خطة وزير الدفاع ليبرمان: أن تعطي بيد وتضرب بالأخرى
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•في الفترة الأخيرة قدم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان خطة "العصا والجزرة" كردّ على موجة الإرهاب في مناطق يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. تكشف الخطة خطوط السياسة الجديدة التي ينوي ليبرمان تطبيقها والتي تعتمد على أربعة أسس أساسية هي: (1) تمييز السكان المتورطين بالإرهاب من غير المتورطين بالإرهاب؛ (2) التعويض الإيجابي على السكان غير المتورطين من خلال تطوير البنى الاقتصادية وتوسيع إعطاء أذونات العمل في إسرائيل؛ (3) فرض عقوبات وقيود على المناطق التي خرج منها مهاجمون وتشهد وقوع حوادث عنف؛ (4) التوجه نحو الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية من دون المرور بالسلطة الفلسطينية وليس من خلال قنوات التنسيق الموجودة - آلية التنسيق المدني ووزارة الشؤون المدنية في السلطة. وضمن هذا السياق عبّر ليبرمان عن رغبته في إجراء حوار مع أكاديميين وفنانين وقوى أخرى ذات تأثير في مناطق السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى إقامة موقع إنترنت خاص من أجل التحاور مع المجتمع الفلسطيني كله.

•إن المنطق الذي تقوم عليه الخطة أي التفريق بين السكان وخطوات من أجل تحسين الاقتصاد الفلسطيني، ليس جديداً. وهو يستند إلى السياسة التي جرى بلورتها وصياغتها أثناء ولاية وزير الدفاع السابق موشيه يعلون. ويبدو أن وزير الدفاع الحالي تبنى موقف المؤسسة الأمنية في ما يتعلق بأهمية زيادة عدد أذونات العمل في إسرائيل وعدم المس بوتيرة الحياة الطبيعية للسكان غير المتورطين بالارهاب والعنف، واعتبار ذلك من عوامل الكبح. وعلى الرغم من ذلك حملت خطة ليبرمان تجديدين أساسيين: استعداد إسرائيلي لتخصيص منطقة (ج) من أجل التنمية الاقتصادية وتطويرالبنى التحتية، وإعلان الرغبة في الالتفاف على السلطة الفلسطينية من أجل التحاور مع قوى مؤثرة أخرى في مناطق السلطة وكذلك من خلال موقع الإنترنت الخاص الذي سيقام لهذا الغرض.

•إن الاستعداد الإسرائيلي لتخصيص منطقة (ج) للتطوير الفلسطيني هو بمثابة سابقة مهمة من شأنها أن تمهد الأرضية المفترضة للتقدم في عملية سياسية، أو الاستمرار في خطوات إسرائيلية تحافظ على احتمالات حل الدولتين لشعبين عندما تنضج الشروط لذلك. وتستطيع خطوات التطوير هذه توفير دينامية إقليمية جديدة في حال انضم إليها لاعبون من المحيط العربي ومن المجتمع الدولي. لكن، من المحتمل ألا تتعاون الأطراف الإقليمية والدولية مع خطوات تقوم بها الحكومة الإسرائيلية هدفها الالتفاف على السلطة الفلسطينية، أو تشير إلى أن إسرائيل تستعد لمواجهة فترة من الجمود في العملية السياسية.

•بالاضافة إلى ذلك، إن فكرة التمييز بين مناطق تطوير مختلفة داخل المنطقة (ج) المتاخمة لمناطق (أ) ستساعد أيضاً في تسريع عملية التنمية الاقتصادية و تطويرالبنى التحتية في السلطة الفلسطينية، وستؤدي إلى تحسين جوهري في نوعية الحياة والرفاه للسكان الفلسطينيين، وفي تعزيز العوامل الكابحة للارهاب والعنف. وعلى سبيل المثال، يمكن تحديد مناطق للتنمية مخصصة للسياحة (مثل منطقة أريحا)، ومناطق للتنمية الزراعية، ومناطق لتطوير البنى التحتية للمياه والطاقة، ومناطق للتنمية الصناعية، ويجب أيضاً التشاور مع السلطة الفلسطينية بشأن مبادراتها الاقتصادية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن النهج المنظم وتخصيص المنطقة (ج) للتطوير الفلسطيني بصورة لا تمس بالمصالح الإسرائيلية، يمكن أن يُفسر من جانب المجتمع الدولي كإشارة ايجابية من جانب إسرائيل، وأن يؤدي بالتالي إلى زيادة الضغط على الطرفين من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة.

•لكن من جهة أخرى، فإن التصريح العلني لوزير الدفاع ليبرمان عن رغبته في التحاور مع أطراف فلسطينية من خارج السلطة، هو نوع من الاستفزاز للسلطة وزعيمها. كما تعكس هذه الرغبة اليأس المطلق لوزير الدفاع من السلطة وبصورة خاصة من رئيسها، وتعبر أيضاً عن عدم الثقة في احتمالات صموده في منصبه لوقت طويل. كما يمكن تفسير هذه الرغبة بأنها تعبر عنمواقف سابقة لوزير الدفاع ليبرمان من رئيس السلطة محمود عباس، حين كان يعتبره عقبة وجزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل.

•لقد اعتبر الوزير ليبرمان صفحة الفايسبوك لمنسق الأنشطة في المناطق نموذجاً لتعامل السكان الفلسطينيين مباشرة مع السلطات الإسرائيلية، من دون المرور بالسلطة الفلسطينية. لكن تجدر الإشارة إلى أن تعامل السكان الفلسطينيين كباراً أو صغاراً، وكذلك تعامل المجتمع الفلسطيني مباشرة مع الإدارة المدنية، ظاهرة منتشرة جداً خاصة في ما يتعلق برجال الأعمال ورؤساء السلطة المحلية الذين لديهم حاجات يومية في هذا المجال، ويجري ذلك بمعرفة السلطة. وعلى الرغم من ذلك، فالرئيس عباس وأطراف رفيعة في المعسكر الفلسطيني قلقون من قنوات الحوار السياسية التي تلتف على السلطة، وليس في نيتهم السماح بمبادرات مستقلة تتجاوزهم. 

•في هذه الأثناء تزايدت في الفترة الأخيرة التقارير التي تتحدث عن صعوبات تواجهها السلطة الفلسطينية في فرض سيطرتها على المجموعات العنيفة، وعلى عصابات الجريمة وحتى على عناصر التنظيم في مراكز المدن ووسط القرى في الضفة الغربية. وفي الوقت عينه تشهد الضفة صعوداً في نفوذ العشائر والعائلات الفلسطينية الكبيرة في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بمواقف الجمهور المحلي، يترافق هذا مع تقلص الاعتماد على السلطة وتراجع تأثيرها في الحياة اليومية. جميع هذه التوجهات تضعف السلطة، وتقضم الأساس المطلوب من أجل قيام سلطة فلسطينية مسؤولة ومستقرة وتعمل بفاعلية. 

•من هنا، فإن إعلان وزير الدفاع رغبته في إقامة قنوات حوار تلتف على السلطة من شأنها أن تعزز التوجه الحالي في قضم قدرة السلطة على الحكم. بناء على ذلك، فإنه حتى لو كان صحيحاً تنمية وإقامة قنوات حوار مع قوى مؤثرة فلسطينية من خارج السلطة الفلسطينية، فبالنسبة لإسرائيل من غير الصحيح الحديث العلني عنه لأنه يعرقل الاحتمال الحقيقي للتحاور مع أطراف مؤثرة، وسيبدو كأنه تآمر على السلطة.

•بالإضافة إلى ذلك، فإن موقف إسرائيل هذا من شأنه أن يثير المجتمع الدولي ضدها الذي يرى في السلطة العنوان الشرعي الوحيد، ويشك في أن إسرائيل ترغب فعلاً في التوصل إلى حل الدولتين، ويؤيد مساعي تدويل النزاع. وضمن هذا السياق، إذا نفذت دولة إسرائيل نيتها المعلنة في الاستغناء عن السلطة في كل ما يتعلق بالتأثير على السكان الفلسطينيين، فإنها وببساطة تساعد الأطراف التي تقوم بنزع الشرعية عنها.

•تقديم خطة ليبرمان يمكن أن يفسر بأنه تعبير عن نية حكومة إسرائيل أو أطراف فيها تقويض أو تفكيك السلطة الفلسطينية، من دون أن تتهم إسرائيل بذلك. ونظراً إلى أن الإعلان قد حصل، فإنه يتعين على حكومة إسرائيل أن توضح وخاصة للجمهور الإسرائيلي، هل هي تعمل ولو بصورة غير مباشرة لإسقاط السلطة الفلسطينية، أم أنها تواصل النظر إلى السلطة بوصفها الشريك الفلسطيني من أجل التوصل إلى حل النزاع أو إدارته؟ 

•في جميع الأحوال، من المستحسن أن تواصل إسرائيل تطوير البنود الأخرى التي تضمنتها خطة الوزير ليبرمان "العصا والجزرة"، وتحريك التوجهات الاقتصادية التي تضمنتها الخطة وتلك المتعلقة بالبنى التحتية، وترجمتها ضمن خطة عمل يمكن أن تؤدي إلى تغيير إيجابي حتى على المستوى الاجتماعي في الساحة الفلسطينية.