ليس لديكما ترف التنازع فيما بينكما
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • بدا من الواضح، ليلة السبت الماضي، أن قطة سوداء، لعلها كبيرة، مرّت بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يوآف غالانت، وعكّرت صفو علاقاتهما. لقد فضّل كلٌّ منهما، ولأسبابه الخاصة، التحدث إلى الشعب عبر مؤتمر صحافي منفصل. وحين تم توجيه سؤال إلى نتنياهو عن الأمر، تمتم الرجل بعبارة على غرار: "إنه [أي غالانت] حرّ في قراراته". يبدو الأمر سيئاً جداً. إن ظهوراً مشتركاً ومنسقاً مسبقاً للرجلين معاً، يُعتبر مكوناً من مكونات الأمن والصمود الوطني، وهو ينبئ بالوحدة والوقوف المشترك في وجه التحديات. لكن هذا لم يحدث.
  • يشغل الرجلان المنصبين الأهم في الحكومة. لم يكن من قبيل الصدفة أن دافيد بن غوريون قرر الاحتفاظ بالمنصبين معاً. لقد أراد بن غوريون، آنذاك، طبعاً، صوغ العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وهذا ما قام به فعلاً، لكنه وفّر على نفسه، في الوقت ذاته، الخوض في التوتر البنيوي الذي عادةً ما يكون قائماً بين رئيس المنظومة، وبين مَن يحمل الحقيبة الأهم فيها، وقد أدرك بن غوريون أن مثل هذا التوتر سيشكل تهديداً فورياً لزعامته. لم يتم الفصل بين المهمتَين إلّا بعد انسحاب بن غوريون الموقت من الحكم، إذ استلم موشيه شاريت رئاسة الحكومة، وتولى بنحاس لافون وزارة الأمن. وحين عاد بن غوريون، وظل لافون وزيراً للأمن، افتُضِح أمر "القضية"، وأعني هنا القصة الطويلة والفضائحية المتعلقة بعملية التجسس الفاشلة في مصر [قضية لافون]، والتي أثارت التوتر في البلد، وأدت لاحقاً إلى استقالة بن غوريون ثانيةً. لم يغفر العجوز لنفسه ذنب تركه ملف وزارة الأمن، فهو لم يثق أصلاً بأي أحد، سوى بنفسه.
  • هذا التوتر، وهذه المعركة التي تُخاض في سبيل حيازة الهيبة والسلطة، ظلاّ قائمين أيضاً بين ليفي أشكول وموشيه دايان، الذي تم تعيينه، رغماً من أنف أشكول، وزيراً للأمن، عشية حرب الأيام الستة، ثم سرق منه أضواء المجد، آنذاك. فماذا عن مناحِم بيغن وأريئيل شارون؟ لقد ادّعى بيغن أن شارون ضلّله في حرب "سلامة الجليل" [حرب لبنان الأولى]، وهو ما أدى إلى استقالة بيغن، في حين كان الجيش الإسرائيلي لا يزال متوغلاً في العمق اللبناني، ثم تم إقصاء شارون عن منصبه في أعقاب تقرير لجنة كاهان [لجنة التحقيق في مجازر صبرا وشاتيلا]. كانت علاقة إسحق رابين وشمعون بيرس أيضاً علاقة تشوبها المرارة في فترات الولاية المختلفة التي تبادلا فيها المناصب. ففي حكومة رابين الأولى، استلم بيرس وزارة الأمن، ومن هناك، على ما يبدو، نبتت جذور الخصومة الطويلة العمر، والمكللة بالاتهامات المتبادلة وانعدام الثقة، والتي وصلت إلى ذروتها في أثناء مناقشة مسألة إطلاق سراح المخطوفين في عنتيبي.
  • أما فترة ولاية بنيامين نتنياهو في ديوان رئاسة الوزراء - وهي فترة الولاية الأطول على الإطلاق من جميع أسلافه - فقد كانت مرصوفة بالخلافات والنزاعات مع وزراء أمنه، ابتداءً من إسحق مردخاي، مروراً بإيهود باراك وموشيه يعلون، ووصولاً إلى أفيغدور ليبرمان. لقد أدرك نتنياهو جيداً، كما أدرك بن غوريون قبله، أن وزارة الأمن ليست فقط هي الوزارة التي تحصل على نصيب الأسد من الميزانيات، ومتفوقة على الوزارات الأُخرى، لكنها أيضاً الوزارة التي لها علاقة بجميع مجالات الحياة في الدولة، بما يشمل شؤون الخارجية، والاقتصاد، والمجتمع، وغيرها. وطبعاً: لطالما اعتُبرت وزارة الأمن في المشهد الإسرائيلي، تاريخياً، خشبة القفز نحو منصب رئاسة الوزراء. ولذا، فإن نتنياهو يتبنى منذ أعوام طويلة سياسة قطع البرعم النابت، إذ إنه خلال اللحظة التي يرى فيها (أو يتخيل أنه يرى فيها) أن وزير الأمن معنيّ بالتنافس معه، يجد سبباً لإقصائه عن منصبه. وآخر مَن استخدم نتنياهو هذه الوسيلة معه يوآف غالانت الذي كان في الماضي، يضع رِجلاً في الحكومة، ورِجلاً أُخرى خارجها، على خلفية الانقلاب القضائي، ولم يعد إلى منصبه إلّا بعد مناشدات شعبية غاضبة.
  • لم ينسَ نتنياهو الأمر، ولم يغفر. وبعد مجزرة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، طفا التوتر على السطح. يخشى نتنياهو من أن يلقي غالانت على كاهله المسؤولية عن تبنّي مفهوم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعزيز حركة "حماس"، وهو مفهوم لا يتبناه غالانت، إذ إنه استلم منصبه قبل أقل من عام. إلى جانب ذلك، رأى نتنياهو في غالانت المسؤول عن عدم وجود إنذار دقيق بشأن اندلاع الحرب، وهو ما أدى إلى الحدث الذي يهدد استمرار ولايته، فضلاً عن تهديده لموقعه في الذاكرة الوطنية التاريخية.
  • سيقال الكثير أيضاً عن هذه الحلقة من تعكُّر العلاقات، وسيكون هناك وقت للجميع لعرض مواقفهم. لكن بما أن هذا الخلاف تحول إلى خلاف علني، فلا يمكن اعتباره سوى مساس بأمن الدولة في وقت الحرب. لقد شاء التاريخ، وشاء مواطنو إسرائيل وضع هذين الرجلين في مناصب قيادية في واحدة من اللحظات الأكثر حسماً في تاريخ الدولة. ولا يملك هذان الرجلان ترف الخصام فيما بينهما الآن.
  • إن جنود الجيش الإسرائيلي، الذين يقتحمون في هذه الأيام مخيمات قطاع غزة، ويقدمون التضحيات الجسيمة، ويقومون بالقضاء على "إرهابيي" حركة "حماس" هناك، يتوقعون أن تقف خلفهم قيادة سياسية متماسكة، تمارس الوحدة والتعاون. هذا هو السبب المبرر الذي يقف وراء انضمام كلٍّ من بني غانتس وغادي أيزنكوت إلى الحكومة. إن الخصومة بين نتنياهو وغالانت، مهما كانت أسبابها، تُعتبر صفعة مهينة للجنود الذين ترسلهم الدولة للقتال. لا أعرف متى سيتم إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، فعلى ما يبدو، لن يتم عمّا قريب، لكن وقف إطلاق النار بين وزير الأمن ورئيس الحكومة هو ضرورة عاجلة. بل يمكنني القول إن إعلانه واجب فوري في هذه الأيام.