رفض التطوع في سلاح الاحتياط في الحقيقة لا يشكّل كارثة وطنية
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- إليكم وجهة نظر غير شعبية. إذا فكرنا بعمق، فسنجد أن كل موضوع كفاءة الجيش في الحرب عبارة عن أخبار ملفقة، ومن صُنع هندسة الرأي العام. يجب ألّا نسيء الفهم، هناك مَن يسعى للوصول إلى وضع تكون فيه كفاءة الجيش موضع شك. هم يسعون لخلق الرفض في أسراب الطيارين، والوصول إلى وضع يقف فيه قادة الجيش أمام معضلة: هل يضعون رتبهم على طاولة المستوى السياسي بحجة عدم أهليتهم للدفاع عن الشعب في إسرائيل بسبب عدم امتثال الطيارين وعناصر الاستخبارات وسائر وحدات النخبة.
- لكن هناك شيء مختلق في هذه المسألة. دعونا نفكر في الجيش خلال العشرين والثلاثين عاماً الأخيرة. لقد كان من دون شك جيش الشعب والدولة، بمعنى أنه معرّض لحروب أكبر من حجم العسكريين لديه. الجيش الإسرائيلي جيش قوي، لكنه ليس جيش حروب كبرى. فهو مصنوع على قياس المجتمع الإسرائيلي. وهذا المجتمع لم يشهد حرباً كبيرة ربما منذ سنة 1973. إنه مجتمع استهلاكي يكره المخاطر ويحتويها.
- في العقود الأخيرة، انتهجت دولة إسرائيل استراتيجيا – سياسية - أمنية تتطابق مع هذا الواقع، ومع التفوق النسبي لإسرائيل. هذه الاستراتيجيا اعتمدت على السلام الاقتصادي. وتحولت إسرائيل من قوة عسكرية ضارية إلى إمبراطورية اقتصادية تسمح باستخدام الاقتصاد في المعركة كسلاح.
- هذا هو أساس اتفاقات أبراهام والعلاقات مع السلطة الفلسطينية، ومع "حماس" في قطاع غزة، حتى إن هناك محاولات للقيام بخطوة مشابهة مع حزب الله. أساس الطاقة الأمنية يُترجم من خلال مصطلحات اقتصادية رخوة، وليس من خلال خطوات قتالية. أكبر نموذج لهذه النظرية هو طبعاً إيران التي امتنعت إسرائيل من مهاجمتها حتى عندما كان واضحاً لها أن طهران اتخذت قراراً بالتزود بسلاح نووي.
- الجيش الإسرائيلي هو جزء من هذه الاستراتيجيا، وفعلاً صمت بصورة نسبية، وطوّر عقيدة قتالية تتلاءم مع روح المرحلة. عقيدة سمّاها "مواجهات ذات قوة منخفضة"، "معركة غير متساوية"، أو "معركة بين الحروب". في الأساس، والفكرة الأساسية لهذه العقيدة أن الحروب غيّرت من طبيعتها، ولم تعد تحتاج إلى حسم، ودبابات، واحتلال، ومناورة برية. معنى ذلك أنها حروب بأسلوب "اللسعات" التي تتحقق بواسطة التكنولوجيا والمزيد من التكنولوجيا.
- هذا هو جيش العقود الأخيرة، تكنولوجي، موزون، وتكتيكي في طبيعته العملانية. يجب أن نعترف بأنه جيش لم يُعَدّ لخوض معارك كبيرة. هو جيش مُعَدّ "لحروب صغيرة" في الشرق الأوسط، في مواجهة "زعران صغار".
- على الرغم من التغيير الذي يشهده الشرق الأوسط، وعلى الرغم من الإشارات من أوكرانيا التي تدل على أن عهد المعارك الكبيرة لم ينتهِ، فإن الانطباع بالنسبة إلى إسرائيل والجيش الإسرائيلي، أن العقيدة الأمنية، التي تقوم على المزج بين السلام الاقتصادي وبين حروب "اللسعات" الصغيرة والمحدودة، لم تتغير. والتحرك إزاء السعودية هو إشارة واضحة إلى ذلك.
- على المستوى المبدئي، مسألة الكفاءة، أو عدم الكفاءة، تواجه هنا واقعاً لا يعرف حروباً كبيرة مثل تلك التي جعلت إسرائيل في مواجهة أزمة حقيقية. لذا، يمكن أن نهدأ لأنه ليس هناك من يهددنا، لا من المعارضين للإصلاح، ولا من المؤيدين له. من الواضح للجميع أن أسراب الطيارين لن تحلّق فوق طهران، على الأقل ليس في الوقت الحالي، وكل حديث عن الحرب والكفاءة لا يخدم ما هو مستهدَف منذ البداية.
- على ما يبدو، لن تحدث هنا حروب كبيرة. ليس بسبب رافضي الخدمة العسكرية، بل بسبب مسائل أُخرى عميقة تتعلق بصورة إسرائيل وأمور أمنية لها علاقة بالجيش الإسرائيلي. الحقيقة هي أنه من أجل مواجهة "حماس" والجهاد الإسلامي، وحتى نزع سلاح حزب الله، سنحتاج إلى أقل بكثير مما نتخيل. ببساطة، سنواصل ما فعلناه في العقود الأخيرة...