"مؤتمر هرتسليا" (20-22 حزيران/يونيو) 2017 إسرائيل والهند تحتفلان ﺑ "اليوبيل الفضي"
المصدر
المؤلف

 

•يسجل العام2017 اليوبيل الفضي [مرور خمسة وعشرين عاماً] على قيام علاقات دبلوماسية بين الهند وإسرائيل. فقد وقع وزيرا خارجية إسرائيل والهند اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين في 29 كانون الثاني/يناير 1992 . ومنذ طبّعت الهند علاقاتها مع إسرائيل عام 1992، تطورت الشراكة بثبات وأصبحت العلاقة الآن "مرئية بوضوح شديد".

•هناك أوجه تشابه عديدة بين تاريخ الدولتين الحديث وتجمعهما مصالح مشتركة، ولكن العلاقة الرسمية بينهما حتى العام 1992 لم يكن من الممكن توطيدها، وبقيت "من تحت السجادة". وترجّحت التفسيرات لذلك بين حساسيات سياسية هندية داخلية وبين علاقات الهند بالدول العربية والإسلامية. 

•تتشارك الهند وإسرائيل في القيم نفسها وتواجه مشكلات مماثلة:

- نالت الهند وإسرائيل استقلالهما عن بريطانيا عام 1947 وأعقب إعلان الاستقلال نشوب حرب مع الدول المجاورة. ومنذ ذلك الحين ولعقدين من السنين خاضت الدولتان حروباً مع دول مجاورة معادية (حروب الهند مع الصين في 1962 وباكستان في 1965 و1971)، وحروب إسرائيل (في 1956، و1967، و1973). 

- كلا الدولتين تحاربان الإرهاب والتمرد.

- كلا الدولتين منارتان للديمقراطية والحرية في محيط إقليمي غير مستقر. 

•اعترفت الهند رسمياً بإسرائيل في 17 أيلول/سبتمبر 1950. وبعد ذلك بمدة قصيرة أنشأت الوكالة اليهودية مكتبا للهجرة في مدينة "مومباي" الذي تحول لاحقاً إلى مكتب للتجارة وفي  نهاية المطاف إلى قنصلية. وسهلت القنصلية هجرة آلاف الهنود اليهود الطوعية إلى إسرائيل. وفتحت سفارتان عام 1992 لدى قيام علاقات دبلوماسية كاملة.

•تعززت علاقات الهند بإسرائيل نتيجة مخاوف استراتيجية [مشتركة] وتهديدات أمنية ومصالح اقتصادية، وتوطدت بثبات منذ أقامت الدولتان علاقات دبلوماسية كاملة عام 1992.

•ويرجع منشأ "تقارب" هندي مع إسرائيل إلى حكومات حزب الـ "بهاراتيا جاناتا" (BJP) المتعاقبة من عام 1999 إلى عام 2004. وشكلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون إلى "دلهي" عام 2003 تحولاً مهماً في العاصمة الهندية "نيودلهي"، لكن هذا الزخم لم يعمّر طويلاً. ولاحقاً، حافظت حكومة "التحالف التقدمي المتحد" (UPA) بقيادة حزب "المؤتمر الوطني الهندي" على علاقات وثيقة مع إسرائيل بوصفها شريكاً أمنياً مهماً، لكنها أبقت هذه العلاقات بعيدة عن الأضواء.

•ونجحت حكومة رئيس الوزراء الهندي [ناريندرا] مودي في تنمية وترسيخ العلاقات مع إسرائيل. وعندما التقى رئيس الحكومة نتنياهو برئيس الوزراء مودي على هامش افتتاح الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/سبتمبر 2014، قال نتنياهو: "ليس هناك حدود" لآفاق العلاقة بين الدولتين. ومن ذلك الحين، كان هناك عدد من الزيارات رفيعة المستوى والتفاعلات، ومن ضمنها زيارة لوزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعَلون إلى الهند في شباط/فبراير 2015، الأولى من نوعها لوزير دفاع إسرائيلي.

•وكانت زيارة الرئيس الهندي براناب موخرجي إلى إسرائيل في 2015- الأولى من نوعها لرئيس جمهورية هندي- مؤشراً على تحول لافت في العلاقات بين الهند وإسرائيل.

•وقامت وزيرة الخارجية الهندية سوشما سوآراج بزيارة لإسرائيل في كانون الثاني/يناير 2016. وأتت زيارة وزيرة الخارجية في إطار الجهد الهندي المبذول حاليا لتوسيع وتعميق تعاون الهند مع إسرائيل.

•وقام الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بزيارة إلى الهند في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، استمرت ستة أيام. وكان ريفلين أول رئيس إسرائيلي يزور الهند منذ 20 عاما. وآخر رئيس إسرائيلي زار الهند هو عيزر وايزمن، في كانون الثاني/يناير 1997. واعترف علنا بأن الغاية الرئيسية من الزيارة تمهيد الطريق لزيارة رئيس الوزراء الهندي مودي إلى إسرائيل في 2017، التي ستكون أول زيارة من نوعها لرئيس وزراء هندي إلى هذا البلد.

 

علاقات الأمن والدفاع

•تجمع الدولتين علاقة وثيقة في مجالات الدفاع وأمن الجبهة الداخلية والاستخبارات. ولقد ثبت أن مخاوف مشتركة حيال الإرهاب، فضلاً عن رغبة الهند في تنويع مصادر تزودها بالأسلحة، وفي الحصول على تكنولوجيا أفضل، وفي المشاركة في تطوير وإنتاج عتاد عسكري هي محركات رئيسية لهذه العلاقة.

•ومن المنظور الإسرائيلي هناك مصالح استراتيجية وتجارية، ومن ضمنها حاجة إسرائيل لاختراق أسواق إضافية أفضت إلى جعل الهند شريكاً وثيقاً وأكبر زبون للشركات الأمنية/العسكرية الإسرائيلية.

•والعلاقات الأمنية هي الأهم بالنسبة للدولتين، فبين عامي 2005 و2014 باتت إسرائيل ثالث أكبر مورد للأسلحة إلى الهند بعد روسيا والولايات المتحدة، وباتت الهند أكبر مشتر للعتاد العسكري الإسرائيلي. وتبلغ صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى الهند أكثر من مليار دولار في السنة، وهي تشمل صواريخ وطائرات بلا طيار وأنظمة أسلحة.

•وأعلنت شركة "الصناعات الجوية الإسرائيلية" (IAI) في 6 نيسان/أبريل 2017 أنها فازت بصفقات في الهند تصل قيمتها الإجمالية إلى مليارَيْ دولار. وفي إطار صفقة واحدة ضخمة قيمتها 1,6 مليار دولار، وهي أكبر صفقة بيع أسلحة في تاريخ الصناعات العسكرية الإسرائيلية، ستقوم "الصناعات الجوية الإسرائيلية" (IAI) بتزويد الجيش الهندي بمنظومات دفاع جوية وصاروخية متوسطة المدى (MRSAM) ["باراك 8"]. وستقوم الشركة أيضاً بتزويد سلاح الجو الهندي بمنظومات دفاع جوية وصاروخية بعيدة المدى (LRSAM).

•ومنظومة MRSAM هي دفاعات جوية وصاروخية متطورة تؤمن حماية ضد مجموعة تهديدات من الجو. وهي في نسختها الحالية منظومة عملانية في كل من سلاح الجو الهندي وسلاح البحر الهندي وقوات الجيش الإسرائيلي. وتشمل المنظومة نظام رادار متطور مزود بمصفوفة طورية (phased-array)، وأنظمة تحكم، ومنصات إطلاق متحركة، وصواريخ مزودة بباحث راداري نشط (RF Seeker). وهذه المنظومة ثمرة تطوير مشترك لصالح الجيش الهندي بين كل من شركة "الصناعات الجوية الإسرائيلية" (IAI) ومنظمة البحث والتطوير الأمني/العسكري الهندية (DRDO)، بالتعاون مع شركة "رفائيل" [الإسرائيلية] وشركة "إلتا" التابعة للصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI)، وشركات هندية متعددة ومنها "BEL"، وL&T، و "BDL"، وموردين آخرين من القطاع الخاص.

•ودشن سلاح البحر الهندي منظومة جديدة متكاملة للدفاع والمراقبة الساحلية تحت الماء (IUHDSS) مطوّرة في إسرائيل. وستعزز المنظومة أمن المركبات البحرية العاملة فوق الماء وتحته التي تشغلها البحرية الهندية في ميناء "مومباي" البحري.

•وآخر الصفقات الأمنية/العسكرية تشمل شراء صواريخ من طراز "سبايك" مضادة للدبابات. وقد جرى تطوير هذا الطراز في إسرائيل لغرض ضربات صاروخية أرض - أرض ضد دبابات العدو. وهذا الصاروخ بمثابة ذخيرة من نوع "أطلق وإنس" (Fire and forget) [يصيب هدفه بفضل المستشعرات الحرارية بداخله]. وسيحصل الجيش الهندي على 321 منصة إطلاق لصاروخ "سبايك" وعلى 8356 صواريخ موجهة مضادة للدبابات (ATGM) من إنتاج شركة "رفائيل" بقيمة مليار دولار. ويجري تسليم كل العتاد على مدار 60 شهراً، أي خلال خمسة أعوام. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2014، أنفقت الهند 525 مليون دولار على شراء 8000 صاروخ "سبايك" مضاد للدبابات و300 منصة إطلاق.

•والمعروف أن إسرائيل شريك [عسكري] موثوق فيه وأنها ساعدت الهند "عندما كانت في أمس الحاجة للمساعدة". فقد زودت الهند بالسلاح إبان حرب 1971 وإبان أزمة "كارجيل" [إقليم كشمير المتنازع عليه] عام 1999. 

 

العلاقات الاقتصادية

•من 200 مليون دولار عام 1992 (أساسا تجارة الألماس)، وصل حجم التبادل التجاري البيني إلى 5,19 مليار دولار في 2011. واستقر على نحو 4,5 مليار دولار في السنة منذ ذلك الحين (باستثناء صادرات الأسلحة). 

•ومع أن تجارة الألماس تشكل ما يقارب 50% من حجم التبادل التجاري البيني، تنوعت التجارة في السنوات الأخيرة بحيث باتت تشمل فروعاً عديدة مثل صناعة الأدوية، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأمن الجبهة الداخلية.

•وتشمل الصادرات الرئيسية من الهند إلى إسرائيل أحجاراً كريمة ومعادن ومنتجات كيماوية ومنسوجات وشتولا وخضارا ومنتجات معدنية. وتشمل مستوردات الهند الرئيسية من إسرائيل أحجاراً كريمة ومعادن وكيماويات (أساساً البوتاس) ومعادن أساسية وآليات ومعدات نقل. 

•ونمت العلاقات الاقتصادية في السنوات الأخيرة لتشمل تعاوناً في قطاع الزراعة وإدارة المياه والبحث والتطوير. وفي 2006، وقّع وزيرا الزراعة الإسرائيلي والهندي اتفاقية تعاون وتدريب بعيدة المدى، خاضعة منذ ذلك الحين لإشراف خبراء ميدانيين من [وكالة التعاون] "مشاف" (Mashav)، وهو برنامج تنمية عالمي تديره وزارة الخارجية الإسرائيلية. وفي 2008، أنشأ البلدان صندوقاً مشتركاً لتطوير الزراعة بقيمة 50 مليون دولار، مع التركيز على تكنولوجيا صناعة الألبان والزراعة والري بالتنقيط. وفي 2011، وقعت الهند وإسرائيل اتفاقية لتعزيز التعاون في مجال أنظمة شبكات المياه المدنية، بعد أكثر من عشرة أعوام من البحث والتطوير والاستثمار المشترك في تقنيات المياه في كلا البلدين.

•وفي أيار/مايو 2013، أعلنت إسرائيل أنها ستساعد الهند في تنويع وزيادة محاصيلها من الفواكه والخضار من خلال تقديم تكنولوجيا متطورة وخبرة لهذه الدولة. وستساعد إسرائيل في إقامة 28 مركزاً للتميز في أرجاء الهند مع التركيز على محاصيل فواكه وخضار محددة. 

•وتجري الدولتان حالياً مفاوضات ثنائية بهدف توقيع اتفاقية للتجارة الحرة [إلغاء التعريفات الجمركية]، ويحاول كل منهما تشجيع الآخر على الاستثمار أكثر. ولقد أفضى نجاح شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية والإسرائيلية إلى الاهتمام بالتعاون ضمن هذا القطاع على وجه الخصوص.

•وتحاول الحكومتان زيادة التفاعل البيني من خلال تبادل البعثات التعليمية والسياحية، محققة بعض النجاح. وأفاد مسؤولون في قطاع السياحة الإسرائيلية عن زيادة عدد الوافدين من الهند بحيث بلغ 40 ألف سائح هندي عام 2015. وفي المقابل، تضاعف عدد السائحين الإسرائيليين في الهند خلال السنوات ال 15 الأخيرة، ومنهم آلاف الإسرائيليين الذين زاروا الهند بعد إتمام الخدمة العسكرية الإلزامية. 

•وتسعى الحكومتان إلى تسهيل إقامة علاقات اقتصادية أشمل، فضلا عن تعزيز التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا. والتجارة الثنائية مزدهرة ومن المتوقع أن تنمو أكثر في السنوات القادمة. 

 

تكنولوجيا الفضاء

•تعاونت الدولتان سابقا في مجال تكنولوجيا وأبحاث الفضاء. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2002، وقع رئيس برنامج أبحاث الفضاء الإسرائيلي ورئيس منظمة أبحاث الفضاء الهندية- "إيسرو" (ISRO) اتفاقية تعاون في مجال الفضاء بين البلدين. وفي عام 2008، أطلقت "إيسرو" قمر الاستطلاع [التجسس] الإسرائيلي TechSAR على متن نظام الإطلاق الهندي [المعروف باختصاره] .PSLV

•وفي كانون الأول/ديسمبر 2016، ذهب وزير العلوم والتكنولوجيا والفضاء الإسرائيلي، أوفير أكونيس، إلى الهند في زيارة مدتها أربعة أيام وكانت الغاية منها دفع مشاريع بحث وتطوير مشتركة في مجال التكنولوجيا والعلوم التطبيقية ومن ضمنها شراكات فضاء في مجالات مراقبة كوكب الأرض والاتصالات والدفع الصاروخي.

•وفي الآونة الأخيرة، أعلنت وكالة الفضاء الهندية في 15 شباط/فبراير 2017 عن إطلاق ناجح لرقم قياسي من الأقمار الصناعية بتقنية النانو (104 أقمار) إلى الفضاء، وذلك على متن صاروخ واحد.

•وقالت منظمة أبحاث الفضاء الهندية (ISRO) أن هذا الإطلاق - المعلم من مركز الفضاء الهندي "سريهاريكوتا" في جنوب البلاد يكسر الرقم القياسي الروسي الذي بلغ 37 قمراً صناعياً [موضوعين] على متن صاروخ واحد في العام 2014. وكان على متن الصاروخ الهندي قمر صناعي إسرائيلي صغير، الأول من نوعه وثمرة أبحاث أكاديمية إسرائيلية، وهو يقوم بمهام علمية لصالح جامعة بن غوريون في النقب.  

 

الحالة الفلسطينية

•مع إبقاء مصالح الهند الاستراتيجية الأوسع وفقاً لأهميتها النسبية، سارت حكومات الهند المتعاقبة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي بمرونة على خط دقيق، بين التعبير عن اهتمام حقيقي بالقضية الفلسطينية وبين تعزيز علاقات البلد التجارية والأمنية مع إسرائيل. ولم يواكب تعميق علاقة أكثر علنية مع إسرائيل تغيير في سياسة الحكومة الهندية تجاه فلسطين. بل أكدت حكومة مودي أن سياسة الهند حيال المسألة الفلسطينية لم يطرأ عليها أي تغيير أساسي. ويبدو أن ما تحاول حكومة مودي فعله هو إبقاء العلاقتين على مسارين متوازيين وجعل كلتاهما أكثر مباشرة ومرئية، وغير مترابطتين، مع توضيح أنه لا يجوز لأي طرف أن يضع فيتو على علاقات الهند مع الطرف الآخر.      

 

خلاصة

•مما لا ريب فيه أنه منذ تسلم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زمام الحكم في عام 2014، تعمل الهند وإسرائيل على تعميق العلاقات بينهما في مجالات الأمن ومحاربة الإرهاب والعلوم والتكنولوجيا والزراعة واستكشاف الفضاء وعدة مجالات أخرى. ويمكن أن ينسب الفضل إلى رئيس الوزراء مودي في رفع مستوى البعد الاستراتيجي للشراكة الهندية - الإسرائيلية من خلال الكشف عن علاقتهما علناً. وعلاقات مودي الوثيقة بإسرائيل يمكن إرجاعها إلى الفترة التي كان فيها كبير وزراء ولاية "كجرات" الهندية، عندما لعبت إسرائيل دورا بارزا في مساعدة هذه الولاية على تحقيق نمو اقتصادي ملفت في عهد مودي.

 

•وتعزيز العلاقات الاقتصادية ودفع التعاون الأمني/العسكري هما على جدول أعمال كل من الهند وإسرائيل. وهذا التعاون بين الدولتين كفيل بدفع علاقتهما الثنائية إلى مستويات أعلى. وستكون زيارة رئيس الوزراء مودي إلى إسرائيل في 2017 معلما ملحوظا في العلاقات الثنائية للبلدين وستؤكد مجدداً على الرابطة المتينة التي تجمعهما. 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  نشرهذا المقال أيضاً على الموقع الإلكتروني [الهندي] التالي: http://diplomatist.com/dipo201703/article002.html  

  رئيس الأبحاث في معهد السياسة والاستراتيجيا (IPS) وباحث في مركز هرتسليا المتعدد الاختصاصات