ترامب يريد تقليص عدد اللاجئين الفلسطينيين، لكنه يعقّد المشكلة فقط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • "هدفنا ليس إبقاء الأمور ثابتة من دون تغيير. أحياناً يجب القيام بمخاطرة استراتيجية لكسر الأمور من أجل تحقيق الهدف"، كتب جاريد كوشنير، مستشار وصهر الرئيس ترامب في كانون الثاني/يناير إلى عدد من كبار المسؤولين في البيت الأبيض. وفي البرقية التي كشفتها مجلة "الفورين بوليسي" في مطلع آب/أغسطس، يتحدث كوشنير عن الحاجة إلى العمل ليس ضد استمرار وجود وكالة غوث اللاجئين في الأمم المتحدة (الأونروا) فقط، بل أيضاً لإعادة تحديد عدد الفلسطينيين أصحاب وضع لاجىء.
  • بحسب تقارير من واشنطن، تنوي الإدارة الأميركية الاعتراف فقط بنصف مليون لاجىء فلسطيني يحق لهم هذا الوضع، بخلاف تحديد الأونروا الذي يتحدث عن خمسة ملايين لاجىء. وقد بحث كوشنير هذا الموضوع مع العاهل الأردني الملك عبد الله، وطلب منه إلغاء وضع اللاجئين الفلسطينيين الذي يسكنون في المملكة.
  • مع القرار السابق الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، بالإضافة إلى تجميد 200 مليون دولار من مجموع 250 مليون دولار تمنحها الولايات المتحدة للفلسطينيين كمساعدة إنسانية ومن أجل مشاريع، استندت رغبة الإدارة الأميركية في تقليص المساعدة المقدمة للأونروا إلى الاستراتيجيا عينها القائلة ما لا يمكن حلّه بالمفاوضات يُحل من خلال القرارات الأحادية الجانب، كي نغيّر، يجب أن نحطم بحسب ما يقول كوشنير.
  • استراتيجيا البلطجة هذه لا تلائم تصريح ترامب بأن "الفلسطينيين سيحصلون على شيء جيد" في مقابل نقل السفارة، وتتناقض مع رؤية "صفقة القرن" التي بموجبها يجب على الطرفين دفع ثمن كبير من أجل تحقيق السلام. في هذه الصفقة السرية التي بدأت تختفي من جدول الأعمال، الأمر الوحيد الظاهر هو الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون والذي دفعوه حتى الآن. بحسب عقيدة ترامب بقي فقط الآن ترسيم حدود دولة إسرائيل بما يتلاءم مع خريطة المستوطنات وتحديد واشنطن وضع الأماكن المقدسة، وبذلك يمكن تحقيق اتفاق سلام تاريخي يوقّعه طرفان هما رئيس الولايات المتحدة ورئيس الحكومة الإسرائيلية.
  • مشكلة اللاجئين هي موضوع ذو بُعد مزدوج. في البُعد الوطني- الرمزي هي تمثل حق العودة للفلسطينيين، كما ورد في قرار الأمم المتحدة 194 العائد إلى سنة 1948، وهو السبب المركزي للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. هذا القرار الذي اعتمدت عليه المطالبة التاريخية بالحق الذي سُلب من الفلسطينيين في أعقاب حرب 1948 التي تسببت بالنكبة واللجوء الفلسطيني. التنازل عن مشكلة اللاجئين وعن حق العودة هما بمثابة خيانة للفكرة الوطنية ومنح الغفران من دون مقابل للطرف الذي كان سبب الظلم الكبير الذي لحق بالفلسطينيين.
  • لكن للرموز والمُثل أيضاً ثمن. دول كثيرة شهدت نزاعات قومية مأساوية ووجدت سبلاً للتسوية والتسامح، من دون نسيان المآسي التي مرت بها. على سبيل المثال، تعامُل إسرائيل مع ألمانيا، أو القبائل المتخاصمة في رواندا. وقد أوضحت الزعامة الفلسطينية أنها مستعدة للتفاوض مع إسرائيل بشأن حق العودة. في سنة 2002 وخلال القمة العربية التي عُقدت في بيروت، أوضحت الدول العربية أنها ستوافق على حل عادل ومتفق عليه على أساس القرار 194. وكانت هذه الصيغة الرسمية الأولى التي صدعت السور الحصين الذي منع أي بحث في الموضوع.
  • وبعد مرور سنوات أوضح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن "مطالبة إسرائيل باستيعاب خمسة ملايين لاجىء ليست منطقية، ولا حتى مليون". وبحسب وثائق عرضتها محطة الجزيرة سنة 2010، بحث عباس مع رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، استيعاب عدة آلاف من اللاجئين بوتيرة عشرة آلاف في السنة على مدى عشر سنوات (أولمرت اقترح 25 لاجىء فلسطيني). يومها اعترف الطرفان بأن المطالبة القصوى والرفض المطلق لا يؤديان إلى حل، وكانت المسألة المطروحة ما هو العدد الذي يستطيع كل طرف أن يعيش معه بسلام مع شعبه. وبحسب ذلك انتقل البُعد العملي لحق العودة إلى الحاجة إلى ترجمة الرمز إلى أرقام، والتي كان يجب أن تكون جزءاً من المفاوضات، مثلها مثل وضع القدس.
  • الساطور الذي يلوّح به ترامب بشأن عدد اللاجئين يمس مباشرة بهذين البُعدين للمشكلة ويعقد حلها من دون أن يقترح حلاً عملياً. حتى لو قبِل الفلسطينيون بأعجوبة الموقف الأميركي، ما هو مصير نصف مليون لاجىء؟ هل نسمح لهم بالعودة إلى منازلهم؟ وهل ستنتقل المفاوضات الآن إلى مسائل حسابات بدلاً من البحث عن اتفاق مبدئي، من دون علاقة بعدد اللاجئين؟ بصورة عامة إلامَ استندت الإدارة الأميركية عندما حددت عدد اللاجئين بنصف مليون؟ ترامب لا يقترح إجابات على هذه الأسئلة. حالياً، الشيء الوحيد الذي يهمه هو القضاء على وكالة غوث اللاجئين من خلال تصويرها بأنها تزيد عدد اللاجئين لتبرر وجودها والميزانيات التي تحصل عليها، واتهامها بصورة خاصة بأنها تعمل على تأبيد مشكلة اللاجئين. أي من دون الوكالة لا وجود لمشكلة اللاجئين، وإذا كانت هذه المشكلة موجودة فعلاً فإنها موضوع ثانوي.
  • ترامب على حق بأن وكالة غوث اللاجئين هي هيئة فاسدة لا يمكنها التباهي بشفافية أعمالها وإنفاقها المال. لكنها الوكالة التي يعتاش منها أكثر من 22 ألف شخص في التعليم، والتي تدير عشرات المدارس، وتوزع آلاف الحصص الغذائية. كما أنها مصدر المساعدة الأساسي وتقريباً الوحيد لمئات آلاف اللاجئين. إن التقليص في ميزانيتها يمكن أن يمسّ بصورة كبيرة بقدرتها على العمل، لكن إذا قررت الدول العربية دفع الحصة التي ستقتطعها الولايات المتحدة من ميزانية مساعدة الفلسطينيين، لن يكون لقرار ترامب نتائج عملية كثيرة. تقترح إدارة ترامب تحويل الدعم مباشرة إلى الدول التي تستضيف لاجئين والالتفاف بهذه الطريقة على الوكالة، لكن في الوقت الذي تقلص الإدارة ميزانية المساعدة للفلسطينيين فإنها لا توضح حجم المساعدة للدول المضيفة.
  • أيضاً ادّعاء الرئيس الأميركي أن اللاجئين الفلسطينيين فقط يتمتعون "بحق وراثة" وضع اللجوء هو ادعاء صحيح. تحدد وثيقة جنيف وكذلك مفوضية الأمم المتحدة للاجئين (بخلاف وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين) أن اللاجىء هو الذي اضطر إلى الفرار إلى دولة أُخرى بسبب ظروف الحرب أو الملاحقة، لكن هذا الوضع ليس قابلاً للتوريث. من وقت إلى آخر برزت تقارير تتحدث عن وجود تقرير سري لدى الخارجية الأميركية بشأن العدد الحقيقي للاجئين الفلسطينيين، أرقامه أقل كثيراً حتى من الرقم الذي اقترحه ترامب، لكنه لم يُنشر لأسباب سياسية.
  • حق الوراثة هو الذي خلق فعلاً الحجم الهائل لعدد اللاجئين الفلسطينيين، لكن بخلاف لاجئين آخرين، ليس للفلسطينيين دولة كي يعودوا إليها بعد الحرب، ولقد بقي أجيال من الفلسطينيين من دون انتماء وطني أو الحق في الحصول على الجنسية في جزء من الدول المضيفة. قيام دولة فلسطينية مستقلة قادرة على استيعاب اللاجئين من المفترض أن يحل مسألة الانتماء الوطني ومسألة الجنسية. لكن من أجل هذه الغاية يجب التوصل إلى مفاوضات تؤدي إلى اتفاقات سياسية. في مقابل ذلك يقترح ترامب أسلوباً فريداً من نوعه، في البداية يقول إن المشكلة غير موجودة، وبعد ذلك يفاوض.
 

المزيد ضمن العدد 2917