نتنياهو يقود نحو الجريمة السياسية القادمة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•عشية يوم السبت امتلأت ساحة رابين بالحشود، ولم يحدث هذا بفضل كاريزما رئيس المعارضة يتسحاق هيرتسوغ، فقد قام رئيس الائتلاف ديفيد بيتان بدور المعارضة من خلال تصريحاته المثيرة للغضب التي قال فيها إن "اغتيال رابين ليس جريمة سياسية". إن عشرات الآلاف الذين تجمعوا في الساحة وسارعوا إليها بعد سماع كلماته، جاؤوا كي يثبتوا أن تكتيك دونالد ترامب الذي يتحول الكذب في رأيه إلى حقيقة إذا كررناه مرات عديدة، لا ينجح في إسرائيل. 

•ولكن لماذا نلوم الرسول؟ فالصوت هو صوت سيد بيتان – صوت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. إن سكوت بنيامين نتنياهو المدوي على كلام بيتان هو محاولة بائسة لإعادة كتابة التاريخ، وتبرئة نفسه من المسؤولية الشخصية في جريمة يتسحاق رابين. نعم، إن نتنياهو مسؤول عن قتل رابين لأنه سمح للتحريض الأهوج لأوساط اليمين بالعربدة ولم يكبحه، وهو بذلك أضفى عليه صفة رسمية بحيث أصبح خارجاً عن السيطرة.

•إن اغتيال رابين هو بالطبع جريمة سياسية لأن هذه الجريمة جرت بسبب مواقفه السياسية على يد رجل يميني متشدد معارض له سياسياً. لذا فإن السياسي الذي ترأس المعسكر الذي خرج منه القاتل، يتحمل مسؤولية ما حدث. ويجب أن نلفت الانتباه إلى أن المسؤولية لا تعني الاتهام. ليس هناك من يتهم نتنياهو بأنه قصد التحريض على قتل رابين، أو أنه تخيل أن التحريض الكبير في الشوارع ضد عملية أوسلو وضد رئيس الحكومة الذي قاد هذه العملية، سيؤدي إلى الاغتيال. ومن المؤكد أن نتنياهو لم يتخيل قط إمكانية حصول جريمة سياسية، ولذلك فهو غير مذنب. لكنه هو المسؤول، لأن الزعيم في دولة ديمقراطية مسؤول عن إجراء حوار ديمقراطي، وتشمل مسؤوليته هذه لجم الاشتباكات، ومنع التحريض، والقضاء على الكراهية في مهدها. 

•لم يقدم نتنياهو على أي خطوة من هذه الخطوات قبل اغتيال رابين، وما يصدم أكثر أنه لا يفعل شيئاً من هذا الآن. على العكس من ذلك فإن صمته الآن محاولة لتبرئة نفسه من مسؤولية صمته حينذاك، وهو بمثابة إعطاء موافقة رسمية مجدداً للتحريض. فإذا لم يكن اغتيال رابين جريمة سياسية فإن التحريض السياسي ليس الدافع للجريمة، ومن الطبيعي والحال هذه معاودة التحريض، والعودة إلى تحليل سفك دماء الصحافيين والقضاة والسياسيين من أنصار اليسار، لأن لا ثمن للتحريض. حقيقة أخرى حتى عندما يؤدي التحريض إلى جريمة سياسية، فإن المحرضين ليسوا هم المسؤولين عن ذلك.

•إن صمت نتنياهو المدوي حيال كلام بيتان، وحيال وصم أنصار اليسار بالخيانة وأنهم أشخاص يجب منعهم من العمل كصحافيين، دليل على أنه لم يتعلم شيئاً من جريمة رابين وأن لا رغبة لديه لأن يتعلم. إن الدرس الوحيد الذي تعلمه نتنياهو من الشرخ الفظيع الذي لحق بالديمقراطية الإسرائيلية، والذي كان له دور مركزي فيه، هو أن في الإمكان نسيان الشرخ ودروسه لو واصلنا الكذب طوال الوقت. الكذب هو الحقيقة الجديدة، ونتنياهو هو بطل الأكاذيب الحالية في إسرائيل.

•بعد 21 عاماً على اغتيال رابين- و83 عاماً على اغتيال حاييم أرلزروف [رئيس الشعبة السياسية في الوكالة اليهودية، اغتيل سنة 1933 في تل أبيب على يد ناشط من الحركة التصحيحية بقيادة جابوتنسكي] والذي سبق اغتياله تحريض أهوج من أوساط اليمين المتطرف، ولم يقف حينها زعيم من اليمين ضد هذا التحريض ولم يتحمل أحد المسؤولية عن ذلك من بعده- يتخلى المسؤولون عن منع الجريمة السياسية المقبلة عن مسؤوليتهم، بلامبالاة واستخفاف. ومن هنا، فإن الجريمة السياسية المقبلة في دولة إسرائيل هي مسألة وقت فقط.