•يوم الخميس الماضي كان من المفترض أن تحدث بعيداً عن الاعلام جولة سرية حساسة جداً سياسياً. فقد طلب جيمس غرينبلات، موفد الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، القيام بجولة في شمال منطقة السامرة التي أخلتها إسرائيل خلال خطة الانفصال [عن قطاع غزة] سنة 2005.
•وقد حددت إدارة ترامب شمال السامرة كمنطقة محتملة للقيام بخطوة إسرائيلية تعبر بالنسبة للعالم العربي عن التزام إسرائيل بالاعتراف بحل الدولتين. والمقصود هنا نقل أراض واقعة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة إلى سيادة فلسطينية جزئية، مدنية فقط. وبتعبير أكثر تداولاً: نقل أراض من منطقة "ج" إلى منطقة "ب". وتبدو هذه الخطوة في نظر الأميركيين كمهمّة محتملة للحكومة الإسرائيلية في إطار الصفقة الكبيرة مع العالم العربي.
•طلب غرينبلات أن يرافقه في الجولة اللواء يوآف (بولي) مردخاي، منسق الأنشطة في المناطق [المحتلة]. وما كان يخطر ببال بولي المشاركة في الجولة من دون الحصول على موافقة نتنياهو وليبرمان، اللذين يعرفان بدقة ماذا يريد أن يفحص غرينبلات. وبالتالي يتضح أن التكذيبات الصادرة عن مكتب رئيس الحكومة التي تنفي أن الأميركيين طرحوا على إسرائيل امكانية نقل أراض من منطقة "ج" إلى "ب" بعيدة عن الحقيقة.
•يوم الأربعاء سُرب خبر إلى القناة العاشرة بأن الإدارة الأميركية طرحت فكرة نقل أراض إلى المسؤولية المدنية للفلسطينيين، وأن الجولة التي كان غرينبلات يعتزم القيام بها في السامرة قد أُلغيت. في اليوم التالي التقى غرينبلات ونتنياهو، ويمكن الافتراض أنه خلال الاجتماع طرحت أفكار بشأن دور إسرائيل في الصفقة التي يجري حبكها في الشرق الأوسط.
•لقد تحدث غرينبلات ومساعدوه إلى السعوديين والإمارتيين والفلسطينيين عن وجود ورقة عمل لديهم بشأن "إعادة تعريف مناطق في الضفة". وهم لا يتحدثون عن تغيير حدود أراض كبيرة، بل عن أراض صغيرة، شيء رمزي يمكن أن يلمح للعالم العربي بأن إسرائيل مستعدة للسير قدماً باتجاه حل الدولتين ليس بالكلام فقط، وأنه ليست لديها نيه لضم المناطق كلها.
•وإلى جانب فكرة نقل أراض في السامرة إلى منطقة "ب"، طرح الأميركيون فكرة أخرى سبق أن نوقشت في المؤسسة الأمنية قبيل تسلم ليبرمان منصبه، وذلك كجزء من سياسة "العصا والجزرة". والمقصود هنا "شرعنة" البناء الفلسطيني غير القانوني الذي ينزلق من منطقة "ب" إلى أراضي منطقة "ج"، وذلك لمنع حدوث انفجار على الأرض. ويجري الحديث هنا عن 20 ألف مبنى موزعين على مئات النقاط صدرت بحق 13 ألف منهم أوامر هدم، وقد نفذ 3500 أمر هدم حتى الآن. وهذه الفكرة التي باعها الجيش إلى ليبرمان تبناها الأميركيون، الذين مضوا بها خطوة أخرى: تقومون بشرعنة المنازل، وتعلنون أن ما يجري هو نقل أراضي من منطقة "ج" إلى "ب". والمقصود مئات من نقاط صغيرة، وأرض غير كبيرة- وهذا يكفي.
•طرحت فكرة "شرعنة منازل" على المجلس الوزاري المصغر عشية وصول ترامب إلى إسرائيل كبادرة حسن نية إسرائيلية حيال رئيس لا يمكن توقع ردات فعله. لكن وزراء المجلس اختزلوا القصد الأميركي، ووافقوا - لأسباب إنسانية - على وقف هدم المنازل، ولم يذكروا مسألة نقل أراضي من "ج" إلى "ب". ويبدو أن رئيس الحكومة يلاقي صعوبة في الالتزام بالحد الأدنى من التعهدات التي قدمتها الولايات المتحدة للعرب.
•يطلب الأميركيون من الفلسطينيين أيضاً ما يبدو اليوم مستحيلاً، مثل إخراج التعاون الأمني مع إسرائيل من الخفاء إلى العلن، ووقف توزيع المال على المخربين في السجون وغيرها. كما طلبوا من السعوديين، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، خطوات تطبيعية أولى إزاء إسرائيل، مثل مد خطوط هاتف مباشرة بين الدولتين، ومنح الإسرائيليين إمكانية إجراء صفقات في السعودية، وتحليق طائرات إسرائيلية فوق السعودية في طريقها إلى الشرق الأقصى.
•الآن، يتعين على كل طرف أن يقدم ما هو مطلوب منه. غرينبلات بقي في المنطقة كي يتأكد من أن أحداً لن يتهرب. في المرحلة المقبلة، سيخطط الأميركيون لعقد قمة في واشنطن، وبعدها إجراء مفاوضات متزامنة بين إسرائيل والعالم السني وعلى رأسه السعودية، ومع الفلسطينيين. يضغط المحيطون بترامب من أجل عقد قمة واشنطن خلال شهر لتحقيق إنجاز في الساحة الدولية. وإذا جرت الموافقة على وجهة النظر هذه يمكن أن تجد إسرائيل نفسها تحت كم من الضغوطات يمارسها عليها أهم صديق لنتنياهو في البيت الأبيض.