يجب على قادة الجيش التوقّف عن الاستهانة بالعدو. إنهم يغذّون الشعور بالرضا عن النفس
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- في وقت وقوع الكارثة الخطِرة هذا الأسبوع، التي سقط فيها 21 من مقاتلي الجيش على مشارف المغازي، على مسافة 600 متر فقط من الجدار، تقدّمت الفرقة 98 في مرحلة إضافية وشديدة الأهمية في قلب مخيم خان يونس للاجئين. هناك أمر ما في هذا التوازي الزمني، من شأنه أن يوضح لنا تعقيد حرب العصابات، وخصوصاً حين تستمر هذه الحرب وقتاً طويلاً قارب الأشهر الأربعة. يحدث هذا في الوقت الذي لا يمكن لأحد أن يشكك في التفاوت في القوة بين الجيش و"حماس"، حسبما ظهر خلال الاحتلال الموقت لمدينة غزة. وجاء دور مخيم خان يونس للاجئين الآن.
- عادة ما يحدث أخطر الحوادث لقواتنا في المناطق التي تُعد هوامش للجهد الحربي الرئيسي: أي في مرحلة "التطهير"، أو مرحلة تفجير البنى التحتية، والمنازل، والأنفاق، أو عندما تكون هناك مدرعة "نمر" محملة بالمواد المتفجرة، أو في المواضع التي يتحول فيها النشاط العسكري إلى واقع روتيني، وفي سمات النشاط الميداني الذي يكرر نفسه. وكلما طالت مدة الحرب في غزة، كلما أصبح تحدي كسر الروتين العملياتي أصعب.
- يعلم كل ضابط بأن الروتين هو العدو الأكبر للمقاتلين والتشكيلات القتالية في أراضي العدو. هذه هي حرب العصابات التي يدرك فيها العدو جيداً أنه غير قادر على مواجهة هول الطواقم القتالية اللوائية، التي لا تتيح له أو لكتائبه أي فرص حقيقية، وخصوصاً عندما يقوم فريق لوائي بالهجوم، أو خوض معركة تقدُّم.
- يُحظر التقليل من شأن العدو، حتى لو كانت اليد العليا هي لقوات الجيش في الأغلبية العظمى من المواجهات العنيفة، ومن المستحسن حقاً عدم توصيف العدو بالجبان، كما سمعت هذا الأسبوع من بضعة ضباط ادّعوا في مقابلات أجرتها معهم وسائل الإعلام، أن "المخربين" يهربون من المواجهة في معظم الحالات، ويرتدون ملابس مدنية، ويتركون سلاحهم، وينسحبون إلى منطقة أُخرى، مستفيدين من انسحاب المدنيين من مناطق القتال، أو أن هؤلاء المقاتلين يتجمعون داخل الأنفاق بعد صعودهم منها للحظة، محاولين إطلاق قذائف الـ R.P.G. لا توجد حاجة حقاً إلى خلق تمجيد مفرط بقدرات "إرهابيي حماس"، وبالمقدار نفسه، ما من حاجة إلى المبالغة في الصورة النقيضة.
- صحيح أن هؤلاء على مستوى المقاتل الفردي، ومستوى التدريب والتسليح، بعيدين جداً عن الوصول إلى مستوى مقاتلي الجيش وقدراتهم، وقد شهد العالم مقاتلين خبراء، ومهنيين، ومدربين أكثر منهم بكثير. لكن من ناحية أُخرى، فإن الضباط، الصغار والكبار، الذين يكررون توصيف مقاتلي العدو بأنهم "فئران جبناء يختبئون في الأنفاق"، يقومون بأيديهم بخلق شعور بالاستهانة بالعدو، والشعور بالرضا عن النفس، ويتسببون بالإضرار بالانضباط العملياتي، وهو أمر شديد الخطورة في ميدان القتال.
- لقد كانت "حماس" تستعد لهذا النوع من القتال بالضبط، على مدار أعوام طويلة. وكل مّن ادعى أن هذا التنظيم "الإرهابي" لم يصدق أن الجيش الإسرائيلي سيردّ على هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر بمناورة وهجوم بري يجتاز طول القطاع وعرضه، عليه أن يوضح سبب وجود التحصينات التحت أرضية، والعقيدة القتالية الدفاعية التي خلقتها "حماس" بواسطة الأنفاق، حتى في مناطق بعيدة نسبياً عن خط الجبهة والحدود مع إسرائيل، كما هي الحال في مخيم خان يونس على سبيل المثال.
- إن أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، والمفاجأة المباغتة التي حطت على رؤوسنا، ومسألة وجود المنظومات الدفاعية التحت أرضية المحصنة، وتطوير آليات قتالية وقدرات إنتاج ذاتي طوّرتها "حماس" على مدار نحو 15 عاماً، تجبرنا على أن نكون متواضعين أكثر بكثير مما نحن عليه الآن، كما تجبرنا على الامتناع من الاستهانة بقدرات العدو. إن عدونا نفسه يقوم باختبار إنجازاته بمسطرة مختلفة تماماً عن تلك التي نقيس بها خسائره في ميادين المعارك في مدينة غزة أو خان يونس.
- تسعى "حماس" لتحقيق إنجازاتها من خلال تكبيد مقاتلي الجيش أثماناً في الأرواح، ومن خلال الإضرار بهم. ومن غير المستبعد أن يكون نشاط مقاتلي الجيش الهادف إلى تدمير المباني بواسطة المواد المتفجرة في المناطق العازلة، القريبة جداً من الحدود مع إسرائيل، بالنسبة إلى "حماس"، فرصة نادرة في التسبب بخسائر عالية جداً في الأرواح. هناك شك فيما إذا كان العدو قدّر أنه من خلال إطلاق قذيفة R.P.G واحدة إلى مبنى زُرعت فيه الألغام، سينجح في التسبب بأذى بهذا الحجم. ومع ذلك، يجب أن يكون الافتراض السائد لدى الجيش أن "حماس" تمكنت من تشخيص نقطة ضُعف، وهي الآن تبحث عن المواضع التي تتكرر فيها النشاطات العملياتية الإسرائيلية بصورة ثابتة، وفي إطار روتين يهدد حالة التأهب العسكري بصورة خطِرة.
- تُعد القدرة على البقاء، من وجهة نظر "حماس"، هي الهدف الأساسي، وهي على هذا الأساس، تسعى لإنهاء الحرب، بعد أن تمكنت من أن تغير إلى الأبد السيرورات التاريخية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. يجب أن يكون هذا هو الناظم لترسيم الهدف الأهم المتمثل في ضرورة مواصلة الجيش الإسرائيلي القتال في غزة، إلى أن يتم حسم المعركة بصورة واضحة مع "حماس"، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق بشأن إطلاق سراح الأسرى، يحمل في طياته وقفاً للقتال يستمر فترة من الزمن.
مرحلة الاستفاقة
- لقد ألقت الكارثة الهائلة في المغازي بظلالها، إلى حد كبير، على التقدم المذهل الذي حققته الفرقة 98 في خان يونس. يستمر القتال المعقد الذي تخوضه الفرقة حول المدينة منذ أكثر من خمسين يوماً ، هذه المدينة التي تُعد واحدة من أخطر معاقل "حماس"، فوق الأرض وتحتها. ومقارنةً بشمال القطاع، لقد بقي هنا في المدينة عدد أكبر بكثير من المدنيين، وعلى الرغم من ذلك، فإن تقدّم ألوية الفرقة لم تُكبح في أي مرحلة. وعموماً، ومقارنةً بتعقيدات القتال في المناطق الآهلة والمكتظة، فإن عدد الضحايا في صفوف قواتنا لا يُعد مرتفعاً.
- وحتى في مدينة خان يونس التحت أرضية، فإن القوات الخاصة التي تعمل في إطار الفرقة تقاتل وتحقق تقدماً يمتد إلى عشرات الكيلومترات داخل الأنفاق. وذلك في تبايُن مع أي اعتقاد سابق ساد في الجيش بشأن قدرة قواتنا على خوض هذا النمط من القتال. لم يُبقِ الواقع أي خيار آخر، حين اتضح منذ اليوم الأول من الحرب أن أغلبية القدرات العسكرية، وقدرات التحكم والقيادة التابعة لـ"حماس"، موجودة تحت الأرض.
- مع ما تقدّم، من المفترض أن نكون واقعيين. إن "حماس" تخوض معركة انسحاب في الأنفاق، وبناءً على محادثات أجريتها مع كبار الضباط في المنظومة الأمنية، يمكن الافتراض أن هناك فرصة معقولة جداً أن قادة "حماس"، وعلى رأسهم يحيى السنوار ومحمد الضيف، اللذان تسعى إسرائيل خلف رأسيهما، لم يعودا موجودَين في المدينة السفلى تحت خان يونس. هذه الاحتمالات تنطبق أيضاً على المختطفين الإسرائيليين الذين تم احتجاز بعضهم في أنفاق كشف عنها الجيش مؤخراً.
- إن مرور أربعة أشهر من الحرب يؤدي إلى الاستيقاظ أيضاً. عندما تزعم إسرائيل أن الضغط العسكري وحده هو ما سيؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن، فإنها تقصد أن هذا هو ما سيؤدي إلى تحسين الشروط الاستهلالية للمفاوضات، التي تلاقي إسرائيل مصاعب في الدفع في اتجاهها، مع العلم بأن فرص إطلاق سراح مختطفين إسرائيليين بصورة كبيرة من خلال حملة عسكرية، هي فرص شديدة الانخفاض في ظل الظروف القائمة. حتى فيما يتعلق بقادة "حماس"، لقد أثبتت الأشهر الأخيرة أن هناك حاجة إلى كثير من الصبر، ولذا، من المفضل عدم إطلاق تصريحات يُستشف منها أن مقاتلي الجيش يقتربون من سحب كلٍّ من الضيف والسنوار من قلب أحد الأنفاق.
- بعد أكثر من خمسين يوماً على القتال في خان يونس، يبدو أن التقدم في مخيم اللاجئين التابع للمدينة يُعد، على ما يبدو، المعركة المهمة الأخيرة ضد القدرة المنظمة للواء خان يونس [التابع لكتائب القسّام]. يقول ضباط الفرقة إن "حماس" استعدت داخل المخيم لمواجهة تجري فوق الأرض أيضاً: هذا يعني عدداً أكبر بكثير من المعارك، واستعراض قدرات السيطرة والتحكم، والقيام بالمراقبات وإطلاق المسيّرات في محاولة لضرب مقاتلي الجيش أيضاً تحت المنطقة المبنية. كل ذلك، في الوقت الذي يوجد داخل المخيم، في هذا القتال المعقد، عشرات آلاف المدنيين الذين تعمل "حماس" متخفّية بينهم.
- يمثل مستشفى ناصر هنا في قلب مخيم اللاجئين، كما كانت عليه الحال في مستشفى الشفاء، مجمعاً كبيراً من المباني التي استقر بينها آلاف النازحين. وبحسب التقديرات العسكرية، فإن "حماس" تملك في داخل هذا المستشفى أيضاً مقراً للتحكم وقاعدة عسكرية رئيسية فوق الأرض وتحتها، إلى جانب بضع مئات من المقاتلين. إن المعضلة التي تواجه الجيش الآن تتمثل فيما إذا كان يتعين عليه التعامل مع مستشفى ناصر بطريقة مماثلة لما فعله في الشفاء. من شأن مثل هذه العملية أن تتطلب من الجيش فترة زمنية تستمر بضعة أسابيع، تحاول "حماس" فيها تكبيد الجيش ثمناً رمزياً لصورة إسرائيل المتآكلة جداً، من ناحية الشرعية.
رفح في الأفق
- ومهما يكن من أمر، لا تفصل إسرائيل سوى بضعة أسابيع عن إنجاز الحلقة الرئيسية من القتال الهادف إلى تفكيك قدرات لواء خان يونس العسكري، وكتائبه الأربع. من ناحية تكتيكية وتشغيلية، يُعد هذا إنجازاً لائقاً حققته الفرقة 98، ينضم إلى إنجازاتها في عمليات السيطرة على مدينة غزة وشمال القطاع وتفكيك لواءي "حماس" هناك. بعد مرحلة القتال الرئيسية في خان يونس، ستبقى مرحلة "التطهير"، وهناك ستبرز الحاجة إلى البت في العمق الذي سيدخل إليه مقاتلو الجيش في متاهة أنفاق خان يونس، الممتدة على مسافة تصل إلى نحو 160 كيلومتراً، على مستويات وأعماق مختلفة تحت الأرض.
- لكن الاقتراب من هزيمة آخر كتائب خان يونس يقرّب إسرائيل من المفترق الذي تتجنب القيادة السياسية الإسرائيلية اتخاذ القرارات بشأنه. إن الفرقة 98 هي الفرقة الأخيرة التي لا تزال تعمل في القطاع كفرقة مناورة بكامل قدراتها. ويمكن الافتراض أن هذه الفرقة ستقوم بتسريح ألوية الاحتياط منها عمّا قريب. وبعد أن خرج لواء كفير من الميدان، بات من المتوقع انسحاب لواء احتياط آخر، هو لواء المظليين الجنوبي، على الرغم من أنه من المتوقع انضمامه الموقت إلى القتال مع الفرقة عمّا قريب. ومن المتوقع أن يقوم الجيش بتقليص عدد قواته على مستوى الألوية المشارِكة في القتال، بحسب الحاجات الميدانية.
- لقد أنهت الفرقة 99 أيضاً دورها في ممر وادي غزة، بحيث صار الإطار اللوائي هو مَن يتولى الآن مهمة السيطرة على الوادي، وعلى المحور اللوجستي الذي يقطع القطاع من شماله إلى جنوبه. في حين أن الجيش يعمل في شمال القطاع عبر غارات لوائية على مناطق تعود "حماس" فيها إلى تنظيم صفوفها، ووجود بنى تحتية لإطلاق الصواريخ، على مدار الأسابيع الماضية. لقد أثبت هذا النشاط نجاعته هذا الأسبوع في ضرب كثيرين من مقاتلي "حماس"، ويمكن القول أنه تم خلال هذا الأسبوع تسجيل انخفاض في منسوب إطلاق الصواريخ من منطقة شمال القطاع في اتجاه إسرائيل.
- مع أن القتال يستمر في القطاع، ومعه أيضاً إنجازات الجيش، لكن حين يدور الحديث في إسرائيل حول مواصلة الضغط العسكري على "حماس" (على الرغم من أن حجم القوات العامل الآن في الميدان أقل بكثير مما كان عليه في بداية الحرب)، فإن المقصود هنا بصورة أساسية، ممارسة الضغط على خان يونس، ومواصلة بتر القطاع إلى قسمين. لكن عندما يقترب الجيش كثيراً من مرحلة يكون فيها عز القتال في خان يونس خلفنا، فسيكون من الصعب جداً التشبث بالادعاء القائل إن مواصلة الضغط العسكري على "حماس" سيؤدي إلى إطلاق سراح المختطفين، وخصوصاً إذا لم يتم الحفاظ على الاستمرار القتالي في الهجوم على رفح، إمّا بعد الانتهاء من خانيونس، أو في التوازي مع المعركة فيها. تُعد هذه خطوة هجومية هائلة إضافية، تكشف إسرائيل أنها ستنفذها، لكن يبدو الآن أن تنفيذ الأمر سيستغرق وقتاً أطول من المتوقع.
- صحيح أن الجيش الإسرائيلي حقق إنجازات تكتيكية، سواء في غزة، أو على الحدود اللبنانية، إلا إن هذه الإنجازات كلها لم تؤدّ بعد إلى خلق تحوّل استراتيجي. ففي الجنوب، بحسب منطق الجيش في العمل النظامي ضد ألوية "حماس"، قامت الألوية الإسرائيلية، فعلاً، بالعمل في أغلبية مناطق القطاع على الأرض (باستثناء دير البلح والنصيرات في قلب القطاع، اللذين عمل الجيش على مداخلهما فقط، إلى جانب رفح)، كما أن هناك أيضاً مسألة محور فيلاديلفي، التي ظلت غير محلولة حتى الآن.
- على المستوى السياسي، تمتنع الحكومة الإسرائيلية والكابينيت من الانشغال بصورة معمقة واتخاذ قرارات بشأن اليوم التالي، على الرغم من أنه كان من الواجب القيام بذلك منذ وقت طويل. في الوقت الذي لا تتخذ الحكومة الإسرائيلية أي قرارات بشأن سياساتها في غزة، فإن الأمر يتسبب بمواجهات وتوترات في مواجهة كلّ من الأميركيين والمصريين، كما أنه يخلق مصاعب أمام الجيش في ترسيم مخططات لاستمرار القتال وإدارة شمال القطاع.
- بعيداً عن الضرورة الملحة فيما يتعلق بالخطر المحيق بالمختطفين، فإن إسرائيل لديها مصلحة حقيقية في التوصل إلى اتفاقية في المرحلة القريبة، في موازاة استكمال النشاط العسكري في مواجهة خان يونس. إذا تم التوصل إلى اتفاقية فعلاً (وهو أمر يبدو، الآن على الأقل، بعيداً)، فعلى إسرائيل أن تستغل فترة وقف إطلاق النار التي سيتم الاتفاق بشأنها من أجل تحديد سياساتها ومحاولة التوصل إلى تفاهمات في مثلث العلاقات القائم مع مصر والولايات المتحدة فيما يتعلق بمحور فيلاديلفي، ومعبر رفح، ومنظومة إدخال البضائع إلى القطاع، ومسألة الجهة التي ستدير القطاع في اليوم الذي يتلو "حماس".
- إن وقفاً لإطلاق النار كهذا، إذا ما تم استغلاله بالصورة الصحيحة، على الرغم من ازدياد التوترات السياسية داخل حكومة الطوارئ، ومجلسَي الكابينيت الموسّع والحربي، من شأنه أن يوفر للجيش الأدوات اللازمة للتخطيط للمعركة المقبلة في رفح، وفقاً لسياسة واضحة للحكومة والتنسيق السياسي المطلوب في مقابل الأميركيين والمصريين.
الحاجة إلى انعطافة
- بعد مرور أربعة أشهر على القتال المنخفض الحدة في مواجهة حزب الله على الحدود الشمالية، باتت إسرائيل تفضل حلاً سياسياً على الغوص في حرب شاملة. حتى لو كان الجيش يكبّد حزب الله أثماناً هائلة في الشمال، فإن هذا لا يغيّر من الواقع غير المحتمل المتمثل في نزوح سكان خط المواجهة من منازلهم، والحزام الأمني الذي فرضه حزب الله داخل أراضي إسرائيل. يدور الحديث في المستويَين السياسي والعسكري حول تكثيف الجيش حدة نشاطاته العسكرية في مواجهة حزب الله، وأن الصبر آخذ في النفاد في هذا الشأن، لكن، حتى لو تدهور الوضع إلى حرب، فإن أهداف هذه الحرب لن تكون مماثلة لأهداف الحرب في غزة.
- معنى الأمر أن الهدف لن يتمثل في تدمير القدرات العسكرية لحزب الله، فالهدف أكثر تواضعاً، ويتمثل في إبعاد الحزب إلى شمالي الليطاني، والإضرار بالقدرات العسكرية للحزب وتكبيده مع الدولة اللبنانية ثمناً باهظاً. وعلاوةً على ذلك، هناك الهدف الأسمى المتمثل في إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان. من الواضح للطرفين أنه إذا اندلعت حرب في الشمال، فإنها ستنتهي في آخر المطاف بتحرك دبلوماسي بوساطة دولية، لذلك، تفضل إسرائيل التوصل إلى النتائج نفسها من دون خوض حرب، ومن المرجّح أن هذا هو الرأي السائد في لبنان أيضاً.
- لكن حزب الله غير مستعد لخوض حوار سياسي ما دام القتال مستمراً في غزة، وهذا يحمل فرص تصعيد آخذة في الازدياد. في هذه الحالة، من شأن وقف إطلاق للنار في الجنوب أن يتيح تقدماً سياسياً على الجبهة الشمالية أيضاً. وفي هذا السياق، يقوم الفرنسيون من خلف الكواليس، وبصورة ناشطة جداً، بمحاولات تحقيق تقدّم سياسي، وذلك من خلال عوائد مختلفة تقدَّم للحكومة اللبنانية ثمناً لذلك. لا تتوقع المستويات العليا في إسرائيل كثيراً من النجاح لهذه الخطوة، وهي تفترض أن فرص وقوع الحرب أعلى بكثير.
- مع ما تقدّم، فإن إسرائيل تفضل بصورة واضحة استنفاد هذا الإمكان، بدلاً من شن حرب واسعة النطاق ضد حزب الله. وفي الوضع الراهن من الحرب، الذي يمكننا وصفه بالجمود وغياب احتمالات وقوع تحول استراتيجي بادٍ للعيان، فإن اتفاقاً إضافياً بشأن إطلاق سراح الرهائن، من شأنه أن يمثل تحولاً استراتيجياً مهماً بالنسبة إلى إسرائيل. ما دام القتال ضد "حماس" سيستمر أيضاً، بعد انتهاء وقف إطلاق النار.