بعد الجولة الأولى من المحادثات النووية مع روحاني: يجب التركيز على دينامية المساومة في المفاوضات
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

  • ارتفعت التوقعات في الأسابيع الأخيرة بشأت التوصل إلى صفقة نووية. لكن الجولة الأولى من المفاوضات في المسألة النووية بعد انتخاب حسن روحاني انتهت من دون تقدم حقيقي، باستثناء الالتزام بالاجتماع مجدداً في بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2013، حيث سيجري درس الاقتراح الإيراني بدقة.
  • وفي الحقيقة، امتازت المحادثات الأخيرة بأمور جديدة: أنها جرت باللغة الإنلكيزية، وجرى عرض الاقتراح الإيراني من خلال استخدام برنامج "باور بوينت" [Power Point] وتضمن اقتراحاً جدياً مفصلاً. وأبدى الإيرانيون بصورة عامة توجهاً أكثر مباشرة وإيجابية في المحادثات التي انتهت بإصدار بيان مشترك عن إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا، جاء فيه أن الاقتراح الإيراني سيدرس بجدية.
  • ولدى دراسة فرص نجاح هذه المفاوضات الصعبة ثمة أمر واحد يبرز بوضوح: لكي يستطيع المجتمع الدولي التوصل إلى الصفقة التي يريدها، عليه ألا ينسى خصائص المساومة مع إيران. وعلى عكس ما تحدثت عنه وسائل الإعلام في الأشهر الماضية، يجب ألا ينظر إلى هذه المفاوضات بوصفها "أخذ وعطاء" بين طرفين يعملان من أجل تحقيق هدف مشترك، فالأزمة الراهنة نشأت بسبب تخلي إيران عن التزامها البقاء دولة غير نووية بما يتلاءم مع شروط معاهدة حظر السلاح النووي. وطوال أعوام عملت إيران على مشروع عسكري نووي حاول المجتمع الدولي وقفه. وحل هذه الأزمة معناه تخلي إيران عن تطلعاتها العسكرية في المجال النووي.
  • في الوقت الحالي، هناك سبب محدد يدفع إيران إلى التفاوض مع الغرب هو معاناتها من تأثير العقوبات القاسية التي فرضت عليها خلال سنة 2012 رداً على عدم تجاوبها مع المطالب الدولية. لقد دخلت إيران إلى المفاوضات من أجل رفع العقوبات عنها. ونتيجة لذلك، فالمفاوضات التي جرت في الأيام الأخيرة في جنيف بدت مفاوضات "أخذ وعطاء". فالدول الخمس زائد واحد تطالب إيران بتقديم تنازلات في المجال النووي، في حين تطالب إيران بالحصول مقابل هذه التنازلات على رفع العقوبات. في هذه الأثناء جرى تناسي حقيقة أن إيران هي التي جلبت لنفسها هذه العقوبات بسبب عدم امتثالها للمطالب الدولية. وها هم الإيرانيون يطالبون اليوم بإعادة نظر متبادلة والاعتراف بحقهم في تطوير مشروع نووي مدني.
  • وبما أن الصفقة الجديدة يمكن أن تنجز بالاستناد إلى الظروف الراهنة، فليس هناك ما يدل على أن الدينامية الأساسية للتفاوض تغيرت. المجتمع الدولي لا يزال يحاول دفع إيران إلى التخلي عن تطلعاتها العسكرية، ولكن إيران لا تظهر أي دليل على استعدادها للقيام بذلك. فإذا رفعت العقوبات مقابل أقل من صفقة نهائية، فإن هذا سيعيد المجتمع الدولي إلى نقطة البداية من دون أن تكون لديه أوراق للمساومة في المفاوضات، أو من دون أن يملك وسائل يستطيع أن يضغط بواسطتها على إيران كي تغير توجهها. وعلى الرغم من معاناة إيران بسبب العقوبات الاقتصادية، فإن موقفها في المفاوضات كان قوياً على الدوام لأنه ليس موقوفاً على صفقة يمكن التوصل إليها من خلال المفاوضات. لذا فهي تستطيع استغلال هذه المفاوضات لمصلحتها في الوقت الذي تواصل فيه تطوير وتنويع مشروعها النووي.
  • وإلى أن يتضح أن إيران مستعدة لتغيير توجهها في الموضوع النووي، يجب التعامل مع مقترحاتها كأوراق للمساومة طرحتها عن قصد من أجل التعامل مع الوضع الذي تواجهه اليوم، أي تعرضها إلى ضغط كبير لا يمكنها تحمله. وما تجدر الإشارة إليه أن أوراق المساومة هذه لا تعرض للخطر قدرة إيران على التقدم نحو السلاح النووي في التوقيت الذي تختاره. وتشكل مسألة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% نموذجاً لمشكلة خلقتها إيران وتحاول اليوم أن تبدي مرونة بشأنها. مطالب المجتمع الدولي من إيران كانت موجودة قبل أن تبدأ بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وتسوية هذه المسألة اليوم لا يمكن أن يعتبر حلاً.
  • من الصعب أن تبقى متمسكاً بموقفك عندما يبتسم لك خصمك. لكن إذا كانت الابتسامة حقيقية، فإن إيران في هذه الحالة قادرة بسهولة على معالجة الأوجه الإشكالية التي تحمل على الاعتقاد بأنها تسعى إلى امتلاك قدرة عسكرية نووية. إن مواصلة إيران معارضتها لهذا الجانب وتركيز اهتمامها كله على التخفيف من العقوبات يثير التخوف من أن التبدل في الأجواء لا يعني تبدلاً حقيقياً في الموقف الإيراني في المسألة النووية.
  • وفي الختام، برز تحول مهم في الدينامية العامة للمواجهة مع إيران تمثل في الخطوة الأخيرة التي قام بها روحاني من خلال اقتراحه على الولايات المتحدة تحسين العلاقات الثنائية بين الدولتين. وأدت هذ الخطوة من جهة إلى رفع قيمة المفاوضات النووية بالنسبة للولايات المتحدة، لأن تمسك إدارة أوباما بموقفها الصارم في كل ما يتعلق بتخفيف العقوبات سيؤدي إلى خسارة ما هو أكثر من الصفقة النووية، أي ضياع فرصة مهمة لقيام علاقات مختلفة مع إيران. ومن جهة أخرى قد تكون لهذه الخطوة انعكاسات مهمة على لاعبين آخرين على علاقة بهذه الدينامية ولا سيما روسيا. فالاستقبال البارد في موسكو لمحادثات جنيف بعكس الأصوات المتفائلة التي صدرت عن العواصم الغربية، يعطي انطباعاً بأن روسيا غير مسرورة من ذوبان الجليد في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وهذا لأن ذلك يمكن بالتأكيد أن ينطوي على خسارتها لنفوذها في إيران.
 

المزيد ضمن العدد 1761