الشعب الإسرائيلي في خضم عملية تؤدي إلى إبادة جماعية وفي خضم عملية تهيئة للأجواء
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- إسرائيل لم ترتكب في غزة إبادة جماعية، والنائب العام في لاهاي والأساتذة المعروفون؛ كعومر بارطوف [مؤرخ إسرائيلي - أميركي مختص بتاريخ المحرقة] وغيره من الذين يتحدثون عن إبادة جماعية هم على خطأ. ليست لدى الحكومة سياسة إبادة جماعية، ولا يوجد قرار عند القادة لتنفيذ إبادة جماعية، ولا توجد نية متعمدة لإبادة الفلسطينيين، ولا توجد أوامر من الحكومة موجهة إلى الجيش والقادة والرتب العملانية لقتل "الفلسطينيين". صحيح أن عدداً كبيراً منهم قُتل، لكن لا توجد سياسة ولا توجد إبادة جماعية.
- لكن الإبادة الجماعية آتية على الطريق، والشعب الإسرائيلي في طريقه إلى هناك، وهو في خضم عملية تؤدي إلى إبادة جماعية، وفي خضم تهيئة للأجواء. بالنسبة إلى عملية تهيئة الأجواء، فإن جزءاً من الجمهور مر بها (على الرغم من أنني لا أفهم ذلك)، وهذا الجزء هو الذي يذكر "العماليق" [التسمية القديمة للعرب]، ويتحدث بصوت عالٍ أو في الخفاء عن التهجير والنفي والترحيل (ربما يجب أن نذكر أن النازيين في البداية وخلال الفترة 1939 - 1940 تحدثوا عن نفي يهود أوروبا إلى مدغشقر أو إلى أي مكان آخر قبل أن يفكروا في الإبادة الجماعية).
- كثيرون في حزب الصهيونية الدينية ووسط الحردليم [أي الحريديم القوميون] يعلنون على رؤوس الأرناح ما هو المطلوب، ويتحدثون عن تدمير نابلس، وجنين، وتدمير القرى. مؤخراً، وفي تشييع المرأتين اللتين قُتلتا في كدوميم، دعا الخطباء إلى تدمير القرى والمدن الفلسطينية، وَهُم لا يعتبرون الفلسطينيين بشراً، ولا شك عندي في أنه عندما يعود كل الأسرى في الجولات المقبلة، الأحياء منهم والأموات، ويتضح للجمهور وضعهم الجسدي والنفسي، ستتسارع عملية تهيئة الأجواء.
- إن عملية نزع الصفة الإنسانية التي يجب أن تتجذر في القلوب قبل الإبادة الجماعية أصبحت موجودة، ففي إحدى المرات، تحدّث وزير عن "صراصير في زجاجة"، فتعرض للتوبيخ، أمّا اليوم، فلا يوجد توبيخ. وتظهر لامبالاة الجمهور اليهودي إزاء عملية القتل الجماعي في غزة، بما في ذلك قتل النساء والأطفال، كما تظهر لامبالاته إزاء تجويع الفلسطينيين في الضفة الغربية عبر منْع العمل في البلد، الذي يتسبب بفقر وجوع، وعبر الإساءة إليهم ومقتل العشرات منهم سنوياً على يد المستوطنين.
- وتظهر عملية نزع الصفة الإنسانية يومياً عبر شهادات الجنود بشأن قتل المدنيين في القطاع، ووحشية الجنود وحراس السجون عند نقل المعتقَلين نصف عراة، قسم منهم من عناصر "حماس"، وجزء آخر من المدنيين، إلى معسكرات الاعتقال، كما تظهر في عمليات الضرب الروتيني والتعذيب في المعتقلات وفي السجون، بينما الجمهور الإسرائيلي يقف غير مبالٍ إزاء هذا كله. كما يظهر حراس البوابة الذين يواجهون أعمال الظلم والفساد من كل اتجاه ببساطة عاجزين عن مواجهة هذا الطوفان من الوحشية. كل هذا يشكّل بوادر نزع الإنسانية التي تسبق الإبادة الجماعية وتشجع عليها.
- ومما لا شك فيه أن العملية التي تمر بها إسرائيل، أو على الأقل جزء منها، ناجمة عن عملية مقابلة من نزع الصفة الإنسانية من اليهود وسط جيراننا الفلسطينيين.
[......]
- لكن ليس مصدر كل هذه الكراهية الأيديولوجيا فقط، فهناك أيضاً التاريخ والأفعال، ومن السهل اختصار عملية تمهيد الأجواء للإبادة الجماعية عند العرب، فالركيزة الأساسية هي تهجير معظم الفلسطينيين من منازلهم في حرب 1948 (حرب هم بدأوها). ومنذ سنة 1967، أي منذ 50 عاماً، فإن اليهود هم الذين يسيطرون على سكان الضفة الغربية، ويقمعونهم، ويضطهدونهم، وأحياناً بوحشية، ويقومون بإهانتهم.
- خلال عقود، تجاوز عدد المعتقَلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية 100,000 معتقل. كما جرى اضطهاد سكان غزة واعتقالهم على يد اليهود. وطوال عشرات الأعوام، كانوا محاصَرين لا يخرجون ولا يعودون، ومن وقت إلى آخر تمطر عليهم النيران من السماء والأرض رداً على صاروخ أُطلق في اتجاه جنوب إسرائيل. ومما لا شك فيه، أن القتل الجماعي والتهجير للفلسطينيين من منازلهم على يد إسرائيل خلال الـ 16 شهراً الأخيرة سيعمق من عملية تمهيد الأجواء للإبادة الجماعية ضد اليهود.
- وعملية تمهيد الأجواء لدى اليهود مشابهة ومختلفة أيضاً؛ فلدى قسم من اليهود، تمر العملية عبر الكتب المقدسة؛ إذ يتحدث التوراة عن احتلال البلد واستيطانه خلال فترة يهوشواع والقضاة الذين رافقو أعمال التهجير والذبح، وأعطوا الأوامر بذبح "العماليق". ووسط كل اليهود، شملت عملية إعداد الأجواء كل جولات المذابح التي ارتكبها الأغراب خلال 2000 عام الأخيرة، وبصورة أساسية على يد المسيحيين، وأيضاً على يد المسلمين، وكانت ذروتها المحرقة. يجب أن نضيف إلى ذلك "الإرهاب" العربي ضد اليهود في أرض إسرائيل (الخليل وصفد، ومعالوت وغيرها).
- كما شكّل 7 تشرين الأول/أكتوبر الذروة في عملية إعداد الأجواء للإبادة الجماعية لليهود والإبادة على ما يبدو الآتية. وإن عدم المساواة في معدل الولادات عند اليهود، والذي ينحو إلى مصلحة العرب يقرّب من نشوب الإبادة الجماعية. ويمكننا الاعتماد على العرب في تقديم الذريعة والشرارة.
- هذا لن يكون شبيهاً بـ 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ إذ لن يحدث غزو كبير لغلاف غزة، فقد تعلّم الجيش الإسرائيلي والشاباك الدرس. لكن الشرارة يمكن أن تكون غارة أو غارات على المستوطنات مع عدد كبير من القتلى، أو إسقاط طائرة إسرائيلية مملوءة باليهود، أو إغراق سفينة لدى مغادرتها مرفأ حيفا، أو تسميم ينابيع المياه أو إطلاق غاز سام في الجو. ستحدث مأساة بعدها ستحدث الإبادة الجماعية، إذ سيجري محو المدن من الجو من دون أي تمييز بين المدنيين والمسلحين، أو عبر معسكرات إبادة. ربما سيكون هذا مزيجاً من تهجير (تطهير عرقي) وعمليات قتل جماعية، كما فعل الأتراك ضد الطوائف المسيحية في آسيا الوسطى خلال الفترة 1894 - 1924.
- وإذا لم تُحل المشكلة الفلسطينية التي أعادها هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى وعي العالم ووعينا، ولم يتم التوصل إلى حل الدولتين، الذي وحده يساعد (على الرغم من أنه يبدو اليوم وهمياً خالصاً)، فإن الإبادة الجماعية آتية، والطرف القوي طبعاً هو الذي سينفذها.