من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
الجزء الأول
•تقرير مراقب الدولة المتعلق بعملية "الجرف الصامد" المتوقع أن ينشر في نهاية هذا الشهر بعد انتهاء الجولة الحالية لزيارات رئيس الحكومة في العالم، سيثير اهتماماً جماهيرياً كبيراً حول ثلاث وجهات نظر أساسية تتعلق بالمعركة: الأداء الرديء للطاقم الوزاري المصغر خلال القتال؛ عدم استعداد المؤسسة الأمنية لمواجهة خطر الأنفاق التي بنتها "حماس"؛ والفجوات الاستخباراتية المتعلقة بتطور التهديد من غزة. وعلى خلفية النسخ الكثيرة للتقرير التي سُرّبت إلى وسائل الإعلام، يبدو أن معظم الوقائع والاستنتاجات التي تضمنها أصبح معروفاً للجمهور. على الصعيد السياسي سيستخدم التقرير كسلاح في المواجهة الدائرة بين حزب البيت اليهودي والليكود على خلفية احتمال انهيار الائتلاف الحكومي في النهاية بسبب التحقيقات ضد نتنياهو.
•لكن التقرير لا يبحث - ومنذ البداية لم يقرر مراقب الدولة البحث - في مسألة مركزية يجب أن تشغل تفكير إسرائيل. وعلى افتراض أن إسرائيل ستخوض المزيد من المواجهات مع تنظيمات إرهابية وحرب عصابات يهاجم مقاتلوها سكانها المدنيين وتُوجه صواريخها وقذائفها بصورة أساسية ضد مواطني إسرائيل، يجب على إسرائيل أن تعرف أنها قادرة على الانتصار في مثل هذه المواجهة. ويشدد الوزيران أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينت لأسباب سياسية، على مطالبتهما بأن تنتهي المعركة المقبلة بالحسم ضد حزب الله و"حماس". ولكن من دون الانجراف وراء أحكامهما القاطعة، وحتى من دون الدخول في نقاش مسألة ماهية الحسم في حرب ضد تنظيم لادولتي، من الأجدى الاعتراف بالواقع: منذ أكثر من عقد (وهناك من يقول منذ عدة عقود) لم ينجح الجيش الإسرائيلي في إنهاء مثل هذه المعارك بانتصار واضح.
•لقد انتهت الانتفاضة الثانية في صيف 2005 تقريباً بنجاح إسرائيلي في كبح حملة إرهاب الانتحاريين التي قادتها "حماس" و"فتح" والجهاد الإسلامي. وكلف الصراع الجانب الإسرائيلي خسائر كبيرة (أكثر من ألف قتيل)، وزاد في حدة الخلفية السياسية لمستقبل المناطق [المحتلة]. كما أدى إلى قرار رئيس الحكومة أريئيل شارون تحت الضغط الدولي وهجمات الإرهاب، بإخلاء المستوطنات في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. وفي الوقت عينه ساعد هذا النجاح الجيش الإسرائيلي في إقناع نفسه بأنه مستعد بصورة جيدة للمعركة المقبلة. ولكن عندما نشبت هذه الحرب في لبنان [حرب تموز/يوليو 2006]، اتضح أن هذا الافتراض غير صحيح. فعلى الرغم من الأضرار التي تسبب بها الجيش الإسرائيلي لحزب الله، إلا أنه لاقى صعوبة في تنفيذ خططه العسكرية والمناورة على الأرض اللبنانية بصورة فعالة، وفي القضاء على نيران الكاتيوشا التي استمرت حتى نهاية الحرب.
•بعد مرور عامين ونصف العام، ومع رئيس أركان جديد (لكن مع بقاء إيهود أولمرت رئيساً للحكومة) شن الجيش الإسرائيلي عملية "الرصاص المسبوك"، العملية الأولى من ثلاث عمليات ضد القطاع. وهنا أيضاً تلقت "حماس" ضربة قاسية، لكن المناورة البرية الإسرائيلية في القطاع كانت محدودة جداً في حجمها، وكان التطلّع الأساسي للقادة العسكريين هو الحؤول دون وقوع عدد كبير من المصابين. وجرى تسويق العملية للجمهور بصفتها عملية ناجحة وكتعويض شامل عن أضرار حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]. لكن عملياً، وعلى الرغم من عودة الجيش إلى التدرب بصورة جذرية وإعداد نفسه للمعركة بصورة منهجية، فإنه لم يختبر في غزة تحدياً عسكرياً حقيقياً.
•في العام 2012 ومع نتنياهو رئيساً للحكومة وإيهود باراك وزيراً للدفاع، اكتفت إسرائيل بمعركة جوية استمرت لمدة أسبوع (عملية عمود سحاب) وامتنعت عن قصد عن الدخول البري إلى القطاع. ومرة أخرى، وعلى الرغم من الأضرار التي تكبدتها "حماس" (اغتيال رئيس أركانها العسكري أحمد الجعبري، وتدمير الجزء الأكبر من صواريخ فجر الإيرانية التي كانت لديها)، فإن المعركة لم تنته بخسارة بالنسبة إلى "حماس". والاستعداد الإسرائيلي، بوساطة مصرية، على الموافقة على تقليص المجال الأمني القريب من الحدود من 500 متر إلى 100 متر فقط داخل الأراضي الفلسطينية، جعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي الكشف عن حفر الأنفاق الهجومية.
•لقد كان هذا تطوراً أحسنت "حماس" استغلاله في معركة "الجرف الصامد" لاحقاً، في العام 2014. وأيضاً آنذاك كانت النتائج مختلطة. صحيح أن "حماس" لم تحقق أياً من الأهداف التي وضعتها لنفسها، مثل رفع الحصار عن غزة وإنشاء ميناء، لكن إسرائيل قاتلت 51 يوماً، ولم تقض على منظومة الصواريخ في القطاع وألحقت ضرراً مؤقتاً فقط بخطة الأنفاق الهجومية. لقد انتهت عملية "الجرف الصامد" مثل المعارك التي سبقتها، بتعادل مؤسف.
•هذه الأمور معروفة جيداً لدى أعضاء رئاسة الأركان العامة. ففي جلسة أجراها رئيس الأركان في ذلك الوقت، بيني غانتس، فور انتهاء العملية، انتقد بعض المشاركين بشدة أداء الجيش في الحرب، وفضّل آخرون كانوا يفكرون مثلهم الصمت. وقد اعترف التحقيق الذي أجراه سلاح الجو عن الحرب، والذي انتهى قبل بضعة أشهر، بالفجوات الصعبة في معالجة إطلاق الصواريخ. ووجد تحقيق أجرته رئاسة الأركان العامة بصورة منفردة وترأسه اللواء يوسي بكار في قضية الأنفاق، عيوباً خطيرة في معالجة الجيش الإسرائيلي لهذا التهديد طوال سنوات. على صعيد الأنفاق، يبدو أن الجيش الإسرائيلي اتخذ منذ ذلك الحين سلسلة خطوات حسنت إلى حد ما الاستعداد الإسرائيلي: بداية، نشر عائقاً هندسياً وتكنولوجياً غالي الثمن حول السياج الحدودي مع غزة (لم تختبر جداوه بعد)، وتم تطوير عقيدة عسكرية لمواجهة التهديد، وتدريب وحدات خاصة وزيادة وحدة الهندسة بما يقارب الثلث، ومن المفترض أن تتولى هذه الوحدة معالجة ذلك.
•وفي المقابل، فإن الصورة في مواجهة إطلاق الصواريخ بعيدة عن أن تكون مشجعة. والمشكلة الأساسية تتعلق باحتمال نشوب حرب غير متوقعة مع حزب الله في الجبهة الشمالية. إن حجم ترسانة القذائف والصواريخ الموجودة لدى حزب الله - والتي تبلغ نحو 80 ألفاً وفق التقديرات الأخيرة - سيجعل من الصعب على المنظومة الاعتراضية للجيش الإسرائيلي مواجهة هذا الخطر. وحتى بعد انضمام العصا السحرية في نهاية السنة، وهي تشكل طبقة وسطى بين منظومتي حيتس والقبة الحديدية، فإن الرد الدفاعي ليس كاملاً. ويمكن افتراض أن عدد الصواريخ الاعتراضية التي لدى إسرائيل سيكون أقل من عدد الصواريخ التي لدى حزب الله، نظراً لأن كلفة إنتاج الصواريخ الاعتراضية العالية لا تتيح إنتاجها بصورة غير محددة. وستضطر المؤسسة الأمنية إلى إدارة جيدة لسلاح الصواريخ الاعتراضية الذي لديها من أجل مواجهة خطط الضربات التي سيقوم بها حزب الله، والتي تتضمن إطلاق أكثر من ألف صاروخ وقذيفة يومياً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية أثناء الحرب، وذلك بعد ضربة ابتدائية من المحتمل أن تكون أقوى بكثير.