هل الولايات المتحدة على وشك التدخل عسكرياً في سورية؟ الخيار المناسب
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•في 3 تشرين الأول/أكتوبر أعلنت وزارة الخارجية الأميركية وقف محادثاتها مع روسيا بشأن وقف إطلاق النار في سورية، وألغت مركز التنسيق العسكري ضد تنظيم "داعش" وعناصر القاعدة. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية جون كيربي: "لقد بذلت الولايات المتحدة كل ما تستطيع من أجل المفاوضات ومن أجل التوصل إلى اتفاق مع روسيا للتخفيف من العنف، لكن روسيا والنظام في سورية اختارا المسار العسكري". 

•من جهة أخرى حمّلت الناطقة باسم وزارة الخارجية في موسكو الولايات المتحدة المسؤولية، وأعلن الرئيس الروسي تأجيل محادثات اتفاق تدمير البلوتونيوم الموقع سنة 2000. 

•وعلى خلفية هذه الأمور حدث الانهيار النهائي لوقف إطلاق النار الذي بدأ في 12 أيلول/سبتمبر الفائت وفقاً للاتفاق الأميركي - الروسي حول سورية، وبدأ أعنف قصف لسلاحي الجو السوري والروسي لمدينة حلب، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى من أبناء المدينة، وفي هذه الأثناء اقتصرت ردود الفعل الدولية على الاحتجاجات العنيفة.

•بعد نقاشات في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، انتقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري روسيا وسورية ودعاهما إلى الوقف الفوري لنشاط سلاح الجو السوري. وفي الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 أيلول/سبتمبر، تطرق إلى ما يجري في سورية قائلاً: "لا توجد أي قوة خارجية تستطيع أن تفرض التعايش لوقت طويل في مكان مثل سورية. ومع عدم وجود نصر عسكري نهائي، يتعين علينا مواصلة العمل الدبلوماسي الصعب الهادف إلى وقف العنف، وتقديم المساعدة لمن يحتاج اليها، ودعم الذين يعملون من أجل تسوية سياسية...".

•أولاً: يبرز التمييز الغربي بين العمل الدبلوماسي واستخدام القوة العسكرية: "محادثات أو قصف"، في حين تستخدم روسيا والأسد استراتيجية تمزج ما بين عمليات عسكرية، وخطوات سياسية، وتجويع، ودفع موجات اللاجئين، وكلها خطوات تنبع من مخزون استراتيجي واحد وتهدف إلى ضمان صمود نظام الأسد، والمحافظة على نفوذ روسيا في المنطقة، وإضعاف الولايات المتحدة. لقد أدى نشر قوات روسية في سورية والتدخل دعماً للأسد قبل سنة إلى ترجيح الكفة في القتال على الأرض وفي المجال السياسي. في المقابل ركزت الولايات المتحدة عملياتها العسكرية على محاربة تنظيم "داعش"، وامتنعت عن استخدام قوتها العسكرية من أجل تحسين شروط المفاوضات السياسية أو من أجل فرض سياستها مثل فرض إطلاق النار، والدفاع عن مدنيين أو في مجال السلاح الكيميائي.

•ثانياً: من السهل التعرف على الأسلوب السياسي المعروف للإدارة الأميركية: "الكل أو لا شي"، سواء في البعد السياسي أوالعسكري. في البعد السياسي، فإن حجة أوباما هي التالية: بما أنه لا يمكن حل النزاع في سورية بواسطة استخدام قوة عسكرية خارجية فلا فائدة إذاً من استخدامها، ويمكن استخدامها فقط ضد "داعش". وقد حالت هذه الحجة دون إمكانية استخدام الإدارة الأميركية لحوافز عسكرية لا تشكل حلاً شاملاً ونهائياً للحرب في سورية.

•ثالثاً: في البعد العسكري، وضعت الإدارة طوال سنوات "بدائل عسكرية" متطرفة، مثل تدخل بري، أو فرض حظر محكم  على الطيران السوري ومنعه من التحليق فوق مناطق واسعة من سورية، مع ما يتطلب ذلك من تكلفة باهظة وما ينجم عنه من انعكاسات غير مقبولة. أما البدائل العملية المحدودة فقد استبعدت نهائياً خوفاً من تورط أميركي في حروب جديدة في الشرق الأوسط وما وراء الشرق الأوسط.

•وكانت محصلة هذه السياسة الأميركية أنه كان لدى روسيا ونظام الأسد متسع من  الوقت وبديل مفضل عن اتفاقات وقف النار وهو الهجوم العسكري على جميع المتمردين، وتعميق الادعاء "إما الأسد أو دولة سلفية جهادية". ومعنى ذلك مواصلة التدمير العسكري لمعارضي نظام الأسد والسكان من حولهم من خلال استخدام التفوق العسكري المطلق والتجاهل الكامل للمعايير الدولية. وأدى هذا التوجه إلى استمرار سلطة الأسد في أجزاء مما بقي من سورية ومن سكانها، واستمرار القتال ضد جيوب المعارضة. إن صورة ضعف الولايات المتحدة في الساحة السورية لها انعكاسات بعيدة في أنحاء العالم مثل شرق آسيا وفي أوروبا. ومن المفارقات أن عدم استعداد الولايات المتحدة لاستخدام قوة محدودة يزيد من احتمال أن تحتاج مستقبلاً إلى استخدام قوة أوسع في سورية وفي ساحات أخرى.

•أثارت التصريحات والتلميحات بالإضافة إلى الانتقادات الداخلية في واشنطن التي حذرت من قرار قريب باستخدام القوة العسكرية، ردة فعل روسية فورية تهدد بالتصعيد، وبتشديد العمليات العسكرية وبانعكاسات إقليمية خطيرة. ومن أجل إظهار الإصرار على ذلك قيل إن روسيا زادت قواتها في سورية ونشرت منظومة دفاع جوي متطورة ومتحركة (SA-23) S-300VM.

•إن المقاربة البديلة لأزمة الولايات المتحدة والغرب السياسية الحالية إجمالاً، تكمن في استراتيجية مشتركة تستغل القوة العسكرية الفائقة والتفوق المطلق للولايات المتحدة على خصومها. ويجب أن تكون أهداف هذه السياسة تقليص حدة العنف، وإنقاذ حياة الناس وتقديم مساعدة إنسانية، والمساهمة في استقرار السكان، وتقليص عدد اللاجئين، وإعادة الحياة إلى مسارها الطبيعي بالنسبة للسكان المحليين قدر المستطاع (من الأسفل إلى الأعلى)، والدفع قدماً بظروف البحث عن حلول أكثر شمولاً مستقبلاً (من الأعلى إلى الأسفل).

•وضمن هذا الإطار، ومن خلال انتزاع الأدوات التي تمنح الأسد تفوقاً عسكرياً مطلقاً وشعوراً بالحصانة - سلاح الجو ومنظومة الدفاع الجوية - تستطيع الولايات المتحدة أن تثبت للأسد وأسياده الروس أن البديل عن التسوية المتفق عليها ليس معناه المزيد من العمل العسكري من دون حدود. إن تدمير منظومتي الدفاع الجوي ليس مهمة معقدة بالنسبة للولايات المتحدة، وهي لا تتطلب استخداماً للقوات البرية. على الرغم من ذلك، ومن أجل ردع النظام السوري عن مواصلة سلوكه العسكري وسياسته التدميرية، ومن أجل دفعه إلى العودة لتطبيق اتفاقات وقف النار والتخفيف من المس بالمدنيين، يجب البدء بعمليات جزئية تتيح إدارة المخاطر وتحلل ردود فعل التحالف المؤيد للأسد الذي يشمل روسيا وإيران، واتخاذ قرار بالخطوات اللاحقة بمرونة نسبية. وضمن هذا الإطار تستطيع الولايات المتحدة تحذير نظام الأسد وحظر  التحليق فوق مناطق معينة وإسقاط كل طائرة سورية تخرق هذا الحظر، وفي مرحلة مقبلة، ضرب الطيارات السورية المشاركة في القتال ومنعها من التحليق، ثم مهاجمة مطارات أو تحييد منظومات شاملة (مثل منظومة الطوافات)؛ في المقابل يمكن  بصورة منفردة مهاجمة منظومات الدفاع الجوي السورية التي تهدد حرية التحرك الجوي الأميركي، مثل صواريخ أرض - جو بعيدة المدى أو أي منظومة أخرى.

•في مواجهة هذا التغيير في السياسة قد يحاول الأسد ضرب القوات الجوية الأميركية، لكنه سيعرض للخطر الشديد ما بقي من أرصدته. إن تقليص قدرة الأسد في الجو وفي الدفاع الجوي سيزيد من الأعباء العسكرية الملقاة على روسيا، وسيفرض عليها تكاليف استراتيجية بسبب عدم تمكنها من إخفاء عملياتها وراء ظهر نظام الأسد. من الصعب توقع ردود فعل روسيا، لكن احتمال أن تخاطر بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة ضئيل على الرغم من سياسة الرئيس الروسي بوتين بالسير حتى النهاية. على العكس من ذلك فقد تفضل روسيا التهديدات والمزيد من الهجمات الجوية ضد قوات المتمردين المدعومين من الولايــات المتحـــدة ومن الــدول السنية. ثمة خطــوة أخرى قــد تقوم بها روسيا هي نقـــل بطاريــات صواريخ أرض – جـو متطــورة من طراز S-300/400 واستخدامها من جانب طواقم سورية، أو طواقم مختلطة.

•لإسرائيل عدد من المصالح في السياق الذي عالجناه أعلاه، في طليعتها تقليص الضرر المتزايد اللاحق بصورة الولايات المتحدة كقوة عظمى في المنطقة والعالم، الأمر الذي يعتبر دعامة أساسية في أمن إسرائيل القومي. بالإضافة إلى ذلك ثمة فائدة لإسرائيل في منع تعزيز وتوطيد قوة إيران من خلال عملائها في المحيط القريب. كما أن إسرائيل معنية بمنع انتقال وسائل قتالية روسية متطورة إلى يد قوات سورية تابعة لإرادة الأسد وإلى قوات التحالف المؤيدة للأسد - إيران وحزب الله - وخاصة منظومات الدفاع الجوي. تستطيع إسرائيل مساعدة الولايات المتحدة من وراء الكواليس في الاستخبارات والمشاركة في المعلومات العسكرية من أجل تحقيق التفوق الجوي وتقليص المخاطر من دون أن تشارك بصورة مباشرة في القتال بما يتلاءم مع سياستها الحالية القائمة على عدم التدخل. ومع ذلك، فإن تزويد قوات الأسد أو حزب الله بمنظومات جوية متطورة من شأنه أن يجر إسرائيل إلى المعركة، إذا هي قررت منع حدوث ذلك.

 

•على المستوى الأخلاقي من المهم أن تعمل الولايات المتحدة من أجل إحالة بشار الأسد على المحاكمة لارتكابه جرائم حرب وقتل أبناء شعبه. ولإسرائيل دور تاريخي في هذا السياق، ويتعين عليها أن ترفع صوتها الأخلاقي وأن تنضم الى المطالبين بذلك.