•في الأسابيع الأخيرة قام حزب الله برفع حالة التأهب في منطقة الحدود بين إسرائيل ولبنان وكثف قواته المُرابطة في هذه الجبهة. ويمكن تقدير أنه لا يقف وراء هذه الخطوة أي تغيير في المصالح والسياسة التي يتبعها الحزب في الآونة الأخيرة، كما أنه لم يكن هناك أي استفزاز عسكري. إن ما يثير حزب الله هو النشر الواسع في إسرائيل عن حرب محتملة في الصيف القريب. ويبدو أن هذا النشر تسبّب برفع حالة التأهب وتكثيف القوات والقيام بجمع مكثف لمعلومات استخباراتية على طول منطقة الجدار الحدودي. كما يبدو أنه على خلفية آخر التصريحات في إسرائيل، يقدّر المسؤولون في حزب الله أن الجيش الإسرائيلي سيستغل الانتشار الواسع لقوات الحزب في سورية والذي ألزمه بتخفيف حجم قواته في جنوب لبنان كي يشنّ هجوماً.
•وحتى عندما يعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان كما فعل بالأمس أمام مراسلي الشؤون العسكرية، أنه ليس في نية إسرائيل الخروج إلى حرب في لبنان أو في غزة، فإن المسؤولين في حزب الله لا يصدقونه. ويفضل السيّد حسن نصر الله الذي يعتبر نفسه خبيراً في الأمزجة السائدة في إسرائيل، أن ينصت إلى التيارات تحت الأرضية في المؤسسة الأمنية والحكومة، والتي تحثّ على الاستباق والقيام بتوجيه ضربة الآن وعدم انتظار التسوية في سورية.
•يفضّل نصر الله مثلاً أن يصدّق مشاعر قائد إسرائيلي على خط الحدود حذّر أخيراً من أن الجدار الذي تقوم إسرائيل ببنائه على الحدود من شأنه أن يجتذب نار حزب الله في الصيف. وثمة شك في أن يكون هذا القائد نفسه يدرك أن أي كلمة تخرج من فمه يجري التعامل معها في الطرف الآخر بصفتها سياسة لحكومة إسرائيل وليس كتقويم خاص به للوضع القائم. وهذا هو ما ينطبق أيضاً على تسريبات بشأن تفوهات تصدر عن وزراء إسرائيليين يسعون إلى قرص وزير الدفاع وشرح ما ينبغي عليه عمله في مقابل زيادة وتيرة تسلح حزب الله في لبنان، وسرعان ما يأخذها الطرف الآخر على محمل الجدّ.
•لا شك في أنه كي تنشب حرب في الشمال في المدى المنظور يجب أن تحدث انعطافة دراماتيكية. إن مثل هذه الانعطافة يمكن أن تحدث في حال تسببت إسرائيل بأضرار فادحة للمصالح الإيرانية في المنطقة، وعندها من المتوقع أن يوجه الإيرانيون تعليمات إلى حزب الله بشنّ هجوم. كما أن استمرار تسلح حزب الله الذي يتجاوز "الخطوط الحمر" لإسرائيل مثل تزوده بسلاح كيميائي، يشكل دعوة للحرب. وسائر المقاييس بما في ذلك إقامة مصانع سلاح إيرانية لحزب الله في لبنان، لا تُعدّ مبرراً للحرب ويمكن معالجتها بشكل سري وبتغطية إعلامية متدنية.
•من الواضح أن مخططات الحرب على جانبي الحدود جاهزة وجرى التدرب عليها. مع ذلك ثمة عنصر واحد فقط ما يزال مفتقراً إلى حل جيد والطرفان يخشيانه وهو ما يشكل عملياً الكابح المركزي لقارعي طبول الحرب، وهو ملايين السكان المدنيين عندنا وعندهم. صحيح أن استعدادات إسرائيل للاهتمام بالسكان أثناء الحرب أفضل بكثير من تلك التي في لبنان، لكن حتى عندنا يدركون أن إخلاء مئات الآلاف إلى الجبهة الداخلية البعيدة [عن مرمى نيران حزب الله] هو حملة لوجستية معقدة ومركبة ستترك العديد من السكان في الشمال تحت وابل النار.
•في المقابل يسكن في جنوب لبنان نحو مليون نسمة ليس لهم أي حل إذا ما نشبت حرب، معظمهم يسكن في نحو 270 قرية وبلدة هي بمثابة أهداف شرعية لأي هجوم إسرائيلي نظراً إلى كونها تشكل قواعد عسكرية بكل معنى الكلمة. في هذه القرى يسكن أفراد حزب الله، وهناك تقام العوائق، ويتم نصب الصواريخ المضادة للدبابات والقذائف الصاروخية، وزرع العبوات الناسفة والألغام، وإقامة قواعد الاستخبارات وقيادات التحكم. كل قرية كهذه تشمل عشرات أو حتى مئات الأهداف. وضاعفت إسرائيل كمية السلاح الدقيق لديها ولا سيما من الجو لمنع إلحاق أي ضرر بيئيّ قدر الإمكان، لكن أمام كمية كهذه من الأهداف فمن المُرجّح أن تستخدم إسرائيل قوة نار هائلة لن تجعل الحرب نقيّة وستؤدي إلى تدمير مناطق بأكملها.
•خلال حملة "تصفية الحساب" التي قامت إسرائيل بشنها سنة 1993 استخدمت "خطة تخويف" كان هدفها تهريب السكان إلى بيروت لممارسة الضغط على حكومة لبنان. أما الآن فلا أحد يهتم بمثل هذه الرافعات وإنما بتدمير الأهداف وعلى وجه السرعة. وبالتالي فلن يكون للسكان وقت كاف للهرب. وسيكون آلاف المواطنين في الجانب اللبناني عرضة للمساس. وعندها لن تكون إسرائيل وحدها بحاجة إلى رفع تقرير للأسرة الدولية ولنفسها عن المس المكثف بالسكان، بل أيضًا حزب الله سيكون بحاجة إلى رفع تقرير إلى السكان والرأي العام في لبنان.
•لا توجد لدى الطرفين رغبة في بدء القتال، لكن استعراض العضلات الجاري في الآونة الأخيرة هو قصة أخرى. ويبقى الخطر كامناً في أن المسدس المشحون موضوع على الطاولة منذ عشر سنوات، فضلاً عن أن الانتقال من خطأ في قراءة الخريطة إلى الامتشاق غير المنضبط للسلاح سريع للغاية، كما كانت الحال في حرب لبنان الثانية (2006) وفي عملية "الجرف الصامد" العسكرية التي قام الجيش الإسرائيلي بشنها في قطاع غزة في صيف 2014.