[أجرت صحيفة "يسرائيل هيوم" مقابلة مع رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات المنتهية ولايته إيتي بارون، رسم خلالها صورة قاتمة للتطورات الأمنية المتوقعة في المنطقة لسنة 2015، نقتطف بعض ما فيها].
•...أمضى بارون الجزء الأكبر من خدمته في جهاز استخبارات سلاح الجو. والعدو الأساسي كان سورية التي لم تعد تشبه أبداً الدولة التي واجهها في السنوات الأخيرة من توليه رئاسة قسم الأبحاث. يعترف بارون قائلاً "اهتممت بموضوع سورية عشرات السنين، وأعتبر نفسي خبيراً في هذا الشأن. لكن أغلبية المواد التي جمعتها لم تعد ذات قيمة. فما هو موجود اليوم سورية الصغرى حيث يدير بشار الأسد الأمور. صحيح أنه ما يزال يوجد سلاح للجو ودفاع جوي وصواريخ أرض- أرض وبعض القوات البرية، لكن هذه المسائل لم تعد هي الأساسية."
•وسئل: "هل سيصمد الأسد؟" فأجاب: "النقاش بشأن سورية يدور حول الكيانات الموجودة على الأرض التي كانت تسمى سابقاً سورية. لا وجود اليوم لسورية. وفي رأيي في الأطلس الذي سيتعلم فيه التلامذة في السنوات المقبلة لن تظهر سورية كسورية، بل ستظهر مكانها كيانات يجب أن نفتش لها عن اسم، فالتي ندعوها اليوم سورية الصغرى هي التي تمتد من درعا إلى دمشق وحمص وحلب وصولاً إلى الساحل. في هذه الأراضي تتجمع أغلبية السكان الذين كانوا يوماً ينتمون إلى سورية ويشكلون الجزء الأكبر من تركيبتها الوطنية. في تقديري أن الأسد سيصمد في هذه المناطق، أما في سائر المناطق فستنشأ كيانات مستقلة، أغلبيتها إسلامية وجزء منها إسلامي متشدد، وهذا هو الوضع اليوم في هضبة الجولان".
•وسئل: "لماذا الأطراف الموجودة في هضبة الجولان لا تعمل ضدنا؟" فأجاب: "في تقديري أنهم سيفعلون ذلك. هذا يبدو أمراً لا مفر منه بسبب الأيديولوجيا. هم لم ينشطوا ضدنا حتى اليوم لأنهم منشغلون بصورة خاصة بإسقاط الأسد. والعنوان واضح: في البداية يسيطرون على دمشق ثم على القدس. ثمة نقاش في وسط هذه الأطراف بشأن ما إذا كان هذا يجب أن يجري بالتسلسل، أم بالتوازي مثلما يجري في سيناء. حتى الآن أقروا خطة المراحل، لكن هذا قد يتغير في أي لحظة. وأنا مقتنع بأن مسألة أن يهاجمونا في هضبة الجولان هي مسألة وقت".
•وأضاف: "هذا الفهم الاستخباراتي للتغير الذي يحدث في سورية وفي هضبة الجولان دفع الجيش الإسرائيلي إلى القيام بتغييرات واسعة في المنطقة، فقد جرى بناء سياج جديد، وأنشئت فرقة عسكرية جديدة، وجرى تغيير النظريات العسكرية المطبقة منذ عشرات السنوات واستبدالها بأخرى جديدة. ومن المفترض أن يؤدي ذلك إلى كبح الإسلاميين المتطرفين الذين يشبههم الشاباك بقبائل الهون التي اجتاحت أوروبا قبل 1500 سنة. التنظيم الأبرز في هذه الظاهرة – داعش- ليس موجوداً حتى الآن على حدود إسرائيل، لكن الاهتمام به ازداد بصورة كبيرة في الأشهر الأخيرة."
•وأضاف: "لقد سيطر التنظيم على مساحة كبيرة من الأرض تمتد من الرقة في سورية حتى ضواحي بغداد، سيطرة هونية [وحشية كوحشية قبائل الهون] لترهيب الجميع ودفعهم إلى الرحيل. لكن ما يجب قوله إن هذه السيطرة ليست مستقرة ومستقبلها مرتبط بالمواجهة مع قوات التحالف الدولي. وهنا ثمة جدل داخل الاستخبارات، وأعتقد أنه من الصعب على التحالف تنفيذ ما قاله أوباما: To degrade and ultimately destroy [إضعافه ومن ثم في نهاية المطاف تدميره]، فهذا التنظيم لا يمكن تدميره. ليس من الأكيد أن يواصل هذا التنظيم انتشاره العسكري، لكنه سيواصل انتشاره الفكري."
•قبل عامين في آذار/مارس 2013 دخل بارون في مواجهة دولية عندما تحدث في محاضرة علنيه عن استخدام الأسد للسلاح الكيميائي ضد شعبه. فالولايات المتحدة التي تعهدت بأن مثل هذه الخطوة تحتم عليها التدخل في الحرب، هاجمته وادّعت أن معلوماته لا أساس لها، لكنها اضطرت إلى التراجع بعد بضعة أشهر بعد مقتل آلاف الأشخاص بهجوم كيميائي. واتضح لاحقاً أن المعلومات التي استند إليها بارون لم تكن موثوقة فحسب بل يعرفها الأميركيون جيداً، وأنهم ببساطة لم يرغبوا بالتورط في مغامرة شرق أوسطية جديدة.
•أدت هذه التطورات في نهاية الأمر إلى تخلي سورية بصورة كاملة عن سلاحها الكيميائي. يقول بارون: "العدو تغير، لم يعد هناك آلاف القذائف الجوية التي تحمل مئات الرؤوس الحربية والصواريخ القادرة على ضرب الجبهة الداخلية بسلاح كيميائي استراتيجي قاتل. من المحتمل أن الأسد لا يزال يملك قدرة محدودة، لكنه لم يعد يملك وسائل لإطلاقها بعد استخدامه صواريخ سكود ضد مواطنيه".
•ويشير بارون إلى تغيّر مهم في رأيه لا يعرفه الجمهور فيقول: " لقد تحول التهديد الاستراتيجي للسلاح الكيميائي إلى تهديد تكتيكي. ففي النهاية استخدم بشار طوال السنة الأخيرة سلاحاً كيميائياً ضد شعبه. وهذا السلاح ليس السارين أو VX بل مواد أخرى من النوع الذي يسبب الشلل، وهو يستخدمها ضد مواطنيه. وفي نظرنا من الطبيعي جداً أن تحصل التنظيمات الإرهابية على مثل هذا السلاح أو أن ينتقل إلى حزب الله. وربما لن يشكل هذا تهديداً استراتيجياً على الجبهة الخلفية بل تهديداً كبيراً لقواتنا."
•وسئل: "ما هو تأثير هذه المواد؟" فأجاب: "في ادنى الحالات هي تشل الحركة وفي أقصاها تقتل. على سبيل المثال استخدم الأسد غاز الكلور. هذه المواد لا تقتل ألف شخص، لكنها قتلت أشخاصاً في سورية."
•وسئل: "أيّ شيء تفضل إسرائيل حصوله في سورية؟" فأجاب: "النتجية الأفضل بالنسبة لنا ليست واقعية، وهي أن يفقد المحور الراديكالي المؤلف من إيران وسورية وحزب الله تأثيره، وأن لا يتمكن الإسلاميون من الانتصار. هذا الأمر كان يمكن تحقيقه سنة 2013 لو تحرك الغرب حينئذ، ولو برز من بين الأنقاض عنصر سني معتدل، لكن هذا الأمر لم يحدث. واليوم يتعين علينا أن نختار بين المحور الراديكالي والإسلام الراديكالي، والاثنان أسوأ من بعضهما بعضاً. لذا لا يوجد في التطورات في سورية ما يبعث على التفاؤل."
•وسئل: "لماذا لم يرد الأسد على الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل؟" فأجاب: "في رأيي هو مرتدع ولديه مصالح أكثر أهمية. هناك وجهة نظر استخباراتية لم نتبنّها أبداً تقول إنه عندما يجري الضغط على زعيم عربي فهو يتحرك ضد إسرائيل، هذا غير صحيح. فهو يواجه مجموعة من الأشرار، فلماذا يريد أن يثير غضب جارته ضده."
•وسئل: "في حال دخلنا في مواجهة مع حزب الله، هل سيتدخل؟" أجاب: "هذا ما لا يمكن التنبؤ به، وهو مرتبط بسياق معيّن. أظن أن الأسد سيواصل الامتناع عن ذلك كي لا نهاجمه. وأقصد أنه سيفتح التلفزيون فإذا رأى أن وضع حزب الله جيد، فإنه سيقوم بشيء ما ليظهر دعمه. لكن إذا رأى أن وضع الحزب سيئ فإنه سيضطر إلى اتخاذ قرار صعب جداً. لكن في الحقيقة، فإن النقاش عن سورية تبدل، والسؤال ليس ما سيفعله الأسد، بل هل سيستخدم حزب الله وإيران وجودهما القوي في سورية من أجل فتح جبهة ضد إسرائيل، بموافقة بشار أو من دون موافقته، وذلك من الأراضي السورية؟"
معضلة نصر الله
•في الأشهر الأخيرة عاد حزب الله إلى التحرك ضد إسرائيل في الشمال. في البداية قام بذلك عبر عملاء له في هضبة الجولان، وفي الفترة الأخيرة قام بذلك مباشرة وعلناً في هار دوف [مزارع شبعا]. وكشفت الاستخبارات العسكرية دلائل تشير إلى ذلك قبل عامين بعد الهجوم الأول الذي نُسب إلى سلاح الجو الإسرائيلي ضد سورية حين استهدف منظومة صواريخ SA-17 متجهة إلى الحزب. بعد مرور شهر على ذلك أعلن نصر الله في مقابله له أنه إذا هاجمت إسرائيل لبنان فإن الحزب سيرد. ولم يكتف نصر الله بالتهديد بل أوضح بصورة قاطعة أن الحزب لن يرد على الهجمات ضد سورية، لكنه سيرد على الهجمات ضد لبنان.
•... يقول بارون: "في كانون الثاني/يناير 2014 أشار نصر الله للمرة الأولى إلى ما يعتبره هجوماً على الأراضي اللبنانية... صحيح أن الهجوم المنسوب إلينا وقع في مكان ناء قريب جداً من الحدود مع سورية وكان في إمكان نصر الله التغاضي عنه، لكنه في رأيي اعتقد أننا نحاول اختباره، أي أننا نبدأ بهجوم صغير من أجل البدء بمهاجمة الأراضي اللبنانية."
•وأضاف: "في الأشهر الأخيرة اكتشف نصر الله جهازاً [المقصود جهاز تنصت] نسب وضعه إلى إسرائيل. صحيح أنه جرى العثور على عدد من هذه الأجهزة خلال السنوات الماضية، لكن هذه المرة قتل عنصر من الحزب. وفي نظر نصر الله كان مضطراً للرد."
•وسئل: "كيف ستبدو حرب لبنان الثالثة؟" أجاب: "هذا أمر معقد، أستطيع أن أصف لك فقط ما سيفعله حزب الله. أما ما سنفعله نحن فهذا مسألة أخرى. سيحاول الحزب إطلاق كميات كبيرة جداً من القذائف والصواريخ علينا، أكثر من ألف صاروخ في اليوم، ألف صاروخ قصير المدى، وبضع عشرات من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى. وعلى عكس حرب لبنان الثانية، في تقديري سنجد قوات من حزب الله داخل أراضينا على شكلين، الأول على شكل هجمات – هجمات موضعية محدودة على نهاريا وشلومي ومعالوت، والشكل الثاني عمليات أكثر أهمية للسيطرة على أراض في إسرائيل."
•وسئل: "هل المقصود مثلاً اجتياز سرية من حزب الله السياج الحدودي والسيطرة على مستوطنة؟" أجاب: "نعم. هناك فكرة راسخة مؤداها زعزعة العقيدة الأمنية الإسرائيلية... وإذا حدث ذلك، فإنه سيصدمنا بشدة. ومن وجهة نظر نصر الله هذه الصدمة العميقة هي التي ستساعده في العملية الطويلة من أجل تقويض دولة إسرائيل."
•وسئل: "هل يترتب على ذلك أنه بدلاً من الهجوم يتعين علينا الاهتمام بالدفاع؟ أجاب: " أنت تصف الأمر عسكرياً بصورة صحيحة، لكن ليس هذا هو جوهر الموضوع. فهذا سيكون مثل سيطرة الجيش الثالث [المصري] على منطقة في شرقي قناة السويس في حرب يوم الغفران [حرب تشرين/أكتوبر 1973]، ففي النهاية كانت هذه منطقة صغيرة محاصرة، لكنها كانت الباب الذي سمح بالشعور المصري بالنصر."
•وسئل: "ماذا يريد أن يحقق نصر الله في الحرب المقبلة؟" أجاب: "لا أعتقد أنه يريد حرباً جديدة، لكنها عندما ستحدث سيحاول التسبب بضرر كبير. ليس هذا من قبيل التحذير ولكن علينا أن نصدق ما يقولونه فهم يريدون تدمير دولة إسرائيل. وليس لهذا الهدف خطة عملانية مع تاريخ محدد. لكن هذه هي الفكرة."
•وسئل :"ما هو الدرس الذي تعلمه نصر الله من علمية الجرف الصامد؟" أجاب: "أنه بصورة عامة يسير في الاتجاه الصحيح. لكن الحزب يزيد تسلحه بالوسائل القتالية القصيرة المدى بهدف إضعاف السكان وضرب القوات." وسئل: "وماذا بشأن الأنفاق؟" أجاب: "لم نعثر على شيء ونواصل البحث مع افتراض وجودها وضرورة العثور عليها. الجهد الأساسي يوظفه الحزب في الصواريخ. لديه نحو 100 ألف صاروخ، وهو يرغب تحديداً بضرب أهداف إسرائيلية حساسة واستراتيجية وتعطيل الاقتصاد الإسرائيلي. ومن أهدافه مقر وزارة الدفاع [هاكرياه] في تل أبيب وقاعدة سلاح الجو والاستخبارات، ومصافي البترول ومحطات الكهرباء ومطار بن غوريون والمرافئ وغيرها."
•وسئل: "هل لدينا معلومات استخباراتية جيدة عن حزب الله؟" أجاب: "نعم. لكن هل سيحول ذلك دون سقوط الصواريخ على السكان؟ الجواب هو لا. فالقدرة الاستخباراتية وحدها لا تكفي لمنع سقوط صواريخ على أراضينا، لكنها تكفي جيداً من أجل تقليص هذا الخطر بصورة كبيرة."
•وسئل: "متى ستنشب مواجهة جديدة في غزة؟" أجاب: "أعتقد أنه لا جواب على هذا السؤال، فحماس كانت مرتدعة في تموز/يوليو 2014 وعلى الرغم من ذلك نشبت مواجهة. وهذا قد يحدث من جديد بسبب عدد من الظروف، وليس في إمكان الاستخبارات أن تحدد متى سيحدث، لكنها تتوقع أنه سيحدث."
•وسئل: "هل من المحتمل نشوب انتفاضة ثالثة؟" أجاب: "نحن في وضع أقل هدوءاً عما كان عليه في السنوات الأخيرة. لكن هذه ليست انتفاضة. نشاهد حالياً خلايا من "حماس" تنشط من أجل زعزعة الاستقرار، لكن ليس هناك تظاهرات شعبية في الشوارع. لكن هذا قد يحدث."
•وسئل: "هل لم تعد إيران هي الخطر الأمني الأساسي على إسرائيل؟" أجاب: "التطلع إلى الحصول على سلاح نووي ما يزال قائماً. لكن التقدم نحو هذا السلاح صار أبطأ. وفي الواقع، فإن المحور الوحيد الذي ما يزال يتقدم هو في مجال التخصيب. وحتى ذلك فإنه يجري في إطار محدود وضمن إطار الاتفاق الموقت. لكن في هذه الأثناء، يجب ألا ننسى أن إيران هي المحرك وراء سلسلة هجمات ضد إسرائيل وهي تنقل السلاح إلى حزب الله خاصة."
•سئل:"كيف تنظرإلى سنة 2015؟" أجاب: "في السابق كنا نقوم بتقويمات الاستخبارات مرة في السنة. في سنة 2014 أجريناها مرتين. هذا هو تحدي التغيرات. صحيح أن الأمور تتغير، لكن على الرغم من ذلك، فإن العنوان لسنة 2015 هو استمرار الاضطرابات."