كيف خلقت إسرائيل ردعاً في حرب لبنان الثانية؟
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

•في أيلول/سبتمبر 2007، بعد عام على حرب لبنان الثانية، قدّمتُ شهادة أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، بصفتي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، اعتبرت فيها أن الردع الإسرائيلي قوي جداً، خلافاً لحجج تزعم أن الحرب بين إسرائيل وحزب الله في صيف سنة 2006 تسبّبت بإلحاق أذى أساسي بقوة ردعنا.

•وفعلاً، تأكد على مرّ السنين التي تلت الحرب أن لإسرائيل ردعاً قوياً ومتواصلاً تجاه حزب الله.

•فمنذ سنة 2006، ومع أن حزب الله تزوّد بصواريخ بعيدة المدى محملة برؤوس حربية ثقيلة، إلاّ إن قيادته آثرت عدم استخدامها - على الرغم من أن لهذا التنظيم أسباباً وجيهة لإلحاق الأذى بإسرائيل (ومن أبرزها المصير الذي لاقاه عماد مغنية، والهجمات التي استهدفت قوافل الأسلحة) - على عكس ما كان يحدث خلال الأعوام العشرة التي سبقت حرب لبنان الثانية، عندما لم تتردد [قيادته] في اختطاف إسرائيليين، وتنفيذ عمليات قنص، وزرع عبوات ناسفة، وتنفيذ هجمات صاروخية. 

•ومن بين المكونات الأساسية لترميم الردع وتكثيفه، خطوتان مهمتان نُفّذتا في إبان حرب لبنان الثانية هما: تدمير القدرة الاستراتيجية على إطلاق صواريخ بعيدة المدى ضد إسرائيل، وتدمير مقرّ قيادة الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية (المربع الأمني).

•ومع ذلك، فإن فعلاً إضافياً مثل تدمير بنى تحتية للدولة اللبنانية، كان من شأنه بلا ريب تعزيز الردع الإسرائيلي، لا بل تقصير مدة الحرب، ذلك بأن تدمير بنى تحتية، مع الإصرار على "مسؤولية الدولة"، هو في أساس مفهوم إسرائيل الأمني. غير أن القيادة السياسية [الإسرائيلية] في سنة 2006، اختارت عدم القيام بذلك لعدة اعتبارات أهمها أن إلحاق الأذى بالحكومة اللبنانية المؤيدة للغرب آنذاك، سيضعف التأييد الدولي [لإسرائيل]، وبالتالي حرية العمل ضد حزب الله أيضاً. 

•كشف الإعلامي رفيف دروكير، في حلقة من برنامجه "هَمَكور" المخصصة لحرب لبنان الثانية، والتي بُثت مؤخراً على القناة العاشرة، عن التوتر الذي كان قائماً بين القيادة العسكرية، من جهة، والقيادة السياسية المتمثلة ضمن هذه المعادلة في وزير الدفاع، من جهة ثانية. فقد وجد عمير بيرتس نفسه، في هذه الحالة، على مفترق اتخاذ قرار حاسم في إبان معركة عسكرية صعبة ومعقدة، بعد شهرين من تسلّمه حقيبة الدفاع.

•ففي إثر اختطاف الجنديين في الجيش الإسرائيلي، إلداد ريغيف وإيهود غولدفاسر، اجتمعت هيئة الأركان العامة فوراً من أجل إعداد مقترحات عملانية لعرضها على القيادة السياسية، مع التركيز على اقتراح تدمير مكثف لبنى تحتية لبنانية، ومن ضمنها محطات توليد الطاقة الكهربائية في مدينة بيروت. أمّا الخيار الثاني فكان تدمير ترسانة صواريخ "فجر" البعيدة المدى داخل منازل في قرى في الجنوب اللبناني. وكان واضحاً أن عملية كهذه ستؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين، وإلى كشف مصادر استخباراتية حساسة.

•وبعد نقاشات أولية، خلصت قيادة هيئة الأركان العامة إلى أن من الأفضل تدمير بنى تحتية ينجم عنه سقوط عدد قليل نسبياً من الضحايا المدنيين.

انتقلنا من مكاتب هيئة الأركان العامة، إلى مكتب وزير الدفاع حيث قابلنا وزيراً منفتحاً، يصغي بإمعان، ويسأل الأسئلة الصحيحة، ويضع الأهداف الملائمة، ويتجاهل "الضجيج المحيط". لكن المشاركين في النقاش فوجئوا برفض الوزير بيرتس فكرة مهاجمة البنى التحتية في لبنان، وبمطالبته استهداف صواريخ "فجر" - نحو 60 منصة إطلاق موجودة داخل بيوت خاصة، وغالباً في غرف نوم أطفال.

•قال بيرتس: "أنا شخص إنساني، لكن مَن يضع صاروخاً في بيته يجب ألاّ يتفاجأ عندما يستيقظ ويجد أنه أصبح من دون بيت." وحمل هذا القرار رسالة واضحة إلى تنظيمات إرهابية عامة، وإلى حزب الله خاصة، فحواها أن استراتيجيا استخدام السكان المدنيين "دروعاً بشرية" لأسلحتها لن تنجح. وبهذا القرار، غيّر وزير الدفاع عملية تفكير الجيش الإسرائيلي.

•كان هذا مثالاً مهماً لأسبقية القيادة السياسية على القيادة العسكرية، وحقّها في اعتماد نهج عمل مختلف كلياً عن توصيات الجيش الإسرائيلي. كما أن خطوة مماثلة ضد ترسانة الصواريخ المحمولة والبعيدة المدى في مدينة بيروت، استكملت عملية إفهام العدو أن إسرائيل لن تتردد في حماية مواطنيها حتى لو وُضعت الصواريخ في أحياء مدنية. ولاحقاً، تعرضت مقار قيادة حزب الله في مربعه الأمني في ضاحية بيروت لضربات تدميرية. لم تكن تلك الضربات عادية، حتى إن بعض وزراء القيادة السياسية عارضها.

 

•ومع ذلك، أشك في أن الإصرار على قرار عدم تدمير بنى تحتية للدولة [اللبنانية] كان صائباً. فكما ذكرت آنفاً، فإن ضربات كهذه كان من شأنها أن تقصّر بشكل جذري مدة الحرب. وفي جميع الأحوال، فإن الحجة التي سيقت ضدها – ضرورة تجنّب المساس بحكومة مؤيدة للغرب في لبنان- لم تعد صالحة، إذ إن حزب الله اليوم أصبح شريكاً كاملاً في الحكومة اللبنانية، وعلى إسرائيل العودة إلى المبدأ الذي وُضع في خمسينيات القرن الماضي وستينياته: إلقاء المسؤولية على الدولة التي يستخدم العدو أراضيها لشنّ هجمات ضد إسرائيل.