عندما يساوي بنك الأهداف الملايين، حزب الله وإسرائيل يصبحان شريكين
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان يضع إسرائيل أمام شريك جديد، حسن نصر الله، وليس الحكومة اللبنانية. هو الذي يضع المعايير وبنود الاتفاق، ومكان وضع منصات الغاز، وتوجيه أرباح التنقيب. المفاوضات الحقيقية بين الطرفين لا تجري بين حكومتين، بل بين دولة وتنظيم. في يوم السبت الأخير، كشف نصر الله أنه بعث برسالة سرية إلى إسرائيل، أوضح فيها أنها إذا بدأت بالحفر في حقل كاريش "ستبدأ المشكلة".
- الرد العلني الذي حصل عليه أرضاه. فقد أوضحت إسرائيل أن الأعمال الجارية في الحقل تهدف فقط إلى إعداد خط الأنابيب، وليس البدء بالحفر. صحيح أنها أضافت أن الحفر سيبدأ، سواء وُقِّع الاتفاق أم لم يوقَّع، لكن يمكن التشكيك في مدى صرامة هذا الكلام. شركة الغاز البريطانية لا تريد أن تكون هي الطاولة التي تجري عليها عملية الكباش بين إسرائيل وحزب الله، ولم يبقَ لدى إسرائيل سوط حقيقي لتهديد لبنان. فالبلد مدمّر، واقتصاده منهار، وتديره حكومة أشباح، ومرفأ بيروت تفجّر "من تلقاء نفسه" قبل عامين، ومواطنوه يهربون منه، لذا، فإن قصفاً إسرائيلياً جديداً له لن يزيد ولن ينقص.
- في ميزان الردع القائم بين إسرائيل وحزب الله، تلعب إسرائيل أمام صندوق فارغ. لم يبقَ لدى لبنان الكثير كي يخسره. من هنا فهمت إسرائيل أن عليها تبنّي معادلة جديدة في مواجهة حزب الله. وإلى جانب المعادلة القديمة، نشأ توازُن مربح.
- بين إسرائيل وحزب الله جرى التقاء في المصالح الاقتصادية، النزاع على الحدود الوطنية ليس قائماً بحد ذاته ويشكل ذريعة للحرب، بل ينطوي على أرباح اقتصادية حيوية جداً بالنسبة إلى إسرائيل ولبنان، وعلى هذه الأرباح يدور النزاع. لقد أجاد نصر الله في صوغ المنطق الذي يحركه، إذ قال: "لبنان أمام فرصة تاريخية لن تتكرر. هذه هي فرصتنا الوحيدة لإنتاج النفط والغاز لمعالجة أزمتنا الاقتصادية والحياتية"، الكلام الذي قاله في خطابه يليق برئيس دولة. وعندما تكون هذه هي طبيعة الخلاف، فهو مستعد ليكون شريكاً للشيطان، وفق شروطه هو.
- حزب الله ليس التنظيم الوحيد المعادي لإسرائيل الذي يُجري معها مفاوضات تجارية، كأنهما شركتان متنافستان. أيضاً في مواجهة "حماس"، تغيّر ميزان الردع التقليدي، عندما كان يُرَد على الصواريخ بقصف وتهديدات بـ "إعادة غزة إلى العصر الحجري". عداء "حماس" وتطلعاتها الوطنية لم يتبددا، لكن الاعتبارات الاقتصادية خلقت هنا تلاقياً في المصالح: آلاف تصاريح العمل التي تقدمها إسرائيل إلى الغزّيين، وانتقال منظّم للمساعدة المالية من قطر، وعبور مواد البناء والسلع من إسرائيل، وإعادة بناء البنى التحتية التي تقوم بها مصر في القطاع، وفي المقابل، تكبح "حماس" إطلاق الصواريخ، وامتنعت من الانضمام إلى المعركة التي خاضها الجهاد الإسلامي.
- لكن من الخطأ والوهم الاعتقاد أن الشراكة مع هذه التنظيمات يمكن أن تكون بديلاً من حل سياسي. "حماس" وحزب الله لا يعترفان بإسرائيل، ولا يتخليان عن الكفاح المسلح. الشراكة معهما ممكنة موقتاً، لأنها لا تتطلب من إسرائيل ثمناً سياسياً، ولا توصم السياسيين الإسرائيليين الذين يقومون بها بالخيانة.
- المفارقة أنه عندما يكون المقصود السلطة الفلسطينية تحديداً، التي تعترف بإسرائيل وتقيم تعاوناً وتنسيقاً أمنياً معها، تحرص إسرائيل على عدم التعامل معها كشريك. وتتصرف معها بصورة فظة، للمسّ بمكانتها وقدراتها، وتُقاطع رئيسها محمود عباس، وتحاول التعامل معه كما لو كان زعيم تنظيم مشابه لـ"حماس" وحزب الله، قبل أن يصبحا شريكين لها.
- استيقاظ العنف في الضفة يمكن أن يدل على أن الضفة استوعبت الدرس الذي علّمته "حماس" وحزب الله لإسرائيل، ووفقاً له، فقط توازُن الردع والرعب يمكنه أن يثمر مكاسب.