية، تحولت خلال أشهر معدودة إلى إجماع تقريباً: في "الجرف الصامد" فشل الجيش في القضاء على إطلاق الصواريخ والراجمات من القطاع؛ لم يكن لدى سلاح الجو معلومات استخباراتية دقيقة عن أهداف "حماس"؛ مستوى الجهوزية لدى الوحدات للقيام بالمهمات وفي طليعتها معالجة الأنفاق التي زادت أهميتها خلال القتال، كانت منخفضة جداً؛ استخدام القوات البرية في القتال عانى نقصاً في الابتكار وفي التفكير.
  • في الوثيقة التي وُزعت على الجيش بعد شهر على تعيين أيزنكوت، وقبيل بلورة خطة "جدعون" المتعددة السنوات، كتب رئيس الأركان الجديد: "مطلوب تغيير عميق في الجيش للقيام بمهماته." ورأى أن مشكلات الجيش الإسرائيلي لا تتلخص في مسألتَي القيادة والقيم، بل تعكس عن أزمة مهنية في سلاح البر. ووجد أن الجيش صار بديناً في الأماكن غير الصحيحة في العقد الأخير بعد حرب لبنان الثانية، وأصبح جيشاً كبيراً لا يركز على مهماته الأساسية، ولا يقوم بالتغييرات الهيكلية المطلوبة.
  • اشتملت خطة "جدعون" على عدة عمليات غير مسبوقة. لم تكن خطة أيزنكوت المتعددة السنوات لائحة من الحاجات المضخمة فحسب، بل وجدت أيضاً الفجوات الأساسية، وشرعت في معالجتها بمتابعة مباشرة من جانب رئيس الأركان لوتيرة تنفيذ توجيهاته. وركّزت الخطة على أن مهمة سلاح البر هي الحسم، وجاء في الوثيقة المحدثة لاستراتيجيا الجيش الإسرائيلي التي نُشرت في نيسان/أبريل هذه السنة أنه: "سيتم الدمج في استخدام القوة بين القدرات المادية والناعمة في أبعاد الحرب كلها، ومنها: مناورة سريعة وفتاكة ضد أهداف يعتبرها العدو ذات قيمة، نار متعددة الأبعاد... واستخدام البعد المعلوماتي مثل السايبر والوعي."
  • تميّز الوثيقة بين مقاربتين لاستخدام القوة: مقاربة الحسم، ومقاربة المنع والتأثير. وبشأن الحسم، جاء في الوثيقة أنه في وقت الحرب" تنفذ القوة العسكرية هجوماً هدفه نقل القتال إلى أراضي العدو بأسرع ما يمكن"، كما أن الجيش يستعد لهجوم يشنّه في ساحة واحدة أو أكثر، مستنداً إلى "ضربات مترابطة ومباشرة في وقت واحد"، وتتضمن "مناورة ذات قدرة ساحقة ومدمرة وسريعة، فتاكة، ومرنة"، إلى جانب "نيران دقيقة واسعة النطاق تعتمد على معلومات استخباراتية نوعية."
  • القرار غير المسبوق لأيزنكوت بنشر الوثيقة، الأولى من نوعها كشف عن محاولة تبادل رسائل علنية مع الحكومة والمجلس الوزاري المصغر. وبحسب عضو الكنيست عوفر شيلح (حزب يوجد مستقبل)، رئيس اللجنة الفرعية في الكنيست للعقيدة الأمنية وبناء القوة، فإن رئيس الأركان قال لهم بالتحديد: "في سنتَي 2006 و2014 كان المستويان السياسي والعسكري مشلولين تماماً بسبب الخوف من الخسائر المتوقعة للمناورة البرية. وكانت النتيجة استمرار المعارك حتى تقرر في النهاية القيام بمناورة محدودة جرت بصورة غير صحيحة ولم تحقق شيئاً." وأضاف شيلح: "رسالة أيزنكوت العلنية هي، أنا أحضّر سلاح البر للقيام بمناورة سريعة وفتاكة، وعليكم أن تقرروا ما إذا كان يجب تنفيذها بعد وقت قصير من نشوب الحرب."
  • لكن التقرير الذي وضعته اللجنة الفرعية برئاسة شيلح، والذي نُشر قبل عام، لمّح إلى الفجوات بين رؤيا رئيس الأركان، وبين تحقيقها الكامل. وجاء في التقرير أن أيزنكوت رسم خطوطاً صحيحة، لكن التسلح وبناء القوة في الجيش الإسرائيلي يجريان بوتيرة بطيئة جداً. ويبدو أن اللجنة كانت بذلك تشير إلى حجم الخطط لشراء منظومات الحماية الفعالة (مثل "معطف الريح") للدبابات والناقلات المدرعة، والفجوة الكبيرة بين قدرة الجيش النظامي، وقدرة جزء من ألوية الاحتياطيين.
  • وازداد هذا النقاش حدة في ضوء نقاش ميزانية الدفاع المستقبلية. فقد طالب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان في السنة الجارية بزيادة الميزانية بنحو 13 مليار شيكل، مستنداً في ذلك إلى التغيرات التي طرأت على التحديات التي يواجهها الجيش (بينها وجود إيران في سورية، والتحسن في دقة الصواريخ التي يملكها حزب الله).
  • وخلال النقاش الذي أجراه المجلس الوزاري المصغر قبل أسبوعين، ذهب رئيس الحكومة نتنياهو إلى أبعد من ذلك فادعى أن التهديدات الاستراتيجية تفرض أن تكون ميزانية الدفاع جزءاً ثابتاً من الناتج القومي الإجمالي. ومع الأخذ في الحسبان أرقام النمو القصوى التي يتوقعها (نحو 3% سنوياً)، نجد أن نتنياهو يريد أن يضيف إلى الأمن عشرات المليارات خلال العقد المقبل، وسمّى بعض المجالات المركزية التي تتطلب في رأيه استثمارات، بينها: السلاح الدقيق؛ منظومات اعتراضية للصواريخ والقذائف؛ وسائل الدفاع والهجوم في المجال السيبراني؛ استكمال بناء الجدران على طول حدود الدولة؛ تحسين تحصين الجبهة الداخلية. والمجالات التي قدمها نتنياهو كأهداف يجب تعزيزها في إطار الخطة ليس لها علاقة مباشرة بسلاح البر، ولا بتحقيق القدرات التي وظفت فيها خطة "جدعون" مالاً كثيراً.
  • بحسب شيلح، فإن نتنياهو ينظر إلى الجيش كملاكم في مصارعة من 15 جولة: "ثقيل وقوي ومحصّن جداً، لكن هذا الأمر لا يتلاءم مع مبدأ تقصير زمن المعركة الذي يظهر في وثيقة استراتيجيا الجيش الإسرائيلي. رئيس الحكومة لم يقدم عقيدة أمنية، وإنما قائمة مشتريات لا تتطابق مع القدرات الحقيقية، كما أن الأموال الطائلة التي ستوظف فيها ستمنع إغلاق الفجوات التي بقيت في قدرات سلاح البر، الأمر الذي سيجعل الأموال التي وُظفت حتى الآن فيه غير مجدية، ويمكن أن نجد أنفسنا من دون قدرة على الحسم."
  • لقد سارت خطة "جدعون" المتعددة السنوات في اتجاه معين، ومع أنه لم يجرِ تنفيذها كاملة، إلاّ إنها سعت لترميم القوات البرية. وفي التصريحات الأخيرة يبدو نتنياهو كمَن يسير في اتجاه معاكس: معركة بنيران من بعيد، وليس مناورة برية. أفكار رئيس الحكومة لا تنسجم مع ما عرضه رئيس الأركان، لا بشأن هدف الحرب، ولا في النظرة إلى الخطة المستخدمة (هجوم من بعيد في مقابل الاحتكاك عن قرب). ويحذّر شيلح من أنه "مع عدم وجود حسم نظري لمسألة ماذا نريد أن نحقق في الحرب وكيف نفعل ذلك، فإننا سنوظف مليارات كثيرة من دون أن تتحول إلى كتلة حاسمة تؤدي إلى إنجاز حقيقي. يتحدث نتنياهو عن عشرات المليارات، لكن كل شيكل نوظفه الآن من دون أن نحدد مسبقاً ماذا نريد سيذهب هباء."