المطلوب انتصار وليس صورة نصر
تاريخ المقال
المصدر
- ينشغل الخبراء في الإعلام والعلاقات العامة في البحث عن صورة انتصار، يمكن بواسطتها أن تنهي إسرائيل الحرب التي شنتها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حرب غزة الأولى، والتي نأمل أن تكون الأخيرة.
- يمكننا أن نفهم هذا الانشغال المهووس بهذه المسألة. ففي العالم ما بعد الحداثي الذي نعيش فيه، الصورة أهم من الجوهر، أي من الواقع في الميدان. من هنا، لا وجود لحقيقة واحدة، بل هناك تعدُّد في الحقائق، أو لمزيد من الدقة، في "السرديات" التي يتضح في الجزء الأكبر منها أنها كاذبة.
- من هنا، الاعتقاد أن صورة نصر مهمة من الإنجازات على الأرض، هي التي تحدد كيفية تذكُّرنا للحرب الدائرة. وما لا يقل أهمية، أنها هي التي تحدد كيف نقدّر نتائجها.
- لكن من الأفضل لنا التركيز على تحقيق الحسم في المعركة حيال "حماس" وحزب الله، وخلق واقع أمني يسمح بتحرير المخطوفين والمفقودين وعودة النازحين إلى منازلهم في "غلاف غزة"، وفي الشمال. عندما يحدث ذلك، كلنا سنعرف أننا انتصرنا، ولن يكون هناك حاجة إلى صور انتصار لإقناعنا بذلك.
- من المهم أن نتذكر أن الانتصار في الحرب لا يعني نهاية الحرب على "الإرهاب". الحرب ضد "حماس" هي حرب ضد تنظيم "إرهابي" يتحرك وسط سكان مدنيين يقدمون له الحماية والتأييد، وليس ضد جيش نظامي وراءه دولة. وكما جرى مع "داعش"، يمكن احتلال المناطق التي تسيطر عليها، وقتل وأسر مقاتليها، وتدمير الكيان السياسي الذي أقامته. لكن بعد هذا كله، سيرفع "الإرهابيون" رأسهم من جديد، ويحاولون القيام بهجمات باسم تنظيم جرى الاعتقاد أنه تم القضاء عليه. هذا ما يجري مع "داعش" في أنحاء سورية والعراق، ويجري في الضفة الغربية، حيث يقوم الجيش بضرب منهجي لـ"حماس"، ويقضي على خلاياها، الواحدة تلو الأُخرى. لكن كل خلية يقضي عليها، تنمو مكانها خلية جديدة.
- تُظهر التقارير والصور من ساحات القتال أن الجيش الإسرائيلي يحرز تقدماً في اتجاه إخضاع "حماس"، حياً تلو الآخر، ومخيماً للاجئين تلو الآخر. ومع ذلك، فإن إعلان احتلال مدينة غزة كلها، وخانيونس أيضاً، وربما اغتيال قادة "حماس"، أمور كلها لن تؤدي إلى نهاية الحرب على "الإرهاب". الصراع ضد "حماس"، كالصراع مع أي تنظيم "إرهابي" آخر، هو صراع طويل ومستمر وحاد. والمنتصر فيه هو مَن لا يتعب، ومَن لا يتنازل. في مثل هذه الحالة، ما هو الإنجاز، أو الانتصار الذي يتعين على إسرائيل أن تطمح إليه وأن تحققه؟
- أولاً - تحطيم "حماس" كقوة مقاتلة منتشرة في مواقع قتالية ولديها معسكرات وقواعد تدريب ومخازن ومعامل لإنتاج السلاح. كما يتعين على الجيش الإسرائيلي إقامة وجود دائم وسيطرة على محاور القطاع وفصل شماله عن وسطه وجنوبه، وما لا يقل أهمية، الوجود والسيطرة على الحدود بين القطاع ومصر التي يجري عبرها، على مر السنوات، تدفُّق السلاح والمساعدة التي سمحت لـ"حماس" بالتحول إلى قوة عسكرية حقيقية.
- ثانياً - تقويض حُكم "حماس" وتدمير مؤسساتها الحكومية، التي بواسطتها تريد إدارة حياة المدنيين في القطاع، بدءاً من المؤسسات الحكومية، مروراً بالمؤسسات الاقتصادية والخدمات في البلديات.
- ثالثاً - سيطرة أمنية على الأرض، تسمح للجيش بالعمل في داخل غزة في كل مرة تدعو الحاجة إلى ذلك، تماماً مثلما يفعل في الضفة الغربية.
- إذا حققنا هذه الأهداف، فنكون حققنا ما نصبو إليه، وهو خلق واقع أمني جديد مريح لإسرائيل على حدودنا الجنوبية. واقع لا يستند إلى الاعتقاد أن العدو مرتدع، كأن هناك طريقة لنعرف حقاً فيمَ يفكر العدو وما هي نياته، بل يعتمد على الجيش الإسرائيلي المنتشر في داخل القطاع وعلى حدوده.
- إن ما يبشر بالانتصار في المعركة عودة المخطوفين والمفقودين واستئناف الاستيطان في "غلاف غزة" والقضاء على قوة "حماس"، على الرغم من أن هذا لا يعني نهاية الصراع ضد "الإرهاب". وعندما يتحقق النصر، سنعرف، وسنشعر به جميعاً، مع صور انتصار، أو من دونها.