لماذا أعارض فكرة إجراء استفتاء عام بشأن مستقبل المناطق المحتلة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

•أود أن أشير إلى أنني أعارض مبدأ "إدارة النزاع" وأعتبره مراوغة. وأنا مع مبادرة إسرائيلية جدية من أجل الدفع قدماً بسلام إقليمي يشمل قيام دولة فلسطينية تشبه ما اقترحه إيهود باراك. لكنني على الرغم من ذلك أعارض بشدة اقتراح حركة" إسرائيل 50" التي تطالب بإجراء استفتاء عام. ويستند موقفي هذا إلى فحص مهني لاستفتاءات عامة جرت في أكثر من بلد.

•لقد أجرى عدد من الدول من بينها السويد وهولندا استفتاءات عامة (ذات طابع رسمي "استشاري" لكنها ملزمة لفترة من الزمن) تتعلق بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبشأن المفاعلات النووية. واتضح أن توقيت الاستفتاء مهم. فعلى سبيل المثال، بعد كارثة نووية يميل الجمهور إلى التصويت ضد الطاقة النووية، لكنه بعد مرور بضع سنوات فإنه يغير قراره، مثلما حدث في السويد مثلاً.

•وبالنسبة إلى القرار البريطاني الخروج من الاتحاد الأوروبي، من المفيد الانتباه إلى أن الجزء الأكبر من الشباب المتعلم صوت ضد الخروج لأنهم يعرفون أكثر من غيرهم ماذا يعني ذلك، وليسوا متأثرين بفترة "بريطانيا العظمى".

•بالنسبة إلى الاستفتاء العام بشأن مستقبل المناطق [المحتلة]، في رأيي هذه فكرة خطرة لعدة أسباب. 

•أولاً: مسألة التوقيت. هل الوضع الحالي في الشرق الأوسط ملائم لاتخاذ قرارات حساسة، ومستقبل جيراننا ومستقبل دول عربية أخرى ليس واضحاً؟

•ثانياً: في رأيي ليس هناك أهمية لـ"حل" لموضوع المناطق [المحتلة] من دون تسوية سلمية شاملة، أو على الأقل من دون التنسيق مع مصر والسعودية والأردن وغيرها من الدول، لأن قيام دولة فلسطينية سيكون له انعكاسات على مستقبلهم. ومن دون معرفة النقاشات التي يبدو أن إسرائيل تجريها مع هذه الدول، لا يمكن التوصل إلى خلاصة يمكن الاعتماد عليها بشأن ما هو الأفضل لإسرائيل. لكن كل المعلومات عن الموضوع سرية، وبالتأكيد لا يمكن إطلاع الجمهور عليها.

•ثالثاً: يمكن أن تحسم أمر الاستفتاء حوادث ظرفية، إذا جرى مثلاً بعد يوم أو يومين من حدوث هجوم ارهابي كبير.

•رابعاً: إن الضرر الذي يمكن أن يلحق بمكانة إسرائيل من جراء قرار الأغلبية عدم منح الفلسطينيين الاستقلال سيكون كبيراً. ومن الأفضل استخدام "المراوغة" (التي كما ذكرت أعارضها) على مثل هذه المخاطرة.

•خامساً: ثمة أهمية كبيرة لتفاصيل الاستفتاء: فهل المقصود مثلاً استفتاء له طابع "استشاري" أو "ملزم". وهل المطلوب أغلبية نسبية. وكيف يمكن عملياً إجبار الكنيست، المنتخب من الشعب، على تنفيذ قرار اتخذ في الاستفتاء إذا كانت أغلبية أعضاء الكنيست تعارضه؟ 

•تشير الأبحاث إلى أن إجراء استفتاء عام يؤثر بحد ذاته سلباً على أداء النظام البرلماني (مع كل الاحترام، فإنني اتساءل إلى أي حد  الذين يقترحون إجراء الاستفتاء يعرفون الموضوع بعمق). 

•سادساً: وهذا هو السبب الأساسي لمعارضتي للاستفتاء العام: أي نوع من الانسحاب من المناطق [المحتلة] سيقترح لاتخاذ قرار بشأنه؟ ونظراً لأن الشيطان يكمن في التفاصيل، أستطيع أن أسمح لنفسي بوصف شروط الحصول على دعم الأغلبية للخروج من المناطق، مقابل شروط ستعارضها الأغلبية - مثلاُ في ما يتعلق بمستقبل القدس، والترتيبات الأمنية، ومستقبل المستوطنات في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وطبيعة القيود والتعهدات التي ستقدمها الدول العربية. بالاضافة إلى كل ما قيل حتى الآن، فقد تجلت سطحية الاستفتاء العام بصورة واضحة مع تأجيل شروط المفاوضات إلى موعد آخر. وهذا اقتراح سيئ لأنه عندما تكون إسرائيل مقيدة بصورة مسبقة باستفتاء عام، فإن قدرتها على التفاوض ستكون ضعيفة.

 

•لا أريد أن أحسم في موضوع أنه بعد اتفاق مفصل مع الفلسطينيين والدول العربية، فمن الأفضل والمرغوب فيه اقراره من خلال استفتاء عام. ففي رأيي أن هذا مرتبط بظروف ذلك الوقت. لكن اقتراح إجراء استفتاء عام "مبدئي" في الظروف الحالية لا يبدو معقولاً.

 

 

المزيد ضمن العدد 2462