إحباط اتفاق لندن بين بيرس والملك حسين كان خطأ سياسياً جسيماً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•تصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الرابعة عشرة لتوقيع اتفاق أوسلو بالأحرف الأولى في النرويج في 20 آب/ أغسطس 1993. منذ ذلك الوقت تعرض الاتفاق لوابل من النيران حتى أن المبادرين إليه اتُهموا بالمسؤولية عن سفك الدماء. هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، وليس هذا فحسب، بل إنها تستند إلى جهل مطبق أيضاً.

•ما هي الحقيقة؟ في عام 1987 توصل وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه، شمعون بيرس والملك الأردني حسين إلى بضعة تفاهمات عرفت لاحقاً باسم "اتفاق لندن". كان هذا الاتفاق هو أفضل ما استطاعت إسرائيل إنجازه، ولو تحقق لكان غيّر وجه الشرق الأوسط. جرى الحديث في اتفاق لندن عن ثلاثة كيانات: دولة إسرائيل والأردن تبقيان كما هما، وينشأ كيان جديد يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار كونفدرالية أردنية - فلسطينية. وبحسب هذا الاتفاق كان بإمكان الإسرائيليين في المناطق [المحتلة] الاحتفاظ بجوازات سفرهم الإسرائيلية، وتبقى القدس موحدة، وتكون كل ديانة مسؤولة عن أماكنها المقدسة. لكن رئيس الحكومة في ذلك الوقت يتسحاق شمير، أحبط هذا الاتفاق بذرائع لم تصمد في اختبار الزمن. إن إحباط اتفاق لندن كان أكبر خطأ سياسي ارتكبته أيٌّ من حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ إقامة الدولة حتى الآن.

•بعد ذلك بقي أمام إسرائيل خياران: إدارة المناطق (المحتلة) بمفردها وعلى مسؤوليتها ونفقتها من دون شريك فلسطيني ومن دون دعم دولي، أو إيجاد شريك فلسطيني يقوم بذلك. وقد أوجدت اتفاقات أوسلو هذا الشريك. ولو أن إسرائيل استمرت في تحمل المسؤولية عن المناطق في غياب اتفاق لكان عليها أن تتحمل عبئاً إدارياً واقتصادياً غير مسبوق (السلطة الفلسطينية حصلت منذ إقامتها على ما يتراوح بين 15 - 20 مليار دولار).

•استندت اتفاقات أوسلو إلى وجهة نظر متماسكة ومصالح محددة وواضحة، تقوم في الأساس على المفهوم القائل أن حل النزاع بين الشعبين لا يمكنه أن يستند إلى القوة. وكان من المفروض أن تؤدي اتفاقات أوسلو، بالتدريج، إلى تقسيم البلاد بين الشعبين، والحيلولة دون قيام دولة ثنائية القومية (في إسرائيل)، بنقل الصلاحيات المدنية إلى الفلسطينيين بصورة متدرجة، وتحرير إسرائيل من عبء الاحتلال ومن السيطرة والمسؤولية عن شعب آخر. وكان يفترض بالمواضيع الرئيسية، مثل القدس والمستوطنين واللاجئين والحدود والترتيبات الأمنية، أن تؤجل إلى مفاوضات الحل الدائم.

•منذ مراحله الأولى حقق اتفاق أوسلو إنجازات مهمة للطرفين. حظي الفلسطينيون باعتراف أميركي وغربي، ومروا بتجربة الحكم الذاتي ورؤية أفق التحرر من وطأة الاحتلال. وأدى الاتفاق إلى نمو اقتصادي في إسرائيل، وتغيير سلم الأولويات لمصلحة الاستثمار في التربية والتكنولوجيا المتقدمة على حساب المستوطنات. كما أدى إلى اتفاق سلام ذي أهمية استراتيجية مع الأردن، وإلى تحسن العلاقات مع مصر، وبدء مفاوضات مع سورية، وإلى علاقات رسمية وغير رسمية مع دول عربية أخرى، وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وتعزيز مكانة إسرائيل في العالم.

 

•أعرف جيداً كل حرف في اتفاقات أوسلو، ولذا أستطيع القول بصريح العبارة إن الطرفين انتهكا الاتفاق مرات يصعب حصرها. إن الضربة الأقسى التي تلقاها الاتفاق جاءت من الإرهاب اليهودي الذي اغتال يتسحاق رابين. أما المشاكل الأخرى فكانت إخفاق ياسر عرفات في إقامة سلطة سليمة وغير فاسدة، وإخفاق الفلسطينيين في مكافحة المنظمات الإرهابية والسيطرة على المناطق الخاضعة لمسؤوليتهم، علاوة على إخفاق إسرائيل في كل ما يتعلق بمحاربة منتهكي القانون في المستوطنات وإقدامها على تجميد المفاوضات بشأن الحل الدائم في فترة بنيامين نتنياهو وغير ذلك. وإجمالاً يمكن القول إنه كان هناك تقصير في تطبيق اتفاق عادل وصحيح تم التوصل إليه في لحظة حسم تاريخية مهمة للغاية. إن من يهاجم اتفاق أوسلو من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لا يحمّل نفسه عناء اقتراح البديل. الحلم الوحيد لهؤلاء هو دولة متعددة القوميات من البحر المتوسط حتى نهر الأردن يستمر فيها سفك الدماء.