· دخلت الحرب الأهلية في سورية سنتها الرابعة ولا تبدو نهايتها قريبة في الأفق. نحو 150 ألف شخص قتلوا بينهم 10 آلاف طفل، إلى جانب ملايين تحولوا إلى لاجئين (داخل سورية وخارجها). وتقدر الخسائر التي لحقت بالبنى التحتية والاقتصاد السوريين بعشرات المليارات من الدولارات.
· إن القيم الأخلاقية الأساسية لدى الدول الغربية ومن بينها إسرائيل، وكذلك المصالح الغربية، تفرض على الولايات المتحدة وحلفائها تغيير الدينامية الحالية في الحرب الأهلية، والقيام بتحرك استراتيجي، سياسي وعسكري، يوقف المذبحة ويغير توازن المصالح في موسكو ودمشق، بحيث يُستبدل التعادل الدموي بين الفريقين في سورية بعملية تساهم في تغيير الدولة وترميمها.
· اتسمت السنة الأخيرة من الحرب بتمدد القتال واتخاذه أحجاماً جديدة تتخطى المواجهة بين النظام والمعارضة. وفي الواقع، تحولت سورية اليوم إلى ساحة مواجهة ذات أربعة أبعاد: مواجهة بين النظام والمعارضة بجميع عناصرها؛ حرب "بالوكالة" يشنها الشيعة ضد السنة، أي إيران وحزب الله ضد عملاء السعودية وقطر وتركيا؛ حرب بين المعارضة العلمانية (الجيش السوري الحر) والجهاديين (النصرة وداعش)؛ وأخيراً هناك الأكراد الذين يحاولون تحقيق الحكم الذاتي من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع النظام السوري أو مع تركيا.
· حتى الآن نجح نظام بشار الأسد في المحافظة على سيطرته على قرابة نصف أراضي الدولة، حيث توجد أرصدة النظام والمدن الأساسية، حلب ودمشق. أما باقي الدولة فمنقسم إلى نوع من حكم ذاتي كردي، وأراض ومناطق تسيطر عليها مختلف أنواع التنظيمات.
الدولة السورية الصغرى
· خلال السنة الثالثة للحرب، نجح الأسد في تدعيم موقعه كحاكم على سورية بعد أن نجح في كبح تقدم قوات المعارضة وأعاد سيطرته على المواقع المهمة المحيطة بدمشق وحلب وحمص، وكذلك من خلال إعادة سيطرته على المعابر الحدودية المهمة. والتهديد الذي كان يحذر منه وهو أن تصبح سورية هدفاً لتظيمات الإرهاب، تحقق في ظل صعود قوة التنظيمات الإرهابية الجهادية على حساب تنظيمات المعارضة العلمانية. ويصور الأسد نفسه بوصفه القوة الوحيدة القادرة على المحافظة على أمن الدولة، الأمر الذي يقلص دعم المعارضة لدى جزء كبير من الشعب السوري الذي يشعر بأنه لا يوجد بديل لنظام الأسد.
· لن يتخلى الأسد عن منصبه إذا لم تتزعزع مكانته وسط القيادة العليا للجيش السوري، وما لم تكن هناك قوة دولية مهمة تهدد بالتدخل في الحرب الأهلية. ومن جهة أخرى، فإن الأسد غير قادر على استعادة سيطرته على كامل الأراضي السورية، فالجيش السوري لم ينجح في إخضاع معاقل المقاومة ولا في منع تصاعد قوة تنظيمات الإرهاب التي تنشط داخل سورية. لذا، يكتفي الأسد بالدفاع عن "الدولة السورية الصغرى" التي تتمحور بصورة خاصة في الغرب وفي منطقة دمشق. وتدل هذه الدينامية على أن تعادل القوى بين الطرفين سيستمر والقتال سيتواصل.
· وإذا تجاوزنا عجز المعارضة عن تحقيق الحسم العسكري، فقد حظي الأسد العام الماضي بفرصة تجديد شرعيته تحديداً بعد استخدام سلاح غير تقليدي ضد أبناء شعبه. ففي إثر استخدام الجيش السوري سلاحاً كيميائياً في آب/أغسطس الماضي، أعلن باراك أوباما عن رد أميركي عسكري. لكن بعد موافقة الأسد بوساطة روسية على الانضمام إلى "معاهدة السلاح الكيميائي" وتفكيك الترسانة الكيميائية التي لديه، تراجعت الولايات المتحدة عن تهديدها، ومنح الاتفاق الذي جرى التوصل إليه الرئيس السوري شرعية دولية بعد أن تحول الأسد إلى طرف في الصفقة مع زعماء العالم الغربي، وأصبح يحظى بالحماية ضد أي تدخل غربي طالما أن عملية تفكيك السلاح الكيميائي مستمرة.
· لقد أوضحت صفقة السلاح الكيميائي للأسد أنه يستطيع الاستمرار في قتل مواطنيه بالسلاح التقليدي، الرصاص والقذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة. ويستغل الأسد اتفاق تفكيك ترسانة السلاح الكيميائي من أجل تدعيم مكانته الدولية. في محادثات جنيف 2 التي جرت في كانون الثاني/ يناير 2014 للمرة الأولى اعتبر الوفد الذي يمثله الوفد الرسمي السوري. كما يحظى الأسد بزيادة المساعدة الروسية بالمستشارين إلى جانب الحماية السياسية التي تقدمها له موسكو في مجلس الأمن. كذلك يعتمد الأسد على مساعدة إيرانية مهمة: اقتصادية وعسكرية. في المقابل، لا توجد قوة دولية مهمة تهدد بالتدخل وتغيير موازين القوى في سورية، فالدعم السعودي والقطري لمختلف تنظيمات المعارضة الناشطة في سورية لا يكفي لتغيير الميزان العسكري في الدولة.
تغيير الدينامية
· تتابع إسرائيل من قرب ما يجري في سورية، وهي تنتهج حتى الآن سياسية النأي بالنفس وعدم التدخل في الحرب الأهلية، مع المحافظة على ألا تتجاوز هذه الحرب "الخطوط الحمر" التي وضعتها وهي: عدم إطلاق النار على أراضيها؛ ومنع انتقال سلاح استراتيجي إلى حزب الله أو استخدام سلاح كيميائي. وتشعر القدس بالارتياح لأن الجيش السوري- الذي شكل الخطر التقليدي وغير التقليدي الأساسي على إسرائيل- انسحق جراء الحرب. كما أن تورط حزب الله في القتال والضرر الذي لحق بمكانته داخل لبنان وفي العالم العربي بسبب دعمه قتل السّنة في سورية، تطور إيجابي بالنسبة لأمن إسرائيل القومي.
· ما يقلق إسرائيل هو تنامي قوة التنظيمات الإرهابية في سورية، لأن هذه التنظيمات تضعف المعارضة المعتدلة، وتشكل خطراً مباشراً عليها. لكن على الرغم من ذلك، من المهم الإشارة إلى أن سيناريو حدوث عمليات إرهابية مكثفة من هضبة الجولان لم يتحقق خلال السنة الأخيرة. وحتى لو جرت حوادث إرهابية متفرقة ووجدت قيادات الجيش الإسرائيلي نفسها في الشمال في مواجهة حدود نشطة، فمن المهم الإشارة إلى أن الإرهاب التكتيكي من هضبة الجولان لا يعادل في أهميته التهديد الاستراتيجي الذي ستواجهه إسرائيل من المحور الراديكالي المؤلف من إيران وسورية وحزب الله.
· إن تمركز تنظيمات إرهابية في هضبة الجولان وتحويل إمكاناتها ضد إسرائيل ينطوي على احتمال اشتعال الجبهة الشمالية، لكن تمتع إسرائيل بتوفق جوي واستخباراتي يسمح لها بإحباط معظم عمليات الإرهاب.
· إن مصالح دول الغرب بمن في ذلك إسرائيل تشير إلى ضرورة دعم العناصر المعتدلة في المعارضة كي تستطيع مواجهة التنظيمات الجهادية والجيش السوري في آن معاً. ومن أجل هذه الغاية، ثمة حاجة إلى تدخل خارجي من جانب دول الغرب يغير الدينامية والميزان العسكري في سورية. ويتعين على الغرب زيادة مساعدته لهذه العناصر المعتدلة، والتلميح بصورة قوية وجدية إلى استعداده للتدخل ضد الأسد إذا استمر القتل.
· ويمكن أن تتضمن هذه الخطوات إقامة معابر إنسانية ومناطق "حظر للطيران" وحتى مهاجمة القوات الجوية التابعة للنظام السوري. وهذه الخطوات تتطلب تنسيقاً بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة حيث لديهم مصلحة مشتركة في محاربة الأسد والتنظيمات الإرهابية في سورية.
عندما سيشعر الأسد بأنه واقع تحت تهديد عسكري حقيقي بالتدخل الدولي قد يغير موازين القوى في سورية، سيوافق على التسوية السياسية التي ستؤدي إلى نهاية الحرب الأهلية. وفقط عندما تقدّر موسكو أن واشنطن جدية، فإنها ستشارك في هذا المسعى. ما ذكرناه ليس طرحاً نظرياً، فقد نجحت 24 ساعة من التهديد الأميركي الحقيقي في إقناع الأسد وروسيا بتغيير سياستهما في أيلول 2013. وتهديد مشابه هو الطريق الأسرع والأكثر فاعلية من أجل إحداث تغيير مشابه خلال سنة 2014.