•مع أننا لسنا بحاجة إلى أي مصادقة من أي طرف كان على أن القدس عاصمتنا، إلاّ إنه لا بُدّ من أن تكون إسرائيل تمتلك سياسة خارجية تستند إلى رؤية عقلانية تنطوي على فهم عميق للبيئة الاستراتيجية التي نعيش فيها. بناء على ذلك فإنه بعد انتهاء فرحتنا الغامرة بحقيقة أن 35 دولة امتنعت أمس (الخميس) من التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار يرفض اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، سنبقى مع نتيجة مدوية أُخرى لهذا التصويت تكمن في إعراب الدول الـ 128 التي أيدت مشروع القرار عن خيبة أملها بسياسة ترامب وبإعلان اعترافه بالقدس.
•لقد أظهرت نتيجة التصويت أن جميع الدول العربية سواء المعتدلة أو المتطرفة صوتت ضد الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل. وعملياً أكدت هذه الدول أن الوضع النهائي للقدس مرهون بموافقة إسرائيل على أن تتقاسم المسؤولية عن الأماكن المقدسة للديانات الثلاث في إطار اتفاق دولي أو أي اتفاق آخر يتم التوصل إليه بهذا الشأن.
•إن الدلالة الأهم على نتيجة التصويت في الجمعية العامة هي أن مكانة القدس في المستقبل ستتقرّر في نطاق المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، لا بواسطة التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي حيال الدول التي ستصوّت ضد اعترافه. ومن ناحية عملية فإن هذه النتيجة تسببت بإضعاف مكانة القدس الموحدة. ويبدو أن ترامب سيكتفي بقرار رئيس بلدية القدس إطلاق اسمه على أحد المتنزهات ولن يكون في إمكانه نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس.
•في الوقت عينه لا بُدّ من أن نتساءل عن قدرة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على تولّي إدارة سياسة خارجية تتسم بمزايا عقلانية في الوقت الذي يخضع فيه لتحقيقات جنائية ويخوض معركة لا هوادة فيها من أجل الحفاظ على بقائه السياسي.
•علينا أن نتذكر أيضاً أنه سبق التصويت في الجمعية العامة أمس، تصويت 14 دولة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي على تأييد مشروع قرار مماثل بشأن القدس تم إحباطه بفضل لجوء الولايات المتحدة إلى استعمال حق النقض [الفيتو]. والسؤال الذي يجب أن يُطرح هو: هل وضعُنا الآن أفضل مما كان عليه قبل اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ إن نتنياهو يتباهى، صباح مساء، بأنه تمكن من إحداث انقلاب فيما يتعلق بمكانة إسرائيل في العالم، لكن بحسب نتيجة التصويت أمس يتبين أن هذا الانقلاب محدود للغاية.