فصول من كتاب دليل اسرائيل
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في ظل استمرار حرب "السيوف الحديدية" [طوفان الأقصى]، جرى استكشاف مواقف وتصورات الجمهور الإسرائيلي تجاه القضية الفلسطينية وأداء الدولة، من خلال جولتين من مجموعات للنقاش أجراهما معهد دراسات الأمن القومي. استندت الاستنتاجات الرئيسية، جزئياً، إلى نتائج استطلاعات للرأي العام أجراها المعهد أيضاً. شمل البحث جولتين من مجموعات النقاش؛ عُقدت الجولة الأولى بعد نحو ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب، بينما عُقدت الجولة الثانية بعد نحو ستة أشهر من الجولة الأولى. وتضمنت كلتا الجولتين ثلاث مجموعات وُزعت بحسب العمر والوضع الأسري: شبان تتراوح أعمارهم ما بين 22 و28 عاماً، ليس لديهم أطفال، وبالغون تتراوح أعمارهم ما بين 30 و35 عاماً، ولديهم أطفال دون سن الثانية عشرة، وبالغون تتراوح أعمارهم ما بين 50 و65 عاماً، ولديهم أطفال تبلغ أعمارهم 16 سنة، أو أكثر. وكان التقسيم بين النساء والرجال في مجموعات النقاش متساوياً، وكانت أماكن إقامة المشاركين تمثل مختلف مناطق البلد. ومن حيث الانتماء السياسي، صوّت نصف المشاركين في الانتخابات الأخيرة لأحزاب اليمين (الليكود، الصهيونية الدينية، وإسرائيل بيتنا)، والنصف الآخر لأحزاب الوسط واليسار (المعسكر الرسمي، وحزب هناك مستقبل، وحزب العمل).
النتائج الرئيسية
1- الوضع في الدولة والشعور الشخصي تجاهه:
تصدُّع في مفهوم الأمني الوطني والشخصي
- أفاد جميع المشاركين في مجموعات النقاش، بمن فيهم أولئك الذين صوتوا لأحزاب اليمين، بأن الرؤية الإنسانية الشاملة التي كانوا يعتنقونها، قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، انهارت. أشار المشاركون إلى أنهم، عشية هجوم "حماس"، كانوا يثقون بقوات الأمن لحماية أمن الدولة وأمنهم الشخصي. ومع ذلك، تسببت أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر بشعور عميق بالخيانة من طرف النظام الأمني والحكومة الإسرائيلية، إذ قالت إحدى المشاركات: "أعيش في خوف، لا أشعر بالأمان، ولا أشعر بأن دولتي تحميني". كلما ابتعدنا عن السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تقلص الشعور بالتهديد الوجودي، لكن بقي الشعور بانعدام الأمان الشخصي والإحساس بأن مواطني الدولة متروكون من دون اهتمام من الحكومة بأمنهم وحاجاتهم الشخصية.
انعدام الثقة بالحكومة والمؤسسات
- أعرب جميع المشاركين، بمن فيهم الذين عرّفوا أنفسهم بأنهم من أنصار اليمين وأنصار حزب الليكود، عن فقدان ثقتهم بالحكومة ورئيس الوزراء بشكل غير مسبوق، وأشاروا إلى أنه نظراً إلى الفشل، يجب على الحكومة أن تستقيل، وتفسح المجال لقيادة جديدة. ومع ذلك، ذكر مؤيدو اليمين أن العقيدة الخاطئة التي قادها قادة النظام الأمني، بدعم من وسائل الإعلام، هي التي أدت إلى هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأن الخضوع للضغط الدولي هو ما حال دون تحقيق الحسم في الحرب.
- وفي المقابل، يتضح أن مستوى الثقة بالجيش الإسرائيلي مرتفع، مقارنةً بالثقة بالحكومة. لقد أظهرت نتائج استطلاع رأي أجراه المعهد في شهر آب/أغسطس أن 70% من الجمهور أبدوا مستوىً مرتفعاً من الثقة بالجيش، و45% أبدوا مستوىً عالياً من الثقة برئيس الأركان هرتسي هليفي. ويبدو أن الجيش لا يزال يتمتع بالتأييد والثقة العامة. وكان لدى الشباب، الذين شاركوا في مجموعات النقاش، شعور بأن "الجيش تعلم الدرس، ولن يسمح بتكرار ما حدث".
2- المستقبل الأمني - السياسي في السياق الإسرائيلي - الفلسطيني
عدم الثقة بالتعايش المشترك مع الفلسطينيين والاتفاقيات معهم
- عبّر المشاركون في مجموعات النقاش عن اعتقادهم أنه لا يمكن الوثوق بالفلسطينيين لتنفيذ الاتفاقيات في المدى الطويل. وظهرت آراء تفيد بأن إسرائيل قامت في الماضي بالعديد من المبادرات تجاه الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية، أو قطاع غزة، في إطار الاتفاقيات التي تم توقيعها - مثل توفير الكهرباء، والمياه، والبنية التحتية - لكن النتيجة كانت "مذبحة" السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وبحسبهم، أظهرت الأحداث أنه لا يمكن العيش بسلام وحُسن جوار مع الفلسطينيين الذين لا يقبلون، بدوافع وطنية ودينية، وجود إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وأن حلّ الدولتين لم يعد موجوداً، وخصوصاً بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
الاعتقاد أن جميع الفلسطينيين يدعمون "حماس"
- كان هذا المفهوم واضحاً بين المشاركين في مجموعات النقاش، فلم يكن هناك تمييز بين "حماس" و"فتح" والسلطة الفلسطينية. وترسّخ خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القائل إن "فتحستان تساوي حماستان"، بشكل قوي في المجتمع. ويرى المشاركون في مجموعات النقاش أن جميع الفلسطينيين (وفي بعض الحالات العرب داخل إسرائيل أيضاً) يدعمون "الإرهاب"، وبالتالي لا مكان لإجراء مفاوضات معهم بشأن تسوية سياسية، وأن إنشاء دولة فلسطينية سيكون بمثابة مكافأة لـ"الإرهاب"، ويمثل تهديداً كبيراً لإسرائيل.
ازدياد دور العامل الديني وتجاوزه الخلافات الإقليمية
- كان التصور السائد بين المشاركين أن أساس النزاع ديني، ولذلك، لن يقبل الفلسطينيون الوجود اليهودي في المناطق التي يعتبرونها جزءاً من أراضيهم. وبالنسبة إليهم، يُعد الصراع بمثابة لعبة صفرية، كما قالوا: "إمّا نحن، وإمّا هم"، ولا مجال للمساومة، بناءً على افتراض أن المسلمين يرغبون في القضاء على اليهود.
توجُّه "اليمين الأمني" والاعتماد على القوة العسكرية كحل للوضع
- أعرب المشاركون عن موقفهم أن على إسرائيل الاعتماد على جيش قوي، هجومي، وفعال، من دون اعتبارات قد تحدّ من قوته وإصراره على تنفيذ مهماته. وهذا الموقف، المدعوم بنتائج استطلاعات الرأي العام، يرفض أيّ تغيير في السيطرة الإسرائيلية وحرية تحرُّك الجيش في الضفة الغربية وقطاع غزة.
الرغبة في الانفصال عن الفلسطينيين
- كان هناك شعور قوي بين المشاركين بضرورة الانفصال عن الفلسطينيين ("نحن هنا، وهم هناك")، وتحديد خط حدود، أو مجال واضح بين السكان. لكن، تُعتبر المستوطنات في الضفة الغربية جزءاً من إسرائيل، إذ أشار عدد من المشاركين إلى أنها تساهم في الأمن، لأنها تتطلب وجود الجيش في المنطقة، وتمثل "خط دفاع أول" لمركز البلد.
الحفاظ على السيطرة الأمنية في قطاع غزة
- أعتقد معظم المشاركين أنه لا ينبغي لإسرائيل أن تحتل قطاع غزة، أو تدير حياة سكانه، وأعربوا عن معارضتهم الاستيطان في المنطقة. لكنهم أكدوا ضرورة حفاظ إسرائيل على السيطرة الأمنية على القطاع لمنع إعادة بناء القوة العسكرية لحركة "حماس" وتطوير تهديدات تجاه إسرائيل. وعلى النقيض، أظهر استطلاع أجراه المعهد في آذار/مارس 2024 أن 24% من الجمهور اليهودي يرون أن هناك ضرورة إلى العودة إلى الاستيطان الدائم في القطاع، وتكرر هذا الرقم (23%) في استطلاع أُجريَ في أيلول/سبتمبر 2024.
استطلاع 10: في ضوء التطورات الأخيرة، ما هي الخطوة التي تعتقد أن على الحكومة اتخاذها بصورة عاجلة؟
تُعتبر إسرائيل معتمدةً كثيراً على سياسات الولايات المتحدة
- أشار المشاركون في مجموعات النقاش إلى أن إسرائيل "تتماشى" مع معظم المتطلبات التي تفرضها عليها الإدارة الأميركية، ورأوا أن ذلك يؤثر في استقلالها وأمنها. وأعرب المشاركون، الذين يُعرفون بأنهم ينتمون إلى اليمين السياسي، عن موقف مفاده أن ما يرونه خضوعاً للضغط الأميركي هو الذي منع إسرائيل من استخدام كامل قوتها لحسم الأمر مع "حماس".
محدودية المعرفة بشأن جذور الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني
- من خلال المحادثات مع المشاركين في مجموعات النقاش، اتضح أن لدى معظمهم، وبصورة خاصة الشباب منهم، معرفة محدودة بجذور الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وتجلّت هذه المحدودية في الفهم الضعيف بشأن مَن هم الفلسطينيون، وما هو الخط الأخضر، وما هي المناطق المتنازع عليها، وما هو "حل الدولتين" والمخاطر المرتبطة بواقع "الدولة الواحدة". وفي ظل غياب رؤية مستقبلية وتفاؤلية، يبدو أن الشباب الإسرائيليين يفضلون الحرب على السلام. وأيضاً أشار الشباب المشاركون إلى أنهم لا يرون أن هناك قيادة سياسية تقدم لهم بديلاً من المفهوم القائل "إننا سنعيش بالسيف إلى الأبد".
مستقبل قطاع غزة
- كان الحل الذي حظيَ بدعم المشاركين في مجموعات النقاش هو إنشاء قوة مهمات دولية، أو عربية، لإعادة تأهيل قطاع غزة واستقراره. وأظهرت نتائج استطلاع معهد دراسات الأمن القومي في أيلول/سبتمبر 2024 أن 25% من الجمهور يدعمون نقل السيطرة على قطاع غزة إلى إدارة دولية.
المجتمع الإسرائيلي
انفصال القيادة عن الواقع وشعور بالفوضى
- أعرب المشاركون في مجموعات النقاش عن شعورهم بأن القيادة السياسية منفصلة عن الواقع القائم، وهو ما يفسّر الاعتقاد أن مؤسسات الدولة لا تؤدي وظائفها. وأظهر استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي في شهر آب/أغسطس 2024 أن 17% فقط كانوا راضين عن أداء الحكومة في تلك الفترة.
القلق من الانقسامات والفجوات في المجتمع الإسرائيلي
- يشعر الجمهور بالقلق إزاء الانقسامات والفجوات في المجتمع الإسرائيلي، ويعتقد أن إسرائيل لا يمكنها مواجهة التحديات التي تواجهها إلا من خلال الوحدة، لكنهم يتوقعون المرونة من الجانب الآخر في المشهد السياسي. وأظهر استطلاع المعهد في آب/أغسطس 2024 أن 41% من الجمهور قلقون جداً على الوضع الاجتماعي في إسرائيل بعد انتهاء الحرب، وأن 48% من الجمهور يشعرون بقلق أكبر تجاه التوترات الاجتماعية - السياسية الداخلية، مقارنةً بالتهديدات الأمنية الخارجية. كذلك، برزت بين المشاركين في مجموعات النقاش الآمال بالوحدة السياسية والاجتماعية داخل إسرائيل كوسيلة لمواجهة الوضع الصعب.
استطلاع 18: هل توافق أم تعارض الجمل التالية بشأن مستقبل الحكومة في إسرائيل؟
الحرب كحلّ وحيد لتهديد حزب الله والتحدي
المتمثل في إعادة النازحين إلى شمال البلد
- هذه كانت الفكرة السائدة التي برزت في كلٍّ من استطلاع آب/أغسطس 2024 ومجموعات النقاش. أظهر الاستطلاع أن 44% من الجمهور يعتقدون أنه يجب على إسرائيل بدء حملة واسعة في لبنان، ولو أدى ذلك إلى حرب إقليمية واسعة.
الرغبة في ظهور قيادة توحد الشعب من جديد
- أشار المشاركون في مجموعات النقاش، مراراً، إلى الفشل القيادي كعامل أساسي عمّق انعدام شعورهم بالأمان، إلى جانب غياب تحمّل المسؤولية عن "كارثة" 7 تشرين الأول/أكتوبر، والافتقار إلى التماسك في إدارة الصراع. هناك حنين إلى قيادة تستطيع توحيد الشعب وإعادة اللُحمة إليه، بعد حرب قاسية وطويلة، وتضع مصلحة الدولة أولاً، وتكون قادرة على تقديم حلول للأزمات، بما في ذلك خطة سياسية.
الخلاصة
- عبّر جميع المشاركين في مجموعات النقاش عن مشاعر إحباط، واكتئاب، وفقدان ثقة بقدرتهم على التأثير في عمليات إعادة البناء الضرورية في إسرائيل. وكان هناك فقدان للثقة بإمكان تحقيق تسوية مع الفلسطينيين، إذ يُنظر إليهم جميعاً على أنهم من "حماس". ومن منظور إسرائيل كدولة، فهي لا تواجه خطراً وجودياً، لكن الشعور الشخصي هو شعور بانعدام الأمان العميق، وبصورة خاصة بسبب شعور المواطنين بأنهم ما زالوا مُهمَلين، بالإضافة إلى التوترات الاجتماعية الداخلية. وعلاوةً على ذلك، في حين تأثرت مستويات الثقة بالدولة ومؤسساتها سلباً بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، فإن العنصر الوحيد الذي أظهر المشاركون ثقة به هو الشعب نفسه، وهو ما تجلى بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر في التعبئة الواسعة والمذهلة لعناصر المجتمع المدني الذين سدوا الفجوة التي تركتها الحكومة في مجالات الدعم للمتضررين والجنود الذين تم تجنيدهم في المراحل الأولى من الحرب.